بيان من هم أهل السنة
وقد أحببنا أن نختم هذا التعليق اللطيف والنقد المنيف ببيان من هم أهل السنة والجماعة على
التحقيق، وذلك بذكر كلام ابن السبكي التاج رحمه الله تعالى الذي ذكره في شرح عقيدة ابن الحاجب
وأورده محقق كتاب “إشارات المرام من عبارات الإمام ” للعلامة البياضي رحمه الله تعالى في
ص298:
“إذا أطلق أهل السنة والجماعة فالمراد بهم الاشاعرة والماتريدية.
وقال ابن السبكي في شرح عقيدة ابن الحاجب :
” اعلم أن أهل السنة والجماعة كلهم قد اتفقوا على معتقد واحد فيما يجب ويجوز ويستحيل وإن
اختلفوا في الطرق والمبادئ الموصلة لذلك.
وبالجملة فهم بالاستقراء ثلاث طوائف
الأولى : أهل الحديث، ومعتقد مباديهم الأدلة السمعية – الكتاب والسنة والاجماع.
الثانية : أهل النظر العقلي وهم الأشعرية والحنفية (الماتريدية) وشيخ الأشعرية أبو الحسن
الأشعري، وشيخ الحنفية أبو منصور الماتريدي. وهم متفقون في المبادئ العقلية في كل مطلب
يتوقف السمع عليه، وفي المبادئ السمعية فيما يدرك العقل جوازه فقط والعقلية والسمعية في
غيرها،واتفقوا في جميع المطالب الاعتقادية الا في مسائل.
الثالثة : أهل الوجدان والكشف وهم الصوفية، ومباديهم مبادي أهل النظر والحديث في البداية
والكشف والإلهام في النهاية” أهـ.
وهو كلام في غاية الإفادة، ولاحظ أن مورد قسمة أهل السنة إلى هذه الطوائف الثلاثة إنما هو راجع
إلى مصدر أخذهم للعقائد، بمعنى إن الجميع من أهل السنة يأخذون بالكتاب والسنة والعقل، ولكن
بعضهم يركز في تثبيته للعقائد على النصوص الشرعية من الكتاب والسنة، وهؤلاء نحو الإمام
البيهقي وغيره، وهؤلاء لا يغفلون العقل ولا النظر العقلي، ولكن أكثر معتمدهم على المنقول،
وهؤلاء يسمون بأهل الحديث.
ومن أهل السنة مَن يركز أكثر على الأدلة العقلية والبراهين النظرية، كالإمام الرازي والغزالي
والتفتازاني وغيرهم من العلماء، وهؤاء لا يقال إنهم يغفلون الأخذ بالكتاب والسنة ولا يقال إنهم
يتهاونون بها، ولكنهم وجهوا أنظارهم إلى تحقيق الأدلة النظرية. وهؤلاء يكملون ما بدأته الطائفة
الأولى، ويسمون أهل الكلام والنظر.
وطائفة من أهل السنة من يركزون أكثر على المعاملة، والمقصود من هذا أنهم يرجعون في الاعتقاد
إلى طريقة أهل الحديث والنظر، ولكنهم يتميزون ببيان نتائج العقائد الدينية على روح الإنسان،
ويحاولون بيان ما يشعرون به في جنانهم باللسان، ومنهم أبو القاسم الجنيد والحارث المحاسبي
وغيرهم، ويحاولون إرشاد الإنسان إلى الطرق العملية التي تساعد على تثبيت العقائد المأخوذة
بالطرق السابقة. وهؤلاء يسمون بالصوفية أو أهل الذوق.
فالحاصل أن جميع هذه الطوائف عقائدهم واحدة، ولكن مآخذهم متنوعة، ونلاحظ أن كل واحدة من
هذه الطوائف لا تنكر مأخذ غيرها، ولكن كل واحدة تتميز بزيادة اعتمادها على نوع من الأدلة، فهو
تنوع تابع لتغاير طرق الاستدلال، وليس تابعا لتغاير المستدل عليه. بمعنى أن عقائد الجميع
واحدة، ولا يجوز أن يعتقد المحدث خلاف ما يعتقد به المتكلم، ولا يخالف الصوفي المتكلم. بل
الجميع ملتهم واحدة، وعقيدتهم واحدة، وهم على قلب رجل واحد. واختلاف طرقهم لاختلاف طبائع
الناس، فمن الناس من يميل بطبيعته إلى الذوق ومنهم من يميل إلى النظر ومنهم من يميل إلى
النقل بمجرده. وكل منهم ممدوح ليس بمقدوح، ولا اعتراض على واحد منهم.
ولا يخفى أن بعض الذين انتموا إلى الإسلام وانتسبوا إلى المحدثين قد ضلوا، فمالوا إلى التجسيم
أو غيرها من البدع، وأن بعض من انتمى إلى الإسلام وانتمى إلى أهل النظر والكلام، قد قال ببعض
ضلالات الفلاسفة وغيرهم، وأن من انتمى إلى الصوفية قد قال ببعض ضلالات الباطنية، ولكن
وجود هؤلاء المنحرفين لا يعني ذم أصل الطريقة.
وندعو الله تعالى أن يضع هذا الكتاب في كفة الحسنات في يوم الدين، وينفع به المسلمين.
وليس لنا إلى غير الله تعالى حاجة ولا مذهب تم إنجاز هذا الرد والتعليق في يوم واحد بتاريخ 26
من ذي القعدة سنة 1415 من الهجرة المباركة
الموافق 26/4/1995 م
سعيد فودة
الموافق 26/4/1995 م
سعيد فودة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق