Disqus for ومضات إيمانية

الثلاثاء، 7 فبراير 2012

بشريات



البشرى الأولى
 وهى منبع البشريات بشرى   
 "وبشِّر المؤمنين"

وهذه البشرى الأولى وهى التى نبعت منها كل البشريات
و أسميناها منبع البشريات لأنها البشرى التى أمر 
الله تعالى حبيبه فيها أن يبشرنا بفضل الله الكبير علينا 
فقضى عمره الشريف ولم يترك مناسبة فيها البشرى إلا
 وساقها لنا وعرفنا بها
فحببنا فى الله وبشرنا بفضل الله بل ومن سعة فضل الله
علينا أنه جعل تبشيرنا على يد حبيبه ومصطفاه ليس أمراً عارضاً مع كمال علمه سبحانه بحبِّه لنا وعطفه علينا
بل جعلها وظيفة له يقوم بها بأمر الله ما استطاع لذلك
سبيلا فصار تبشير رسول الله لنا
من النعم التى أنعم الله علينا بها وأمر حبيبه فى أن يقوم
بها للمؤمنين ويوالينا بها كل وقت وحين قال
{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً}فكيف يتأتى
 لنا شكره أو يمكننا أن نجزيه ذرة مما تفضل به علينا
 وقدمه لنا فاللهم صلِّ وسلم وبارك عليه
وأجزه عنا خير ما جزيت نبياً أو رسولاً عن أمته ومن كل
هذا الفضل العظيم الذى فوق التخصيص والتعميم والذى
يتعدى حدود الخيال والمفاهيم أتت جميع البشريات من الله العلى العظيم ساقها لنا نبيه الرؤوف الرحيم ونذكر شيئاً من أقوال الصالحين فى البشرى فمنها قول أحدهم:
تبسم ثغر الكون عن لؤلؤ الرفد
 فبشر أخا الإسلام بالرفق والوعد
آى القران جاءت بالذكر والرشد
 وأفراح إكرامات الربِّ ذي المجد
ما نطق عن هوىٍ قد جاء بالسعد
 وبشريات تعالت عن العدِّ والحدِّ
وقال الآخر مشجعاً الأمة على نشر البشرى وإبعاد
 شبح الخوف والترهيب واستمالة الخلق للإسلام
وإعادة البهجة إلى أهله فقال:
تحيا القلوب بأخبار مبشرةٍ 
وتنطفىء لو سمتها خوفاً وإرهابا
فبشّروا بكتابِ اللـه واجتمعوا 
مبشِّرين غلِّقوا للخوف أبوابا
عسى تعيدوا للإسلامِ بهجتَه
 ويهنا كلُّ عبد من خوفه ذابا
واتلوا من الذكر آيات مُفَرِّحَةً 
ياقومنا ابشروا إن الربَّ توَّابا
وقال أحد الصالحين :
أسعد معنى كئيبا منك يا أملى
 حتى أفوز بلا كد ولا كسب
فضلا تمن به من فيض عاطفة 
يا رحمة الله يا ذا المنهل العذب
إنظر إلى مغرم في لوعة وضنىَ 
أسعده يا سيدي بالود والقرب
أنت الرؤوف رحيم والغياث لمن
 ناداك متوسلا يرجو رضا الرب
أحي مُواتي بنظرات تجملنى
 بحلة النسب العالي إلى الأب
لي نسبة وذنوبي لست أحصوها
 ونسبتي لكمو يا سيدي حسبي
يا نعمة الله لي أمل ولا عمل
 أرجوه إلا عميم العفو من ربي
البشرى الثانية بشرى تكثير الحسنات وتقليل السيئات
وتمعنوا فى بشرى الآية وفى سرها يا إخوانى تجدوا عجباً عجابا فإن الله لم يقل ثواباً ولا أجراً بل قال
{فَضْلاً}وهناك فرق بين الثواب والأجر وبين الفضل
فالثواب والأجر يكون على حسب الموازين الربانية التى
 جعلها الله ثواباً وأجراً على الأعمال الصالحة فى الحياة الدنيوية وقد أعطى الله هذه اللائحة للكرام الكاتبين ليسجلوا
 بها أعمال المؤمنين ويحسبوا عليها حسابات المتقين
والعابدين والصالحين لكن الله إدخر لهذه الأمة
فوق الثواب والأجر: "الفضل" والفضل من الله لا يعلم مداه إلا الله وأول بشريات موازين
الفضل الربانية تلك هى بشرى قوله تعالى
{إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً}
فأولها أن لا يظلمنا مثقال ذرة من الخير عملناها مهما
تناهت فى صغرها أو دقتها ولو كنت حتى لا تدرى
 ولا تحس لها بقيمة فهو يعلمها ويجزيك عنها
{وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ السيدة عَائِشَةَ رضى الله عنها أَعْطَتْ سَائِلا حَبَّةَ عِنَبٍ فَأَخَذَ يُقَلِّبُهَا بِيَدِهِاسْتِحْقَارًا لَهَا فَقَالَتْ لَهُ زَجْرًا: كَمْ فِي هَذِهِ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ
{فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ}[1]
فالله يحاسب الأمم السابقة كلها بالعدل
أما أمة رسول الله فحسابها بالفضل ولذلك لا يستطيع أحد من السابقين أو اللاحقين أو الملائكة المقربين أن يعرف أو يطلع على عمل أقل رجل من المسلمين لأن عمله
الذي تظنه حقيراً تجده عند الله عظيم
{وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ}
وتتوالى البشريات فى الآية وتأتى خصوصية أخرى
فضلاً من الله لهذه الأمة وعناية{وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا}
وهذه غاية الأجر ضعفين{وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً }
وتلك زيادة فى الخصوصية للأمة المحمدية فضلاً من الله
لأتباع حبيبه ولذا ورد من فضل الله علينا فى حديثه القدسي
 أنه قال
{وَإِنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا الله عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً}
مع أنه همَّ بسوء وشرٍّ لكن كونه حبس أعضاءه عن فعلها
فهو بذلك قد جاهد نفسه
ونظير هذا الجهاد يعطيه الله عليه حسنة
{وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا الله سَيِّئَةً وَاحِدَةً}[2]
ويعفو الله لمن تاب وأناب ورجع إلى الله وذلك لأن الله
 يأمر الكرام الكاتبينإذا سجلوا السيئة ألا يسارعوا فى
 تثبيتها بل يكتبوها ويتركوا للعبد الذي فعلها فرصة
لعله يرجع إلى الله ويتوب إلى الله فيأمرهم الله بمحوها 
إذ يقول
{يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ}وقوله{فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا الله عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا الله عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ }[3]وهذا كله فى ميدان الأجر والثواب الذى هو فوق العقل والحساب أما ميدان الفضل فلا تعلمه الملائكة إن كان الكرام الكاتبين أو أهل عالين أو أهل عليين ولا حتى أهل اللوح المحفوظ وإنما الأمر مفوض إلى رب العالمين وإليه يشير الحديث القدسى
{كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَىٰ سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ قَالَ اللّهُ :إِلاَّ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ} [4]
فما هذه السبعمائة ضعف؟ وأين تبلغ ؟
إن الله لم يقل سبعمائة أمثالها فلو كان ذلك لفهمنا أنه
سبعمائة حسنة ولكن قال سبعمائة ضعف فهل يضاعفها الله سبعمائة مرة أتدرون لو ضوعف شيىء سبعمائة مرة
كما يبلغ إحسبوا يا أهل الحساب أى لو ضاعفت رقماً ثم ضاعفته ثانية ثم ثالثة؟ فإنك لو ضاعفت رقما عشر مرات
 لصار أكبر من أصله ما يزيد عن ألف مرة[5]ولو ضاعفته عشرين لصار أكثر من مليون مثل فكم تبلغ مائة مرة فقط
وأين تصل السبعمائة إذاً بل والله فوق هذا وأعظم و أعلى
هل يتذكر أحدكم قصة الحكيم الذى إخترع لعبة الشطرنج
فأراد ملك الصين مكافأته فطلب الحكيم أن يعطيه الملك
حبوباً من القمح بمضاعفات مربعات اللعبة وهى
 أربعة وستون فاغتاظ الملك أنه طلب طلباً حقيراً منه
 فلما أصرَّ لم يجد الخزنة فى المملكة أعداداً من الحبوب
 تكفى أن يضاعف الحبة الأولى أربعة وستين مرة فمن الذي يعرف مقدار قيمة هذا الفضل الكبير ؟
أو من يستطيع أن يعرف جزاء الصوم مثلاً ؟من يستطيع
معرفة حدود تلك البشرىلا يستطيع أحد معرفته من الأولين والآخرين ولا من الجن ولا من الإنس ولا من الملائكة
 ولا حتى المقربين وذلك لأن الله نسب الفضل لذاته
ثم عظَّم الفضل فأين يبلغ ما عظم الله لا أحدُ يعرف أبدا
 قال فى سورة الجمعة
{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }
وقد قال الشيخ/ أحمد بن على بن مشرف :
وصيح بكل العالمين فاحضروا 
وقيل قفوهم للحساب ليسئلوا
فذلك يوم لا تحد كروبه بوصف
 فان الأمر أدهى و أهول
يحاسب فيه المرء عن كل سعيه
 وكل يجازي بالذي كان يعمل
وتوزن أعمال العباد جميعها
 وقد فاز من ميزان تقواه يثقل
وفي الحسنات الأجر يلقى مضاعفاً
 وبالمثل تجزي السيئات وتعدل
ولا يدرك الغفران من مات مشركاً 
وأعمالـه مردودةٌ ليس تقبل
ويغفر غير الشرك ربي لمن يشاء
وحسن الرجا والظن في اللَه أجمل
وان جنان الخلد تبقى ومن بها
 مقيماً على طول المدى ليس يرحل
أعدَّت لمن يخشى الإلـه ويتقي
 ومات على التوحيد فهو مهلل
وينظر من فيها إلى وجه ربه 
بذا نطق الوحي المبين المنزل
وقال أحد الصالحين فى دعائه لمولاه فى هذا الباب والرحاب:
بخضوع من فضله بإعتقاد إسأل الله ضارعاً يا فؤادي
والرضا والجمال عين مرادي يا ملبي الداعي سألتك ربي
لي تجل بواسع الإمداد باسمك الأعظم العلي تعالى
من جمال العطا وخير الأيادي نجحن مقصدي أعني بودٍّ
بجمال الوهاب والجواد أنت ربى وأنت حسبي تعطف
أعطني فوق مقصدي ومرادي قابل التوب غافر الذنب ربي
بجمال الحسنات هب لي رشادي بدلن كل سيآتي إلهي
وبفضل الولي والإمداد جملن ظاهري بعز عزيز
وبحب بكامل الإعتقاد جملن باطني بحق يقين
وضياء الهدى لهم بالوداد واجعلني كنز الغنى للأحبا
وصلاة على الحبيب الهادي نجح القصد أعطني السؤل ربي 
البشرى الثالثة: بشرى مضاعفة الأعمال بالنيات و بشريات إخلاص النيَّة وصلاح الطوية
وهذه بشرى خاصة أسوقها لتتيقظ قلوبنا ولا يكون تسارعنا للعمل عند نصب أوكازيون العمل فى رمضان فقط فإذا
 انفضَّ سوق رمضان حدث التراخى والتكاسل عن عبادة الله وطاعته بعدها كما يحدث للكثير من أهل الإيمان هذه البشرى ليعلم الجميع أن أوكازيون المغفرة والرحمة الإلهية
 لا يغلق أبوابه بنهاية رمضان فإنهم
لا يعلمون أن فضل الله الذى لا يعد ولا يحد مع المؤمنين
 فى كل وقت وحين كيف ذلك؟
إن الله جعل كل أعمال المؤمنين إذا سبقتها نية صالحة
 فيها إخلاص لربِّ العالمين وتابع فيها المرء النبى الأمين
 فى عمله وحركاته وسكناته لها أجر لا يعد ولا يحدّ
يكفى أن نشير إلى بعض الآيات فى ذلك لتعلم يقيناً
 أن كل شئ تعمله إن كان لنفسك أو لزوجك أو لولدك أو لجيرانك أو لأقاربك أو فى عملك أو فى أى زمان ومكان
 سبقته نية صالحة وتابعت فى أداءه هدى الحبيب
فهذا الأمر يقول فيه الله
{إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً}
تأكد واعلم علم اليقين أن عملك لن يضيع،
فكيف يتعامل الله مع هذا العمل؟ بيَّن ذلك فقال
 كما اسلفنا وأوردنا آية النساء
{وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً}
وهنا أخبركم بسر عظيم وبشرى هائلة يا إخوانى الأحباب
إنَّ أى حسنة ينالها المسلم يكرمه مولاه تعالى فيضاعفها أضعافاً مضاعفة إلى يوم القيامة تظل يضاعفها الله
 إلى يوم الدين إن شاء الله فتجد الحسنة القليلة جبالاً
من الأجر والثواب رباها وغذاها وكبرها لك
الله جل فى علاه كما أخبر
{إنَّ اللَّهَ لَيُربِّي لاًّحَدِكُمُ التَّمْرَةَ وَاللُّقْمَةَ
كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ أُحُدٍ} 
[6]إذا جاهد المؤمن لتصحيح النيَّة -ولا يتم تصحيح النيَّة
 إلا بعد صفاء الطوية وتطهير القلب بالكلية لربِّ البرية
ووضع الإخلاص فى كل عمل وفى كل قول وفى كل حركة
 وفى كل سكنة لمولاه -فتصبح أعماله وأقواله
 حتى ما كان ظاهره عملٌ دنيوى فله فيها أجر وثواب
وقربة عند الله فالنيَّة قبل أى عمل كأن أنوى قبل الطعام
 مثلاً أن أتقوى به على طاعة الله أو يكون فيه شفاءٌ أو أتعرف فيه وأنظر فيه إلى عناية الله بى ورعايتها لى مثل قوله فى {فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبّاً}
فإذا نوى الإنسان قبل طعامه فيكون وقت تناول الطعام
عبادة لله وإذا فكَّر ليتعرف على نعمة الله عليه كما ذكرنا فى الطعام كان وقت الطعامفتحٌ عليه من علوم الإلهام لأنه سيفكر فى الآية وتأتيه العناية ويرزقه الله بأسرار من هذه الآية فيرى أسرار الله فى الطعام وهو يتناول هذا الطعام
حتى النوم فلو نام الإنسان حتى ولو ليستجم فإنه ينوى بذلك التأهب والاستعداد للمداومة على طاعة الله لأن الله يعلم
أنى لا أستطيع الدوام على حال واحد فدوام الحال لنا
من المحال فتستجم الأعضاء حتى تستعيد النشاط
فى طاعة الله وعبادة الله فيكون النوم هنا عبادة
 وهذا هو الذى يقول فيه سيدنا رسول الله
{مَنْ نَامَ عَلَى تَسْبِيحٍ أَوْ تَكْبِيرٍ أَوْ تَهْلِيلٍ أَوْ تَحْمِيدٍ بُعِثَ
 عَلَيْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ نَامَ عَلَى غَفْلَةٍ بُعِثَ عَلَيْهَا
يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَعَودُوا أَنْفُسَكُمْ الذكْرَ عِنْدَ الْنَّوْمِ {[7]
فالنيَّة عليها المدار فلو نام وهو ينوى القيام لحزبه من القرآن أو الذكر أو الصلاة فغلبه النوم أو التعب فلم يقم بما نوى حصًّل الأجر بالنيَّة وانعقاد الطوية
{مَنْ أَتَى فِرَاشَهُ وَهُوَ يَنْوِي أَنْ يَقُومَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ
فَغَلَبَتْهُ عَينه حَتَّى يصْبَحَ كُتِبَ لَهُ
مَا نَوَى وَكَانَ نَوْمُهُ صَدَقَةً عَلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ} 
[8]
لو صفَّى الإنسان القلب والجَنان
فإن الله سيدبر له النوايا فى صفاء الطوايا
 فى كل حركة وسكنة لأننا عاجزون عن تدبير
هذه النوايا لكن إذا صُفى القلب لله فإن الله يتولاه
 ويقذف فيه النوايا الطيبة التى ترفعه
عند مولاه{إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً
مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ}{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ
مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ}
مبصرون للحقيقة التى يريدونها والتى يريدها الله منهم
 فالنوايا ليست بأن يجلسالإنسان يعدُّها أو يستحضرها
ولكن النوايا تحتاج إلى صفاء القلب حتى لا يكون فيه
 رغبة إلا فى رضا مولاه يُكَسِّر صنم الشهرة فى نفسه
 ويكسِّر صنم الحظ فى طبعه
ويكسِّر أصنام الآمال الكاسدة والفانية مثل تمنى العلو فى الأرض أو الشأن عند الخلق فيمحو كل ذلك ويعتمد على عكاز الصدق فهو الذى يوصله إلى مراد الله مع الصادقين
فى كل أحوالهم وأفعالهم وأقوالهم
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ}
قال الأمير الصنعانى فى إخلاص النية وصلاح الطوية:
ما بال أعمالك لا تقبل وما لميزانك لا يثقل
أفق أفق قبل حلول الثرى غفلت عمن عنك لا يغفل
أخلص لـه النية في كل ما تقول أو تترك أو تفعل
وجانب الدنيا ولذاتها فإنها السم الذي يقتل
كم هالك في حبها تالف يمشي عليها وهو لا يعقل
جاوزتها خمسين عاماً فما ترجوه في العمر الذي يقبل
إن كان أعمالك فيما مضى في كفة الميزان لا يثقل
فما الذي ترجوه من بعد ذا ليس سوى من ستره مسبل
رب البرايا من غدا فضلـه عن كل من أوجده يفضل
يا رب في دار الفنا رحمة فهي لمن فيها غدت تشمل

وقال أحد الصالحين فى بشرى مضاعفة الأعمال بالنية
 إذ هو فى مصر والحجيج بعرفات وبنيته يرجو الله
أن يكرم معهم بواسع الإحسان:
قفي روحي يوم الحج وقفة ولهان ويا قلب فاضرع 
ثم للحنانأنا العبد أرجو الفضل والقرب والرضا
 إغاثة مضطر إجابة حيرانبتوفيقك اللهم سارع
من دُعُوا إلى البيت في شوق إلى الرحمنوها أنا في مصر
 وقلبي معلق بأستار بيت الله والأركان
وفي (إنما الأعمال) صححت نيتي أيا رب أكرمني 
بواسع إحسانأيا رب هذي ليلة الوقفة التي بها
وقف الأفراد كل زمانسألت أغثني يا إلهي ونجني من
النفس والأعداء والشيطانأيا رب أولادي وكل أحبتي
أيا رب جملنا بأنوار قرآنووسع لنا الأرزاق يا رب واهدنا صراطك وامنحنا شهود عيان
البشرى الرابعة باب الرزق فى السماءوهى بشرى الرزق من السماء وهى تلك البشرى التى بسرها خاطب الله تعالى أحبابه من أهل الإيمان كاشفا لهم الستر عن تلك البشارة العظيمة من بشريات الرحمن وهو أول ما ينشغل
 به بنو الإنسان فى هذه الأكوان ألا وهى من أين تأتيهم الأرزاق؟فبشرهم الله ورفع عنهم الهموم وقال لهم إياكم أن تكونوا فى الرزق الدنيوي كالأعداء
فكل نظرهم طيني وإلى عالم الأرض دنى فقال لأحبابه
{وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ}
أى اطلبوا الرزق من السماء كيف ذلك ؟أى اطلبوه بالسمو إلى الله والتقرب إلى الله
واتباع شرع الله ومنهج حبيبه ومصطفاه من السعى الحلال فيمنحكم الله رضاه ويسخر
لكم كل شئ فى هذه الحياة ألم تسمعوا قول الله
{وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ}
فيطلبون الأرزاق من الأبواب التى أباحها
الخلاق فيكون فيها للعقول والأبدان الوفاق والإتفاق لأنها جاءت من أبواب إرتضاها المنعم الرزاق فإن عاكستهم الدنيا بصروفها وأنستهم الشدائد بشرى الله لهم بضمان أرزاقها
وأبطأ عليهم فتح هذه الأبواب بالحلال حذرهم من فتحها بالمعاصى ذو الجلال فإن غفل الناس وضلوا وطلبوا الأرزاق بالمعاصى وزلُّوا وعن بشرى الله إلتفتوا أو كلُّوا تكالبت
عليهم الهموم وتقاذفتهم الأنكاد والغموم ولم يصلوا
لمرادهم ولم يزدادوا إلا شقاءاً وعناءاً بل وتقلبوا بما
 كسبوه فى نار البعد عن الله وصرفها فى الملاهى 
والمفاسد لأنهم جلبوها بإغضاب الله بالمعاصى
وركوب كل دانى وقاصى وقد خاطب الله
أهل الإيمان فى موضع آخر بعد أن بشرهم بضمان
الرزق والأمان أن البشرى فى كتاب الله موجودة
بين أيدينا والشفاء متحقق بإذن الله مما نكابد 
ونعانى فقال تعالى فى محكم الكتاب
{ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ
وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ}
فالأمر مقسوم ومقدور ولم يبق علينا إلا السعى
ليظهره الله إلى النور قال الفقيه أبو محمد بن الناظر:
سمعت هاتفاً يقول لى فى نومى:
نحن قسمنا الأرزاق بين الورى فأدِّب النفس ولا تعترض
وسلِّم الأمر لأحكامنا فكل عبد رزقه قد فرض
وقال الإمام الشافعى فى قصيدة له بعنوان : توكلت على الله:
تَوكلْتُ في رِزْقي عَلَى اللَّهِ خَالقي وَأَيْقَنْتُ أنَّ اللَّهَ لاَ شَكَّ رَازِقي
وَمَا يَكُ مِنْ رِزْقِي فَلَيْسَ يَفوتُني وَلَو كَانَ في قَاع البَحَارِ الغَوامِقِ
سَيأْتي بِهِ اللَّهُ العظيم بِفَضْلِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِني اللسَانُ بِنَاطِقِ
فَفي أي شيءٍ تَذْهَبُ النَفْسُ حَسْرَةً وَقَدْ قَسَّمَ الرَّحْمَنُ رِزْقَ الْخَلاَئِق

وقال ابو تمام الشاعر:
تَحُومُ على إِدراكِ ماقد كُفِيتَه وتُقْبِلُ بالآمالِ فيهِ وتُدْبِرُ
ورِزْقُكَ لا يَعدوكَ إِمّا مُعَجَّلٌ على حالة يوماً وإِمّا مُؤَخَّرُ
ولا حَوْلُ مَحْتال ولا وَجْهُ مَذْهَبٍ ولا قَدَرٌ يُزجيه إِلاَّ المُقَدرُ
لقَدْ قَدَّرَ الأَرزاقَ منْ ليسَ عادِلاً عنِ العَدْلِ بينَ النَّاسٍ فيما يُقَدرُ

البشرى الخامسة بالإستغفار تجرى الخيرات أنهار
ثم تأتى البشرى التى فيها حلول لكثير من مشكلاتنا كيف ذلك؟أليس كلنا مشغولٌ بالرزق وهمِّ الرزق؟من شغله همُّ الرزق لنفسه أو لولده أو بنته وكلَّت الحيل وضاقت السبل فأين
هو من بشرى الإستغفار مفتاح الخيرات والإدرار
وسرِّ منابع الإنهار وهطول الأمطار لزوم الاستغفار
لقول الواحد الغفار
{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً}وقول الحبيب المختار فى سر الإستغفار
الذى يفتح الأبواب بالليل وبالنهار
{مَنْ لَزِمَ الاِسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرجاً
وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجاً ورَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ}
[9]
والأمر واضح للعيان ولا يحتاج للإكثار من الكلام
 و لا لتنويع البيان فليس بعد كلام الله الملكالحنان المنان
وبيان المصطفى قول ولا بيان ولكننا نورد بعضاً
من أقوال السادة الأئمة الأعلام من قول منظوم له مقام:
خليليَّ إنّي للشريعة حافظٌ ولكنْ
 لـها سرٌّ على عينه غطا
فَمَنْ لزم الاستغفار واستعمل الذي
 قد ألزمه الرحمن لم يمشِ في عمى
وسخَّر لـه كلَّ الوجودِ خلافة 
وفجَّر له الخيرات لا أين ولا متى
وقال الآخر مشيراً إلى بشرى الايات الكريمة
 وبركات الإستغفار العظيمة:
إذا أحدنا لم يكسب معاشاً لنفسه
 شكاالفقر أو لام الصديق فأكثرا
وصار على الأدنين كلاً وأوشكت
صلات ذوي القربى لـه أن تنكرا
فاستغفروا ربكم كما أمر ربنا
 يرسل السماء وجناتٍ وأنهرا
وأموال وأولاد فى نوح ذكرها
 ووعد الحبيب من الخير أبحرا
ومن الضيق مخرجا ومن الهم مفرجا
 ومن الرزاق أبوابٌ عزَّت فلا تحصرا
فكيف ترضى بالدون وقد جعلة
 فى الإستغفار مخرجاً لمن كان معسرا
وقال الشاعر المعروف جميل صدقي الزهاوي أكرمه الله:
قلت يا قَوم اِستَغفروا اللَه تنجوا إنه كانَ راحماً غفارا
إنه يرسل السماء عليكم مثلما تَبتَغونها مدرارا
إنه اللَه يجعل الأرض جنات وَيُجري من تحتها الأنهارا
إِنَّه اللَه وحده خلق الناس من الأرض تحتهم أَطوارا

إذا أردنا أن يرفع الله عنا عذاب الغلاء وعذاب الأمراض
 والوباء علينا
بالإكثار من الاســتغفار والمداومة على ذلك ليل نهـار
 هيا بلا أعذار ولا انتظار
[1]حاشية البيجرمي على الخطيب، إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين
[2] صحيح مسلم عن ابن عباس.
[3] صحيح مسلم عن ابن عباس.
[4] صحيح مسلم عن أبي هريرة.
[5] لأنك لو ضاعفت عدداً عشر مرات فقط لصار 1024 مثلاً ولوضاعفته عشرين مرة لصار 1048576 مثلاً، وإذا ضعفته ستون مرة لصار أكثر من مليون مليار ضعف بكثير ( أى واحد صحيح وعلى يمينه أكثر من ثمانية عشر صفراً)!!!
[6] عن عائشة رواه ابن حبان في صحيحه
[7] الدَّيلمي عن الْحكم بن عمير، جامع المسانيد والمراسيل.
[8] سنن النسائي الكبرى عن أبي الدرداء.
[9] رواه إبن عباس فى سنن أبى داوود ، وحلية الأولياء
http://www.fawzyabuzeid.com/news_d.php?id=175


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق