Disqus for ومضات إيمانية

الجمعة، 30 مارس 2012

المطعم الحلال





المطعم الحلال
الحمد لله رب العالمين ، من سأله أعطاه ، ومن توكل عليه كفاه ، ومن تقرب إليه حباه بلطفه وكرمه وأدناه .. سبحانه سبحانه أقرب لكل قلب عبد مؤمن من نفسه التي بين جنبيه ، يسمع حنينه في قلبه قبل أن يعبر عنه بشفتيه لأنه عز وجل يحب عباده المؤمنين ، ويحب أن يلبي نداءهم ودعاءهم في كل وقتٍ وحين ..
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له لطفه لعباده المؤمنين ظاهر ، ورحمته لعباده المسلمين غامرة ، وخيراته المعنوية والمحسوسة وافرة ، لا عد لخزائن فضله ، ولا حجر علي نعمه التي أجزاها لخلقه ، لأنه يعطي لهم عطاءاً بغير حساب ..
وأشهد أن سيدنا محمد عبد الله ورسوله التقي النقي الصادق الوفي الذي ينبيء عن الله عز وجل بأقواله وأفعاله وأحواله ، فنطقه إلهام ووحي من الله ، وعمله لما فيه عز وجل رضاه ، وحاله الإخلاص والصدق في كل أحيانه : مع مولاه .. اللهم صلي وسلم وبارك علي سيدنا محمد كنز الغيوب ، والحبيب المقرب لحضرة علام الغيوب ، صلي الله عليه وعلي آله وصحبه و كل من اهتدي بهديه إلي يوم الدين .. آمين آمين يارب العالمين .. أما بعد فيا أيها الإخوة جماعة المؤمنين 
اقتضت عناية الله عز وجل لعباده المؤمنين ، ووعده الذي لا يتخلف لهم أن يجعل حياتهم في الدنيا طيبة وفي الآخرة سعادة وحسن جزاء ، وفي ذلك يقول عز شأنه في القرارالدستوري القرآني الإلهي
{ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً }هذا في الدنيا .. وفي الآخرة :
{ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
 ( 97 النحل )
نص هذه المادة القرآنية يوضح أن لكل مؤمن ولكل مؤمنة ، تقي وتقية حياة طيبة في دنياه ، والحياة الطيبة يعني أنه علي صلة بمولاه ، إذا سأله لباه ، وإذا طلب منه أعطاه ، وإذا تقرب منه ناداه ، وإذا طلب من تفريج اي كربة فرجها في الحال ، وإذا طلب منه دفع أي بلاء ، دفعه عنه في الوقت والحين ، ونحن والحمد لله كلنا مؤمنون وعلي كتاب الله سائرون وبسنة الحبيب صلي الله عليه وسلم متمسكون ، فما لنا لا ينطبق علينا هذا الحال .. نشكوا من الهم ومن الضيق ومن القلق ومن التوتر ومن المتاعب ومن المشاكل التي لا عد لها ولاحصرلها وأطلب من الله كما طلب الله حينما قال لنا في كتاب الله:
{ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } (60 البقرة )
فلم يقل أنظر في أمركم ، أو أرجيء تلبية طلبكم ، ولكنه قال في الحال أستجب لكم ... فما السبب ؟ وكيف نعالج هذا الأمر لنكون مع الله كما وصف الله عز وجل أولياءه وأحبابه في كتاب الله ، حيث قال في شأنهم :
{ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ }
(34 الزمر )
أمر يسير لم يلتفت إليه الكثير، ظناً أن التقصير في الطاعات وفي الزيادة من النوافل والقربات ، ونسينا الأصل الذي يتوقف عليه قبول الطاعات والركن الركين الذي ترفع به النوافل والقربات ، وهو المطعم الحلال ، فعندما طلب سيدنا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه من حبيب الله ومصطفاه صلوات الله وسلامه عليه أن يكون ولياً لله ، ولا يطلب طلباً إلا ويلبيه الله ، فقال يارسول الله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة ، فلم يكلفه الحبيب صلي الله عليه وسلم عبادة ٌزائدة من الفرائض المفترضات ، والنوافل التي تتبعها والتي رآها في سيد السادات ، وإنما بين له أمريسير قال فيه البشير النذير صلوات الله وسلامه عليه :
( ياسعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة )
فإطابة المطعم ، أن يكون من عمل حلال ، فمن يعمل في شرب الخمر سواءٌ في عصرها ، او المتاجرة فيها ، او عمل إعلانات لترويجها ، فهذا مطعمه حرام ولا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ، وكذلك من يعمل في أي عمل نهي عنه كتاب الله ، او حظر منه حبيب الله ومصطفاه صلوات الله وسلامه عليه ، وهذا نحن والحمد لله بعيدون عنه ، لكن الذي يقع فيه الكثير منا ولا يدري ، أضرب له بعض أمثلة قليلة علي حسب الوقت :
فقد جنى حبيبكم صلوات الله وسلامه عليه بعد غزوة حنين غنائم وفيرة وذهب إليه زعماء العرب يطلبون عطاءه ، وكان يعطيهم عطاء من لا يخشي الفقر ، فأعطي واحداً منهم غنماً بين جبلين وهوأمية بن خلف وذهب إليه حكيم بن حزام ، وكان قد شرح الله صدره للإسلام ، فأعطاه مائة جمل فاستزاده ، فزاده مائة أخري ، فاستزاده ، فقال له هذه الكلمة الهدية التي أرجو أن تعلقوها في أعلي القلب والفؤاد:
( ياحكيم بن حزام إن الدنيا حلوة خضرة وأن هذا المال لا يحل إلا بطيب نفس )
هذا أساس من أسس الدين لا يكون المال حلالا إلا إذا أخذه صاحبه بطيب نفس من معطيه ، فلو أخذه عن طريق الخدعة فهو حرام ، ولو أخذه عن طريق الغش فقد برئ منه النبي في الدنيا ويوم القيامة ، وقال فيه :
( من غش فليس منا )
تطلب منه عملاً في المنزل خاصاً بالنجارة أو بالسباكة أو بالكهرباء أ وغيرها ، وتريد أن تتفق علي الأجر ، فيقول لك ليس بيننا خلاف ، ويرجئ الأمر حتي إذا إنتهي من العمل طالبك بأجر كبير مما يجعلك في حيرة من أمرك ، وإذا إعطيته ماتراه مناسباً يقول لك خلي الفلوس وخلي الشغل وليس مهم، يعني يجبرك علي دفع ما يريد ، وهذا حرام بنص كلام النبي صلي الله عليه وسلم :
( إن هذا المال لا يحل إلا بطيب نفس )
ومن يذهب إلي تاجر ويساومه ويقف التاجر عند سعرٍآخر ، ولا يتفقان ، ثم يقول المشتري للتاجر إعطني البضاعة ، ويحضر في يده الثمن الذي حدده هو للبضاعة ، ويعطيه للتاجر ، فإذا رفض التاجر أن يأخذه أخذ البضاعة ومشي ، فإذا قال له التاجر أنا غير مسامحك يا فلان ، قال له : لايهم ؛؛ هذا حرام لأن هذا لم يأخذها بطيب نفس .
ومن يحضر إخوته عند تقسيم التركة ، ويقول لأخواته البنات أنتن قد تزوجتن ، وأنجبتن أولاداً ، ولا حاجة لكن إلي هذا المال ، فاتركنه للزمن ، حتي يكون لنا فرصة في زيارتكم وعيادتكم ، ويجعلهن تحت ضغط هذا الأمر ، يتنازلن عن نصيبهن غير راضيات بقلوبهن ، وهذا أيضاً حرام ، لأنه أخذ هذا المال بغير رضا نفس ..
فالمؤمن لا يأخذ مالاً بغير رضاء نفس ... ومن ذلك أيضاً ما يؤخذ بسيف الحياء ، ولقد قال صلي الله عليه وسلم :
( كل ما أخذ بسيف الحياء فهو حرام )
كأن يذهب المرء إلي رجل ٍ من الأعيان أمام جمع ويقول له اعطني مبلغاً كذا من المال ، لنصنع كذا من أعمال البر ، وأمام إحراجه يدفع المبلغ ، ولكنه غير راض ٍ عن المبلغ بتمامه ، لأنه ربما كان يريد أن يدفع بعضه ،وهذا عرضه للحرج لدفع هذا البلغ ، فهذا حرام بنص حديث المصطفي عليه افضل الصلاة وأتم السلام ، أو من يدخل إلي بيت أخيه أو نفر من ذويه ، ويعجبه شيئاً في المنزل ، فيسأله بكم هذه ، ومن أين إشتريتها ، وكيف جئت بها ، وإنا أريد مثلها ، فيقول له صاحب المنزل ، حياءاً منه .. خذها حرجاً منه ، مع انه في حاجة ٍ إليها .. أيضاً فتكون أيضا هذه حرام .... والأساليب في في ذلك كثيرة ...
إسمعوا لهذا المثال الفريد لتقريب الحميد المجيد لأوليائه المربين ، فقد نام إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه في ليلة الإسراء والمعراج تحت صخرة بيت المقدس ، ورأى بين النوم واليقظة نفر من الملائكة يتحدثون مع بعضهم ، فقال بعضهم هذا إبراهيم بن أدهم ، فقال الآخر من الملائكة : نعم هذا الذي سقط من عين الله عز وجل .. قالوا : ولم ؟ قال : لأنه اخذ تمرتين ليستا له، فاستيقظ من نومه ففكر فلما تدبر في أمره ، تذكرأنه اشترى من البصرة تمراً، ووقع من تمر البائع تمرتين على تمر إبراهيم بن أدهم بعد تمام الميزان ليستا من حقه فرجع إلي البصرة ، وذهب إلى التاجر واشترى منه تمرا ً، وبعد أن تم له الميزان حمل بيده من تمره الذي دفع ثمنه جملة من التمر ووضعها على فرش التاجر .. ثم رجع إلى بيت القدس مرة أخرى ماشياً ، ونام تحت الصخرة ، ورأى الملائكة وهم يقولون لبعضهم :[هذا إبراهيم بن أدهم؟ قالوا : نعم ..
 قالوا هذا الذى رد الله عليه حاله ؟
 قالوا نعم لأنه رد التمرتين ]
هذا الأمر الذى يقع فيه كثير من الناس قد تعجبون إذا علمتم أن الله لا يؤخر حسابه كله إلى يوم الدين ، ولكن يحاسب أهله وفاعلوه فى الدنيا فقد ولىَ هارون الرشيد أخاه بهلول الحسبة ، وعينه محتسبا يعنى يراقب الموازين والمكاييل والأسعار فى الأسواق ، وبعد عام استدعاه ، وقال له : أراك لم ترسل إلينا بقضية واحدة فما بالك ؟ قال ياأمير المؤمنين رأيت الله عز وجل يقتص من الظالمين أولا ً بأول ، فقال له : كيف ذلك ؟ قال : المال الذى جمعوه من الحرام يجعلهم الله عز وجل ينفقونه فى المعاصى والذنوب والآثام ، فإذا جمع المال من غير حله عن طيب نفس أو عن غير طيب نفس يسلطه الله على إنفاقه ، أو يسلط أولاده على إنفاقه [ تارة فى البُودرة وتارة ًفى الشم وتارة ًفى كذا وتارة ًفى كذا ] مما نراه من مساخر هذا الزمان ... أما الذى يحصل المال الذى يتحرى فيه رضا الله ، فيجعله الله لا ينفق قرشا ً إلا فيما يحبه الله ويرضاه .. ينفقه فى الحج إلى بيت الله .. ينفقه فى عمارة المساجد .. ينفقه فى تشييد المعاهد الدينية .. ينفقه فى أعمال البر .. ينفقه فى أبواب الخير، لأن علامة حب الله لعبده ، ان يوفقه لينفق وقته وماله كله فى مراضى ربه عز وجل ، فهذا عقاب ..وهناك عقاب آخر قد لا يشعر به الكثير بأن يأخذ الله حلاوة الإيمان من قلبه ، فلا يجد طعمأ ً لتلاوة القرآن ، ولا يجد خشوعا ً عند أداء الصلاة وإقامتها للرحمن ، ويشعر بعبء ثقيل عند صيام شهر رمضان ، ويكون عمل البر كأنه جبل ثقيل ، وعمل الشر ميسر له وقريب التناول ويسير ، وهذا عقاب عاجل لا يحس به إلا عباد الله المؤمنين الذين يرجون رحمته فى كل وقت وحين ، فمن أراد ان يكون وليا ً لله ونحن والحمد لله جميعا ً أولياء لله ، فمن أراد منكم يا أولياء الله أن يكون بينه وبين الله صلة ً ، إذا سأله أعطاه ، وإذا دعاه لباه ، وإذا طلب منه أى أمر يسره له فيما يحب الله ، إذا كان له فيه خيرٌ فى الدنيا أو يوم لقاء الله ، لأنه قد يطلب ما فيه خيره وشره فيرجئه عنه الله ، لأنه يعلم ان هذا ليس فيه خيرا ً له ..فمن أراد ذلك فليتحرى ما قلناه ، وليعاهد نفسه أن لا يأخذ شيئا ً، إذا كان موظفا ًفى قطاع خاص أو عام ، فليعلم أنه عقد عقدا ً مع العمل ، أن يعمل كذا وكذا من الوقت .. فلا يجوز له أن يتهرب منه ولو بحجة أن
الأجر لا يكفى ، لن الحبيب صلي الله عليه وسلم قال فى أمرنا هذا :
( المؤمنون عند شروطهم إلا شرطا ً أحل حلالا ً أو حرم حراما ً)
فما دمت قد تعاقدت واشترطت فعليك أن تسعى إلى قضاء الوقت الذى تعاقدت عليه فى عملك فيما يرضى الله عز وجل .
فإذا فعلنا ذلك لا نظن ولا نشك أن الله عز وجل سيجعلنا كما قال فى قرآنه :
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ } (96 الأعراف)
فلم يقل الله خيرات ولكن قال : بركات ، وقال صلى الله عليه وسلم :
( إن المرء ليقذف باللقمة الحرام فى جوفه لا يقبل منه عبادة أربعين يوما ً )
أو كما قال { ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة }
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين الذى حبب إلينا الإيمان وزينه فى قلوبنا ، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان ، وجعلنا من الراشدين ، وأشهد أن لا إله إلا الله قريب من كل عبد ٍقريب ، يحب كل تواب ٍ إلى حضرته ومنيب ، وينادى فى كل ليلة فى الثلث الأخير من الليل عباده المؤمنين :
( ألا من مستغفر فأغفر له ، الا من مسترزق فأ رزقه ، الا من مبتلى فأعافيه ، ألا من كذا ألا من كذا حتى مطلع الفجر)
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله ، وصفيه من خلقه وخليله ، اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم واعطنا الخير وادفع عنا الشر ونجنا واشفنا وانصرنا على أعدائنا يارب العالمين .. أما بعد ..
فيا إخوانى جماعة المؤمنين : كذلك من ضمن الأمور التى تحرم المال ، ويجعله غير حلال ، أن يستغل المؤمن حاجة أخيه المؤمن ن فإذا كان مجتاجا ً لإجراء عملية جراحية ولا بد أن يجريها فى الحال ، ولا يستطيع التأخير ، وكان هذا التخصص حكرا ً على رجل ٍ أو نفرٌ من الأطباء ، وغالى فى السعر، واضطر المريض لأن يقترض من هنا وهناك ليسدد أجرة العملية ، فهذا إبتزاز للمؤمنين ولا يرضاه رب العالمين عز وجل .
وكذلك مايجعله التجار عند ما يخفون سلعة ً من السلع حتى تشح فى السوق ثم يظهرونها ، وقد زادوا ثمنها أضعافا ً مضاعفة ٌ ، وهذا ما يسمى فى شرع الله الإحتكار ، ويقول فيه النبى المختار صلى الله عليه وسلم :
( المحتكر خاطئُ اخطأ طريق الخير )
ويقول فيه صلى الله عليه وسلم :
( من إحتكر طعاماً ـ وفى رواية ٍ ـ قوتا ً على أمتى
 أربعين يوما ً فقد برئ من الله
وبرئ الله عز وجل منه )
لأن المؤمن لا يستغل حاجة إخوانه المؤمنين ، وكذلك الصناع الذين يستغلون حاجة إخوانهم المؤمنين لهم لقلة عددهم ، فيستشيطون فى الأسعار ويبالغون فى الأجور .. كل هؤلاء وغيرهم لا يوفقون فى سعيهم ، ولذلك نراهم يحصلون الكثير، وإذا جاءهم الموت لا يملكون النقير ولا القطمير ، ولا ينفقونها فى مراضى ذى الجلال والإكرام عز وجل ، فانتبهوا ياعباد الله إلى مهمة الدين ، والأساس الذي عليه قبول العمل عند رب العالمين وتحقيق الإستجابة للمؤمنين ، واعملوا بقول الله لنا أجمعين:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ }
( 173 البقرة ) 
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الموقع الرسمى لفضيلة الشيخ
فوزى محمد أبوزيد
http://www.fawzyabuzeid.com/
  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق