بسم الله الرحمن الرحيم
ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في شأن يوم عرفة {إذا كان يوم عرفة نزل الله إلى السماء الدنيا ونظر إلى خلقه فغفر لهم جميعاً فقالوا: يا رسول الله أهذا لنا خاصة فقال صلى الله عليه وسلم : بل هذا لكم وللناس من بعدي}[1]
فمن وقف على عرفات غفر الله له الذنوب والزلات واستجاب له الدعوات وأحاطه بالرحمات ومن صام هذا اليوم وهو هنا غفر الله له ذنوب سنتين سنة ماضية وسنة آتية أما من أكرمه الله فذبح أضحية فإن الله يجعله كالواقف على عرفات في المغفرة والستر
فإن الله يغفر له كل ذنب فعله عند أول قطرة تنزل من دمها فهو يوم المغفرة لنا وللمسلمين أجمعين نحمد الله على عطاياه ونشكره على نعمه وجدواه ونسأله المزيد من جوده وكرمه ونفحات رياه حتى يتوفانا مسلمين ويلحقنا بالصالحين
إن هذا اليوم الكريم جعله الله عبرة لكل مسلم وقدوة لكل مؤمن ونبراساًَ لكل محسن فإن بعض المؤمنين ينتابهم الشك إذا تواردت عليهم بعض كوارث الزمن أو بعض نكبات الدنيا وربما يتقزز من ذلك وربما يعلن السخط والتمرد على ذلك فيرفع شكواه وربما وهذا هو الأشر يشكو إلى الملأ مولاه عز وجل فيقول: لم يصنع الله بي كذا وأنا مسلم أصلي وأصوم لله؟ ولم يبتليني الله بكذا وأنا موحد ومؤمن بالله؟
ألا يعلم أن ذلك كله سنة الله على أنبيائه ورسله يبتليهم ليرفع درجاتهم وليعلي شأنهم عنده سبحانه فكلنا أعلنا الإسلام وكلنا أعلنا الإيمان ولابد لذلك من دليل وبرهان يراه ويطلع عليه الرحمن ومن هنا جاءت حكمة الابتلاء
فلو كان الابتلاء سخطاً وغضباً من الله كما تصور بعض المسلمين لما ابتلى الله رسله وأنبيائه أجمعين لكنه كما قال في شأنه سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم {عن مُصْعَبِ بنِ سعد عن أبيه قالَ : يا رسولَ اللَّهِ مَنْ أشدُّ الناسِ بَلاءً؟ قالَ: الأنبياءُ ثم الأَمْثَلُ فالأمثلُ} [2]
ومن هنا كانت قصة الابتلاء لإبراهيم عليه السلام لزيادة الإيمان وقوة الإسلام لعباد الرحمن فانظروا معي إلى خليل الله عندما كان وحيداً في بلاد العراق وليس هناك مؤمن معه إلا ابن أخيه لوط وأخته سارة عليهم سلام الله أجمعين والكل جاحد ومشرك بأنعم الله ويعبدون الأصنام وفي ليلة العيد يتوجهون إليها بالعبادة فأخذ فأسه وكسرها جميعاً ثم وضع الفأس على كبيرها
فلما ذهبوا في صبيحة العيد إلى الأصنام وجدوها كلها منكسة على رؤوسها وقد تهدمت أجزاؤها فقالوا: من فعل هذا بآلهتنا؟ لا يوجد إلا إبراهيم وجاءوا به وسألوه ولكن الله جعل له من عنده مخرجاً فقصة إبراهيم تتلخص في قول مولانا العظيم {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً{2} وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} (2- 3الطلاق)
من يتق الله لو ضاقت به الحياة أو أحاط به جميع خلق الله يكيدون له كيداً فإن الله ينجيه بفضله من بينهم ويكشف عنه كل ضرر ينجيه من كل ضيق لأن الله تولى بعنايته ورحمته كل من يتقيه من خلقه وبريته
فجمعوا قومهم أجمعين وعلى رأسهم النمروذ ملكهم وقال له زعمائهم جميعاً: من فعل هذا بآلهتنا؟ أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟ فرد عليهم وقال: بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون ويقصد بقوله إصبعه الأكبر الذي أشار به إلى الأصنام وظنوا أنه يقصد الصنم الأكبر فلم يكذب عليه السلام وإنما استخدم المعاريض التي يقول فيها صلى الله عليه وسلم {إِنَّ فِي الْمَعَارِيضِ لَمَنْدُوحَةً}[3]
يعني مخرج من كل ضيق ينجي به الله أسلافنا على خلق ودين فقال لهم إنما فعله كبيرهم وهو يشير بيده إلى الأصنام ويقصد أصبعه الكبير فلا يكذب في قوله وهم قد فهموا أنه يعنى كبير الأصنام الذي علق الفأس على كتفه وهم طبعا يعلمون أن الأصنام لا تحرك ساكناً فعلما أن إبراهيم قد فعلها
فما كان منهم إلا أن جمعوا الحطب وأخذوا في جمعه مدة ستة أشهر وبعد تلك المدة أضرموا فيه النار لإلقائه فيها بشدة وهجها وقد كانت تحرق كل من يقرب منها لشدة لهيبها وسعيرها فنزل إبليس اللعين ودلهم على صنع المنجانيق وهو صورة مصغرة من المدفع بلغة عصرنا فجعلوا خشبتين على أعلى جبل وبينهما خشبة متحركة وأجلسوه عليها بعد أن قيدوه بالحبال ثم حركوه عدة مرات وفي النهاية قذفوا به في هذه النار ماذا كان المخرج؟
عندما كان في أعلى السماء وسينزل لا محالة في النار ضجت الأرض والسماوات وملائكة الأرض وملائكة السماوات وقالوا: إلهنا وسيدنا خليلك يحرق بالنار وليس في الأرض من يعبدك سواه فقال الله : هو خليلي وأنا أعلم به هل استغاث بكم؟ أو طلب النجدة منكم؟ إن كان قد استغاث بكم فأغيثوه أو طلب النجدة منكم فأنقذوه
فلما اشتد طلبهم واستغاثتهم لله أمر جبريل عليه السلام أن ينزل عليه فنزل عليه وهو محلق في السماء وقال له: ألك حاجة؟ فقال عليه السلام أما إليك فلا. قال: فالله ؟ قال: علمه بحالي يغني عن سؤالي فنزل في النار ففوجئ الملائكة الأطهار بأن الله يقول لها {يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} الأنبياء69
فلم تحرق النار منه إلا حباله التي أوثقوه وقيدوه بها ثم وجدوا بجواره عين ماء نبعت من جوف النار يشرب منها ويتوضأ منها وشجرة بجواره يستظل بها ويأكل من ثمارها وجلس يعبد الله في خلوة مع هؤلاء لمدة شهرين كاملين هما المدة التي لبثتا النار مشتعلة حتى أطفئت بأمر الواحد القهار وهذا أول دليل جعله الله لكل مؤمن وثق في الله وتوكل على مولاه ولم يفوض أمره إلا إلى الله
[1] رواه مسلم والنسائي وابن ماجة عن السيدة عائشة رضي الله عنها
[2] الحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه والبيهقي في سننه عن سعد وفاطمة وأبي سعيد
[3] رواه البيهقي في سننه والنسائي في سننه والطبراني وابن السني عن عمران بن حصين وصححه الألباني في الأدب المفرد
الخطب الإلهامية_ج6_الحج وعيد الأضحى
منقول من كتاب [الخطب الإلهامية_ج6_الحج وعيد الأضحى]
اضغط هنا لتحميل الكتاب مجاناً
ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في شأن يوم عرفة {إذا كان يوم عرفة نزل الله إلى السماء الدنيا ونظر إلى خلقه فغفر لهم جميعاً فقالوا: يا رسول الله أهذا لنا خاصة فقال صلى الله عليه وسلم : بل هذا لكم وللناس من بعدي}[1]
فمن وقف على عرفات غفر الله له الذنوب والزلات واستجاب له الدعوات وأحاطه بالرحمات ومن صام هذا اليوم وهو هنا غفر الله له ذنوب سنتين سنة ماضية وسنة آتية أما من أكرمه الله فذبح أضحية فإن الله يجعله كالواقف على عرفات في المغفرة والستر
فإن الله يغفر له كل ذنب فعله عند أول قطرة تنزل من دمها فهو يوم المغفرة لنا وللمسلمين أجمعين نحمد الله على عطاياه ونشكره على نعمه وجدواه ونسأله المزيد من جوده وكرمه ونفحات رياه حتى يتوفانا مسلمين ويلحقنا بالصالحين
إن هذا اليوم الكريم جعله الله عبرة لكل مسلم وقدوة لكل مؤمن ونبراساًَ لكل محسن فإن بعض المؤمنين ينتابهم الشك إذا تواردت عليهم بعض كوارث الزمن أو بعض نكبات الدنيا وربما يتقزز من ذلك وربما يعلن السخط والتمرد على ذلك فيرفع شكواه وربما وهذا هو الأشر يشكو إلى الملأ مولاه عز وجل فيقول: لم يصنع الله بي كذا وأنا مسلم أصلي وأصوم لله؟ ولم يبتليني الله بكذا وأنا موحد ومؤمن بالله؟
ألا يعلم أن ذلك كله سنة الله على أنبيائه ورسله يبتليهم ليرفع درجاتهم وليعلي شأنهم عنده سبحانه فكلنا أعلنا الإسلام وكلنا أعلنا الإيمان ولابد لذلك من دليل وبرهان يراه ويطلع عليه الرحمن ومن هنا جاءت حكمة الابتلاء
فلو كان الابتلاء سخطاً وغضباً من الله كما تصور بعض المسلمين لما ابتلى الله رسله وأنبيائه أجمعين لكنه كما قال في شأنه سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم {عن مُصْعَبِ بنِ سعد عن أبيه قالَ : يا رسولَ اللَّهِ مَنْ أشدُّ الناسِ بَلاءً؟ قالَ: الأنبياءُ ثم الأَمْثَلُ فالأمثلُ} [2]
ومن هنا كانت قصة الابتلاء لإبراهيم عليه السلام لزيادة الإيمان وقوة الإسلام لعباد الرحمن فانظروا معي إلى خليل الله عندما كان وحيداً في بلاد العراق وليس هناك مؤمن معه إلا ابن أخيه لوط وأخته سارة عليهم سلام الله أجمعين والكل جاحد ومشرك بأنعم الله ويعبدون الأصنام وفي ليلة العيد يتوجهون إليها بالعبادة فأخذ فأسه وكسرها جميعاً ثم وضع الفأس على كبيرها
فلما ذهبوا في صبيحة العيد إلى الأصنام وجدوها كلها منكسة على رؤوسها وقد تهدمت أجزاؤها فقالوا: من فعل هذا بآلهتنا؟ لا يوجد إلا إبراهيم وجاءوا به وسألوه ولكن الله جعل له من عنده مخرجاً فقصة إبراهيم تتلخص في قول مولانا العظيم {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً{2} وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} (2- 3الطلاق)
من يتق الله لو ضاقت به الحياة أو أحاط به جميع خلق الله يكيدون له كيداً فإن الله ينجيه بفضله من بينهم ويكشف عنه كل ضرر ينجيه من كل ضيق لأن الله تولى بعنايته ورحمته كل من يتقيه من خلقه وبريته
فجمعوا قومهم أجمعين وعلى رأسهم النمروذ ملكهم وقال له زعمائهم جميعاً: من فعل هذا بآلهتنا؟ أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟ فرد عليهم وقال: بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون ويقصد بقوله إصبعه الأكبر الذي أشار به إلى الأصنام وظنوا أنه يقصد الصنم الأكبر فلم يكذب عليه السلام وإنما استخدم المعاريض التي يقول فيها صلى الله عليه وسلم {إِنَّ فِي الْمَعَارِيضِ لَمَنْدُوحَةً}[3]
يعني مخرج من كل ضيق ينجي به الله أسلافنا على خلق ودين فقال لهم إنما فعله كبيرهم وهو يشير بيده إلى الأصنام ويقصد أصبعه الكبير فلا يكذب في قوله وهم قد فهموا أنه يعنى كبير الأصنام الذي علق الفأس على كتفه وهم طبعا يعلمون أن الأصنام لا تحرك ساكناً فعلما أن إبراهيم قد فعلها
فما كان منهم إلا أن جمعوا الحطب وأخذوا في جمعه مدة ستة أشهر وبعد تلك المدة أضرموا فيه النار لإلقائه فيها بشدة وهجها وقد كانت تحرق كل من يقرب منها لشدة لهيبها وسعيرها فنزل إبليس اللعين ودلهم على صنع المنجانيق وهو صورة مصغرة من المدفع بلغة عصرنا فجعلوا خشبتين على أعلى جبل وبينهما خشبة متحركة وأجلسوه عليها بعد أن قيدوه بالحبال ثم حركوه عدة مرات وفي النهاية قذفوا به في هذه النار ماذا كان المخرج؟
عندما كان في أعلى السماء وسينزل لا محالة في النار ضجت الأرض والسماوات وملائكة الأرض وملائكة السماوات وقالوا: إلهنا وسيدنا خليلك يحرق بالنار وليس في الأرض من يعبدك سواه فقال الله : هو خليلي وأنا أعلم به هل استغاث بكم؟ أو طلب النجدة منكم؟ إن كان قد استغاث بكم فأغيثوه أو طلب النجدة منكم فأنقذوه
فلما اشتد طلبهم واستغاثتهم لله أمر جبريل عليه السلام أن ينزل عليه فنزل عليه وهو محلق في السماء وقال له: ألك حاجة؟ فقال عليه السلام أما إليك فلا. قال: فالله ؟ قال: علمه بحالي يغني عن سؤالي فنزل في النار ففوجئ الملائكة الأطهار بأن الله يقول لها {يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} الأنبياء69
فلم تحرق النار منه إلا حباله التي أوثقوه وقيدوه بها ثم وجدوا بجواره عين ماء نبعت من جوف النار يشرب منها ويتوضأ منها وشجرة بجواره يستظل بها ويأكل من ثمارها وجلس يعبد الله في خلوة مع هؤلاء لمدة شهرين كاملين هما المدة التي لبثتا النار مشتعلة حتى أطفئت بأمر الواحد القهار وهذا أول دليل جعله الله لكل مؤمن وثق في الله وتوكل على مولاه ولم يفوض أمره إلا إلى الله
[1] رواه مسلم والنسائي وابن ماجة عن السيدة عائشة رضي الله عنها
[2] الحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه والبيهقي في سننه عن سعد وفاطمة وأبي سعيد
[3] رواه البيهقي في سننه والنسائي في سننه والطبراني وابن السني عن عمران بن حصين وصححه الألباني في الأدب المفرد
الخطب الإلهامية_ج6_الحج وعيد الأضحى
منقول من كتاب [الخطب الإلهامية_ج6_الحج وعيد الأضحى]
اضغط هنا لتحميل الكتاب مجاناً
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق