Disqus for ومضات إيمانية

الثلاثاء، 21 مايو 2013

هل الأنبياء معصومون من الكبائر والصغائر ؟

: (( فمن يطع الله إن عصيته )) رواه مُسلم

نعم ، الأنبياء معصومون من الكبائر ومن الخطأ أو التقصير في التبليغ ، واختُلِف في العصمة من الصغائر وعموم الخطأ الذي يقع لبني آدم ، كما اختُلِف في عصمتهم قبل النبوة .

تفسير القرطبي:
"الأنبياء معصومون من الكبائر ومن الصغائر التي فيها رذيلة إجماعا".

تفسير الثعالبي:
"وأجمعت الأمة على عصمة الأنبياء من الكبائر ومن الصغائر التي فيها رذيلةٌ".

تفسير البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي:
قال ابن عطية: "وأجمع العلماء على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون من الكبائر ومن الصغائر التي هي رذائل".

دليل الفالحين شرح رياض الصالحين لابن علان الصديقي:
"الأنبياء معصومون من الكبائر بالإجماع، ومن الصغائر التي فيها رذائل".





قال ابن بطال ( ت : 449هـ) : 

(( ذكر الأنبياء صلى الله عليه وسلم فى حديث الشفاعة لخطاياهم ، فإن الناس اختلفوا هل يجوز وقوع الذنوب منهم ؟ فأجمعت الأمة على أنهم معصومون فى الرسالة ، و أنه لا تقع منهم الكبائر ، و اختلفوا فى جواز الصغائر عليهم فأطبقت المعتزلة و الخوارج على أنه لا يجوز وقوعها منهم ، و زعموا أن الرسل لا يجوز أن تقع منهم ما ينفر الناس عنهم و أنهم معصومون من ذلك . و هذا باطل لقيام الدليل مع التنزيل و حديث الرسول : ( أنه ليس كل ذنب كفرًا ) . وقولهم : إن البارى تجب عليه عصمة الأنبياء ، عليهم السلام ، من الذنوب فلا ينفر الناس عنهم بمواقعهم لها هو فاسد بخلاف القرآن له ، و ذلك أن الله تعالى قد أنزل كتابه وفيه متشابه مع سابق علمه أنه سيكون ذلك سببًا لكفر قوم، فقال تعالى : ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ فى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ﴾ [ آل عمران : 7] ، و قال تعالى: ﴿ وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ ﴾ [ النحل: 101] فكان التبديل الذى هو النسخ سببًا لكفرهم كما كان إنزاله متشابهًا سببًا لكفرهم، وقال أهل السنة: جائز وقوع الصغائر من الأنبياء، واحتجوا بقوله تعالى مخاطبًا لرسوله: ﴿ لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ﴾ [الفتح : 2] فأضاف إليه الذنب، وقد ذكر الله فى كتابه ذنوب الأنبياء فقال تعالى : ﴿ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ﴾ [طه : 121] ، وقال نوح لربه : ﴿ إِنَّ ابُنِى مِنْ أَهْلِى ﴾ [ هود: 45] ، فسأله أن ينجيه، وقد كان تقدم إليه تعالى فقال: ﴿ وَلاَ تُخَاطِبْنِى فِى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ ﴾ [هود: 37] ، وقال إبراهيم: ﴿ وَالَّذِى أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِى خَطِيئَتِى يَوْمَ الدِّينِ ﴾ [الشعراء: 82] ، وفى كتاب الله تعالى من ذكر خطايا الأنبياء ما لا خفاء به )) شرح ابن بطال لصحيح البخاري 10/439 – 440
قال ابن عبد البر ( ت : 463هـ) :

 الاستذكار لابن عبد البر 3/266
(( معْلُومٌ أَنَّهُ (عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ) لَمْ يُكَفِّرْ عَنْهُ إِلَّا الصَّغَائِرُ لِأَنَّهُ لَا يَأْتِي كَبِيرَةً أَبَدًا لَا هُوَ و َلَا أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ لِأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنَ الْكَبَائِرِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ))[]
قال القاضي عياض ( ت : 544هـ) :
(( وَأَمَّا الصَّغَائِر فَجَوَّزَهَا جَمَاعَة مِن السَّلَف وَ غَيْرِهِم عَلَى الْأَنْبِيَاء وَهُو مَذْهب أبي جَعْفَر الطَّبَرِيّ وَ غَيْرُه مِن الْفُقَهَاء وَ الْمُحَدّثِين وَ الْمُتَكَلّمِين ))[الشفا بتعريف حقوق المصطفى 2؟144] .

قال الآمدي (ت : 631 هـ ) :
(( اتفقت الأمة سوى الحشوية ومن جوز الكفر على الأنبياء على عصمتهم عن تعمده من غير نسيان ولا تأويل وإن اختلفوا في أن مدرك العصمة السمع كما ذهب إليه القاضي أبو بكر والمحققون من أصحابنا أو العقل كما ذهب إليه المعتزلة وأما إن كان فعل الكبيرة عن نسيان أو تأويل خطإ فقد اتفق الكل على جوازه سوى الرافضة أما ما ليس بكبيرة فإما أن يكون من قبيل ما يوجب الحكم على فاعله بالخسة ودناءة الهمة وسقوط المروءة كسرقة خبة أو كسرة فالحكم فيه كالحكم في الكبيرة وأما ما لا يكون من هذا القبيل كنظرة أو كلمة سفه نادرة في حالة غضب فقد اتفق أكثر أصحابنا وأكثر المعتزلة على جوازه عمدا وسهوا خلافا للشيعة مطلقا وخلافا للجبائي والنظام وجعفر بن مبشر في العمد ))[الإحكام في أصول الأحكام 1/226

وقال النووي ( ت : 676هـ ) :
(( و اختلفوا في وقوع غيرها من الصغائر منهم فذهب معظم الفقهاء والمحدثين والمتكلمين من السلف والخلف إلى جواز وقوعها منهم ))
شرح صحيح مسلم للنووي 3 / 54

و قال الذهبي ( ت: 748هـ):
(( وَقد يَقع مِنْهُم الذَّنب وَلَا يقرونَ عَلَيْهِ وَلَا يقرونَ على خطأ وَلَا فسق أصلا فهم منزهون عَن كل مَا يقْدَح فِي نبوتهم وَعَامة الْجُمْهُور الَّذين يجوزون عَلَيْهِم الصَّغَائِر يَقُولُونَ إِنَّهُم معصومون من الْإِقْرَار عَلَيْهَا ))[
المنتقى من منهاج الاعتدال في نقض كلام أهل الرفض والاعتزال ص 50



قال الإمام السمعاني في تفسيره : واعلم أن الأنبياء معصومون من الكبائر ، فأما الخطايا والصغائر فتجوز عليهم .

وقال ابن عطية : وأجمعت الأمة على عصمة الأنبياء في معنى التبليغ ، ومن الكبائر ، ومن الصغائر التي فيها رذيلة ، واختلف في غير ذلك من الصغائر ، والذي أقول به أنهم معصومون من الجميع . اهـ . وقال : والأنبياء معصومون من الكبائر ومن الصغائر التي فيها رذيلة إجماعا . اهـ .

وقال القرطبي : واختلف العلماء في هذا الباب ؛ هل وقع من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين صغائر من الذنوب يؤاخذون بها ويعاتبون عليها أم لا ؟ بعد اتفاقهم على أنهم معصومون من الكبائر ومن كل رذيلة فيها شَين ونقص إجماعا .

وقال : وقال جمهور من الفقهاء من أصحاب مالك وأبي حنيفة والشافعي : إنهم معصومون من الصغائر كلها كعصمتهم من الكبائر أجمعها ؛ لأنا أُمِرْنا باتباعهم في أفعالهم وآثارهم وسيرهم أمرًا مُطْلَقا من غير التزام قرينة ، فلو جوزنا عليهم الصغائر لم يمكن الإقتداء بهم ، إذ ليس كل فعل من أفعالهم يتميز مقصده مِن القُربة والإباحة ، أو الحظر أو المعصية ، ولا يصح أن يؤمر المرء بامتثال أمرٍ لعله معصية .

وقال : واختلفوا في الصغائر ، والذي عليه الأكثر أن ذلك غير جائز عليهم ، وصار بعضهم إلى تجويزها ، ولا أصل لهذه المقالة .

وقال بعض المتأخرين ممن ذهب إلى القول الأول : الذي ينبغي أن يُقال أن الله تعالى قد أخبر بوقوع ذنوب من بعضهم ونسبها إليهم وعاتبهم عليها ، وأخبروا بها عن نفوسهم وتنصَّلُوا منها وأشفقوا منها وتابوا ، وكل ذلك وَرَد في مواضع كثيرة لا يقبل التأويل جملتها ، وإن قبل ذلك آحادها ، وكل ذلك مما لا يُزْرِي بمناصبهم ، وإنما تلك الأمور التي وقعت منهم على جهة النُّدُور ، وعلى جهة الخطأ والنسيان ، أو تأويل دَعا إلى ذلك ؛ فهي بالنسبة إلى غيرهم حسنات ، وفي حقهم سيئات بالنسبة إلى مناصبهم وعُلُو أقدارهم .

وقال ابن كثير : أما الأنبياء عليهم السلام فكلهم معصومون مؤيدون من الله عز وجل ، وهذا مما لا خلاف فيه بين العلماء المحققين من السلف والخلف . اهـ .

ومن العلماء من فرّق بين التبليغ في الأقوال وبين التبليغ في الأفعال .

قال النووي : اِتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ كُلّ مَا كَانَ طَرِيقه الإِبْلاغ فِي الْقَوْل فَهُمْ مَعْصُومُونَ فِيهِ عَلَى كُلّ حَال ، وَأَمَّا مَا كَانَ طَرِيقه الإِبْلاغ فِي الْفِعْل ؛ فَذَهَبَ بَعْضهمْ إِلَى الْعِصْمَة فِيهِ رَأْسًا ... وَذَهَبَ مُعْظَم الْمُحَقِّقِينَ وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء إِلَى جَوَاز ذَلِكَ وَوُقُوعه مِنْهُمْ ، وَهَذَا هُوَ الْحَقّ ، ثُمَّ لا بُدَّ مِنْ تَنْبِيههمْ عَلَيْهِ ... وَكَذَلِكَ لا خِلاف أَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنْ الصَّغَائِر الَّتِي تُزْرِي بِفَاعِلِهَا وَتَحُطّ مَنْزِلَته وَتُسْقِط مُرُوءَته ، وَاخْتَلَفُوا فِي وُقُوع غَيْرهَا مِنْ الصَّغَائِر مِنْهُمْ ، فَذَهَبَ مُعْظَم الْفُقَهَاء وَالْمُحَدِّثِينَ وَالْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف إِلَى جَوَاز وُقُوعهَا مِنْهُمْ ، وَحُجَّتهمْ ظَوَاهِر الْقُرْآن وَالأَخْبَار

وقال الحافظ العراقي : فَأَمَّا الأَقْوَالُ فَهِيَ أَيْضًا عَلَى نَوْعَيْنِ :

مَا طَرِيقُهُ الْبَلاغُ ، وَهُمْ مَعْصُومُونَ فِيهِ مِنْ السَّهْوِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ ، كَمَا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاض . وَمَا لَيْسَ طَرِيقُهُ الْبَلاغَ مِنْ الأَخْبَارِ الَّتِي لا مُسْتَنَدَ لَهَا إلَى الأَحْكَامِ ، وَلا أَخْبَارِ الْمَعَادِ ، وَلا تُضَافُ إلَى وَحْيٍ ، بَلْ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا وَأَحْوَالِ نَفْسِهِ . اهـ .

أي : أنّ هذا النوع يجوز وقوع الخطأ فيه مِن قِبَل الأنبياء ؛ لأنه لا عِصمة لهم في أمور حياتهم ولا في اجتهاداتهم .

ودليل ذلك ما جاء في أول سورة ( عبس ) ، وقوله تعالى لِنبيِّه صلى الله عليه وسلم : (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ) ، وقوله تعالى : (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) . وغير ذلك .

ولذلك فإن الأنبياء يذكرون يوم القيامة ما كان منهم ، إما مع أُممهم ، وإما ما كان في حق أنفسهم .

وقد شارط نبينا صلى الله عليه وسلم ربّه تبارك وتعالى بأنه بَشَر – لا ينفكّ عن الطبيعة البشرية – وأن ما صَدَر منه في حال غضبه من سبّ أن يَجَعله ربه تبارك وتعالى أجْرا لِمن صَدَر ذلك في حقه .
فقد روى البخاري ومسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : اللَّهُمَّ فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَبَبْتُهُ فَاجْعَلْ ذَلِكَ لَهُ قُرْبَةً إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .

وفي صحيح مسلم من حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلانِ فَكَلَّمَاهُ بِشَيْءٍ - لا أَدْرِي مَا هُوَ - فَأَغْضَبَاهُ ، فَلَعَنَهُمَا وَسَبَّهُمَا ، فَلَمَّا خَرَجَا قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَصَابَ مِنْ الْخَيْرِ شَيْئًا مَا أَصَابَهُ هَذَانِ . قَالَ : وَمَا ذَاكِ ؟ قَالَتْ : قُلْتُ : لَعَنْتَهُمَا وَسَبَبْتَهُمَا . قَالَ : أَوَ مَا عَلِمْتِ مَا شَارَطْتُ عَلَيْهِ رَبِّي ؟ قُلْتُ : اللَّهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ، فَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ لَعَنْتُهُ أَوْ سَبَبْتُهُ فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق