أسلوب الأئمة والهداة المرشدين
فى الدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ
قد حصلوا العلم النافع، واستوصوا خيرا بالعمل الرافع، وتخلقوا بكريم الأخلاق
وجميل الصفات، وحملوا نور الإسلام فى مشاعرهم ومداركهم ونزلوا به إلى البلاد
النائية البعيدة من بلاد غير المسلمين على هيئة تجار وصناع وسواح وعمال يجوبون
الأقطار والشعوب، ويندمجون فى وسط المجتمعات التى نزلوا اليها، ويبلغونهم دعوة
الله بأسلوب جذاب، وبحكمة عالية وبرقة ولطف نادرين، وبعزيمة تهد الجبال، وإرادة
تهتز لها الأرض والسموات وبذلك كانوا أمثلة عالية، ونماذج راقية للإسلام الذى
يدعون الناس إليه فآمن على أيديهم خلق كثير وأمم وشعوب بأسرها لاقتناع الناس بهم
وحب الناس لهم مما جعل قلوبهم تتفتح وصدورهم تنشرح للدخول فى دين الله أفواجا،
وكان هؤلاء الأئمة رضى الله عنهم يستعذبون العذاب ويتلذذون بالهوان فى سبيل هداية
الخلق الى الله، وإخراجهم من الظلمات الى النور، ولذلك كانت أصواتهم تسرى فى
القلوب مسرى النسيم العليل البليل الى النفوس فتحييها من العدم وتخرجها من ظلام
الشرك والجحود الى نور التوحيد والإسلام، عملا بتوجيهات رسول الله صلى الله عليه
وسلم:{ ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب}[1].وقوله
صلى الله عليه وسلم: {
لئن يهدى الله على يديك رجلا خير لك مما طلعت
عليه الشمس وغربت}[2]. وقول الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ
صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾[3].
وهؤلاء الأئمة والرجال كثيرون جدا لا يحصى
عددهم، وما زال فى المسلمين بقية من هؤلاء القوم يجوبون الأقطار ويحملون الى الناس
أفضل ما يهدى إليهم ويقدم بين أيديهم من دين الله الحق وهدية القويم.
ومن هنا نعلم أن الدعوة الحقيقية الى الله هى دعوة غير المسلمين الى دين
الاسلام بالكيفيات والأساليب التى سبقت الاشارة اليها، أما علمائنا الأجلاء،
وأئمتنا الذين يقومون فى المجتمعات الإسلامية فإنهم مرشدون ومذكرون ومعلمون لجماعة
المسلمين ما خفى عليهم من أمور الدين، وما يحتاجون اليه من التشريعات والافتاء،
لأن المسلمين قد استجابوا لدعوة الله ورسوله فآمنوا وأسلموا ولكن يحتاجون الى واعظ
ومذكر ومرشد يبين لهم حقائق الاسلام ومعانيه حتى يكونوا دائما على ذكر من دينهم،
وعلى معرفة بقضايا إسلامهم قال تعالى: ﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾[4].
وفى عصرنا الحديث نذكر جماعة من هؤلاء الأئمة
العظام رضى الله تعالى عنهم كأمثلة نرى من خلالها نور الاسلام المتألق فى قلوبهم
الذى حملوه وأوصلوه الى غير المسلمين ومن هؤلاء الأئمة الإمام محمد عبده، والإمام
جمال الدين الافغانى، والإمام محمد ماضى أبو العزائم والإمام عبد الرشيد إبراهيم،
وغيرهم من الأئمة الذين نهضوا بالدعوة الى الله فى عصرنا الحاضر، وقد أدت نهضتهم
المباركة إلى دخول الإسلام فى كثير من الأمم والشعوب، وكانت لهم أساليب مدهشة
يدخلون بها على قلوب الناس، وهى كرامات تشبه المعجزات فى هداية الخلق الى الله،
أسوق منها هذه القصة لنرى مبلغ ما كان عليه هؤلاء الأئمة من الفقه فى دين الله،
والحكمة العالية فى دعوة الناس الى الله، فلقد حضر الى مصر وفد من كبار رجال الدين
المسيحى بأوروبا، وطلبوا مقابلة الإمام أبى العزائم، فالتقى بهم ودار بينهم الحوار
الآتى بدأ الشيخ يحييهم ويرحب بهم لأن اللقاء كان فى بيته، ثم قال لهم فى ترحيبه
بهم كيف حال أبناءكم فسخروا منه وضحكوا بصوت مرتفع وتعجبوا من هذا السؤال الذى صدر
من إمام من أئمة المسلمين، وكيف انه يجهل البديهيات فى الدين المسيحى، وهو أن
الرهبان والمطارنة لا يتزوجون لأنهم قديسين، وإذا بالإمام يرد عليهم هذا التساؤل
وهذا التعجب ويقول لهم كيف تتنزهون عن الزوجة والولد وأنتم بشر وتنسبون لله
الصاحبة والولد؟ فكان هذا الجواب حجة دامغة، ودعوة لهم الى الإسلام فى غاية
الرصانة والقوة، وهو برهان عقلى ودليل بديهى لا يحتاج الى كثرة المحاورة والمجادلة
فاقتنعوا وأسلموا وعاهدوا الشيخ أنهم سينظرون فى هذا الأمر فى باهتمام بالغ،
ولأنهم لم يطلبوا مقابلته الا من أجل ذلك، وكان منهم من أسلم بعد ذلك، وبشر
بالإسلام بين قومه وعشيرته.
وأذكر حادثة للإمام محمد عبده وهو بفرنسا إذ قد
وجه إليه رجال الكنيسة هناك أسئلة حول تعدد الزوجات فى الإسلام، وكان قد نزل ضيفا
على رجال الكنيسة فرد عليهم ردا غريبا جدا وهو أنه ظل مدة إقامته فى ضيافتهم لم
يتناول غذاء غير اللبن مع تقديم الطيبات من الطعام له فى كل وجبة الا أنه يرفض
الأكل منها ويتناول اللبن فقط، فتوسلوا اليه وظنوا أنه يعاف طعامهم وقالوا له نأتى
إليك بالطيور أو الخراف فتذبح بين يديك من أجل أن تأكل منها فقال لهم انى أرد
بفعلى هذا على أسئلتكم فى تعدد الزوجات فى الإسلام، أن اللبن وإن كان غذاء متكاملا
لكن الإقامة عليه، واستمرار تناوله يجعل النفس تسأم منه وتعافه ويحتاج الى تناول
غيره من الأطعمة إشباعا لحاجة النفس وإرضاء لها فإن الزوجة الواحدة وإن كانت سليمة
من العيوب والآفات إلا أنه بطول العشرة تفتر همة الرجل نحوها وتتطلع إلى امرأة
أخرى وان هذا التطلع محرم فى دين الإسلام لأنه غير مشروع، وخشية أن يستبد هذا
الحال بالرجل فيرتكب فاحشة الزنا وهى محرمة فى كل الأديان، فقد أباح له الإسلام أن
يتزوج بأخرى ليسد هذه الحاجة الملحة فى نفسه، وكان لهذا الأسلوب أثره البالغ فى
نفوس رجال الكنيسة بفرنسا مما أدى فى النهاية الى إباحة الكنيسة الطلاق، والتزوج
من أخرى كعلاج للتدهور الخلقى الذى منى به المسيحيون فى الغرب ولا ينبغى لأحد أن
يقول فما بال المرأة لا يباح لها فى الإسلام التزوج من أكثر من واحد مثل الرجل لأن
ذلك يؤدى إلى اختلاط الأنساب، وعدم معرفتها كما أنه يؤدى الى تحلل الأسر وتدهور
الأخلاق، وقد ثبت بالأبحاث أن المرأة التى تباشر الجنس مع أكثر من رجل كثيرا ما
يحدث لها سرطان عنق الرحم فى السن المبكرة.
هذا فضلا عن تسبب المرأة فى نقل كثير من
الأمراض إلى الرجال الذين يتزوجون بها ومن ناحية أخرى فأن المرأة لا تستطيع أن تقوم
بشؤن كل زوج على حدة لأن كل زوج يريدها لنفسه " فتثور الخصومات والمشاحنات
بصفة مستمرة".
ولا يستقر لمثل هذه الأسر قرار ويقف ركب الحياة
معطلا أمام هذه الإحن والمنازعات، لكن الرجل ابيح له فى الاسلام تعدد الزوجات الى
أربع زوجات لحكم كثيرة منها ما سبق ذكرهن ومنها لكثرة النساء ووجود الكساد بينهن
وعزوف الكثير من الشباب والرجال عن الزواج لسوء الأحوال الاقتصادية وغيرها، ومنها
التهام الحروب للآلاف بل والملايين من الرجال، وتأيم النساء وانزلاقهن الى الرذيلة
تحت هذا العجز الرهيب فى جنس الرجال، ومنها ضعف المرأة وعدم قدرتها على القيام
بشؤنها وغير ذلك من الأسباب والحكم الداعية لتعدد الزوجات فى الإسلام، والإسلام
دين وسط جاء يعالج أمراض المجتمع البشرى، ويحل مشكلاته لأنه آخر الأديان التى نزلت
من السماء لإسعاد البشرية.
ومن هنا كان لهؤلاء الأئمة رضى الله عنهم كثير
من المواقف الجليلة التى تشيد بعظمة الاسلام ومسايرته ركب الحياة الإنسانية
وملائمته للفطرة البشرية التى فطر الله الناس عليها وقد كانوا رضى الله عنهم يدعون
الى الله برسائلهم وكتبهم كما يدعون بألسنتهم وسلوكهم ولم يدخروا وسعا فى تبليغ
رسالة الله الى خلق الله، هذا مع خشيتهم من مقام الله، ورعايتهم لعظمة الله جل
جلاله، ورحمتهم بالخلق وحرصهم على نجاتهم قال تعالى: ﴿
الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ
وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ
حَسِيبًا﴾[5].
من كتاب كيف يدعو الإسلام الناس إلى الله
لفضيلة الشيخ محمد على سلامة
مدير أوقاف بورسعيد الأسبق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق