حادثة الإفك
إن أكبر من شنّع على أم المؤمنين التقية النقية السيدة عائشة كان اسمه مسطح بن أثاثه وكان ابن خالة سيدنا أبي بكر وكان أبو بكر يكفله ويرعاه ويعطيه نفقاته وأكله ولبسه وكل متطلباته ومع ذلك كان أول من شنع على السيدة عائشة فلما سمع سيدنا أبو بكر بذلك قرر أن يقطع عنه المعونة فيقول الله لسيدنا أبي بكر في القرآن وليس لحضرة النبي وذلك لكي نعلم أننا مطالبون بذلك وليس رسول الله وحده قال{وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}
فقال سيدنا رسول الله: أين أبو بكر ؟
تعالَ واسمع ماذا يقول لك حضرة الله؟فقال أبو بكر:
بلى يارب قد عفوت عنه وأمر أن تعود المعونة لمسطح
لماذا؟هكذا علمَّهم رسول الله لأن هذا ما يظهر جمال الإسلام وهنا تأتى لبنة أساسية لإزالة الأحقاد ومحو الإساءات
وآثارها ورأب الصدع وترميم شقوق جدران العلاقات التى تحدثها الخلافات أو المناوشات والمهاترات أخوك يريد أن يعتذر إليك وهو فى حرج و خجل مما فعله وقد لا يجد عذرا يقدمه ؟ يريد من المياه أن تعود لمجاريها ولكنك قد تصدَّه أو تردَّه لسوء فعله و ضعف عذره وهنا يأتى البلسم الشافى من النبى الكافى الوافى الذى ماترك بابا من الخير إلا ودلَّنا عليه فقال لكل واحد أتاه أخوه معتذرا لو كان عذره واهيا أو حتى باطلا لأنه يريد أن تصفح عنه وتسامحه على أية حال فقال فى معنى الحدبث الذى اشتهر عند الصلح(مَنْ أتَاهُ أخُوهُ مَتَنَصِّلاً فليقْبلْ ذلكَ مِنْهُ مُحِقا كَانَ أوْ مُبطلا فإنْ لمْ يفعلْ لمْ يَرِدْ على الحَوْض)والآن فلنتصفَّح عددا من النماذج التى ضربها لنا الصحابة فى اتباع النهج القرآنى فى الردِّ على الإساءة وأعطاهم التطبيقات العملية فى هذا الأمر المرة تلو المرة فقد دخل رجل في مجلسه وأخذ يقرع الصديق بكل أنواع السباب والشتائم وهو صامت فلما استطال الرجل همَّ الصديق أن يردَّ فما كان منه إلا أن قام من المجلس وتركه فأسرع وراءه الصديق أبو بكر وقال : يا رسول الله قد سمعت ما قال . قال: نعم يا أبا بكر كانت الملائكة ترد عنك فلما هممت أن تدافع عن نفسك ذهبت الملائكة وحضرت الشياطين ولا أجلس في مجلس فيه شيطان[إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا]سيدنا الأمام على وبقية السلف الصالح كان الناس أو الحاقدون يستفزُّونهم ليغضبوا ليخرجوهم عن طبيعتهم التى اهتدوا إليها على هدى الحبيب فلا يخرجون مشى وراءه يوما رجلٌ و هو يسبُّه و يلعنه والإمام لا يلتفت إليه ولا يردُّ عليه حتى اقترب من منازله ودياره فتوقف والتفت للرجل وقال له : ياهذا إن كان بقى عندك شىْ لم تقله فهاته لأنى اقتربت من دارى وقد يراك أحد الصبية فيؤذونك و أبوء بهذا الإثم فخجل الرجل من الإمام على و عاد أدراجه وعندها ظهر رجل كان يتبعهم عن كثب هزَّه الحلم والصفح فقال : ياأمام ما هذا الحلم؟لقد صبرت عليه فوق الطاقة والاستطاعة فأنشد الإمام علىٌ يقول :
يخاطبنى السفيه بكلِّ حمق .... فآبى أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهة و أزيد حلما .... . كعود زاده الإحراق طيبا رجل من أصحابه أسلم اسمه ثمامة بن الأشرس وكان من اليمامة شمال اليمن جنوب الجزيرة العربية وقد كان قمح مكة كله يأتي منها فذهب ثمامة مرة من المرات إلى الكعبة وسمعهم يشتمون رسول الله فقال: أتشتمون رسول الله والله لن تصلكم حبة من اليمامة حتى يأمر رسول الله وقطع عنهم القمح فقالوا: يا محمد ننشدك الرحم هنا يسألون عن صلة الرحم وهم من قطعوا الرحم ولكن رسول الله كما وصفه الله{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}فأمر ثمامة أن يعطيهم القمح هذا ما أمره الله به{فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} {أوصاني ربي بتسع أوصيكم بها أن أصل من قطعني وأن أعفو عمن ظلمني وأن أعطي من حرمني}فهم الذين قاطعوه وحاصروه ألم يكن يستطيع أن يحاصرهم؟كان يستطيع ذلك بل إنه حتى لم يدعُ عليهم ولكنه دعا لهم وقال{اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون}ومرة أخرى{اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون}وبعد أن رأينا كل هذه الأمثلة والوقائع المروية من الأقوال المسيئة والأفعال المؤذية الشنيعة من الكفار والمشركين والمنافقين والمسيئين وصانعى الفتنة ومروجى الإشاعات وغيرهم وسمعنا وشهدنا فى مقابلها الردود القرانية والأفعال النبوية والتوجيهات المحمدية فإنى أقول بكل وضوح وجلاء لو أن كل من يعادي الإسلام أو يسىء إليه سنعلن عليه الحرب مباشرة من إذاً سيشعر بجمال الإسلام و يتذوق كمال الإسلام؟بل إنه سيصير الجميع أعداءاً ألداء بلا أمل فى الرجوع إلى الحق أو الاهتداء لكن ننظر فإذا كان أعلن الحرب على الإسلام لعذر وجهل بالإسلام فيجب أن نتمهل لكي نعلمه أولاً ونصبر عليه إلى أن يعرف الإسلام والمسلمين إذا كان جاهلاً بالإسلام فعلينا أن نعلمه تعاليم الإسلام وأخلاق الإسلام وأحكام الإسلام وجمال الإسلام وجمال النبي عليه أفضل الصلاة وأتم السلام لكن إذا كان يقول ذلك مع كمال علمه بالإسلام فنعلن الحرب عليه لكن أعلن الحرب على الذي يبادئني وهو يعلم قدرى وحتى فى الأمثلة الحياتية اليومية واحد لا يعلم قدري وشتمني هل أرد عليه؟فأنا مثلاً أمشي في الشارع وهناك طفل لا يعرفني وشتمني هل أقاضيه ؟أو امرأة لا تعرفني وشتمتني هل أرد عليها؟لا ..على من أرد إذاً؟على من هو مثلي ويعرفني ويشتمني عامداً متعمداً وهذا هو الأمر الذي علمه رسول الله لأصحابه الكرام وعلى هذه الشاكلة نشأ أصحابه إلى يومنا هذا وليس معنى كل ما أسلفنا ألا نغضب لنبينا بل أرجوا أن يكون غضبنا لنبينا لنصحح أحوالنا ونقتدى به في سلوكنا وأفعالنا ونبلغ رسالته بعد ذلك إلى الخلق أجمعين فإن الله وعدنا أنه سينشر هذا الدين بهؤلاء الرجال الذين هم على نهج سيد المرسلين والآن و قد استبان لنا جليَّـا فيما سبق أن مهمَّة هذه الأمَّة هى مهمَّة الأنبياء والرسل ألا وهى دعوة الخلق إلى الحق فإنه لابد من مرحلة أساسية قبل أن يمكن لأى مسلم اليوم وفى أي يوم أن يدعو غيره ؟نأخذ هذا الأساس من خطابه لنا سبحانه و تعالى بقوله{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ}فإن المتبصر فى هذه الآية يرى العجب العجاب في ترتيب كلام الله فنحن نعتقد ونظنُّ ونوقن أن الإيمان هو البداية وأن الأعمال تتبع الإيمان لكنَّ الله جعل الإيمان في الترتيب تاليا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر فإذا فعلتم ذلك تؤمنون بالله فكأن من لم يأمر نفسه بالمعروف ولم ينهها عن المنكر فهو في حاجة إلى تجديد الإيمان بالله مع حضرة الله جلَّ في علاه لأن المؤمن الذي آمن إيماناً حقاً هو الذي يأمر نفسه ولا أقول يأمر غيره لأن النبي جعل الدعوة إلى الله لكم يا عباد الله على مراحل وأوضح ذلك و بينَّه بيانا عمليا شافيا ونظريا وافيا وطبَّـق هذا فى جميع مراحل دعوته ومن ورائه الصحابة و التابعون حتى ورد فى الأثر المشهور{ ادعو نفسك فإن استجابت فادعو غيرك}ومن هنا نجد أن من يدعو غيره قبل أن تستجيب نفسه لا يفيد بل ربما يسبب مشاكل جمَّة لا تنتهي مع العبيد كالذي يأكل فاكهة غضَّة لم تطب فمن يأكل العنب وهو حصرم يصاب في الحال بتعب في معدته وأمعائه ومن يأكل أي طعام قبل نضجه يصاب فوراً بتعب لأنه أكله قبل نضجه فالداعي الذي يدعوا إلى الله وكلنا قد كلفنا الله بهذه الدعوة هو الذي يأمر نفسه بالمعروف وينهى نفسه عن المنكر ثم يقوم بعد ذلك داعياً من يدعوا قال النبى راسماً للمنهاج فى أحاديث عدَّة وعلى روايات{ابدأ بنفسك}{وابدأ بمن تَعُول}{ابدأ بأمكَ وأختكَ وأخيكَ والأدنى فالأدنى ولاتنسوا الجيران} يبدأ بنفسه ثم بأهل بيته ثم الأقرب فالأقرب فإذا وجد استجابة عليه أن يوسِّع الدائرة لأن الله سيؤيده وسيسدِّده بعونه وتوفيقه ومعونته فهذه الأمة قد كلَّفها الله بهذه المهمة للخلق أجمعين وإذا قاموا بها فإن الله ضمن لهم في الدنيا حياة طيبة وفي الآخرة سعادة دائمة أما في الدنيا فيقول فيها الله{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ}ولم يقل من عَلِمَ ولا من عَلَّمَ ولكن من عَمِلَ لأن أول ما يطالب به المؤمن هو العمل بما علم فكل مسألة تعلَّمْتها أنت مطالب بالعمل بها وإلا ستحاسب عند الله على تركها والتفريط في العمل بها{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ}ماهي النتيجة؟أما في الدنيا{فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}وأما في الآخرة{وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}فإذا فقهنا واستوعبنا مراحل الدعوة إلى الله إبتداءاً من دعوة النفس وسلكنا دروبها مرحلة مرحلة بالعمل والإخلاص لله كما بين الشرع وأوضح المصطفى عليه الصلاة والسلام فإنه عندها قد جاء دورنا لدعوة غيرنا كيف ذلك؟إن الأمم السابقة قد أدوا دورهم وعلينا أن نؤدي دورنا لأن الله أقام هذه الأمة المحمديَّة كما أسلفنا البيان في مقام الأنبياء فهم السابقون ونحن اللاحقون وانظر معي إلى قول الله عزوجل حيث يقول عن السابقين{فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ(من الأنبياء والمرسلين)وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً}ويقول عن اللاحقين(وهم نحن إلى يوم الدين) {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً}فكما أنهم كانوا شهداءاً على قومهم في عصورهم فنحن شهداء على الأمم المعاصرة لنا والنبي شهيد على أهل القبل وأهل البعد لأنه شهيد على الجميع بأمر من يقول للشيء كن فيكون إذاً علينا أن نبلَّغ دعوة الله وأن نحمل رسالته وأن نصف للعالم أجمع كمال نعوته وجميل صفاته ليس بالألسن والعبارات ولا بالشرائط والتسجيلات ولكن بالأخلاق والسلوكيات التي يراها فينا أهل هذا العالم فيرى فينا أوصاف رسول الله ويرى فينا جمال الأخلاق و الصفات التي كان عليها والتى لا يراها جاحد إلا قرب من الله فإذا أظهرنا هذه الصفات بهذا الأسلوب التطبيقى فإن العالم كله سينفتح على دين الله ويدخلون في دين الله أفواجاً فقد كان النبى بجمال أخلاقه وكمال أوصافه
كما قال الإمام علي أن من رآه بديهة أحبَّه فهكذا يكون كل مسلم مجمَّل بهذا الجمال كل من يراه ولو كان على غير دين فإنه يحبَّه لا لأوصافه الحسية لكن لأوصافه المعنوية التي تجذب القلوب إلى الكمالات الإلهية لأن الله خلق القلوب ولو كانت أشد من الحجارة قسوة تميل وتحنُّ إلى الجمال والكمال وتشتاق إلى كريم الطباع وعظيم الخصال وهذا لا يكون إلا لله ربِّ العالمين ولسيد الأولين والآخرين ثم للمؤمنين الذين هم على أوصافه والذين أحسنوا متابعته في كل وقت وحين
ولذلك تجد أن من يدعوا الناس بلسانه وعنده علوم ربما تعجز عن حملها المكتبات والكتب يفرُّ منه الناس لأنه
يدعوهم بلسان غليظ وبخلق جاف والناس تفرُّ من ذلك فإن الحيوانات بذاتها تأنس لمن يميل إليها ويحاول أن يروِّضها بأخلاقه الجميلة وأفعال
http://www.fawzyabuzeid.com/news_d.php?id=175 |
Islam is religion of peace
السبت، 4 فبراير 2012
حادثة الإفك
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق