Disqus for ومضات إيمانية

الأربعاء، 29 فبراير 2012

هل ما صنع على قبر الشيخ زايد فية مخالفة شرعية


حكم البناء على القبور 
ما حكم البناء على القبور؟ 
وهل ماصنع على قبر الشيخ زايد رحمه الله تعالى

 فيه مخالفة شرعية؟
الحمدلله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد ..
فبارك الله فيك أخي السائل ورزقنا وإياك إلى اتباع الحق والاقتداء بسنة خير الخلق صلى الله عليه وسلم.
ثم اعلم هداك الله أنه لا توجد مخالفات شرعية في البناء على ضريح المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، وقد تم كل شيء بمشورة العلماء وأهل الاختصاص، ونضع بين يديك هذا التفصيل المرفق لتطلع على ما غاب عنك عند كتابتك للسؤال
فما سألت عنه أخي الكريم من حكم البناء على القبور: ففي صحيح مسلم عَنْ جَابِرٍ قَالَ:" نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ ". وقد تكلم علماء الإسلام عن البناء على القبور من عدة جوانب:
الجانب الأول: 
المقصود بالبناء على القبر: وقد ذكر العلماء في ذلك احتمالين:
الأول: أن يكون المقصود بالنهي عن البناء على القبر أي: رفعه وتشييده، وهذا قولٌ لبعض العلماء.
الثاني: أن يكون المراد البناء حول القبر لا بناء نفس القبر، وهذا ما نص عليه الأكثر، وهو الذي يفهم من كلام جمهور الفقهاء، لأنهم يعللون بالتضييق، ولأن منهم من صرح بكراهة البناء على القبر مطلقاً، وجعل الخلاف إنما هو في البناء حول القبر.
وفي ذلك يقول الإمام العراقي في شرح الترمذي:" يَحْتَمِل أَنَّ الْمُرَاد الْبِنَاء عَلَى نَفْس الْقَبْر لِيُرْفَع عَنْ أَنْ يُنَال بِالْوَطْءِ كَمَا يَفْعَلهُ كَثِير مِنْ النَّاس، أَوْ أَنَّ الْمُرَاد النَّهْي أَنْ يُتَّخَذ حَوْل الْقَبْر بِنَاء كَمَتْرَبَةِ أَوْ مَسْجِد أَوْ مَدْرَسَة وَنَحْو ذَلِكَ، قَالَ: وَعَلَيْهِ حَمَلَهُ النَّوَوِيّ فِي شَرْح الْمُهَذَّب قَالَ الشَّافِعِيّ وَالْأَصْحَاب: يُسْتَحَبّ أَنْ لَا يُزَاد الْقَبْر عَلَى التُّرَاب الَّذِي أُخْرِجَ مِنْهُ لِهَذَا الْحَدِيث لِئَلَّا يَرْتَفِع الْقَبْر اِرْتِفَاعًا كَثِيراً ". نقلاً عن حاشية الإمام السِّيُوطِيِّ على سنن النسائي.

وقال العلامة الحطاب المالكي في مواهب الجليل:" قال ابْنُ رُشْدٍ الْبِنَاءُ عَلَى الْقَبْرِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدِهِمَا: الْبِنَاءُ عَلَى نَفْسِ الْقَبْرِ، وَالثَّانِي: الْبِنَاءُ حَوَالَيْهِ فَأَمَّا الْبِنَاءُ عَلَى الْقَبْرِ فَمَكْرُوهٌ بِكُلِّ حَالٍ، وَأَمَّا الْبِنَاءُ حَوَالَيْهِ فَيُكْرَهُ ذَلِكَ فِي الْمَقْبَرَةِ مِنْ نَاحِيَةِ التَّضْيِيقِ فِيهَا عَلَى النَّاسِ وَلَا بَأْسَ بِهِ فِي الْأَمْلَاكِ ".
الجانب الثاني: مكان القبر:
وله ثلاث حالات:

الأولى: أن تكون الأرض موقوفة أو مسبلة -والمراد بالمسبلة هي التي اعتاد أهل البلد الدفن فيها- فيحرم البناء في الموقوفة اتفاقاً وفي المسبلة على الصحيح.
قال العلامة الحطاب المالكي رحمه الله في مواهب الجليل:" وَأَمَّا الْمَوْقُوفُ كَالْقَرَافَةِ -مقبرة معروفة- الَّتِي بِمِصْرَ فَلَا يَجُوزُ فِيهَا الْبِنَاءُ مُطْلَقًا، وَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يَأْمُرَ بِهَدْمِهَا حَتَّى يَصِيرَ طُولُهَا عَرْضًا وَسَمَاؤُهَا أَرْضًا ". أي: يسويها بالأرض فلا يبقى إلا ما أذن به الشرع وهو أن ترفع قدر شبر.
وقال الإمام العلامة ابن حجر الهيتمي الشافعي رحمه الله في الفتاوى الفقهية الكبرى:" الْمُعْتَمَدُ كَمَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ حُرْمَةُ الْبِنَاءِ فِي الْمَقْبَرَةِ الْمُسَبَّلَةِ، فَإِنْ بُنِيَ فِيهَا هُدِمَ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ قُبُورِ الصَّالِحِينَ وَالْعُلَمَاءِ وَغَيْرِهِمْ ... وَالْمُرَادُ بِالْمُسَبَّلَةِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ الَّتِي اعْتَادَ أَهْلُ الْبَلَدِ الدَّفْنَ فِيهَا أَمَّا الْمَوْقُوفَةُ وَالْمَمْلُوكَةُ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا فَيَحْرُمُ الْبِنَاءُ فِيهِمَا مُطْلَقًا قَطْعاً ".
الثانية: أن يكون البناء في أرض مملوكة للباني، ولهذه الحالة صورتان:
الصورة الأولى: أن يكون المدفون من أهل الصلاح، فلا يكره عمارة القبر، قال الإمام النووي رحمه الله في الروضة:" يجوز للمسلم والذمي الوصية لعمارة المسجد الاقصى وغيره من المساجد، ولعمارة قبور الأنبياء، والعلماء، والصالحين، لما فيها من إحياء الزيارة، والتبرك بها ".
وقال العلامة ابن عابدين في حاشيته:" وَفِي الْأَحْكَامِ عَنْ جَامِعِ الْفَتَاوَى وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ الْبِنَاءُ إذَا كَانَ الْمَيِّتُ مِنْ الْمَشَايِخِ وَالْعُلَمَاءِ وَالسَّادَاتِ)، قُلْت: لَكِنْ هَذَا فِي غَيْرِ الْمَقَابِرِ الْمُسَبَّلَةِ كَمَا لَا يَخْفَى)، وبهذا أفتى جماعة كثيرة من علماء المالكية والشافعية المتأخرين.
الصورة الثانية: أن يكون المدفون من عامة الناس، فيكره البناء ولا يحرم، قال الإمام النووي رحمه الله في شرح مسلم:" وَأَمَّا الْبِنَاء عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ فِي مِلْك الْبَانِي فَمَكْرُوه، وَإِنْ كَانَ فِي مَقْبَرَة مُسَبَّلَة فَحَرَام ".
وقال العلامة الحطاب المالكي رحمه الله في مواهب الجليل:" وَأَمَّا الْخِلَافُ فِي بِنَاءِ الْبُيُوتِ عَلَيْهَا - أي: القبور- إذَا كَانَتْ فِي غَيْرِ أَرْضٍ مُحْبَسَةٍ وَفِي الْمَوَاضِعِ الْمُبَاحَةِ وَفِي مِلْكِ الْإِنْسَانِ فَأَبَاحَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَصَّارِ وَقَالَ غَيْرُهُ : ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ خِلَافُهُ ".
وقد سُئِلَ الإمام ابن رشد المالكي رحمه الله عَنْ قَبْرٍ عَلَا بِنَاؤُهُ نَحْوَ الْعَشَرَةِ أَشْبَارٍ وَأَزْيَدَ هَلْ يَجِبُ هَدْمُهُ وَتُغَيَّرُ بِدْعَتُهُ ... فَأَجَابَ:" إنْ كَانَ الْبِنَاءُ عَلَى نَفْسِ الْقَبْرِ فَلَا يَجُوزُ وَيُهْدَمُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا حَوَالَيْهِ كَالْبَيْتِ يُبْنَى عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ فِي مِلْكِ الرَّجُلِ وَحَقِّهِ فَلَا يُهْدَمُ عَلَيْهِ ". انظر مواهب الجليل في شرح مختصر خليل للعلامة الحطاب المالكي رحمه الله.
وقال العلامة ابن مفلح الحنبلي في الفروع:" وَيُكْرَهُ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ وأَطْلَقَهُ أَحْمَدُ وَالْأَصْحَابُ، لَاصَقَهُ أَوْ لَا -أي: لا فرق بين أن يكون البناء ملاصقاً للقبر أو غير ملاصق-، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ: لَا بَأْسَ بِقُبَّةٍ وَبَيْتٍ وَحَصِيرَةٍ فِي مِلْكِهِ)، ونص على مثل ذلك الإمام المرداوي في الإنصاف.
الحالة الثالثة: أن يوجد البناء على القبر ويجهل حال الأرض هل هي موقوفة أو مملوكة؛ فتحمل على المملوكة تحسيناً للظنِّ بالمسلمين؛ وفي ذلك يقول الشيخ سليمان الجمل نقلا عن الرملي:" لَا إشْكَالَ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ هَدْمُ مَا يُوجَدُ مِنْ الْأَبْنِيَةِ بِالْقَرَافَةِ حَيْثُ لَمْ يُعْلَمْ وَضْعُهُ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ سَائِغٍ شَرْعًا ".
وقال الشيخ سليمان الجمل أيضاً:" وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ وُجِدَ بِنَاءٌ عَلَى قَبْرٍ فِي مَقْبَرَةٍ جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ الْبَلَدِ بِالدَّفْنِ فِيهَا وَشَكَّ هَلْ حَدَثَ بَعْدَ جَرَيَانِ عَادَتِهِمْ بِذَلِكَ فَالْوَجْهُ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ هَدْمُهُ وَلَا التَّعَرُّضُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ احْتِرَامُهُ وَوَضْعُهُ بِحَقٍّ وَلَعَلَّهُ حَصَلَ فِيهَا قَبْلَ أَنْ تَصِيرَ مَقْبَرَةً لِأَهْلِ الْبَلَدِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ حَدَثَ بَعْدَ جَرَيَانِ عَادَتِهِمْ بِالدَّفْنِ فِيهَا فَهُوَ مَسْأَلَةُ جَوَازِ الْهَدْمِ ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ بَعْدَ تَعَلُّقِ حَقِّ الْمُسْلِمِينَ بِهَا وَاسْتِحْقَاقِ كُلِّ وَاحِدٍ الدَّفْنَ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ مِنْهَا وَصَيْرُورَتِهَا مَقْبَرَةً لَهُمْ فَيَكُونُ مَوْضُوعًا بِغَيْرِ حَقٍّ نَعَمْ إنْ عُلِمَ حُدُوثُهُ بَعْدَ جَرَيَانِ عَادَتِهِمْ بِمَا ذُكِرَ لَكِنْ شُكَّ هَلْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِجَوَازِهِ فَهَلْ يَمْتَنِعُ هَدْمُهُ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَوْجَهُ الِامْتِنَاعُ فَلْيُتَأَمَّلْ ".
وبهذا يعلم أن البناء حول القبر إن كان في ملك الباني أو في ملك شخص آخر قد أذن بالبناء لا يحرم عند جماهير العلماء من السلف والخلف، وإنَّما حرموا البناء على القبر في المقابر الموقوفة والمسبلة لما فيه من التضييق، والتصرف بالملك العام في أمرٍ غير مأذون فيه، وأنه لا يهدم البناء الذي شك فيه هل بني في ملك أو موقوف أو أرض مسبلة.
وبهذا يعلم أخي السائل أنَّ مااستفسرت عنه فيما وجد على ضريح الشيخ زايد رحمه الله تعالى ليس فيه أي مخالفة شرعية كما هو مقرر عند العلماء، علماً بأن جميع ماتمَّ قد كان بمشاورة السادة العلماء، وفقك الله وحفظك، والله أعلم.
ما هو حكم الصلاة بمسجد به ضريح وإن كان الضريح خلف المصلين ولكن في نفس المكان من المسجد؟
الحمدلله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد ..
فيا أيها الأخ السائل: هداك الله لما يحبه ويرضاه، واعلم أنه تجوز الصلاة في المساجد التي بها أضرحة، بشرط أن لا يسجد المصلي عليها؛ أو يستقبلها ويعظمها كتعظيم غير المسلمين.
والدليل على جواز الصلاة بالقيود التي ذكرناها: حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" في مسجد الخيف قبر سبعين نبياً"، رواه الطبراني والبزار وقال الهيثمي: ورجاله ثقات، ومعلوم أن مسجد الخيف صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم.
ويؤكد الجواز وجود قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه في مسجده، والعلماء والمسلمون عموماً يصلون فيه على مر العصور بلا نكير.
وأما حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا التي روت عن رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه لعن من الأمم السابقة أقواماً "اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ"، فالمراد سجودهم عليها، واستقبالها تعظيما فاسدا لها ولذلك قال العلامة البيضاوي رحمه الله: ( لما كانوا يسجدون لقبور أنبيائهم تعظيما لها نهى أمته عن مثل فعلهم، أما من اتخذ مسجداً بجوار صالح أو صلى في مقبرته استظهاراً بروحه أو وصول أثر من عبادته إليه لا لتعظيمه فلا حرج)، والله أعلم.

  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق