Disqus for ومضات إيمانية

الثلاثاء، 21 مايو 2013

ابن الجوزى يحذر من المشبه والمجسمه


قال ابن الجوزي رحمه الله:
عجبت من اقوام يدعون العلم، ويميلون الى التشبيه بحملهم الاحاديث على ظواهرها، فلو امروها كما جاءت سلموا. ولكن ّ أقواما قصرت علومهم فرأت إن حمل الكلام على غير ظاهره نوع تعطيل، ولو فهموا سعة اللغة لم يظنوا هذا وما هم الا بمثابة قول الحجاج وقد مدحته احداهن فقالت :
إذا هبط الحجاج أرضا مريضة ... تتبع أقصى دائها فشفاها
شفاها من الداء العضال الذي بها... غلام إذا هز القناة شفاها

فما اتمت القصيدة ، قال لكاتبه: إقطع لسانها، فجاء ذاك الكاتب المغفل بالموسى.
فقالت له ويلك إنما قال أجزل لها العطاء. ثم ذهبت الى الحجاج فقالت: كاد والله يقطع مقولي.
فكذلك الظاهرية ( اي الذي تمسكوا بظاهر ما تشابه من الكتاب والسنة وليس اتباع داود الظاهري ) الذين لم يسلموا بالتسليم، فإنه من قرأ الايات والاحاديث ولم يزد، لم ألمه، وهذه طريقة السلف( أي الغالب عليهم انهم لا يؤولون تاويلا تفصيليا لكنه ثبت عنهم انهم فصلوا )
فأما من قال: الحديث يقتضي كذا، ويحمل على كذا، مثل ان يقول (اي المشبه ): استوى على العرش بذاته وينزل الى السماء الدنيا بذاته فهذه زيادة فهمها قائلها من الحس لا من النقل.

ولقد عجبت لرجل اندلسي يقال له ابن عبد البر صنف كتاب التمهيد فذكر فيه حديث النزول الى السماء فقال: "هذا يدل على ان الله تعالى على العرش لانه لولا ذلك لما كان لقوله ينزل معنى". وهذا كلام جاهل بمعرفة الله عز وجل لان هذا استلف من حسه ما يعرفه من نزول الاجسام. فقاس الحق عليه!

فأين هؤلاء واتباع الاثر؟! ولقد تكلموا بأقبح ما يتكلم به المتأولون، ثم عابوا المتكلمين.


واعلم ايها الطالب للرشاد، انه سبق الينا من العقل والنقل اصلان راسخان. عليهما مرت الاحاديث كلها. أما النقل فقوله سبحانه وتعالى ( ليس كمثله شيء) ومن فهم هذا لم يحمل وصفا له على ما يوجب الحس.

واما العقل فإنه قد علم مباينة الصانع للمصنوعات واستدل على حدوثها بتغيرها ودخول الانفعال عليها فثبت له قدم الصانع.

واعجبا كل العجب من زاد لم يفهم طبيعة الكلام ؟
اليس في الحديث الصحيح أن الموت يذبح بين الجنة والنار؟
اوليس العقل اذا استغنى في هذا صرف الامر عن حقيقته لما ثبت عند من يفهم ماهية الموت انه لا يذبح؟

هب ان رجلا تاول فقال: الموت عرض يوجب بطلان الحياة. فكيف يموت الموت؟
فإذا قيل له فما تصنع بالحديث؟
قال: هذا ضربُ مَثَل بإقامة صورة ليُعلم بتلك الصورة الحسية فوات ذلك المعنى.
قلنا له رُوي في الصحيح تأتي البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان
فقال الكلام لا يكون غمامة
قلنا له افتعطل النقل، قال: لا ولكن أقول يأتي ثوابهما
قلنا: له فما الدليل الصارف لك عن هذه الحقائق ؟
فقال: علمي بان الكلام لا يتشبه بالاجسام، والموت لا يذبح ذبح الانعام. ولقد علمتم سعة لغة العرب.

إن احدا ً لو صرف الكلام على هذا النحو ما ضاقت اعطانكم من سماع مثل هذا منه. وإذن لقال له: العلماء صدقت. هكذا تقول في تفسير مجيء البقرة، وفي ذبح الموت. اليس من حقه ان يقول ( أي للمشبهة): واعجبا لكم ، صرفتم عن الموت والكلام ما لا يليق بهماأ، حفظا لما علمتم من حقائقهما فكيف لم تصرفوا عن الإله القديم ما يوجب التشبيه له بخلقه، بما قد دل الدليل على تنزيهه عنه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق