أولا التوسل بآثار الأنبياء
التوسل بآثار الأنبياء
قال تعالى : } وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ { الآية من سورة البقرة .
قال الحافظ ابن كثير في التاريخ : قال ابن جرير عن هذا التابوت : وكانوا إذا قاتلوا أحداً من الأعداء يكون معهم تابوت الميثاق الذي كان في قبة الزمان كما تقدم ذكره ، فكانوا ينصرون ببركته وبما جعل الله فيه من السكينة والبقية مما ترك آل موسى وآل هارون ، فلما كان في بعض حروبهم مع أهل غزة وعسقلان غلبوهم وقهروهم على أخذه فانتزعوه من أيديهم اهـ .
قال ابن كثير : وقد كانوا ينصرون على أعدائهم بسببه ، وكان فيه طست من ذهب كان يغسل فيه صدور الأنبياء اهـ (البداية ج2 ص8) .
وقال ابن كثير في التفسير : كان فيه عصا موسى وعصا هارون ولوحان من التوراة وثياب هارون ومنهم من قال : العصا والنعلان اهـ . [تفسير ابن كثير ج1 ص313] .
وقال القرطبي : والتابوت كان من شأنه فيما ذكر أنه أنزله الله على آدم عليه السلام فكان عنده إلى أن وصل إلى يعقوب عليه السلام فكان في بني إسرائيل يغلبون به من قاتلهم حتى عصوا فغلبوا على التابوت غلبهم عليه العمالقة وسلبوا التابوت منهم . اهـ . (تفسير القرطبي ج3 ص247) .
وهذا في الحقيقة ليس إلا توسلاً بآثار أولئك الأنبياء إذ لا معنى لتقديمهم التابوت بين أيديهم في حروبهم إلا ذلك والله سبحانه وتعالى راض عن ذلك بدليل أنه رده إليهم وجعله علامة وآية على صحة ملك طالوت ولم ينكر عليهم ذلك الفعل .
ثانيا التوسل بالنبى قبل مولده وقبل بعثته
قال تعالى ( وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا
كفروا به فلعنة الله على الكافرين )
جاء فى تفسير بن كثير :
( وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ) أي : وقد كانوا من قبل مجيء هذا الرسول بهذا الكتاب يستنصرون بمجيئه على أعدائهم من المشركين إذا قاتلوهم ، يقولون : إنه سيبعث نبي في آخر الزمان نقتلكم معه قتل عاد وإرم
وقال العوفي ، عن ابن عباس : ( وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ) يقول : يستنصرون بخروج محمد صلى الله عليه وسلم على مشركي العرب يعني بذلك أهل الكتاب فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم ورأوه من غيرهم كفروا به وحسدوه .
وجاء فى تفسير البغوى : ( ولما جاءهم كتاب من عند الله ) يعني القرآن ( مصدق ) موافق ( لما معهم ) يعني التوراة ( وكانوا ) يعني اليهود ( من قبل ) قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم ( يستفتحون ) يستنصرون ( على الذين كفروا ) على مشركي العرب ، وذلك أنهم كانوا يقولون إذا حزبهم أمر ودهمهم عدو : اللهم انصرنا عليهم بالنبي المبعوث في آخر الزمان ، الذي نجد صفته في التوراة ، فكانوا ينصرون ، وكانوا يقولون لأعدائهم من المشركين قد أظل زمان نبي يخرج [ ص: 121 ] بتصديق ما قلنا فنقتلكم معه قتل عاد وثمود وإرم ( فلما جاءهم ما عرفوا ) يعني محمدا صلى الله عليه وسلم من غير بني إسرائيل وعرفوا نعته وصفته ( كفروا به ) بغيا وحسدا . ( فلعنة الله على الكافرين )
وحكى القرطبي فى تفسيرة للقرآن وكذلك الطبرى فى تفسيرة وغيرهما
عن ابن عباس ، رضي الله عنهما : أن يهود خيبر اقتتلوا في زمان الجاهلية مع غطفان فهزمتهم غطفان ،
فدعا اليهود عند ذلك ، فقالوا : اللهم إنا نسألك بحق النبي الأمي
الذي وعدتنا بإخراجه في آخر الزمان ، إلا نصرتنا عليهم .
قال : فنصروا عليهم . قال : وكذلك كانوا يصنعون يدعون الله فينصرون على أعدائهم ومن نازلهم .
قال الله تعالى : ( فلما جاءهم ما عرفوا ) أي من الحق وصفة محمد صلى الله عليه وسلم "
وحكى القرطبي وغيره عن ابن عباس ، رضي الله عنهما : أن يهود خيبر اقتتلوا في زمان الجاهلية مع غطفان فهزمتهم غطفان ، فدعا اليهود عند ذلك ، فقالوا : اللهم إنا نسألك بحق النبي الأمي الذي وعدتنا بإخراجه في آخر الزمان ، إلا نصرتنا عليهم . قال : فنصروا عليهم . قال : وكذلك كانوا يصنعون يدعون الله فينصرون على أعدائهم ومن نازلهم . قال الله تعالى : ( فلما جاءهم ما عرفوا ) أي من الحق وصفة محمد صلى الله عليه وسلم " كفروا به " فلعنة الله على الكافرين .
وأما فى السنة فقد ورد أنه لما وقع آدم فى الخطيئة واهبط من الجنة
طلب من الله أن يتوب عليه فألهمه الله فقال : ( اللهم بحق محمد إلا غفرت لى ) حديث صحيح
رواة الحاكم فى المستدرك على الصحيحين والإمام الطبرانى والإمام أبوداود وغيرهم والراوى هو سيدنا عمر
(فقال له يا آدم كيف عرفت محمد ولما يأتى بعد ؟
فقال يارب ما نظرت إلى شئ فى الجنة
إلا ووجدت اسمه مقرونا بجوار اسمك فعلمت أنه أحب الخلق إليك فقال له الله
صدقت يا أدم وإذ سألتنى بحقه فقد غفرت لك )
هذا الحديث صحح إسناده الإمام الحاكم فقد اخرجه وقال صحيح الإسناد،
2- صححه الإمام السبكي فقد حقق الإمام تقي الدين السبكي في كتابه:
شفاء الأسقام أن هذا الحديث لا ينزل عن درجة الحسن
3- الإمام ابن الجوزيحيث نقل عنه ابن تيميه رواية صحيحة كما سنوردها
أخرجها ابن الجوزي في الوفا بفضائل المصطفى من طريق ابن بشران، نقلها عنه ابن تيمية في الفتاوي (2/159) مستشهداً به وهي ترفع الحديث ليكون حسناً لغيره ويحتج به بلا منازع.
4- صححه الإمام تقي الدين الحصني الدمشقي 752هـ:829 هـ
دفع شبه من شبه وتمرد ج 1/ص 725- الإمام القسطلاني (ت 923 هـ)
في المواهب اللدنية ( ج 1 ص 16)ذكره الحافظ السيوطي في الخصائص النبوية ص 49
الشاهد الذي اورده ابن تيمية في مجموع فتاويه
((قد أخرج الحافظ أبو الحسن بن بشران قال : حدثنا أو جعفر محمد ابن عمرو، حدثنا أحمد بن سحاق بن صالح، ثنا محمد بن صالح، ثنا محمد ابن سنان العوقي، ثنا إبراهيم بن طهمان، عن بديل بن ميسرة، عن عبد الله بن شقيق، عن ميسرة قال: قلت: يا رسول الله، متى كنت نبياً ؟ قال:
(( لما خلق الله الأرض واستوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات ، وخلق العرش،كتب على ساق العرش: محمد رسول الله خاتم الأنبياء، وخلق الله الجنة التي أسكنها آدم وحواء، فكتب اسمي على الأبواب، والأوراق والقباب، والخيام،وآدم بين الروح والجسد،فلما أحياه الله تعالى: نظر إلى العرش فرأى اسمي فأخبره الله أنه سيد ولدك، فلما غرهما الشيطان ، تابا واستشفعا باسمي إليه ) .
وأخرجه ابن الجوزي في الوفا بفضائل المصطفى من طريق ابن بشران، نقله عنه ابن تيمية في الفتاوي (2/159) مستشهداً به .
فهذا الطريق إسناده مسلسل بالثقات ما خلا راوٍ واحد صدوق .
وحتى ابن تيمية اورد حديث اخر وقال في اخره فهذا الحديث يؤيد الذي قبله وهما كالتفسير للاحاديث الصحيحة فتأمل قال ابن تيمية:-
(روى أبو نعيم الحافظ في كتاب دلائل النبوة ومن طريق الشيخ أبي الفرج حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا أحمد بن رشيد حدثنا أحمد بن سعيد الفهري حدثنا عبد الله بن إسماعيل المدني عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصاب آدم الخطيئة رفع رأسه فقال: يا رب، بحق محمد إلا غفرت لي فأوحى إليه وما محمد؟ ومن محمد؟ فقال: يارب إنك لما أتممت خلقي رفعت رأسي إلى عرشك فإذا عليه مكتوب: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنه أكرم خلقك عليك إذ قرنت اسمه مع اسمك فقال: نعم، قد غفرت لك وهو آخر الأنبياء من ذريتك، ولولاه ما خلقتك".
فهذا الحديث يؤيد الذي قبله وهما كالتفسير للأحاديث الصحيحة
[مجموع الفتاوى لابن تيمية ج2 ص159]
وقد أشار إليه الإمام مالك رضي الله عنه في القصة الصحيحة التي لا غبار عليها
قصه الخليف المنصور مع الإمام مالك رضي الله عنه
(((حدثنا القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن الأشعري ، وأبو القاسم أحمد بن بقي الحاكم ، وغير واحد ، فيما أجازونيه ، قالوا : أنبأنا أبو العباس أحمد بن عمر بن دلهاث ، قال : حدثنا أبو الحسن علي بن فهر ، حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن الفرج ، حدثنا أبو الحسن عبد الله بن المنتاب ، حدثنا يعقوب بن إسحاق بن أبي إسرائيل ، حدثنا ابن حميد ] ، قال : ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين مالكا في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ...الخ
إلي أن قالفاستكان لها أبو جعفر ، وقال : يا أبا عبد الله ، أستقبل القبلة ،
وأدعو أم أستقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال : ولم تصرف وجهك عنه ، وهو وسيلتك ، ووسيلة أبيك آدم - عليه السلام - إلى الله - تعالى - يوم القيامة ؟ بل استقبله ، واستشفع به ، فيشفعه الله ، قال الله - تعالى - : ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم [ النساء : 64 ] الآية .)) انتهي الشفا 2:41
وهذه القصة صحيحة لا غبار عليها وتدل على أن الإمام مالك يري الخير في استقبال النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء
والاستشفاع به وأنه هو الوسيلة صلى الله عليه وسلم.
فالقصة كما نرى تشير إلى حديث توسل سيدنا آدم عليه السلام بسيدنا محمد بقول الإمام مالك وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام "
وترجح اخذ الإمام مالك رضي الله عنه بصحة الحديث والإقرار به!!!
وقد أخرج هذه القصةرواها أبو الحسن على بن فهر في كتابه فضائل مالك
رواها القاضي عياض في الشفا 2:41
بسنده الصحيح عن شيوخ عده من ثقات مشايخه
وقال الخفاجي في شرحه 3:398 ( ولله دره حيث أوردها بسند صحيح وذكر أنه تلقاها عن عدة من ثقات مشايخه)وذكرها القسطلاني في المواهب 4:580
أخرج الحاكم نفسه شاهدا له عن ابن عباس فقد روى بسنده المتصل إلى قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس قال:
(( أوحى اللهُ إلى عيسى عليه السلام يا عيسى آمِن بمحمد وَأْمُر من أدركه من أمتك أن يؤمنوا به فلولا محمد ما خلقتُ آدم ولولاه ما خلقتُ الجنة والنار ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب فكتبت عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله فسكن "قال الحاكم حديث صحيح الإسناد الحاكم في المستدرك ( ج2 ص615 )
وكذلك ورد أن أول واقعة بين الفرس والعرب وتسمى واقعة ذى القار
وكانت مع قبيلة بكر بن وائل قال شيخ القبيلة لشبابها :
ما اسم الرجل الذى عرض عليكم فى مكه وكان النبى يعرض دعوته فى مكة فى أسواقها _قالوا محمد قال : اجعلوها شعاركم اليوم )
فجعلوا شعارهم فى المعركة ( محمد )
قال صل الله عليه وسلم فبى نصروا )
عند قوله تعالى : ( وكانوا مِن قبْلُ يستفتِحون على الذين كفروا ، فلمًا جاءهم ما عرفوا كفروا به ) البقرة – 89 . ذكر السيوطي في أسباب النزول : عن ابن عباس قال : كانت يهود خيبر تُقاتل غطفان ، فكلما التقوا هَزَموا اليهود ، فعادت يهود بهذا الدعاء - قائلين - : اللهم إنا نسألك بحق محمد النبي الأمي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا آخر الزمان إلا نصرتنا عليهم . فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا الدعاء فيهزمون غطفان ، فلما بُعِثَ النبي صلى الله عليه وسلم كفروا به . فأنزل الله تعالى هذه الآية : ( وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا...إلخ الآية ) .
قال السيوطي : الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين ، وأخرجه البيهقي في دلائل النبوة .
· ومن أسباب النزول للسيوطي أيضا قال : أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : أن يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه ، فلما بعثه الله من العرب كفروا به ... إلخ الحديث . فنحن نرى أن اليهود كانوا يتوسلون بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه ، ولم يُعِبْ عليهم ربُّنا ذلك ، ولكن الله تعالى عاب عليهم أنهم كفروا بالذي كانوا يتوسلون به .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق