Disqus for ومضات إيمانية

الجمعة، 9 مارس 2012

الرد على الفكر السلفى المعاصر ( اللامذهبية )




بين يدي رسالة اللامذهبية قنطرة اللادينية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدى هذه الأمة بالقرآن، وجعله للتمييز بين الحق والباطل أفضل ميزان، والصلاة والسلام على من اصطفاه الله تعالى لوحيه، ووكل إليه التفسير والبيان، وعلى آله وصحبه الذين بلغوه إلى العالمين، وشادوا للدين أعظم البنيان، ومن تبعهم إلى يوم القيامة بإحسان.
السلف الصالح وخصوصيتهم:
وقد خص الله تعالى هؤلاء الأصحاب وتابعيهم وتابعي تابعيهم بالشهادة على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أنهم خير القرون من خير أمة أخرجت للناس ـ لذلك اصطلح المسلمون على أن يسموهم السلف الصالح(1 ) ، فما جاء عنهم من علم وعمل فهو خير أساس، وما خالف نهجهم فهو أوهام، وثمرات وسواس،وقد كان أئمة الفقه الأربعة: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد ـ رضي الله عنهم ـ من خيرة العلماء في آخر تلك القرون، بل كانوا في ذلك القرن المبارك أئمة للعلماء العاملين، وقدوة للصالحين، ورثوا علم التابعين، وورث التابعون علم الصحابة، وورث الصحابة علم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنعم المورث، ونعم الوارث، يكفيهم شهادة حقٍ قولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم“؛ ولأجل هذه الخصوصية اتخذهم الناس في سائر القرون أئمة في دينهم، وتدارسوا ما جاء عنهم من علوم الدين، فنظموه ورتبوه ، وفصلوا قواعده وفروعه، وأقاموا أساسه وأصوله، وبينوا ما اجتمعوا عليه، وما اختلفوا فيه تبعاً لاختيارهم مما اختلف فيه الصحابة والتابعون، أو وُجِدَ من المسائل في عصرهم، وبينوا نهج كل إمام فيما اختار من الأحكام والأدلة، وما يتميز به عن إخوانه من أولئك الأئمة، وسموا نهج كل منهم مذهباً، وتبعتهم الأمة، واختار كل واحد منها، أو كل جماعة اتباع من رأوه ـ بحسب اختلاف التقدير والاختيار ـ أولى وأفضل، أو بحسب ما تيسر لهم تعلمه من هذه المذاهب، مع حسن الظن بالأئمة الآخرين، قال ابن تيمية: ”فهذه المسائل التي تنازع فيها السلف والأئمة، فكل منهم أقر الآخر على اجتهاده... فمن ترجح عنده تقليد الشافعي لم ينكر على من ترجح عنده تقليد مالك، ومن ترجح عنده تقليد أحمد لم ينكر على من ترجح عنده تقليد الشافعي، ونحو ذلك(2 ) .
وقد كان هذا حالهم مع وجود نزر يسير من الجهال، أو العلماء ـ الذين لم يزكوا نفوسهم من العصبية ـ ينظرون إلى غير مذهبهم نظرة استصغار، ويجادلونهم جدال من لا يهمه الحق، ولكن يهمه الظهور والانتصار، وكان العلماء الأتقياء والمخلصون الصلحاء ـ من كل مذهب ـ يجتهدون في ردع المتعصبين، ويكفونهم عن التفرقة بين المسلمين.
ظهور اللامذهبية: 
وظل الأمر على ذلك طول تاريخ الأمة الإسلامية إلى أن صرنا في آخر الزمن،
فإذا فئة من المسلمين تتهم أكثرية الأمة الإسلامية بأنها خرجت ـ باتباعها هذه المذاهب الأربعة ـ عن طريق السلف الصالح أهل القرون الثلاثة، كأن أحكام الشريعة التي ورثها الأئمة الأربعة عن الصحابة والتابعين ـ ونظمها تلاميذ الأئمة الأربعة حسب منهاج كل منهم في الترجيح ـ شيء آخر غير ما ذهب إليه أولئك السلف الصالحون، وإذا هتاف شديد يرفعه اللامذهبيون: اتركوا المذاهب الأربعة واتبعوا مذهب السلف، فإن ترك مذهب السلف بدعة ضلالة. 

هل يأذن اللامذهبيون أن نقول لهم: على رسلكم:
إن أصحاب المذاهب الأربعة: مالكاً وأبا حنيفة والشافعي وأحمد( 3) هم من السلف الصالح، أهل القرون الثلاثة، التي أثنى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين سئل أي الناس خير؟ فقال: (قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ( 4).
ولكن اللامذهبيين لا يرضون هذا الجواب، فيقولون:
ليس اتباع السلف هو اتباع واحد منهم، بل هو اتباع جميع السلف.
ما أجمع عليه السلف: 
فليأذن لنا اللامذهبيون أن نقول لهم: إن كنتم تدعوننا إلى اتباع ما اتفق عليه السلف فهذا قد اتفق عليه جميع أهل السنة، وهو موجود في كل واحد من المذاهب الأربعة لا يتركونه، واتباع مذهب منها يكون في ضمنه اتباع ما اتفق عليه السلف. لكن بعض اللامذهبين ينكرون علينا هذا القول، ويقولون:
قد خالفتم السلف فيما أجمعوا عليه، فأنتم تصلّون عند القبور خلافاً لهم، وتدعون عندها، وتتوسلون بأصحابها، وتقرؤون القرآن لأصحابها.
والجواب على ذلك: أن دعوى الإجماع هنا زعم لا مستند له، ويتضح ذلك من موقف بعض أئمة السلف في المسائل المذكورة:
1ـ الصلاة عند القبور: قال عنها الإمام مالك في مدونته (1/90): ”لا بأس بالصلاة في المقابر“ وهو من كبار أئمة السلف، وروى مسلم برقم (2493) عن عائشة&: ”أنها كانت تصلي في حجرتها“ وفيها ثلاثة قبور، وقال ابن تيمية في الفتاوى (21/304): ”المقبرة وأعطان الإبل تصح الصلاة فيهما على القول الصحيح“، فأين الإجماع؟!
2ـ الدعاء عند القبور سنة نبوية، كما روى مسلم عن بريدة برقم (975) وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم أن يقولوا إذا خرجوا إلى المقابر: (أسأل الله لنا ولكم العافية) وهو دعاء الزائر لنفسه ولغيره وللأموات، ونقل ابن تيمية في كتابه ”الرد على الإخنائي“ ص (405) دعاءً مطولاً في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وفي جملة هذا الدعاء يقول ص(536) من الرد: ”وسل الله حاجتك متوسلاً إليه بنبيه تقض من الله عز وجل“ فأين الإجماع؟!
3 ـ وأما قراءة القرآن: فقال ابن تيمية في الفتاوى (24/315): ”وأما الصيام عنه، وصلاة التطوع عنه، وقراءة القرآن عنه، فهذا فيه قولان للعلماء: أحدهما: أنه ينتفع به، وهو مذهب أحمد وأبي حنيفة وغيرهما، وبعض أصحاب الشافعي وغيرهم“، وقال في (24/366): ”تنازعوا في وصول الأعمال البدنية كالصوم والصلاة والقراءة، والصواب أن الجميع يصل إليه“ فأين الإجماع؟! 

ما اختلف فيه السلف: 
فهذا الذي اختلف فيه السلف، أو لم يتكلم فيه بعض السلف كيف يمكن اتباع جميعهم فيه؟ فمن اتبع بعضهم ترك بعضهم الآخر؟ ولا يعقل أن يكون أحدهما مذهب السلف دون الآخر، ما دام القولان مما قاله علماء من السلف!! بل الجميع من مذهب السلف.
هل القول الراجح هو مذهب السلف:
يقول اللامذهبيون: انظروا في أدلة المختلفين، واتبعوا الدليل الأقوى. فنقول لهم: فلنفرض أنكم وازنتم بين الأدلة، واستطعتم أن ترجحوا الأقوى، هل الترجيح يعطي صاحبه الحق في تضليل مخالفيه وتبديعهم كما تفعلون؟! وهل يعطيه الحق في أن يحكم على كل الأئمة الذين خالفوه بأنهم فاتهم أن يطلعوا على الدليل، أو فاتهم أن يفقهوه، مع ما عرف عنهم من التبحر في العلم والتقوى، ومع ما نحن عليه من قلة الحظ منهما؟!
ثم لا بد لنا أن نسألهم: هل القول الأقوى دليلاً عند قائله هو مذهب السلف؟
إذا صح هذا فكل صاحب قول يقتنع بدليله أنه الأقوى يستطيع أن يقول: أنا على مذهب السلف، وإذا تعلم أدلة جديدة دفعته إلى الرجوع عن قوله، وترجح ما كان عنده مرجوحاً صار هذا الجديد هو مذهب السلف، والآخر بدعة ضلالة مخالفاً لمذهب السلف!! ويتعدد مذهب السلف حينئذٍ، وكل يدعيه لنفسه، ثم إن ما يقوله أي إنسان بعد السلف ـ مهما كان دليله قوياً ـ في نظره ونظر موافقيه فذلك قوله هو لاقول السلف، ونسبته إليهم باطلة، وتزكية للنفس، والله تعالى يقول: {فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}[النجم/32]، وانتقاصاً لمخالفيه، والله تعالى يقول: { ولا تلمزوا أنفسكم }[الحجرات/11 .
وإذا كان مايراه أحدنا أقوى دليلاً هو مذهب السلف، فقد صرنا نحن ميزان علم السلف، وليس علمهم هو الميزان لنا، وهذا عكس المقصود من اتباع السلف.
من الذي يرجح بين الأدلة:
ثم إن الموازنة بين الأدلة واختيار الأقوى أمر يحتاج إلى أهلية خاصة، كما نقل في مسودة آل تيمية ص (515) عن الإمام أحمد في رواية يوسف بن موسى:
”لا يجوز الاختيار إلا لرجل عالم بالكتاب والسنة“ فهل هذا ممكن لكل من يدعيه، وهل العلم بالكتاب والسنة شيء قليل ليحصل بزمن يسير؟ فأقل ما يمكن هو أنه يحتاج إلى معرفة قواعد الحديث في الموازنة بين الرواية الضعيفة والصحيحة، وإلى الموازنة بين الأدلة المختلفة من جهة الإسناد ليقدم الأقوى على الأقل قوة، وإلى الموازنة بين عامها وخاصها، وناسخها ومنسوخها، وكيف يمكن الجمع بينها، أو ترجيح بعضها على بعض، وهذا يحتاج إلى خبرة واسعة في علم الحديث، وإلى علم الناسخ والمنسوخ، وعلم اللغة العربية، وعلم الأصول، وهذا لا يستطيعه أكثر الناس، ومن يستطيعه يحتاج إلى زمن ليتعلمه، والترجيح قبل التعلم أو بدونه إما عدوان على أدلة الشريعة، كما روى الترمذي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار)، وإما تقليد لقول شيوخه، ولا يقدر على ترجيحه، فيزعم الترجيح بدون أهلية، وهي دعوى ينقضها الواقع.
واجب من لم يتأهل للترجيح: 
وإذا كان الإنسان قبل الأهلية لا يمكنه أن يتبع الدليل الأقوى فماذا يفعل؟
قال ابن قيم الجوزية عن الأئمة المجتهدين(5 ) : ”في مسائل من العلم لم يظفروا فيها بنص عن الله ورسوله، ولم يجدوا فيها سوى قول من هو أعلم منهم فقلدوه، وهذا فعل أهل العلم، وهو الواجب، فإن التقليد إنما يباح للمضطر“، وقال قبل ذلك: ”وكل من اشتبه عليه شيء وجب أن يكله إلى من هو أعلم منه، فإن تبين له صار عالماً مثله، وإلا وكله إلى عالمه“(6 )، وإذا كان هذا واجب العلماء المجتهدين، فمن لم يحصل العلوم التي يمكنه بها الترجيح أولى بالتقليد؛ لأن مسائل الخلاف كلها تشتبه عليه قبل أن يحصل القدرة على الاختيار، وهي العلم بالكتاب والسنة ـ كما تقدم عن الإمام أحمد بن حنبل ـ وهذا النوع من الناس يعبر عنه العلماء باسم المستفتي، كما نقل في المسودة(7 ) :
”فأما صفة المستفتي فهو العامي الذي ليس معه ما ذكرنا من آلة الاجتهاد“. والعامي ليس هو الأمي، بل هو كما صرح به في المسودة ”من ليس معه آلة الاجتهاد“.
ومن لم يقدر على البحث والنظر في الأدلة والترجيح كيف يستطيع أن يناقش المفتي في الأدلة، ولذا صرح ابن تيمية بمنعه من ذلك فقال في المسودة( 8) : ”لا ينبغي للعامي أن يطالب المفتي بالحجة فيما أفتاه، ولا يقول له: لم، ولا كيف، فإن أحب أن تسكن نفسه بسماع الحجة سأل عنها في مجلس آخر، أو فيه بعد قبول الفتوى مجردة عن الحجة“؛ وذلك لأنه لا يعرف كيف يفقه الحجة، وإذا قال: أنا لا أتبع إلا الحجة من الكتاب والسنة كان متناقضاً، ومخالفاً لنفسه، بل هو تابع لجهله بالكتاب والسنة، مخالف لقوله تعالى: { ولا تقْفُ ما ليس لك به علم }[الإسراء/36.
وبهذا يظهر الفرق بين العالم الذي يجب عليه أن يتبع الدليل، ويختار الدليل الأقوى، وبين غيره ممن يجب عليه التقليد، وبه يعلم أيضاً أن الأئمة ـ الذين أمروا الناس باتباع الدليل، ونهوهم عن التقليد ـ كانوا يخاطبون بذلك العالم بالكتاب والسنة، كما نقل المزني في مقدمة مختصره: أن الشافعي ينهى عن تقليده وتقليد غيره.
وفي هذا التفصيل قال ابن قيم الجوزية(9 ) : ”أما من قلد فيما ينزل به عالماً يتفق له على علمه... فمعذور؛ لأنه قد أدى ما عليه، وأدى ما لزمه فيما نزل به لجهله، ولا بد له من تقليد عالم فيما جهله“، وحينئذ يكون متبعاً للكتاب والسنة بواسطة من قلده، ولا يستطيع غيره، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
ثم يقول: ”ولكن من كانت هذه حاله هل يجوز له الفتيا في شرائع دين الله؟ فإن أجاز الفتوى لمن جهل الأصل والمعنى لحفظه الفروع لزمه أن يجيزه للعامة، وكفى بهذا جهلاً ورداً للقرآن“،
 وبهذين الكلامين، والمقارنة بينهما يظهر أن الدعوة إلى اتباع الدليل موجهة إلى من عنده أهلية الفتوى، أما غيره فلا بد له من تقليد عالم فيما جهله، كما قال الله تعالى:
 { فسْئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون }[النحل/43]،
أي يسأل كلٌ عما يجهله، كحافظ السنة الذي لا يفقهها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رب حامل فقه ليس بفقيه)، فهذا لا يسألهم عن السنة؛
 لأنه يحملها، ولكن يسأل عن فقهها.
يقول اللامذهبيون: إن تقليد العالم واجب على من لم يعرف خطأ العالم، أما من عرفه، وعرف الدليل على خطئه، فكيف يجوز أن يترك الدليل ويقلد بعدما عرف أن العالم الذي كان يقلده مخطئ؟
وجواب هذه الشبهة: أن نسألهم من الذي يستطيع أن يكشف خطأ العالم، ويعرف أن قول غيره هو الصواب؟ أهذا ممكن لكل من قرأ الدليل أو حفظه، أم هو خاص بمن هو أهل لأن يفقهه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فإن قالوا: خاص بمن له أهلية لأن يفقهه، وهو الذي عنده أهلية الاختيار في مسائل الاختلاف، وليس لمن ليس له الأهلية إلا التقليد. قلنا: هذا حق، ولكن ما يراه الناس منكم: هو أن كلاً منكم حتى الأمي يقول: أنا لا أقلد أحداً، بل أتبع الكتاب والسنة، ولا يكتفي بذلك، بل يتهم كل من خالفه بالبدعة الضلالة، وبالإعراض عن الكتاب والسنة ومذهب السلف.

تقرير بمشاركة سيئة  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق