Disqus for ومضات إيمانية

السبت، 11 فبراير 2012

التجربة المصرية


العالم لم يرَ فى هذه الآونة الماضية
 إلا مظهراً شكلياً لهذا الدين تحلىّ به بعض المنتسبين للإسلام فى المظهر وفى الجلباب وفى السواك وفى النقاب، فى الشكليات
وهى مظرٌ جميلٌ لهذا الدين، 
لكن ليست هى كلها الدين .
جوهر الدين هو الذى يجذب غير المسلمين إلى جمال وكمال هذا الدينيريدون أن يروا أخلاق القرآن ظاهرة وماثلة وموجودة ومشهودة فى الشوارع وفى المنازل وفى الطرقات وفى المجتمعات وقد تجمل بها المسلون
يريدون أن يروا صدق الكلمة والوفاء بالعهد والمودة والتراحم والتعاطف والشفقة والحنان والحب
وهذه الصفات ذكرها القرآن وجاء بها النبى العدنان وكان على هديها ومُتخلقاً بها فى كل وقت وآن
 ولذلك يقول له ربه عزوجلّ :( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ الله لِنْتَ لَهُمْوَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)
 آل عمران159 بماذا أرسله؟بالرحمة لجميع خلق الله
وفسّر هذا فقال :{ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ }[1]، جمال هذا الدين سطع على سيد الأولين والآخرينومنه إنتقل إلى أصحابه والتابعين والسلف الصالح أجمعين!
فدخل الناس فى دين الله أفواجا بدون خطب ولا شرائط ولا فضائيات ولا كلمات ولا كتب ولا مراجع وإنما نظر الخلق إلى هديهم وإلى سمتهم وإلى أخلاقهم وإلى سلوكياتهم فأعجبوا بهذا الدين الذى أسس هؤلاء الأفراد....
فدخل أهل أندونيسيا وأهل جُزر الملايو وأهل أفريقيا وغيرهم فى دين الله أفواجا لما رأوه من العارضين لهذا الدين .فهذا هو المظهر الإلهى الذى امر الله ان يكون عليه أتباع هذا الدينلكن إذا نظر أهل الغرب الآن إلى المسلمين فيما بينهم وبين بعضهم
من غشٍ وتطفيف فى المكيال والميزان وكذب لا ينفكّ واحدٌ عنه فى كل وقتٍ وآن وخيانة للعهد وشقاق ونفاق وكُره وبُغض وأحقاد وأحساد!
 وإستيلاء القوى على الضعيف، وقطع للطرقات
 وقضاء على الإقتصاد الذى اوشك على الممات
ولا يرحمون انفسهم ولا ينظرون إلى المهمة التى كلفهم بها ربهم وامرهم أن يكونوا عليها نبيهم .
ماذا يقولون عن الإسلام الآن عندما يرون جماعة المسلمين وقد تركنا كل ماكان عليه النبى وصحابته الكرام وتدثّرنا ولبسنا أخلاق الشياطين اللئام!!
قلّ وندُر ان تنظر إلى طائفة من المسلمين
 إلا وتجدهم يعيبون فى بعضهم ويُشكّكون فى نوايا سلوكيات إخوانهم!
ويتعدُون بالألفاظ البذيئة على أئمتهم وكُبرائهم !!
هل هذا من أخلاق هذا الدين ؟
إننا بذلك نُسيء إلى أنفسنا ونُسيئ إلى ديننا
ونُسيئ إلى إلى نبيّنا ونُسيئ إلى كتابنا
لأننا أخذنا من الدين القشور وتركنا الجوهر المُمتلئ بالنورالذى هو كالشمس التى تجذب الخلق إلى هذا الدين وهو الدين الحق .
المسلم فى هذا الزمان مهمته ثقيلة لأن البعض يقول : مثلى مثل بقية المسلمين
أنا مثلى مثل بقية الناس .. والنبى صلى الله عليه وسلمّ حذّر من هذا
وقال : { لاَ تَكُونُوا إمَّعَةً، تَقُولُونَ: إنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا ، وَإنْ أَسَاؤُوا أَنْ لاَ تَظْلِمُوا }[2]،
 لا تقُل : أنا مع الناس!ولكن قُل : أنا مع رب الناس!
 وانا مع خير كتاب أنزله رب الناس!
قُل : أنا على عهد خير نبى إختاره الله عزوجلّ للناس
قُل : أنا على هدْى الصحابة الذين أحسنوا متابعته فأثنى الله عليهم وذكرهم فى كتاب الله وقال فى شأنهم مُجليّاً
ومبيناً أوصافهم :( مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله وَالَّذِينَ مَعَهُ )،
 أشدّاء غلاظ قُساة  على من ؟ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّار!
وفيما بينهم وبين إخوانهم : الرحمة والمودّة والألفة والتواددوالتحابب والتآخى والتزاور فى الله والبذل فى الله
والعمل على مرضاة الله جلّ فى عُلاه
واالسعى فى قضاء حوائج إخوانهم
 طلباً لمرضاة الله : ( رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) الفتح29 
بدلنا آيات الله!!!
 وأصبحت الشدّة من بعضنا على بعض!!
لا يرحم التاجر المُشترى فيزيد أجره ومكسبه 
أضعافاً مُضاعفة!
ولا يرحم الصانع من طلبه فيجعل الأجر أضعافاً 
مضاعفة وليته يُتقن صنعته
ويعمل بقول الحبيب :{ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يتْقِنَهُ }[3]، لا يرحم الطبيب المريض، فلو قيل له : إن رجلاً بالعيادة على وشك الموت!
لا يأذن له بالدخول حتى يدفع الروشتة للطبيب
 مع انه أخٌ فى الإيمان واخٌ فى الإسلام!
لا يرحم المدّرس تلميذه ويرفض ان ينطق ببنت شفة
 فى عمله الذى يأخذ أجره عليه ويقول : من أراد ان ينجح فى مادتى فليذهب إلى عيادتى ..
يريد ان يُحوّلهم إلى المنازل ليتكسّب منهم الآثام 
والذنوب العظاملا يرحم المحامى من لجأ إليه 
ليدافع عن قضيته، فإنه يحاول إبتزازه بقدر طاقته
وكلما أوشك الأمر على الحُكم النهائى تدّخل ليطيل الأمر ويُطيل الإبتزاز بل وربما يأخذ من الشاكى ويأخذ من المشكو وهذا أمرٌ فيه غُلوّ يتنافى مع هذا الدين .
نستطيع أن نقيس هذه الأمور التى سرت فى مجتمعنا حتى أصبحنا جميعاً نتململ من حياتنا ونشكوا مجتمعنا
مع أننا لا نسكن فى تل أبيب ولا فى واشنطن!
ولكن نسكن فى مصر وفى القاهرة بلد الأزهر الشريف وبلد المساجد التى لا تُحدّ ولا تُعدّبلد القرآن بلد العلماء الذين نشروا هدْى الدين فى كل مكان .
أين الدين منا جماعة المؤمنين ؟
أفى الصلاة أو فى الركعات أو فى الصيام وتلاوة القرآن والذكر فقط ؟ هل هذا هو الدين ؟
الدين أخلاق يا جماعة المؤمنين!
الدين سلوكيات طيبة دعا إليها سيد المرسلين
إسمعوا وهو يقول : من هو المسلم ؟ .. فماذا يقول ؟
لم يقل : المسلم من صلىّ وصام وزكّى وحج!
وإنما قال : قولٌ واحدٌ : { المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ }[4]، أين هو المسلم الان قلّ  وندر!
كثيرٌ من المسلمين يحافظون على فرائض الله لكنهم !!
هذه مشكلة العصر وآفة الزمان ـ فرقّوا بين طاعة الله
 وإعتقدوا أنها هى الدين ـ والأخلاق والمعاملات والسلوكيات وكل واحدٍ منهم مشى على هواه ومايريد تحقيقه من مناه وظنّ انه يُرضى ربّه على العبادات 
التى كلفه بها الله!!
مع أن النبى صلى الله عليه وسلمّ حكم فى هذا الأمر حُكماً صريحاً
عندما قيل له :{ إن فلانة تصلّي الليل وتصوم النهار وفي لسانها شيءٌ يؤذي جيرانها سليطة، قال: لا خَيْرَ فيها هِيَ في النّارِ }[5]، الدين ليس قاصراً على العبادات
ولكن الدين جعل حقاً لله وحقوقا للخلق وكلها فى دين الله. حق الله : هو الصلاة والصيام والحج
وحقوق عباد الله : هى الزكاة والأخلاق الكريمة والمعاملات الحسنة التى على منهج كتاب الله والتى
كان عليها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلمّ
قال صلى الله عليه وسلمّ :{ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى اسْتَخْلَصَ هذَا الدينَ لِنَفْسِهِ، وَلاَ يَصْلُحُ لِدِينِكُمْ إِلاَّ السَّخَاءُ وَحُسْنُ الْخُلُقِ، فَزَينُوا دِينَكُمْ بِهِمَا }[6]، 
الحمد لله رب العالمين
 الذى أمرنا بطاعته ونهانا عن عصيانه ومخالفة امره
فقال عزّ شأنه : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ
 وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ )الجاثية15، وأشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له
أنزل شرعةً ومنهاجاً فيهما صلاح القلوب وصفاء النفوس وصلاح أحوال الخلق فى الدنيا، وسعادتهم يوم الدين
قال عزّ شأنه :( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ
مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةًوَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) النحل97، 
إن العالم كله ينظر إلى تجربتنا التى نحن فيها الآن وقد إخترنا والحمد لله الإسلام والمنهج الإسلامى .. فهل سنُقوّم به إقتصادنا؟ هل سنصلح به اخلاقنا فى مجتمعنا؟ هل سيعُمّ الخير بلادنا؟
إن سيدنا عمر بن عبد العزيز طبّق المنهج الإلهى فى عامين ونصف، ماذا كانت النتيجة ؟
من الناحية الإقتصادية
فاض المال حتى ان الرجل كان يأخذ زكاة ماله فى
 حجره فلا يجد من يأخها منه، فيُعطيها لبيت المال ليُنفقها حيث يريد .
ما الذى فعله لحلّ مشاكل الزكاة ؟
قضى على الفقر ولم يبقى هناك فقيراً واحداً فى مملكته
وكانوا إلى جانب الفقر أعزّة بالله يُبرؤون دين الله عن التسوّل لا يقفون خارج أبواب المساجد وينتظرون 
العطاء ولكن يسعون إلى العمل لأنهم شُرفاء وينتظرون على الأجر القليل البركة من السماء لأن الله وعد المؤمنين عن القليل ان يبارك فى القليل فيُغنى عن  الكثيرأما التسوّل فقد قال فيه حضرة النبى: 
{ مَنْ سَأَلَ، وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ، جَاءَتْ مَسْأَلَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُدُوشًا، أَوْ خُمُوشًا، أَوْ كُدُوحًا، فِي وَجْهِهِ  }[7]، علامة يُفتضح بها أمام الخلق أنه كان يُسيئ بفعله إلى هذا 
الدين ويتسوّل ويشحذ مع انه لا يحتاج إلى ذلك
ولو إستغنى بالله لكفاه أغنياء وأثرياء المسلمين وهو فى موضعه ومكانه لأنه واثق فى رب العالمين عز وجلّ .
فلما قضى على مشكلة الفقر قضى بعدها على مشكلة الأميّة وأصدر أوامره بأن يكون فى كل مسجد من مساجد المسلمين مُعلماً يُعلمّ نساءً ورجالاً القراءة والكتابة
واحضروا لهم الألواح والأقلام من اموال الزكاة حتى لم يعد بعد فى أمّة المسلمين على إمتدادها من المغرب إلى حدود الصين ــ وكانت هذه هى دولته ــ لم يعد فيها إمراة ولا رجلٍ أمّىّ أو امّيّة لا يقرأ ولا يكتب .
بعد ذلك مهّد الطرق ولم يكن هناك الوسائل العصرية التى تُمّهد الطرق!
مهّد الطرق فى كل ارجاء هذه المملكة وجعل على كل مرحلة داراً للضيافة فيها طاهى يطهو الطعام ويُطعم من حلّ به من المسافرين لوجه الله.
وفيها مكانٌ للنوم ينام ويستريح فيه إن اراد الراحة
حتى جعل فيها مكاناً لعلف الدواب لأنها كانت مراكبهم، يُطعم دابته من هذا العلف والأجر عند الله عزوجلّ .. وكل ذلك من اموال الزكاة .
لم يقطعوا الطرق  كما نفعل الآن ـ على إخوانهم المسلمين!!!
فكل يومٍ نسمع عن المسلمين قاموا فى الطريق .. يقطعون الطريق على من؟أعلى اليهود؟ أم على الكفار والمشركين؟
على إخوانهم الفقراء الذين لهم مصالح باسم الحريّة، واىّ حُرية ؟ أهذا على شرع الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلمّ ؟
إذا كان ديننا يجعل الإيمان أعلاه لا إله إلا الله،
 وادناه إماطة الأذى عن الطريق ونحن نقطع الطريق
 وندّعى الإسلام والإيمان ؟
ولما إنتهى من مشكلة الأميّة إنتقل إلى مشكلة العزوبة
 (أى عدم الزواج) التى تفاقمت الآن إلى حدّ كبير!!
فأمر بتزويج الشباب من أموال الزكاة .. يخطب الفتاة التى تروق له وبيت المال يقوم بتجهيزه ويثزوّج من مال الزكاة .
حلّ كل مشاكل الأمّة من بند واحدٍ وهو بند الزكاة، فما بالكم بالبنود الأخرى من إقتصاد الأمّة التى إذا قام القائمون بها على وجه الصواب جعل الله عزوجلّ هذه البقاع كلها فى خير تام؟ ولا يحتاجون إلى مايفيض به اللئام والكفار والغُرماء أجمعين .
لكن الذى نحن في امّسّ الحاجة إليه الآن هو أن نكون مُعتمدين على انفسنا كما نحتاج إليهم فى إقتصادنا ولا نقول فى كل صباح ومساء : لم تأتِ المعونات بعد، ولماذا ننتظر المعونات ولا نعمل ونتكاسل ونتباطأ ؟
نريد أيضاً ألا نلجأ إلى إستيراد مانحتاج إليه، يقوم شبابنا بالإستقامة مع الله ويتوسعون فى دراسة علوم الحياة ويخترعون ما يُغنينا عن الإستيراد من هؤلاء ...
فنكون قد أرضينا الله وأقمنا دين الله
 والحق عزوجلّ فى ذلك الوقت يُساعدنا وينصرنا
لأنه قال سبحانه: ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا
 لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالارْضِ )الأعراف96، 
نسأل الله عزوجلّ أن يُصلح احوالنا واحوال إخواننا واحوال مجتمعنا وأحوال من قاموا بمسئولياتنا
 وان يُصلح الراعى والرعية
 ويُصلح إخواننا المسلمين أجمعينن حُكاماً ومحكومين ورؤساء ومرؤوسين
 وان يجعلنا على اخلاق القرآن ناهجين
 وبالتأسّى بالحبيب صلى الله عليه وسلمّ آخذين
وان يجعل وجهتنا فى كل أحوالنا هى رضاء الله
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلمّ.
خطبة جمعة لفضيلة العارف بالله تعالى 
الشيخ/ فوزى محمد أبوزيد 
رئيس الجمعية العامة للدعوة إلى الله تعالى
بجمهورية مصر العربية 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق