Disqus for ومضات إيمانية

الجمعة، 24 أغسطس 2018

هل آزر هو والد سيدنا إبراهيم أم عمه؟


مما يدل دلالة قطعية على ان آزر عم سيدنا إبراهيم عليه السلام وليس والده أن الله تعالىقال (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعدما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم * وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه)
وهذه الآية تدل على أن سيدنا إبراهيم عليه السلام قد استغفر لأبيه ( أي عمه ، والعم يسمى أبا في اللغة ) حتى تبين له انه عدو لله فتبرأ منه وترك الدعاء له ،وقد جاء في تفسير الطبري ما يدل على ذلك ، ومن جملة القائلين به حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنه . ومن غير المعقول أن يتبرأ منه ثم يعود للإستغفار له في آخر حياته بعد أن علم بموته على الكفر.
وهذا نص ما جاء في تفسير الطبري
:

17344-
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن حبيب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: ما زال إبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات = فلما مات تبين له أنه عدو لله.
17345-
حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان، عن حبيب بنأبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لم يزل إبراهيم يستغفرلأبيه حتى مات ، فلما مات لم يستغفر له.
17346-
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عنابن عباس: "وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه"، يعني: استغفر له ما كان حيا، فلما مات أمسك عن الاستغفار له.
17347-
حدثني مطر بن محمد الضبي قال، حدثنا أبو عاصم وأبو قتيبة مسلم بن قتيبة، قالا حدثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، في قوله: "فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه"، قال: لما مات.
17348-
حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، مثله.
17349-
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "فلما تبين له أنه عدو لله"، قال: موته وهو كافر.
17350-
حدثنا ابن وكيع قال، حدثني أبي، عن شعبة. عن الحكم، عن مجاهد، مثله.
17351- ......
قال، حدثنا ابن أبي غنية، عن أبيه، عن الحكم: "فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه"، قال: حين مات ولم يؤمن.
17352-
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن عمرو بن دينار: "فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه"، : موته وهو كافر.
17353- .....
قال، حدثنا عمرو بن عون قال، حدثنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: "فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه"، قال: لما مات.
17354-
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه"، لما مات على شركه = "تبرأ منه".
17355-
حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: "وما كان استغفار إبراهيم لأبيه"،كان إبراهيم صلوات الله عليه يرجو أن يؤمن أبوه ما دام حيا، فلما مات على شركه تبرأ منه.
17356-
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: "فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه"، قال: موته وهو كافر.
17357-
حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال:
ما زال إبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات، فلما مات تبين له أنه عدو لله، فلم يستغفر له.
17358- ......
قال، حدثنا أبو أحمد قال، أبو إسرائيل، عن علي بن بذيمة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: "فلما تبين له أنه عدو لله"، قال: فلما مات.
* * *
وقال آخرون: معناه : فلما تبين له في الآخرة ...

وذكر الإمام الطبري رحمه الله من قال بهذا القول الثاني ولا حاجة للإطالة بنقله ، ثم رجح بين القولين قائلا :

قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول الله، وهو خبره عن إبراهيم أنه لما تبين له أن أباه لله عدو، يبرأ منه، وذلك حال علمه ويقينه أنه لله عدو، وهو به مشرك، وهو حال موته على شركه.
إنتهى ما في تفسير الطبري

وهذا الذي ذكره الإمام الطبري وجيه لأن القول الثاني فيه علم متعلق بالآخرة وهي في المستقبل ، بينما تخبرنا الآية الكريمة أن علم سيدنا إبراهيم بكفر أبيه (أي عمه) قد تحقق وحصل بالفعل.

هذا من جهة ....

ومن جهة اخرى نعلم ان سيدنا إبراهيم عليه السلام قد استغفر لوالديه في آخر أيامه بعد أن أصبح شيخا ورزق بولدين هما إسماعيل وإسحاق عليهما السلام ،وذلك بعد موت عمه الكافر بكثير ، قال تعالى (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءرَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِي نَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ )
وقد علمنا مما سبق أنه عليه السلام قد ترك الدعاء لأبيه ( أي عمه ) بعد أن مات على الكفر ، وقد مات قبل أن يبلغ إبراهيم عليه السلام سن الشيخوخة بكثير ، فكيف يعود للإستغفارله مرة أخرى ؟ هذا غير معقول.
ولذلك فمن الخطإ الواضح أن نجعل هذا الإستغفار في آخر أيامه عليه السلام من أجل تلك الموعدة التي وعدها إياه.

وبذلك يتبين أن آزر ليس والد إبراهيم عليه السلام بل عمه قطعا.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

نزل القرآن بكلام العرب وأساليبهم. 
ومن أساليب العرب أنهم يسمون العم بالأب،
وخاصة العم المربي والمهتم بشأن أبناء أخيه، 
ولكنهم يميزون بينه وبين الوالد بذكر اسمه،
فإذا قال لك أبي عثمان؛ فأعلم أنه يقصد عمه عثمان، 
وإذا قال أبي بلا تسمية وغير موجود؛ فأعلم أنه يقصد والده، 
ولذلك لما سمى الله تعالى أبا إبراهيم "آزر" على استعمال العرب، 
أراد البيان بأن آزر عمه وليس والده. 
: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ {74} الأنعام.
وقد سمى الله تعالى العم بالأب في آية أخرى؛ 
: { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَـهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ {133} البقرة. 
فإسحاق هو الأب، وإبراهيم الجد هو أب أعلى، وإسماعيل هو العم؛ وكلهم آباء ليعقوب عليهم الصلاة والسلام.

لا يصح أن يكون آزر والدًا لإبراهيم للأسباب التالية؛

أولاً : أنه لما سمى أبا إبراهيم "آزر" دل على أنه عمه جريًا على لغة العرب في تمييز الأب العم عن الوالد، ولها شاهد من القرآن
ثانيًا : أن الله تعالى لما قال؛ 
: { إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ {33} البقرة؛ 
قال : {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {34} البقرة. 
أن الاصطفاء كان لآبائهم أيضًا؛ لأن بعض الشيء من جنس بقيته، فكل الآباء بين كل نبي من الأنبياء المذكورين من المصطفين أيضًا. 
ومع ذكر آزر تبين أنه كان كافرًا يعبد الأصنام، والله تعالى لا يصطفي أحدًا من الكفار. 
ثالثًا : أن العلاقة بين آزر وإبراهيم عليه السلام علاقة عداوة، وليست العلاقة بين الوالد وولده تكون هكذا، فالله تعالى أمر بالإحسان إلى الوالد، ومصاحبة بالمعروف ولو كان كافرًا، فكيف إذا وصل الأمر إلى بالتبرؤ منه!.
رابعًا : أن اسم إبراهيم من البرهمة وهي البرعمة؛ لكن البرهمة تخرج من شجرة ميتة، والبرعمة من شجرة حية، وكان الظن أنه لما مات والد إبراهيم عليه السلام؛ قال الناس بأن شجرته قد مات، وإذا بها تحيا بعد زمن بهذا الابن، فكان اسمه إبراهيم تسمية على مسمى، 
خامسًا : من كان في هذا الحال الذي أصبح عليه إبراهيم من اليتم فيحتاج إلى مؤازرة من أقرب الناس إليه، وهو عمه، لأنه وحيد والديه وليس له أخ أكبر يرعاه، فجاءت تسمية آزر بما يناسب مهمته في رعاية إبراهيم حتى استوى على سوقه، 
وكان إبراهيم حريصًا على رد المعروف لعمه بالإلحاح عليه بترك الكفر وعبادة الأصنام، وعبادة اللهَ وحده. 
فلا يصح مع تسمية إبراهيم بإبراهيم أن يكون له والد حي بين الناس.يرزق وهو المولود يتيمًا من شجرة ميتة.
سادسًا : ورد في الأثر عن أهل الكتاب أن والد إبراهيم عليه السلام اسمه "تارح"، ولا يهمنا التسمية بقدر ما يهما أنه لم يسلم السابقون بأن آزر هو والد إبراهيم عليه السلام. 
وإذا صحت التسمية بتارح وأقول إذا صحت النسمية؛ فإن اسم تارح يدل من حروف التسمية أنه الذي مات ولن يترك ولدًا خلفه، أي أن إبراهيم ولد يتيمًا، ولم يعرف حمل امه به إلا بعد وفات والده. 
سابعًا : أن آزر مات كافرًا، وهلك مع الكفار من قومه، وقد تبرأ منه إبراهيم عليه السلام في حياته؛ 
: { وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ {114} التوبة. 
فكيف يعود ويستغفر له آخر عمره، وإنما كان استغفاره لوالديه معًا، ولا يربط الأب بالأم إلا إذا كانا والدين له؛ 
: { رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ {41} إبراهيم. 
ثامنًا : ومن حكمة اللهَ تعالى أن معظم الأنبياء يولدون يتامى أو بلا آباء؛ إلا إذا كان الأب نبيًا كذلك، لئلا يقع من النبي عقوقًا لوالده، والله تعالى قضى بالإحسان إليهما. 
الأب الوالد هو الأب الأدنى 
والأب العم هو الأب الأبعد 
وقد جاء في صحيح البخاري وصف آزر بأبيه الأبعد 

صحيح البخاري
(4/ 139)
3350 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَخِي عَبْدُ الحَمِيدِ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وَغَبَرَةٌ، فَيَقُولُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ لاَ تَعْصِنِي، فَيَقُولُ أَبُوهُ: فَاليَوْمَ لاَ أَعْصِيكَ، فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: يَا رَبِّ إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ لاَ تُخْزِيَنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ، فَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الأَبْعَدِ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: " إِنِّي حَرَّمْتُ الجَنَّةَ عَلَى الكَافِرِينَ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا إِبْرَاهِيمُ، مَا تَحْتَ رِجْلَيْكَ؟ فَيَنْظُرُ، فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ مُلْتَطِخٍ، فَيُؤْخَذُ بِقَوَائِمِهِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ "
 النسابون مجمعون على أن إبراهيم هو ابن "تارح" أو في العبرية "تارخ"،
وهذا النسب مأخوذ من أهل الكتاب. ولا يقولون بغيره،

ولم يعرفوا في كتبهم"آزر" ولا الحوارات التي جرت بين إبراهيم وأبيه وقومه، 
فلما غابت هذه الحوارات من كتبهم ولم يذكر "آزر" إلا في سياقها، 
فقد غاب معها ذكره، والأرحج لذلك أن يكون شخصُا آخر غير والده. 
فأولد ذلك مشكلة للمفسرين والباحثين؛ أيهما أبوه ويقصدون والده. 
فمنهم من عد إبراهيم بن تارج هو قول المفسرين والنسابين
الجواليقي :(ليس بين الناس خلاف أن اسم أبي إبراهيم تارح ، والذي في القرآن يدل على أن اسمه آزر)
وفي تفسير الفخر : أن من الوجوه أن يكون " آزر " عم إبراهيم وأطلق عليه اسم الأب لأن العم قد يقال له : أب . ونسب هذا إلى محمد بن كعب القرظي .
 
إبراهيم وُلِد يتيمًا، 
فمن المحال أن يكون الذي يجادله هو والده. 
وهو قد مات قبل ولادة إبراهيم عليه السلام.
 
ولم يؤخذ بالاعتبار الأصل العربي لتسمية إبراهيم من البرهمة 
وهي البرعمة ولكن من شجرة ميتة، والبرعمة تخرج من شجرة حية، 
أي أن والده كان ميتًا عند ولادته، 
وفي هذين النقطتين كفاية لمن أراد البصيرة في هذه المسألة.
 
نقل القرطبي عن النحاس أحد علماء اللغة، واشتهر عنه، 
تفسير ابن كثير ت سلامة (1/ 447)
قَالَ النَّحَّاسُ: وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْعَمَّ أَبًا، نَقَلَهُ الْقُرْطُبِيُّ؛
الشاهد الأقوى جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلـم ؛ 
ففي مصنف ابن أبي شيبة (7/ 402) في الحديث عن فتح مكة
36902 - عن سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ , قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ , عَنْ أَيُّوبَ , عَنْ عِكْرِمَةَ , ..... [فَانْطَلَقَ الْعَبَّاسُ فَرَكِبَ بَغْلَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّهْبَاءَ , وَانْطَلَقَ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رُدُّوا عَلَيَّ أَبِي , رُدُّوا عَلَيَّ أَبِي , فَإِنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ , إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَفْعَلَ بِهِ قُرَيْشٌ مَا فَعَلَتْ ثَقِيفٌ بِعُرْوَةِ بْنِ مَسْعُودٍ , دَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ فَقَتَلُوهُ ]
وأيضًا في مصنف ابن أبي شيبة (6/ 382)
32212 - حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ شَابُورَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «احْفَظَونِي فِي الْعَبَّاسِ فَإِنَّهُ بَقِيَّةُ آبَائِي، وَإِنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ»
وفي زهرة التفاسير (1/ 418)
وإن أباهم إبراهيم وإسحاق وليس من آبائهم إسماعيل بل هو عم يعقوب وليس أباه ولا جده ولكن العرب تسمي على المجاز العم أبا - كما يسمى العم ابن أخيه ابنه، كما قال أبو طالب لقريش عندما طلبوا أن يعطوا أبا طالب بدلا لمحمد ابن أخيه أنهد فتى من قريش ليسلم إليهم محمدا - صلى الله عليه وسلم - فقال لهم موبخا: آخذ ولدكم أغذوه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه؟
أما في كتب اللغة 
ففي لسان العرب (14/ 8)
[قالَ ابنُ جِنِّيٍّ وسَمَّى اللهُ تعالى العَمَّ أَبًا فِي قَوْله {قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق} البقرة 133 
وأبِيْتَ صِرْتَ أَبًا وَأَبَوْتُهُ وأبِيْتَ صِرْتُ لَهُ أَبًا وَالاسمُ الأُبُوَّة وَتَأبَّاهُ اتَّخَذَهُ أَبًا
قالَ بَخْذَجٌ (اطْلُبْ أَبا نَخْلةَ مَنْ يَأَبُوكا ... ) 
وَمَا كنتَ أَباً وَلَقَدْ أَبَوْتَ أُبُوَّةً، وَقِيلَ: مَا كنتَ أَباً وَلَقَدْ أَبَيْتَ، ، ]

اتخاذ الأب فيه خيار ولا خيار في الوالد فلا يقال اتخذه والدًا. لأن الوالد واحد والآباء يتعددون. 
اللَّيْثُ: يُقَالُ فُلان يَأْبُو هَذَا اليَتِيمَ إِباوةً أَي يَغْذُوه كَمَا يَغْذُو الوالدُ ولَده. 
وقد فعل ذلك آزر مع إبراهيم عليه السلام. 

لسان العرب (14/ 9)
وكل المفسرين عد الشاهد على أن العم يسمى أبًا من قوله تعالى حِكَايَة عَن بني يَعْقُوب ؛ 
: {نعْبد إلهك وإله آبَائِك إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق} وَكَانَ إِسْمَاعِيل عَم يَعْقُوب.
وَالْعرب تجْعَل الْعم أَبَا وَالْخَالَة أما، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وَرفع أَبَوَيْهِ على الْعَرْش} يَعْنِي أَبَاهُ وخالته وَكَانَت أمه قد مَاتَت
وقيل : كل من كَانَ سَببا لإيجاد شَيْء أَو إِصْلَاحه أَو ظُهُوره فَهُوَ أَب لَهُ ، وَلَا يُرَاد بِالْأَبِ المربي أَو الْعم من غير قرينَة، وَلم يرد فِي الْقُرْآن وَلَا فِي السّنة مُفردا، وَإِنَّمَا ورد فِي ضمن الْجمع بطرِيق التغليب بِالْقَرِينَةِ الْوَاضِحَة. 

وهذا قول حديث وقد قال به صاحب تفسير المنار. 
والله تعالى لا يضع شيئًا في غير موضعه، وفيه البيان بأن العم يسمى أبًا أيضًا، 
والقرآن يفسر بعضه بعضًا. 
وفي تاج العروس (10/ 46)
المؤازرة، بالهمز أيضا: (المعاونة) على الأمر، تقول: أردت كذا {- فآزرني عليه فلان: أي ظاهر وعاون، يقال:} آزره (و) وازره، (بالواو) على البدل من الهمز هو (شاذ) ، والأول أفصح، وقال الفراء: {أزرت فلانا} أزرا: قويته، {وآزرته: عاونته، والعامة تقول: وازرته. وقال الزجاج:} آزرت الرجل على فلان، إذا أعنته عليه وقويته. (و) المؤازرة (أن يقوي الزرع بعضه بعضا فيلتف) ويتلاصق، وهو مجاز، كما في الأساس. وقال الزجاج في قوله تعالى: { {فآزره فاستغلظ} (الفتح: 29) أي} فآزر الصغار الكبار حتى استوى بعضه مع بعض.

ومن ذلك جاء اسم آزر من مؤازرته لابن أخيه، 
وقد يكون هناك أعمامًا آخرين لإبراهيم غير أن المؤازرة كانت من أحدهم، كما كانت من أبي طالب لمحمد صلى الله عليه وسلـم دون بقية أعمامه
 أنه لم يراع ذكر اسم علم بعد ذكر الأب، ولا يؤتى به إلا لأجل التمييز؛
ففي تفسير الفخر:الرازي : أن من الوجوه أن يكون " آزر " عم إبراهيم وأطلق عليه اسم الأب لأن العم قد يقال له : أب . ونسب هذا إلى محمد بن كعب القرظي . وهذا بعيد لا ينبغي المصير إليه فقد تكرر في القرآن ذكر هذه المجادلة مع أبيه فيبعد أن يكون المراد أنه عمه في تلك الآيات كلها .

ومعنى ذلك أنه الفخر الرازي لم يقنع بتسمية العم بالأب ويريد أن يصرح له تصريحًا بأنه عمه ولا يسميه أبًا.
وقد تكون التسمية بالعم لها مدلول لا يصلح أن يجعل في هذا السياق.


والرد عليه من الشعراوي في تفسيره (15/ 9096)
إذن: لو أن القرآن الكريم حينما تحدث عن أبي إبراهيم فقال (لأبيه) في كل الآيات لا نصرف المعنى إلى الأُبوة الصُّلْبية الحقيقية، أما أنْ يقول ولو مرة واحدة {لأَبِيهِ آزَرَ} [الأنعام: 74] فهذا يعني أن المراد عمه؛ لأنه لا يُؤتي بالعَلَم بعد الأبوة إلا إذا أردنا العم.
نعم فمجيء العلم للتمييز ولا يكون التمييز إلا بين أفراد من الجمع وليس للوحيد المفرد
وأول ذكر لأبي إبراهيم في سورة الأنعام : {إذ قال لأبيه آزر} فقد جرى تمييزه "آزر" عن والده في أول ذكر له حتى يفهم بعد ذلك بأن المقصود بأبيه هو "آزر" وليس والده تارح
.  منقول بتصرف من الجمعية الدولية للمترجمين 
http://www.wata.cc/forums/showthread.php?106803-%D9%85%D9%86-%D9%87%D9%88-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AF-%D8%A5%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%87%D9%8A%D9%85-%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%A2%D8%B2%D8%B1-%D8%A3%D9%85-%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D8%AD-%D8%9F/page2&s=edfa9ce937e916a9b8510a89ad2e8af6

الخميس، 2 أغسطس 2018

أسباب النزول طريقا لفهم القرآن ام لتخصيصه ؟

قال الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه ( أصول الفقه ) : 
هذا و من المقررات الفقهية أن سبب النص العام لا يعد مخصصا له ، بل إن العام على عمومه من غير نظر إلى السبب الخاص الذي جاء النص مقترنا به ، و لذا يقول الأصوليون : " العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب " ، لأن الحجية في النصوص لا في أسبابها ، و لا في بواعثها ، و قد تكون أسباب النزول طريقا لتفسيرها ، و لكنها لا تصلح طريقا لتخصيصها . أهـ 
 " العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب " وهذه القاعدة متفق عليها عند جماهير أهل العلم ولم يخالف فيها إلا القليل .
النَّصُّ الشَّرْعِيّ،كتابا وسنة، حاكم ومتعالٍ على الظروف والأمكنة والبيئة، لأنه يخاطب الحاضر، والمستقبل، ولذلك لم يشأ النص أن يتضمن الإشارة المباشرة إلى تفاصيل تلك الظروف، ولا ربط مضامينه بها البتة . 
القرآن الكريم ليس كتاب تاريخ
الأسباب في نظرنا إذا كانت تاريخية فإنها تعني أن النص الذي ارتبط ورودها ونـزولها بها يجب أن يكون تاريخياً أيضاً ، ومعروف أن التاريخ أحداث في الماضي، لا ينبغي إسقاطها على الحاضر، وليس ذلك النص الشرعي ، فإنه نص للماضي وللحاضر وللمستقبل ،ولا يحكمها أحداث تاريخية معينة بل فوق كل الأحداث والظروف، النص الشرعي يمثل خطاب الإله الموجه إلى العالم القائم وقت نـزوله ، وإلى العالم الذي سيأتي من بعده وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
فأسباب النـزول نماذج ودلائل وأمارات على أسباب حقيقية ، يتوقف إدراكها على إدراك هذا النموذج ، مما يعني ضرورة النظر إلى الأسباب على أنها أدوات معينات ومساعدات على حسن فهم النص الشرعي ، وإدراك مراميه ، ومغازيه وأبعاده، ورحم الله الإمام الدهلوي الذي كشف النقاب عن هذا الأمر في كتابه القيم ( الفوز الكبير في أصول التفسير : 31 وما بعدها ).

معرفة أسباب النزول تعين على فهم الآيات…..(ابن تيمية).
سبب النزول ليس سبباً في النزول بل هو لمجرد الاستدلال…..(الزركشي).
لكن عبارة الزركشي في البرهان تذكرنا من جهة بأن الإمام علي كرم الله وجهه كان يسميها مناسبات النزول وليس أسباب النزول، والفرق بين التسميتين لا يخفى على أهله. ونلفت الأنظار إلى أن قولنا بوجود أسباب لنزول الآيات يقتضي لزوماً عدم نزول آية إلا بوجود سببها، وهذا في أحسن الأحوال سوء أدب مع الله، ومع مقاصد تنزيل الرسالات التي تعتبر الأسباب الإلهية الأولى والأخيرة للنزول

إذا ورد الأمر العام على سبب خاص فإن ذلك لا يخصصه على الصحيح لكن غذا دل السياق ودلت القرائن على تخصيص العام فإن ذلك يخصصه 
قال العلامة ابن دقيق العيد رحمه ، فيما نقله عنه تاج الدين السبكي رحمه الله ، فقال : " يجب أن يتنبه للفرق بين دلالة السياق والقرائن على تخصيص العام وعلى مراد المتكلم , وبين ورود العام على سبب ، ولا تجري مجرى واحد , فإن مجرد ورود العام على سبب لا يخصصه ، وأما السياق والقرائن فإنها الدالة على المراد ، وهي المرشدة إلى بيان المجملات وتعيين المحتملات . قال : فاضبط هذه القاعدة فإنها مفيدة في مواضع لا تحصي , وانظر قوله صلى الله عليه وسلم : ( ليس من البر الصيام في السفر ) من أي من القبيلين هو منزله عليه " ، قلت [ أي السبكي ] : ومن النظر إلي السياق : ما في " فروع الطلاق " من " الرافعي " : أنه لو قال لزوجته : إن علمت من أختي شيئًا ، ولم تقوليه : فأنت طالق . فتنصرف إلى ما يوجب ريبة , ويوهم فاحشة ، دون ما لا يقصد العلم به كالأكل والشراب " انتهى من " الأشباه والنظائر " للسبكي (2/135) .

الثاني : أن اعتبار عموم اللفظ دون خصوص السبب ، فيما إذا لم يكن هناك معارض , أما إذا وجد معارض ، فينبغي حمل اللفظ على خصوص السبب , وفي ذلك يقول السبكي رحمه الله تعالى في " الأشباه والنظائر " (2/136) : " إذا عرفت أن الأرجح عندنا اعتبار عموم اللفظ دون خصوص السبب ، فلا نعتقد أن ينسحب العموم في كل ما ورد وصدر ؛ بل إنما نعمم حيث لا معارض . 
وفي المعارض أمثلة : منها : حديث النهي عن قتل النساء والصبيان ، أخذ أبو حنيفة بعمومه وقال : المرأة المرتدة لا تقتل ، وخصصناه نحن بسببه = فإنه ورد في امرأة مقتولة مر عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته ، فنهى إذا ذاك عن قتل النساء والصبيان = لحديث : ( من بدل دينه فاقتلوه ) وغيره من الأدلة . 
ومنها : حديث أنس رضي الله عنه : ( ليس من البر الصيام في السفر ) : ورد في رجل قد ظلل عليه من جهد ما وجد ، وقد تقدم الكلام فيه " انتهى .

ثم اختتم السبكي رحمه الله الكلام على هذه القاعدة بتنبيه يوضح محل الوفاق ومحل الخلاف في اعتبار هذه القاعدة ، فقال " تنبيه : قدمنا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، والخلاف في ذلك : إذا لم تكن هناك قرينة تعميم ، فإن كانت فالقول بالتعميم ظاهر كل الظهور ، بل لا ينبغي أن يكون في التعميم خلاف " انتهى من " الأشباه والنظائر " (2/136) .

من هنا يتضح أن استدلال أهل العلم بقوله تعالى : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) الحشر/7 على وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في كل أمر , وترك ما نهى عنه في كل نهي – ومن ذلك البدعة – استدلال في محله ، ولا يتعارض هذا مع كون الآية وردت في خصوص الفيء .

وكذلك استدلالهم بقوله تعالى : ( وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) البقرة /195 على النهي عن إيراد النفس موارد الهلكة والعطب استدلال في محله ، وإن كانت التهلكة المقصود في الآية هي ترك الجهاد وعدم بذل المال في سبيل الله تعالى , وإلا فهل يقول عاقل ، فضلا عن عالم إن ترك النفقة والجهاد إلقاء بالنفس في التهلكة منهي عنه في الآية الكريمة , وأما ركوب البحر وقت هياجه مع عدم أخذ الأسباب ، أو التردي من شاهق = ليس من قبيل الإلقاء بالنفس في التهلكة ، ولا يدخل تحت عموم الآية الكريمة ؟! هذا مما لا يتصور .
ان القاعدة لا تعني جميع أسبابالنزول فإن من أسباب التزول ما هو خاص 
بصاحب السبب لا يتعداه لغيره فمثلاالآيات التي نزلت بالثلاثة الذين تخلفوا عن
غزوة تبوك 

الشريعة عامة، فلا يُعقَل حصر نصوصها في أسباب محدودة وأشخاص معدودين، وإنما يكون الأصل عموم أحكامها، إلا ما دلَّ دليل على خصوصيته، فإنه يقصر على ما جاء خاصًّا فيه.
أن عامةَ النصوص نحو آية: الظِّهار، واللِّعان، والقَذْف، والزِّنا، والسَّرقة، نزَلَتْ عند وقوع الحوادثِ لأشخاص معلومين، فلو اختصت بالحوادث لم تكن الأحكامُ كلها ثابتةً بالكتاب والسنَّة تنصيصًا، إلا في حقِّ أقوام مخصوصين، وهذا محالٌ عقلاً، ومخالفٌ لإجماع الأمَّة، والمعقول يدل عليه: وهو أن اللفظَ العامَّ يوجب العملَ بعمومه، وإنما يترك بدليل التخصيص)[6]، كل هذا يدل على أن (السبب غير مُسقِط للعموم)
الإحكام؛ للآمدي (2/348)


قال الشوكاني (إرشاد الفحول ص (133).: (إذا ورَد العامُّ على سببٍ خاصٍّ، فالاعتبار بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب، وحكَوْا ذلك إجماعًا)
عن أبي هريرة قال: لقِيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جُنب، فأخذ بيدي، فمشيت معه حتى قعد، فانسللت، فأتيتُ الرَّحْل، فاغتسلت، ثم جئت وهو قاعد، فقال: ((أين كنت يا أبا هِرٍّ؟))، فقلت له، فقال: ((سبحان الله يا أبا هر إن المؤمن لا ينجس))[30].
قول النبي صلى الله عليه وسلم بشأن فعل أبي هريرة: ((المؤمن لا ينجس))، و(العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب)؛ فألفاظ الحديث عامة؛ فأي مسلمٍ طاهرٌ ليس بنجس.

عن أبي مسعود الأنصاري، قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أُبْدِعَ بي، فاحملني، فقال: ((ما عندي))، فقال رجل: يا رسول الله، أنا أدله على مَن يحمله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من دل على خير، فله مِثل أجر فاعله))[29]، الشاهد: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من دل على خير، فله مثل أجر فاعله)) بشأن هذا الصحابي الذي دل رجلاً على مَن يعطيه راحلة تحمله، و(العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب)؛ فألفاظ الحديث عامة؛ فكل من أرشد إلى خير، فله مثل أجر مَن فعله.
قول النبي: ((والله لأن يهدي الله بك رجلاً، خير لك من أن يكون لك حُمْرُ النَّعَم))، قاله لعلي - رضي الله عنه - عندما بعثه لخيبر؛ فالحديث إن كان موجهًا لعلي - رضي الله عنه - من ناحية السبب، لكنه عام من جهة المعنى؛ فعلى جميع الغزاة أن يتريَّثوا ولا يعاجلوا بالقتال، وأن يجتهدوا بالدعوة بالموعظة الحسنة، فلعل الناس تترك القتال ويدخلون في الإسلام، وإن كان الحديث في شأن هداية الكفار من جهة السبب، لكنه عام من جهة اللفظ، فيشمل هداية الكفار والمسلمين.
جاء ناسٌ من الأعراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم الصوف‏،‏ فرأى سوء حالهم، قد أصابتهم حاجة‏،‏ فحث الناس على الصدقة‏،‏ فأبطؤوا عنه‏،‏ حتى رُئِي ذلك في وجهه،‏ قال‏: ‏ثم إن رجلاً من الأنصار جاء بُصرَّة من ورق‏،‏ ثم جاء آخر،‏ ثم تتابعوا حتى عُرِف السرور في وجهه،‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((‏من سنَّ في الإسلام سنَّة حسنة، فعُمل بها بعده، كتب له مثل أجر مَن عمل بها‏،‏ ولا ينقص من أجورهم شيء‏،‏ ومن سن في الإسلام سنة سيئة، فعُمل بها بعده، كتب عليه مثلُ وِزر من عمل بها، ولا ينقص من أوزارهم شيء‏))‏‏[26].

فهذا الحديث ورد في مناسبة معينة، ولكن لفظه عام، فهنا العبرة بعموم اللفظ؛ أي: إنه يشمل كل مَن دعا إلى سنة حسنة بفعله أو قوله، وليست العبرة بخصوص السبب في حق هذا الأنصاري الذي بدأ بالصدقة.

عن جابر، قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع بابنتيها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: هاتان ابنتا سعد، قُتل أبوهما معك يوم أُحد شهيدًا، وإن عمهما أخذ مالهما فلم يدَعْ لهما شيئًا من ماله، ولا ينكحان إلا بمال، فقال: ((يقضي الله في ذلك))، فنزلت آية المواريث، فدعا النبيُّ صلى الله عليه وسلم عمهما، فقال: ((أعطِ ابنتَيْ سعد الثلثين، وأعطِ أمهما الثُّمُن، وما بقي فهو لك))[25]، فلا عبرة بكون الحكم ورد بخصوص توريث ابنتي سعد.
عن أبي سعيد، قال: قيل: يا رسول الله، أنتوضأ من بئر بضاعة؟ وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن، فقال صلى الله عليه وسلم: ((الماء طَهور لا ينجِّسه شيء))[24]؛ فالماء طَهور لا ينجسه شيء لا يختص ببئر بضاعة فقط، رغم أن السؤال كان عن بئر بضاعة.