البشرى التاسعة و السبعون
بشرى ترضية العباد يوم التناد
وهى بشرى خاصة لقوم مخصوصين ونريد منكم أن تفتحوا آذان قلوبكم لتلك البشرى لدقة معانيها فإن الحياة تأخذ بنا يميناً ويساراً وقد قدَّمنا تفريطاً بقصد أو عن غير قصد فى حقوق أحد فإذا تنبهنا وتبنا لا تكمل التوبة إلا برد الحقوق إلى أهلها فمن الناس من يكرمه الله بذلك ومنهم من يتعذر عليه هذا لإنقطاع السبيل أو الوسيلة أو أمر خارج عن الإرادة مع بذل كلَّ ما فى الوسع والطاقة لرد الحق إلى أهله وهذه مسألة لا يدرك صدقها إلا الله فلا يستطيع أحد أن يقول قد حاولت جهدى والله يعلم غير ذلك منه فليس مثل هذا من أهل تلك البشرى إذ قال لنا قائلٌ منتبه: سمعنا في حديث رسول الله أن هناك بعض الناس سوف يتحمل الله عنهم نعم اسمعوا لرسول الله {يَأَتِي الرَّجُلُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ هَذَا ظَلَمَنِي، فَخُذْ لِي ظُلاَمَتِي، فَيُمَثِّلُ اللَّهُ لَهُ فَوْقَ رَأْسِهِ قَصْراً، فِيهِ مِنْ خَيْرِ الآخِرَةِ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: ٱرْفَعْ رَأْسَكَ، فَيَرىٰ فِيهِ مَا لَمْ تَرَ عَيْنَاهُ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ! لِمَنْ هَذَا؟ فَيَقُولُ: ٱعْلَمْ هَذَا لِمَنْ عَفَا عَنْ أَخِيهِ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ قَدْ عَفَوْتُ عَنْهُ }[1] نعم ستحدث تلك البشرى العظيمة وتتحقق لكن لمن؟ لمن حاول أن يذهب إلى أخيه – فى الدنيا – يرغب مصالحته ولكن كما يحدث فى هذا الزمان فيصرُّ أحدنا على ما فى نفسه وهو يعلم أنه أذنب فى حق أخيه ويقول: لن أتصالح معه أبداً فالمفروض أن يذهب إليه أو أرسل إليه - وإن كنت صاحب الحق لقوله النبى{ وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدأُ بِالسَّلاَمِ }[2] قال فيه النَّبىُّ { وَمَنْ أَتاهُ أَخوهُ مُتَنَصِّلاً - معتذراً - فَلْيَقْبَلْ ذٰلِكَ مِنْهُ مُحِقّاً كانَ أَوْ مُبْطِلاً، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَرِدْ علَيَّ الْحَوْضَ }[3] وقوله { اقبلوا من التنصل محقاً كان أم مبطلاً، فمنن لم يقبل من متنصل عذره فلا نالته شفاعتي، أو قال فلا ورد على حوضي}[4] إقبل من المتنصل عذره وإن كان كاذباً إذاً فى الدنيا ليقبل أخوك أيضا تنصلك عنده لو أخطأت وأذنبت فى حقه وكنت مبطلاً فمن لم يقبل معذرة أخيه فلا شأن له بحوض رسول الله معنى هذا أن رسول الله غير راضٍ عنه فلا يذهب إليه ليشفع له ولا يستطيع هذا الإنسان أن يشرب من الحوض فمن يذهب إلى أخيه - بِهَذِهِ الكَيْفِيَّة - لكن أخوه يُصِرُّ على ما فى نفسه ويأبى الصلح - الحقُّ تبارك وتعالى يقول له: قد فعلت ما فى وسعك وأنا اليوم أرضِّيه فيرضيه الله يوم القيامة فيكون من أهل تلك البشرى العظيمة لكن الذي يُصِّرُ ويقول: لن أذهب إليه ولو فعل كذا وكذا، وربنا سيرضيه عنى يوم القيامة هذا لا ليس له نصيب فى تلك البشرى وقد أوضحناها بما فيه الكفاية حتى لا يتكاسل أحد ولا يتهاون أحد فى حقوق الخلق ويا سعد من حفظ نفسه من حقوقهم فلم يلغ فيها أبداً ونهاية أكرر وأقول لا بد أن نبذل كل المجهود الصادق لكى نخرج من الدنيا وليس علينا حقوقاً لأحد أبدا واسمع للشاعر الحكيم أحمد تقى الدين فى قصيدة من الحكمة يحكي فيها قصة رائعة جداً عن أخوين أحدهما حكم فأكل الحقوق وظلم العباد وفجر والآخر قُهِرَ وكُسِرَ! ثم تحرَّك وقام يطلب حقه فأعانه الله وجبر ضعفه فانتصر وفيها عبر وحكم:
حلية النفس بِرُّها فإذا ما عطلت أشبهت يباباً قفرا
ربِّ هَبنيَ خُلقاً ابر به الخَلق ولا تُعطيني ذكاء وتِبرا
ما افتخاري إذا أَسأْت فِعالاً واجدت المقال نظماً ونثرا
فاسمعوا قصة بها عِبر الدهر وذكِّر فقد تُفيد الذِكرى
وصغيرين قد خلقنا فاعطينا لـهذا كوخاً وذلك قصرا
وجعلنا من ذاك عبداً لـهذا وهو حرّ والأُم أَلقته حرّا
قسمةٌ للحظوظ استغفر القسّام ضِئزى لعلَّ في الأمر سرَّا
شبَّ هذا الصغير في قصر مَلْكٍ فأَتته رغائب العيش أَسرى
وجده أَبوه طفلاً فأَضحى مَلِكاً لا يعي من الأمر أمرا
حسبَ العرشَ مِلكَهُ فتعامى عن حقوق العباد عُسفاً ونُكرا
ودعا ظلمُهُ الرعيةَ للثورة فاجتاح قصره المشمخرا
فهوى العرشُ العروش إذا لم تتحصن بالعدل لن تستقِرا
ونشأ ذلك الفقير بمهد البؤس وهو البريء لم يأت وِزرا
ورث الفقر عن أَبيه وهل تحمل نفسٌ بريئةٌ وزر أُخرى
فشكا والأنام صُمٌّ وهل تسمع ذكر الفقير أُذنٌ وَقرى
كن إنِ اسطعت في الحياة قوياً فتجيءَ الحقوقُ نحوك قَسرا
وتولّى الردى أَباه وخلاَّه يتيماً يذوق صاباً ومُرّا
بين أترابه تراه ذليلاً فاقداً للذي يشدّ الأَزرا
ويرى المتخمينَ من جيرة الحيِّ فيشكو طوىً ويشبَع قهرا
وأَتى أُمَّه من الـهمِّ يبكي فحبته عطفاً حباه بِشرا
ثم قالت لا تبك فاللّه خيرُ حافظاً والشقاءُ لن يستمرَّا
إن هذي الحياة حرب فخذ عدّتها الصدقَ والـهدى والصبرا
والمعالي حسناءُ فاخطب وَلاها واعطها من فضائل النفس مَهرا
فالغنى يا بنيَّ في النفس والفقرُ من المال وحده ليس فقرا
فإذا ما أحرزتَ علماً وتهذيباً دعتك الدنيا حبيباً وصِهرا
وإذا ما كسلتَ بتّ يتيماً تشتكي والزمان يشكوك غِرَّا
فمشى في الحياة جنديَّها الواهبَ للمجد قلبَه والصَّدرا
ذاكراً نُصحَ أُمه وإذا الأُمّ ارتقت أَرضعت بنيها الكِبرا
والتظت ثورةٌ بها حائطُ المُلك تداعى والشعبُ حاز النصرا
فرأينا هذا الفقير مَليكاً أَترى الكوخَ كيف ساد القصرا
إنما الفقر في النفوس فإن هانت أَضاعت إرثاً وأَلفت خُسرا
والرسولُ العظيمُ كان يتيماً ملأ الكون بالـهِداية فخرا
عِبَرٌ كلـها الحياة ولكن أَين من يفتح الكتاب ويقرا
تم نقل الموضوع من كتاب[بشائر الفضل الإلهى]
http://www.fawzyabuzeid.com/table_bo...&id=66&cat=7
[1] الديلمى عن أنس جامع المسانيد والمراسيل
[2] صحيح البخارى ومسلم عن أبى أيوب الأنصارى.
[3] المستدرك للحاكم عن أبى هريرة.
[4] الأمالى الشجرية عن الحسين عن على
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق