Disqus for ومضات إيمانية

السبت، 18 مايو 2013

الإحتفال بالليالى والمناسبات الدينية

في كل عام يفتتن العالم الإسلامي بصيحات تبدع الاحتفال بالمناسبات النبوية وذكرياتها العطرة، وينغصون على المحبين حبهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويحار الشباب المسلم المتحمس، بسبب تلك المقولات المغالية في التحريم، ويضيع بسبب ذلك لأنه يسمع التحريم والتبديع ويتقطع من داخله، بين حبه لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم وبين تلك الفتاوى المحرمة، وتحصل له الفتنة وصدق الله: (أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُل عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ) (التوبة:126). ومن الأمور التي يعلون أصواتهم بتبديعها موضوع الاحتفال بالمولد الشريف، والاحتفال بالإسراء والمعراج، وبأول السنة الهجرية، والمناسبات النبوية
 دراسة الاحتفال بالمناسبات النبوية من الناحية العقلية الشرعية الإيمانية المحبة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم والسياسة الشرعية والسياسة الدعوية:
1- إن واقع الأمة الإسلامية اليوم يفرض عليها الاحتفال بجميع الذكريات النبوية الشريفة، وبالمناسبات الإسلامية كلها كسياسة شرعية لتعليم الأجيال أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وتاريخه وسيرته هي الهوية الإسلامية وهي البوصلة التي تتجه الأجيال نحوها، وذلك في خضم العولمة الاستعمارية الحديثة على الأمة الإسلامية، فإذا كان الاحتفال مستحباً أو مباحاً في السابق فهو الآن ضرورة شرعية دعوية للأمة بكاملها والله أعلم.
2- لماذا يجيز المعارضون الاحتفال بالأشخاص وإقامة الاحتفالات والمؤتمرات والندوات ودعوة الكتاب من مختلف أرجاء العالم للكتابة عن بعض محبيهم، ولا يجيزون الاحتفال بسيد الخلق وحبيب الحق سيد الأولين والآخرين سيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!!!
3- الاحتفال بالمناسبات النبوية سياسة شرعية:
فإن لم يحتفلوا به نبياً ورسولاً فليحتفلوا به سياسياً، كأول مؤسس للدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة عليه الصلاة والسلام.
ومن خدمة الحرمين الشريفين خدمة نبي ورسول الحرمين الشريفين، والاحتفال بذكرياته وأيامه صلى الله عليه وآله وسلم في مسجده الشريف، والحرم المكي الذي بعث منه، وانطلقت دعوته في دياره ورحابه المباركة، فهو أولى بالخدمة من غيره، مهما علا قدره وبلغت مسمياته.

4- إن أي احترام أو تعظيم لأي شخص مهما علا قدره يجب أن يكون منزلته أقل بكثير من منزلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في نفس المؤمن، ومن عكس ذلك فهو منافق أو خارج من الملة، أو ضعيف الإيمان، للحديث الذي أخرجه البخاري واللفظ له ومسلم عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ).
5- إن تعظيم وتوقير واحترام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من احترام مرسله وهو الله تعالى، والله تعالى يغار على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ويحب المدح له ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم:
أخرج البخاري واللفظ له ومسلم عن سَعْد بْن عُبَادَةَ قال: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلاً مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
(أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ!!، وَاللَّهِ لأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي، وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنْ اللَّهِ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ الْمُبَشِّرِينَ وَالْمُنْذِرِينَ، وَلا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنْ اللَّهِ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ اللَّهُ الْجَنَّةَ).

وإن منزلة الرسول عليه الصلاة والسلام عند الله تعالى أنه حبيبه ومصطفاه وأول من خلق، وهو في النفوس المؤمنة أعلى وأغلى من أي شخص على الإطلاق وأغلى من كل اعتبار، حتى أنه لا يصح إيمان عبد إن لم يكن الأمر كذلك:
قول النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ).
هذا من ناحية إجمال الرد على المنكر بالاحتفال بالمناسبات النبوية.



سأل الأستاذ الشيخ أحمد السبكى المحامى الشرعى وخادم طريق آل العزائم الإمام محمد ماضي أبو العزائم فى درس الإسراء قائلاً يا سيدى أن كثير من المسلمين يحتفلون بليلة الإسراء فهل ذلك من السنة فأجاب رضى الله عنه
 أن أهل القلوب السليمة من شوب المقتضيات البشرية لها صفاء خصوصى يجذبها إلى إحياء ليالى الذكرى وتلك الآيات العظمى كما يحس الإنسان بألم الجوع فيتحرك للأكل بشهوة ولذة فكذلك إحياء تلك الآثار وتجديد ذاكراها غذاء للقلوب وتقوى به كما تقوى الأجسام بالطعام وإن إحياء تلك ا لليالى مأخوذة من السنة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة ليلة الإسراء جلس يحدث بها وهو يعلم إنكار قومه عليه فى الأمور المعقولة فكيف بالأمور المتعلقة بغرائب قدرة الله وعجائب حكمته ولم يمنعه صلى الله عليه وسلم ما يعلمه من إنكار قومه أن يحدث بها علناً وكفى بعمله صلى الله عليه وسلم حجة.
ولما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتدارسون القرآن فى كل يوم كما نتدارس أعمالنا الدنيوية نحن فكان لا يمضى على السيد منهم رضى الله عنهم أيام قلائل إلا وقد تلا آية الإسراء وآية المعراج فشهد أنوارها جلية وأسرارها علنية فكانت كل أيام السنة ذكرى لتلك الآيات الكبرى بل كانت كل الأنفاس حضوراً واستغراقاً فى مشاهدة الأنوار ونحن الآن كما تعلم يا بنى قد شغلنا الحس وما أحاط به من الغواشى والجسم وما اتقضاه من الكماليات عن تلك المعانى الروحانية والأسرار القرآنية وإذا نحن تركنا العمل بالسنة لإحياء بتلك الليلة وبيان أسرارها لمن نحب ومن يحبنا فإنا نكون قد تركنا أهم عمل تنتفع به الأرواح وتقوى به الأشباح للمسارعة إلى إحياء السنة وإعلاء الكلمة وأنى ليسرنى أن كل مسلم يقوم بإحياء تلك الليلة لتشتاق النفوس إلى التجمل بجمال الشوق إلى الله تعالى وتحن الأرواح إلى عالمها الأعلى وأن كل مجتمع يعين على خير أو يجدد ما اندرس من معالم الخير أن لم يكن مندوباً فهو متعين بحسب مقتضيات الزمان والمكان. وإنا فى زمان غفلت فيه القلوب عن علام الغيوب ونسيت فيه النفوس الدار الآخرة ولكل زمان مقتضيات يقيم الله لها رجالاً من أهل صفوته يلهمهم الخير وعمله جعلنا لله منهم ومعهم.

 ونسأل هل المناسبات النبوية ليست من الشرع؟ وهل تذكير الناس وحثهم للحضور إلى المسجد والمهرجانات الخطابية عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم محدثة بدعية ضلالية؟! والعياذ بالله تعالى.
وأين تبليغ الدعوة للناس، التي كان صلى الله عليه وآله وسلم يعمل بها في مكة فيأتي في مواسم الحج فيعرض على الحجاج دعوته، وعلى دار الندوة فيدعوهم!، وأين حث الناس على طلب العلم!، وأين فعل الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه عندما نزل إلى السوق وهو ينادي أهل السوق: أنتم في السوق وميراث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقسم في المسجد؟!!، فركضوا فوجدوا دروس العلم!!.
وهل الملصقات والدورات الشرعية والمخيميات الربيعية تصبح من المحدثات، لأنها لم تكن على عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؟!، وهل كل المباحات التي لم تكن على عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تصبح حراماً؟!.

إن أي أمر أو أي خبر يخص الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فهو منه، والتذكير به واجب شرعي.
بل إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو نصف العقيدة بدليل نطق الشهادتين: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فمن أخل بها أخل بعقيدته.
(من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة) حديث صحيح.


فالدعوة إلى الاحتفال بالمناسبات النبوية سنة حسنة، والدعوة إلى عدم الاحتفال ومحاربته سنة سيئة لها دلالات خطيرة على إيمان دعاتها والله أعلم.
3- ومن الحجج المستمرة والدائمة في تحريم أي شيء لدى بعض المعارضين:
أن تلك الاحتفالات لم يفعلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا الصحابة رضوان الله عليهم ولا التابعون، وإنما حصلت فيما بعد، وأنه لو كان فيها خير لفعلها صاحب الرسالة، وأنه لو كان من الشرع لأمر بها صاحب الشرع صلى الله عليه وآله وسلم.

والجواب: نعم، لم يحصل بمسمى (الاحتفال) لأن هذا المصطلح ولد حديثاً، ولكن حصل بغير هذا المسمى، لقد كان الصحابة يحتفلون بالرسول عليه الصلاة والسلام في كل يوم وفي كل صلاة وفي كل لحظة يخرج صلى الله عليه وآله وسلم من بيته، فيتسارعون إليه ويبتهجون ويفرحون بخروجه إليهم، ويطرقون رؤوسهم من جلال هيبته، وجمال مطلعه، وينتظرون أحد الأعراب في الدخول ليسأل سؤلاً، ويتناوبون للقدوم عليه لمن كان بيته بعيداً:
لقد كان الصحابة رضي الله عنهم يتذاكرون فيه من سير الأنبياء ، فأرشدهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى ذكر سيرته ، لأنه أفضل وأكمل الأنبياء والجامع لما كان متفرقا فيهم ، وما المولد إلا عمل بهذا الإرشاد النبوي لأن فيه ذكرا لسيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم
فقد أخرج الترمذي (تحفة الأحوذي 1/86) وقال الترمذي : غريب ، والدارمي (ا/26) والقاضي عياض في الشفا (1/408) :
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : جلس ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون ، قال بعضهم : إن الله اتخذ إبراهيم خليلا ، وقال آخر : موسى كلمه الله تكليما ، وقال آخر : فعيسى كلمة الله وروحه ، وقال آخر : آدم اصطفاه الله ، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال : (قد سمعت كلامكم وعجبكم ، إن ابراهيم خليل الله وهو كذلك ، وموسى نجي الله وهو كذلك ، وعيسى روحه وكلمته وهو كذلك ، وآدم اصطفاه الله وهو كذلك ، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر ، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ، تحته آدم فمن دونه ولا فخر ، وأنا أول شافع وأول مشفع يوم القيامة ولا فخر ، وأنا أول من يحرك حلق الجنة فيفتح الله لي فيدخلنيها ، ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر ، وأنا أكرم الأولين والآخرين على الله ولا فخر). وهو حديث قوي ، وله شواهد رواه البيهقي في دلائل النبوة (5/270-500) . وأصل الحديث في الصحيحين.

والجواب الجامع: إن أحكام المباح ليست من أحكام الأمر والنهي، لأن الأمر القرآني والنبوي متعلق بالفرائض والواجبات والسنن، والنهي متعلق بالحرمة والكراهة، والاحتفال بالمصطلح الحديث هو من المباحات، وليس من الأوامر والنواهي، والمباحات ينظر في حكمها إلى أجزائها وتفصيلاتها، فإن كان أي جزء فيها محرماً فتحرم، وإن خلت من التحريم أصبحت حلالاً.
ومعلوم أن التحريم هو الذي يحتاج إلى نص، كما أن تكفير المسلم الذي ينطق الشهادتين يحتاج إلى نص يكون دليله ودلالته مئة بالمئة على تكفيره حتى يكفر، فدائرة المباح أوسع الدوائر، وجعلها من أمور العبادة تحتاج إلى نص فيها إنما هو زيادة على الشرع والتشريع، وتقول على الله تعالى، وافتراء على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

ومن الأجوبة الجامعة لكل ما يزعمونه من تحريم أو تبديع أو تضليل بأنه عبادة والعبادة فيها التوقف، فنقول: العبادات قسمان:
الأول: عبادات مخصوصة هي الصلاة والزكاة والصوم والحج.
والثاني: عبادات عامة مطلقة غير مقيدة وهي باقي أمور الحياة لأنه تتحول العادات إلى عبادات بالنية، فالقول بإطلاق أمور العبادات العامة أنها من الأمور التوقيفية غير دقيق وإنما هو للعبادات المخصوصة وليس من أمور العبادات العامة، وإلا لزم في كل خطوة من أمور الحياة أن يكون هناك نص توقيفي وهذا لا يقول به أحد من العلماء.

بعض الأدلة على جواز الاحتفال بالمناسبات النبوية: 1- احتفال الصحابة رضوان الله عليهم بيوم الهجرة في عهد أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وجعله ابتداء السنة التي يؤرخون فيها، ومناقشتهم أي أيام الله تعالى أفضل للتأريخ بها: أهي الغزوات أم فتح مكة أم ليلة القدر أم ليلة الإسراء فأجمعوا على يوم الهجرة، فهل في ذلك شك أيضاً؟!.
2- احتفال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بيوم العيد بضرب الدفوف ورقص الحبشة في المسجد النبوي، ليعلم أهل الكتاب أن في ديننا فسحة، فلماذا يريد المعترض أن يغلق الفسحة؟! وما مصلحته في ذلك؟!
روى البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر رضي الله عنه دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تغنيان وتدففان وتضربان والنبي صلى الله عليه وسلم متغش بثوبه فانتهرهما أبو بكر فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن وجهه فقال: (دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد) وتلك الأيام أيام منى.
وقالت عائشة: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترني وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد فزجرهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (دعهم أمنا بني أرفدة) يعني من الأمن.

وروى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث قالت: وليستا بمغنيتين، فقال أبو بكر رضي الله عنه: أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! وذلك في يوم عيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا بكر إن لكل قوم عيداً، وهذا عيدنا) وفي رواية: جاريتان تلعبان بدف.
وروى البخاري في صحيحه عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث، فاضطجع على الفراش، وحول وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني وقال: مزمارة الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأقبل عليه رسول الله عليه السلام فقال: (دعهما)، فلما غفل غمزتهما فخرجتا، وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب، فإما سألت النبي صلى الله عليه وسلم وإما قال: (تشتهين تنظرين؟)، فقلت: نعم، فأقامني وراءه خدي على خده، وهو يقول: (دونكم يا بني أرفدة)، حتى إذا مللت قال: (حسبك؟)، قلت: نعم، قال: (فاذهبي).
والشاهد هو إظهار الفرح بالعيد والمواسم وبصاحب الرسالة ومناسباته النبوية.
3- إن الحديث عن المناسبة النبوية إنما يدخل في إحياء سنن الرسول صلى الله عليه وسلم، وإن منعها وتحريمها هو الخطأ بعينه:

فقد أخرج الترمذي في سننه عن كثير بن عبد الله هو ابن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال بن الحارث: (اعلم)، قال: ما أعلم يا رسول الله؟ قال: (اعلم يا بلال)!، قال: ما أعلم يا رسول الله؟
قال: (إنه من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي، فإن له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً، ومن ابتدع بدعة ضلالة لا ترضي الله ورسوله كان عليه مثل آثام من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزار الناس شيئاً) قال أبو عيسى هذا حديث حسن.

فعدم الاحتفال وعدم تجميع الناس لسماع سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو: (بدعة ضلالة لا ترضي الله ولا رسوله) صلى الله عليه وآله وسلم، والمعترض على الاحتفال (عليه مثل آثام من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزار الناس شيئاً). لأنه لا يريد سماع آيات القرآن تتلى في فضل الرسول صلى الله وآله وسلم أو رواية السيرة النبوية والأحاديث النبوية وتجميع الناس لسماعهم.

4- إن الاحتفال بالمناسبات النبوية هو رفع لمكانة وقدر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في نفوس الأمة والأجيال وتحقيقاً لقوله تعالى:(وَرَفَعْنَا لكَ ذِكْرَكَ) (الشرح:4) والعكس بالعكس!!!. والمعاكس المشاكس وقع في المحظور.
5- احتفال القرآن بالأحداث التاريخية النبوية فأصبحت قرآنا يتلى على مر الزمان، فمثلاً احتفال القرآن:
آ- بيوم الفرقان يوم الانتصار المؤزر في أول واقعة قتال بين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والمشركين في بدر، فقال سبحانه ممتناً على المسلمين بنصره وتأييده:
(وَلقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لعَلكُمْ تَشْكُرُونَ) (آل عمران:123) (وَمَا أَنْزَلنَا عَلى عَبْدِنَا يَوْمَ الفُرْقَانِ يَوْمَ التَقَى الجَمْعَانِ وَاللهُ عَلى كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الأنفال:41) هو من قبيل الاهتمام والاحتفال بذلك اليوم.

ب- وبيوم الإسراء نزل القرآن في افتتاح سورة كاملة سميت بالإسراء:
(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (1) سورة الإسراء. وانطلق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى الناس فرحاً مستبشراً بالإسراء يبلغ الناس بها.
ج- وبغزوة أحد، والأحزاب وفتح مكة وحنين وغيرها من الأحداث.

6- إن الله تعالى حذر الأمة المسلمة مما وقع فيه أهل الكتاب من الغلو في الدين، والغلو يكون في التحريم والتبديع والتضليل، وحذر من اتباع الهوى في تصدير الفتاوى، لأن ذلك منهج أهل الضلال:
(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ) (المائدة:77) وتحريم الاحتفال بالمناسبات النبوية من الغلو في التحريم الذي لا أساس له في الدين، ومخالف لمنهج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:

ففي صحيح البخاري ج1/ص23 -باب الدين يسر وقول النبي صلى الله عليه وسلم أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة- :
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا؛ وقاربوا؛ وأبشروا؛ واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة).
قال النووي في كتابه رياض الصالحين ج1/ص54:
وفي رواية له: (سددوا وقاربوا واغدوا وروحوا وشيء من الدلجة القصد القصد تبلغوا)( ).
والتيسير في الفتوى منهج نبوي كريم، ففي صحيح البخاري ج3/ص1306 عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها).
فتحريم المباح من التشدد في الدين وليس من التيسير، والله أعلم.


7- إن الله تعالى قص على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بين الفينة والأخرى في مسار الدعوة النبوية قصص الأنبياء والرسل لتثبيت قلبه، فمن باب أولى رواية السيرة النبوية على المسلمين لتثبيت أفئدتهم على الإيمان:
(وَكُلاًًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) (هود:120).
وجعل الله تعالى تنزيل كتابه منجماً لتثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أي جعل له مناسبات لتنزيله، وفي كتب التفسير وعلوم القرآنم يوجد مبحث أسباب نزول القرآن، أي كانت الآيات تتنزل لمناسبة معينة، فلنتقدي بالقرآن، ، بالاحتفال بالمناسبات النبوية والإسلامية لتثبيت أفئدة المسلمين:
(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً) (الفرقان:32). 8- رواية القصص الإيمانية في المناسبات النبوية والإسلامية تنفيذ لأمر الله تعالى: (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (لأعراف:176) وإن إجابة الدعوة للاحتفال بالمناسبات النبوية من باب إجابة دعوة الداعي إلى الله تعالى، فعند الإعلان عن الاحتفال بالمناسبة النبوية إنما هي بمثابة الإعلان لسماع كلمة الإيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم:

(يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) (الاحقاف:31) وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْدُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (الاحقاف:32).
والذي لا يستجيب هو الآثم، فكيف بالذي يحرم أو يبدع أو يضلل ذلك، فكيف ستكون عقوبته من الله تعالى، ومن رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وبأي وجه سيلاقي وجه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؟!.
9- إن أخبار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو أعظم شعيرة في الإسلام، والله تعالى أمرنا بتعظيم شعائره فقال سبحانه:( وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ {32} وقال تعالى: (وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30).
قال الإمام الحليمي في شعب الإيمان : (إن التعظيم منزلة فوق المحبة ، فحق علينا أن نحبه ونبجله ونعظمه أكثر من إجلال عبد لسيده .. إلى أن قال : وبمثل هذا نطق الكتاب ووردت أوامر الله تعالى بالآيات والأحاديث) انتهى( ) .

10- إن القرآن الكريم دعا الأمة إلى إظهار الفرح على فضل الله أينما وجد على وجه الإطلاق بدون أي تخصيص أو تقييد: (قُل بِفَضْل اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلكَ فَليَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (يونس:58) وإن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو أعظم فضل وهدية من الله تعالى إلى الإنسانية جميعاً، حتى قال صلى الله عليه وآله وسلم: (أنا الرحمة المهداة) أي هدية من الله إلى الانسانية، فلا بد من إظهار الفرح بكل حياته بدءاً من الولادة التي سبقها إرهاصات النبوة للتنبيه على قرب ولادته، وحتى انتقاله إلى الرفيق الأعلى.

11- إن القرآن الكريم دعا الأمة إلى التذكر والتذكير والاعتبار بأيام الله تعالى التي حصل فيها حوادث إيمانية، وأمر بتذكير الناس بها:
)وَلقَدْ أَرْسَلنَا مُوسَى بِآياتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِي ذَلكَ لآياتٍ لكُل صَبَّارٍ شَكُورٍ) (ابراهيم:5).
فقوله تعالى (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ ) فالتذكير بأيام الله تعالى أمر رباني، والاحتفالات من قبيل التذكير بأيام الله تعالى التي نصر فيها رسوله وعزز مكانته، وإن ذلك من الآيات الباهرة التي يحتاجها الداعي إلى الله تعالى لتزيده من الصبر والشكر في مسيرة دعوته ابتغاء وجه الله تعالى.

12- إن الرسول عندما هاجر إلى المدينة المنورة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، وكان قبل هجرته يصومه في مكة، ثم تركه بعد أن فرض رمضان، ثم عاد لصومه تكريماً ليوم نجاة سيدنا موسى فيه:
كما روى البخاري في صحيحه أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالتْ كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الجَاهِليَّةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ يَصُومُهُ، فَلمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تَرَكَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ).
ثم وجد اليهود يصومونه فسأل عن سبب صومهم، فقالوا: هذا يوم نجا الله فيه موسى من فرعون، فما كان من الرسول إلا أن أحيا هذه الذكرى ولم يمتها:
فروى البخاري في صحيحه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَال قَدِمَ النَّبِيُّ صَلى اللهُ عَليْهِ وَسَلمَ المَدِينَةَ فَرَأَى اليَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَال: (مَا هَذَا؟)، قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللهُ بَنِي إِسْرَائِيل مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى قَال: (فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ) فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ).
وأضاف إليها يوماً آخر لكي يخالف اليهود فروى مُسْلم في صحيحه عَنْ اِبْن عَبَّاس رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال: (لئِنْ بَقِيت إِلى قَابِلٍ لأَصُومَن التَّاسِعَ فَمَاتَ قَبْل ذَلكَ).
فإحياؤه صلى الله عليه وآله وسلم ذكرى يوم نجاة سيدنا موسى عليه السلام دليل على الاهتمام بأيام الله تعالى.
وقد توسع ابن حجر العسقلاني في بيان هذا الحديث فقال في شرحه في فتح الباري ما يلي:
قَال القُرْطُبِيُّ : لعَل قُرَيْشًا كَانُوا يَسْتَنِدُونَ فِي صَوْمه إِلى شَرْعِ مَنْ مَضَى كَإِبْرَاهِيمَ، وَصَوْم رَسُول الله صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُون بِحُكْمِ المُوَافَقَةِ لهُمْ كَمَا فِي الحَجِّ، أَوْ أَذِنَ اللهُ لهُ فِي صِيَامِهِ عَلى أَنَّهُ فِعْلُ خَيْرٍ، فَلمَّا هَاجَرَ وَوَجَدَ اليَهُود يَصُومُونَهُ، وَسَأَلهُمْ وَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ اِحْتَمَل ذَلكَ أَنْ يَكُون ذَلكَ اِسْتِئلافًا لليَهُودِ كَمَا اِسْتَأْلفَهُمْ بِاسْتِقْبَال قِبْلتِهِمْ، وَيَحْتَمِل غَيْر ذَلكَ . وَعَلى كُلّ حَال فَلمْ يَصُمْهُ اِقْتِدَاءً بِهِمَا فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومهُ قَبْل ذَلكَ وَكَانَ ذَلكَ فِي الوَقْت الذِي يُحِبُّ فِيهِ مُوَافَقَة أَهْل الكِتَاب فِيمَا لمْ يُنْهَ عَنْهُ .
وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلم مِنْ طَرِيق أَبِي غَطَفَان بْن طَرِيفٍ قال سَمِعْت اِبْن عَبَّاس يَقُول: صَامَ رَسُول الله صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ عَاشُورَاء وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، قَالُوا: إنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ اليَهُود وَالنَّصَارَى " الحَدِيثَ .
وَاسْتُشْكِل بِأَنَّ التَّعْليل بِنَجَاةِ مُوسَى وَغَرَق فِرْعَوْنَ يَخْتَصُّ بِمُوسَى وَاليَهُود، وَأُجِيبَ بِاحْتِمَال أَنْ يَكُون عِيسَى كَانَ يَصُومُهُ وَهُوَ مِمَّا لمْ يُنْسَخْ مِنْ شَرِيعَة مُوسَى لأَنَّ كَثِيرًا مِنْهَا مَا نُسِخَ بِشَرِيعَةِ عِيسَى لقَوْلهِ تَعَالى: ( وَلأُحِل لكُمْ بَعْضَ الذِي حُرِّمَ عَليْكُمْ ) وَيُقَال: إِنَّ أَكْثَر الأَحْكَام الفَرْعِيَّة إِنَّمَا تَتَلقَّاهَا النَّصَارَى مِنْ التَّوْرَاة .
وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَد مِنْ وَجْه آخَر عَنْ اِبْن عَبَّاس زِيَادَة فِي سَبَب صِيَام اليَهُود لهُ وَحَاصِلُهَا أَنَّ السَّفِينَة اِسْتَوَتْ عَلى الجُودِيِّ فِيهِ فَصَامَهُ نُوحٌ وَمُوسَى شُكْرًا، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الإِشَارَةُ لذَلكَ قَرِيبًا، وَكَأَنَّ ذِكْرُ مُوسَى دُون غَيْره هُنَا لمُشَارَكَتِهِ لنُوحٍ فِي النَّجَاةِ وَغَرَقِ أَعْدَائِهِمَا) انتهى.
فثبت بما سبق أن يوم عاشوراء يوم نجا الله فيه سيدنا نوح وموسى فصامه سيدنا نوح وسيدنا إبراهيم وسيدنا موسى وسيدنا عيسى وسيدنا محمد عليهم الصلاة والسلام، أي صامه خمسة من أولي العزم من الرسل عليه الصلاة والسلام، وصامته الأمة الإسلامية بعده فدل على الاهتمام به، والاحتفال به بالصوم، كما أنه أصبح فيما بعد يوم اكتساب سبط الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سيدنا الإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما السيادة لشباب أهل الجنة، لأنه بانتقاله شهيداً إلى عالم الآخرة، حاز جائزة سيد شباب أهل الجنة، ولقاؤه بأحبابه جده صلى الله عليه وآله وسلم والرسل عليهم الصلاة والسلام ووالديه وأخيه والصحابة رضوان الله عليهم والمؤمنون، واستحق وسام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه سيد الشهداء أيضاً:
أخرج الحاكم في المستدرك على الصحيحين ج3/ص215 عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر؛ فأمره ونهاه فقتله) صحيح الإسناد ولم يخرجاه( ).
ولا يصح ما أورده بعضهم بأنه خرج على خليفة المسلمين، فإن الإمام الحسين رضي الله عنه من أهل الحل والعقد، له حق الاعتراض.
والذين يعتبرونه يوم حزن إنما حزنهم على تقصيرهم في نصرته عندما خذلوه في وعودهم ومواثيقهم لنصرته فتثاقلوا عنها، وتركوه وأهل بيته الأطهار وحيداً فريداً وجهاً لوجه أمام خصومه، فكان رضي الله عنه الذبح العظيم، النحر ثم الذبح، فداء لأجداده عبد الله والد الرسول وإسماعيل عليهم السلام:
ولتصدق نبوءة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في اتباع أهل الكتاب، والتي منها قتل اليهود للأنبياء: (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ )(البقرة: من الآية61).
فوقعت الأمة سنيها وشيعتها في قتل ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
ففي صحيح البخاري ج3/ص1274 عن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه)، قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: (فمن؟) ورواه مسلم في صحيحه.
فكان أن قتل واستشهد الإمام الحسين رضي الله عنه وأرضاه، وما نقول إلا ما يرضي ربنا: (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً) (الأحزاب:38)، وقوله تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (القمر:49) ولا اعتراض على قضاء الله تعالى، وكل من قام بقتله وأعانه عليه وكل من قصر في نصرته وتخاذل سيحاسبه الله تعالى ولا نملك نحن شيئاً، ونفوض أمرنا إلى الله تعالى (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) (غافر:44).
ولا نملك إلا أن نقول كما قال سيدنا يعقوب عندما تآمر عليه أبناؤه بأخذ أخيهم ورميه في الجب: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) (يوسف:18) فلا بد من الصبر الجميل وليس شق الجيوب وضرب الرؤوس، وإسالة الدماء، وقتل الأنفس فتلك توبة اليهود: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (البقرة:54)، والحمد لله أننا لم نشهدها فنتركها إلى الله تعالى ليحكم بها وهو أعدل الحاكمين: (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (البقرة:134). 13- إن الاحتفال بالمناسبات النبوية نوع من التوقير والتعزيز لمكانة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النفوس وهو امتثال لقوله تعالى: (لتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (الفتح:9). وفي الاحتفال يحصل كل ذلك، وتغرس المعاني القيمة من حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في نفوس الحاضرين والمستمعين
.

14- إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم خرج مع أصحابه في أول مهرجان دعوي، وفي أول موكب جماهيري، وفي أول فرح إيماني عندما أسلم سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فخرج من دار الأرقم بن أبي الأرقم في صفين: الأول يتقدمهم سيدنا حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه عم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، والثاني سيدنا عمر ين الخطاب رضي الله عنه، وفي الوسط يتقدمهم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فطافوا شوارع مكة، ومن ثم طافوا حول الكعبة المشرفة، وهم يكبرون (أي يقولون الله أكبر) ويهللون (أي يقولون لا إله إلا الله محمد رسول الله). فكان ذلك مشهد فيه كل معاني الفرح والتحدي والموكب المهيب، ونقطة تحول الدعوة من سرية إلى علنية.
فالحركة الجماعية والمواكب ودعوة الجماهير لإظهار الفرح بالمناسبات النبوية تسير مع هذا الموكب النبوي، فلو أن ناساً خرجوا بعد الاحتفال بأي مناسبة نبوية أو قبل الاحتفال وساروا في موكب جماهيري في الطرقات والشوارع يكبرون ويهللون لكان لهم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قدوة وأسوة، فليحيوا هذه السنة الميتة، إن كانوا محبين للسنة النبوية فعلاً، وإنا لمنتظرون.
15- عدم إنكار سيدنا عمر رضي الله عنه، على اليهودي عندما عبر عن اتخاذ العيد ليوم نزول آية قرآنية كريمة، فبين سيدنا عمر رضي الله عنه أن نزولها كان يوم عرفة وهو يوم احتفال بل أكبر احتفال على مدار كل سنة في كل مرة يتكرر يوم عرفة، فالتجمع الإيماني في الوقوف على جبل عرفات يوم الحج، بل هو ركنه الأساسي فيقاس عليه كل التجمعات والاحتفالات بأيام الله تعالى والمناسبات النبوية:
أخرج البخاري في صحيحه عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلاً مِنْ الْيَهُودِ-وفي رواية هو كعب الأحبار بَيَّنَ ذَلِكَ مُسَدَّد فِي مُسْنَده وَالطَّبَرِيّ فِي تَفْسِيره وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَط - قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا، قَالَ: أَيُّ آيَةٍ؟ قَالَ: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا)، قَالَ عُمَرُ: قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ) ورواه مسلم وغيره.
وقال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري :
فَإِنْ قِيلَ : كَيْف طَابَق الْجَوَاب السُّؤَال لِأَنَّهُ قَالَ : لَاِتَّخَذْنَاهُ عِيدًا، وَأَجَابَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بِمَعْرِفَةِ الْوَقْت وَالْمَكَان، وَلَمْ يَقُلْ جَعَلْنَاهُ عِيدًا ؟
وَالْجَوَاب عَنْ هَذَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أُخْرَيَات نَهَار عَرَفَة، وَيَوْم الْعِيد إِنَّمَا يَتَحَقَّق بِأَوَّلِهِ، وَقَدْ قَالَ الْفُقَهَاء إِنَّ رُؤْيَة الْهِلَال بَعْد الزَّوَال لِلْقَابِلَةِ، قَالَهُ هَكَذَا بَعْض مَنْ تَقَدَّمَ.
وَعِنْدِي أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَة اِكْتَفَى فِيهَا بِالْإِشَارَةِ، وَإِلَّا فَرِوَايَة إِسْحَاق عَنْ قَبِيصَة الَّتِي قَدَّمْنَاهَا قَدْ نَصَّتْ عَلَى الْمُرَاد وَلَفْظه " نَزَلَتْ يَوْم جُمُعَة يَوْم عَرَفَة وَكِلَاهُمَا بِحَمْدِ اللَّه لَنَا عِيد " لَفْظ الطَّبَرِيّ وَالطَّبَرَانِيّ " وَهُمَا لَنَا عِيدَانِ " وَكَذَا عِنْد التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس " أَنَّ يَهُودِيًّا سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : نَزَلَتْ فِي يَوْم عِيدَيْنِ، يَوْم جُمُعَة وَيَوْم عَرَفَة "
فَظَهَرَ أَنَّ الْجَوَاب تَضَمَّنَ أَنَّهُمْ اِتَّخَذُوا ذَلِكَ الْيَوْم عِيدًا وَهُوَ يَوْم الْجُمُعَة، وَاِتَّخَذُوا يَوْم عَرَفَة عِيدًا لِأَنَّهُ لَيْلَة الْعِيد، وَهَكَذَا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيث الْآتِي فِي الصِّيَام " شَهْرَا عِيد لا يَنْقُصَانِ : رَمَضَان وَذُو الْحِجَّة " فَسُمِّيَ رَمَضَان عِيدًا لِأَنَّهُ يُعْقُبهُ الْعِيد .
فَإِنْ قِيلَ : كَيْف دَلَّتْ هَذِهِ الْقِصَّة عَلَى تَرْجَمَة الْبَاب ؟ أُجِيبَ مِنْ جِهَة أَنَّهَا بَيَّنَتْ أَنَّ نُزُولهَا كَانَ بِعَرَفَة، وَكَانَ ذَلِكَ فِي حَجَّة الْوَدَاع الَّتِي هِيَ آخِر عَهْد الْبَعْثَة حِين تَمَّتْ الشَّرِيعَة وَأَرْكَانهَا . وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَدْ جَزَمَ السُّدِّيّ بِأَنَّهُ لَمْ يَنْزِل بَعْد هَذِهِ الْآيَة شَيْء مِنْ الْحَلَال وَالْحَرَام).

16- تسمية القرآن لفضل الله تعالى بالعيد، والاجتماع على طعام الفرح بالعيد:
قوله تعالى حكاية عن عيسى بن مريم عليهما السلام : (ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين )) (المائدة : 114) ونحن من الآخر.
قال الشيخ إسماعيل حقي في روح البيان (2/446) عند هذه الآية : "أي يكون يوم نزولها عيدا نعظمه ، وإنما أسند ذلك إلى المائدة لأن شرف اليوم مستفاد من شرفها" انتهى.
17- الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو المنة العظمى على المؤمنين وعلى البشرية فيجب إظهار حبه وتوقيره في كل المناسبات وفي كل آن:
قال الله تعالى: (لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) (آل عمران : 164).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق