Disqus for ومضات إيمانية

الاثنين، 4 مارس 2013

( الحضرة ) لكن لأصحاب الذوق السليم


 
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ،

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الْفَاتِحِ لِمَا أُغْلِقَ

وَالْخَاتِمِ لِمَا سَبَقَ نَاصِرِ الْحَقِّ بِالْحَقِّ وَالْهَادِي إِلَى صِرَاطِكَ الْمُسْتَقِيمِ
وَعَلَى آلِهِ حَقَّ قَدْرِهِ وَمِقْدَارِهِ الْعَظِيمِ .
من معانى كلمة ( الحضرة ) لأصحاب العقل السليم
 والذوق المستقيم 
(لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ) وليس لأصحاب القلوب المتحجرة والفقه الصحراوى والعقل البدوى 
اعلَمْ يا أخي العزيز أن (الحضرة) اسم مشتق من الحضور ، والمراد به : حضور الروح مع الحق عز وجل ، أو مع (الصراط المستقيم) الموصل إلى الحق عز وجل ، وهو ينبوع النور صلى الله عليه وسلم .
وهذا هو الغاية من التصوف .
والطرق الصوفية الغرض منها : توصيل المريد إلى كشف الحجاب عن الحضرة ، حضرة الحق عز وجل ، أو حضرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
ولا تظن ما يظنه الجهلة بله بعض العلماء ، من أن كشف الحجاب عن الحق والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لن يكون إلا في الآخرة ... ذلك مبلغهم من العلم ... وفوق كل ذي علم عليم .
والحق ما أخبر به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، من أن أناسا سيرونه في اليقظة ، فعَنْ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ وَلَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي) (البخاري برقم 6993) .
ومن العجيب أن المبتدعة الذين ينكرون التأويل ، يئولون هذا الحديث !! بأن المراد منه صدق الرؤيا ، أو أن الرؤيا في اليقظة ستكون في الآخرة ، ويرفضون أخذ حديث الصادق المصدوق على ظاهره ، ويلجئون إلى التأويل ، ويرفضون أخذ الحديث بالظاهر!!
الفقهاءُ في الاحتمالات العقلية يهيمون ، ولا يوجد لهم (كَشْفٌ صَرِيحٌ) يرجِّح احتمالا على آخر ، وكل الاحتمالات جائزة لديهم ، فتجد مثلا شارح البخاري يذكر ثماني احتمالات لمعنى جملة (فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ) ، ولا يستطيع ترجيح احتمال على آخر .
ومن رجح احتمالا مخالفا لظاهر الحديث بدون كشف صريح ، وبدون استحالة عقلية أو شرعية ، فقد سلك غير سبيل الحق .
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبر أن من رآه في المنام فسيراه في اليقظة ، والثقات العدول من الأولياء أخبروا أنهم رأوه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – في اليقظة ، فكيف نرد قولَ الرسول وقولَ الثقات العدول ، من أجل الاحتمالات العقلية للمحجوبين ؟!
ورؤية حضرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أو الحضرة الإلهية ، لا تكون بالعين ، بل بالروح ، والمنكرون لا يعرفون الروح ، ولا قدرات الروح ، حتى يقولوا باستحالة ذلك على الروح ، فهم يجعلون جهلَهم حُجَّةً على من شاهد ، ومن رأى ، ومن سمع .
وكل الأنبياء وأكابر الأولياء يرون الحضرتين ، ويسمعون الخطاب ، وراجِعِ القرآنَ الكريم ، تجد خطاب (الحضرة الإلهية) لموسى عليه السلام ، بدون واسطة ملك : ﴿قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ {النمل/7} فَلَمَّا جَاءهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {النمل/8} يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {النمل/9} وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ {النمل/10}﴾ .
وكلم الله عز وجل نوح عليه السلام بدون وساطة جبريل : ﴿وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ {هود/45} قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ {هود/46}﴾ .
وكلم الله عز وجل إبراهيمَ عليه السلام بدون وساطة جبريل : ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {البقرة/260}﴾ .
وكلم الله عز وجل آدمَ عليه السلام بدون وساطة جبريل : ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {البقرة/30} وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ {البقرة/31} قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ {البقرة/32} قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ {البقرة/33} وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ {البقرة/34} وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ {البقرة/35}﴾ .
وكلم كل نبي ورسول بدون وساطة جبريل ... إن جبريل كان ينزل من أجل الكتب المقدسة ، وروح الرسول أو النبي أو الولي قادرة على المشاهدة وسماع خطاب (الحضرة الإلهية) ، هذا من قدرات الروح ، مثلما شاهدت وسمعت الخطاب الإلهي يوم ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ {الأعراف/172} ﴾ .
فإذا كُشِفَ عن الروح حجابُ التعلق بالدنيا ، ولم تتعلق إلا بالحق ، عادت إلى صفائها الأصلي ، فشاهدت الحضرة مثلما شاهدتها يوم ﴿أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ﴾ ، وسمعت الخطاب الإلهي كما سمعته يوم ﴿أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ﴾ ، وكما سترى الحضرة يوم القيامة .
غاية الأمر أنها وصلت بالمجاهدة ، إلى أن وصلت في الدنيا إلى ما سيصل إليه المحجوب يوم القيامة ، أي (ستصل في الصفاء) في الدنيا إلى الصفاء الذي ستصل إليه روح المحجوب يوم القيامة ... هل في هذا مخالفة للعقل ، أو للشرع ؟
قال المرسي أبو العباس : منذ أربعين سنة لم يحتجب الحق عن بصري طرفة عين ، ولو حُجِبَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بصري طرفة عين ، ما عددت نفسي من المسلمين .
وهذا القول رواه عنه تلميذه المباشر ، ابن عطاء الله السكندري ، وكلاهما صادق .
وما المخالفة العقلية أو الشرعية إذا قال لك شخص : إن الولي يصل إلى صفاء الملائكة ، فيشاهد الحضرة الإلهية والحضرة النبوية ، مثلما يشاهدها الملائكة ؟ أقول : ما المخالفة الشرعية في أن تصير في صفاء الملائكة ؟ هل هذا يعني أنك صرت إلها ؟!!
ما المخالفة في أن أشبه مخلوقا بمخلوق في الصفاء ؟
لا مخالفة .
نعم هناك استغراب ، لغرابة المعلومة ، لقلة ترديدها في هذا العصر ، لشيوع المذهب الوهابي ، ولكن هذا الاستغراب لم يكن موجودا في القرون الماضية ، حيث كان التسليم تاما لأولياء الله الصالحين .
أسأل الله أن يهدي كل مسلم إلى طريق (أهل الحق ... العارفين بالله ... السادة الصوفية) ، وأن يصل بكم إلى أعلى درجات المعرفة بالله ، والكشف الصريح الذي لا شبهات معه ، ولا احتمالات ظنية معه ، قال ابن عربي : (من لا كشف له ، لا علم له)... أي لا علم يقيني ، فكلها احتمالات ظنية ، والعلم القطعي : ما قطع عروق الشك ، فلا احتمال معه .
والسلام عليك ورحمة الله وبركاته
كلامي يدور حول معنى الحضرة ، ووصول الإنسان المحجوب – عن طريق سلوك الطريق الصوفي – إلى صفاء يشبه صفاء الملائكة ، فيسمع الخطاب الإلهي والكلام النبوي ، ويشاهد الحضرة الإلهية وحضرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، والعبد لله لم يتكلم عن مَن أفضلُ مِن مَن .

وتكملة للإجابة أقول : وتطلق الحضرة على شيء ثالث ، وهو حضرة الذكر ، لأن الحضور أشد ما يكون أثناء الذكر ، بل الذكر هو الموصل للحضور ، للوصول للحضرة الإلهية ، والحضرة النبوية ، وفي حديث حنظلة : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي ، وَفِي الذِّكْرِ ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلاَئِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ) .
هل ترى الملائكة ؟ إن شاء الله نعم ، لكني لا أراها بسبب الحجاب ، وقد أقسم رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وهو الصادق المصدوق – بإمكانية رؤية الناس لها ، وقد حدد لنا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طريقين إلى ذلك ، الطريق الأول : رؤيته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فهو نور ، ورؤيته تملأ القلب نورا ، والطريق الثاني : دوام الذكر بحضور ، فمن استدام ذلك كشف عنه الحجاب ، ورأى الملائكة ، وكان مثلهم ، يراهم مثلما يرونه ، ويسمع خطاب الحضرة الإلهية مثلما يسمعونه ، ويشاهد حضرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثلما يرونه ، وعاش معهم ، الجسم أرضي ، والروح ملائكي نوراني ، زج به في الملكوت ، وصار بشرا ملكيا .

ولما أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن الذكر يوصل إلى الحضرة ، أُطْلِقَ مصطلح الحضرة على مجلس الذكر ، من باب المجاز ، فالذكر هو السبيل الموصل إلى الحضرة ، ومجلس الذكر فيه يشاهد العارفون الحضرة ، وكم حضر حضرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والخلفاء الراشدون والملائكة مجالس الذكر ، يصبون في قلوب الذاكرين أنوارا ، والعارفون يشاهدون ويسكرون من هذه الأنوار :

قلوب العارفين لها عيون *** ترى ما لا تراه الناظرون

ومنهم من يكون مثل الجبال ، تحسبها هامدة وهي تمر مر السحاب ، ومنهم من لا يتحمل جمال الحضرة الإلهية عندما يراها ، فيجن مثل الحلاج ، أو يتزلزل مثل ابن الفارض ، القائل :

قـلـبي يُـحـدثُني بـأنك مُـتلفي ***

روحـي فِداك ، عرَفتَ أم لم تعرفِ
لـم أقضِ حق هواك إن كنتُ الذي**

*لـم أقـض(1) فيه أسًى ، ومثلي مَن يفي
مـا لي سوى روحي ، وباذلُ نفسِهِ***

فـي حب مَن يهواه ، ليس بمسرفِ
فـلئن رضـيت بها ، فقد أسعفتَني***

يـا خَيْبَةَ المسعى ، إذا لم تُسْعِفِ !
يـامانعي طـيبَ المنام ، ومانِحِي***

ثـوبَ الـسِّقَام بـهِ ووجدي المتلِفِ
فـالوجدُ بـاقٍ ، والوصالُ مماطلي***

والـصبرُ فـانٍ ، والـلقاءُ مُسَوِّفِي
واسألْ نجومَ الليلِ : هل زارَ الكرى***

جَـفني ، وكيف يزورُ مَن لم يَعرفِ ؟!
لا غَـرْوَ إن شحَّتْ بغُمْضِ جفونها***

عـيني ، وسـحَّتْ بالدموِع الذًّرَّفِ
وبـما جرى في موقف التوديع من***

ألـم الـنوى ،شاهدتُ هَوْلَ الموقِفِ
إن لـم يـكنْ وصـلٌ لَدَيْكَ فَعِدْ بِهِ***

أملي وماطِلْ ، إن وعدت ، ولا تَفِي
فـالمُطْلُ مـنك لدَيَّ ، إنْ عَزَّ الوفا***

يـحلو كـوصلٍ من حبيبٍ مسعِفِ
فـلـعلَّ نـارَ جـوانحي بـهبوبها ***

أن تـنـطفي ، وأودُّ أن لا تـنطفي

يـا أهـلَ وُدَّي ! أنتمُ أملي ، ومَن***

نـا داكـم يـا أهـلَ وُدَّي قد كُفِي
عـُودُوا لـما كـنتُم عليه من الوفا***

كـرما ، فـإني ذلـك الـخِلُّ الوفي

لا تحسبوني ، في الهوى ، متصنعاً***

كـَلِفِي بـكم خُـُلٌق بـغير تَـكَلُّفِ

أخـفـيتُ حُـبَّكمُ فـأخفاني أسـًى ***

حـتى ، لَعَمْرِي ، كِدْتُ عني أختفي
وكـتـَمْتُهُ عـنّـي ، فـلـو أبـديتُهُ***

لـوجدتُهُ أخـفى من اللطفِ الخفي

دَعْ عنكَ تعنيفي ، و ذُقْ طعمَ الهوى***

فـإذا عـشِقْتَ ، فـبعدَ ذلـك عَنِّفِ

بَرِحَ الخفاءُ بحبِّ مَن لو ، في الدُّجَى***

سَـفَرَ الـلِّثَامَ ، لَقُلْتُ : يا بدرُ اختفِ
وإنِ اكـتَفَى غـيري بـطَيفِ خيالِهِ***

فـأنا الـذي بـوصالِهِ لا أكـتفي

لو قال تيهاً : قِفْ على جَمْرِ الْغَضَا***

لـَوَقَـفْتُ مـمتثلاً ، ولـم أتوقَّفِ

لا تـنكروا شغفي بما يَرضَي ، وإنْ***

بـالوصالِ عـَلَيَّ لم يَتَعَطَّفِ
غلب الهوى ، فأطعتُ أمرَ صبابتي***

مِـن حيث فيه عصيتُ نَهْيَ معنِّفِي

كُلُّ الـبدورِ إذا تـجلَّى مـقبلاً***

تـصبو إلـيهِ ، وَكُـلُّ قَـدٍّ أَهْيَفِ
إنْ قـلتُ : عـندي فيكَ كلُّ صبابةٍ***

قال : الملاحةُ لي ، وكلُّ الحُسنِ فِيّْ

كَـمُلَتْ مَحَاسِنُةُ ، فـلو أهدى السنا***

لـلبدرِ ، عـند تمامِهِ ، لم يخسفِ
وعـلى تـفنُّنِ ، واصـفيه بحسنه **

يـفنى الـزمانُ ، وفيه مالم يوصَفِ

ولـقد صَـرفْتُ لحبه كُلِّي ، علي ***

يـدِ حُسْنِهِ ، فحَمِدْتُ حُسْنَ تصرُّفي

يـا أختَ سعدٍ ، من حبيبي ، جِئْتِنِي ***

بـرسـالـةٍ أديـتـِهَا بـتـلطُّفِ
فـسَمِعْتُ مَـالم تسمعي ، ونَظَرْتُ ما***

لـم تـَنْظُرِي ، وعَرَفْتُ مالم تَعْرِفي

–––––––––
(1) لم أقض : لم أمت .
 أنا أتكلم عن (المشاهدة) لا عن (الرؤية) ، وبين الرؤية وبين المشاهدة من الفرق ، ما بين السماء والأرض .
كما يبدو أنك ظننت أن (مشاهدة) الرسول أو النبي أو العارف للحق ، تكون بالعين !!! ولذلك بنيت على أن إسرافيل ساجد بين يدي الحق أنه لا يراه !!! وكأن السجود سيمنع الملك من المشاهدة !!!

المشاهدة يا بني لا تحتاج إلى العين ، المشاهدة تكون بنور الروح لا بنور البصر ، لذا قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ وَتَرَاصُّوا فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي) (البخاري 719 والنسائي 814 والمسند 10994 و 12011 و 12255) .

فرؤية (مَنْ كُشِفَ عنه الحجابُ) - من رسول أو نبي أو ولي – لا تكون بنور العين ، بل بنور الروح ، لأنه يكون مثل الملائكة ، نورا ، فكما يرى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من وراء ظهره (بدون استخدام عينه) ، لا يحتاج إسرافيل النظر للحق لكي يراه ، ولا يحتاج النبي أو العارف بصره لكي يراه ، فهي ليست (رؤية) عين ، بل (رؤيا) روح في اليقظة .

وهذا ما لم يفهمه المعتزلة حين أنكروا رؤية المؤمنين للحق تعالى في الآخرة ، لأنهم ظنوها رؤيةَ عين ، والله تعالى لا يُرَى بالعين .
ووقع المنكرون على العارفين في نفس خطأ المعتزلة ، حين ظنوا أن العارفين يرون الله تعالى بالعين ، والله تعالى لا يُرَى بالعين .

ومنهج المعتزلة وأعداء التصوف في التفكير واحد ، رغم أنهم يكفرون بعضهم بعضا !
وموطن الخطأ في تفكير كليهما ، الظن بأن الله يُرى بالعين .

والصواب الذي غاب عن المعتزلة وعن أعداء التصوف ، أن رؤية المؤمنين في الآخرة لله تعالى ستكون بالروح لا بالعين ، فلا وجه لاعتراض المعتزلة على أهل السنة . وأن رؤية العارفين للحق تعالى إنما هي مشاهدة بالروح لا رؤية بالعين . مشاهدة بالروح في النوم واليقظة ... فلا وجه لاعتراض أعداء التصوف عليهم في هذه النقطة ، لأن أحدا لم يزعم أنه يرى الحق بالعين ، بل نقرر أننا نشاهده بالقلب ... أي بالروح ... قال ابن عربي :
إذا تجلى حبيبي *** بأي عين أراه
بعينه لا بعيني *** فما يراه سواه
فالله لا يُرى بالعين ، لكنه يشاهَدُ بالروح الذي هو ﴿من أمر ربك﴾ ... تقول السيدة رابعة :
أحبك حبين : حب الهوى *** وحبا لأنك أهل لذاكا
فأما الذي هو حب الهوى *** فشغلي بذكرك عمن عداكا
وأما الذي أنت أهل له *** فكشفك للحجب حتى أراكا
فلا الحمد في ذا ولا ذاك لي ** ولكن لك الحمد في ذا وذاكا

وقول السيدة رابعة : (فكشفك للحجب حتى أراكا) ، ليس المراد به كشف الحجب عن البصر ، بل عن القلب ... عن الروح ... يقول ابن الفارض ، واصفا حال العارف عند كشف الحجاب عن قلبه ، فيصير يرى بذاته ، ويسمع بذاته ، ويبطش بذاته ... إلخ ، فلا تختص جارحة بصفة ، بل كل جارحة مفردة تملك قدرات كل الجوارح ، فهو يسمع بيده ، ويبصر بيده ، ويبطش بيده ، ... إلخ ، وكذلك يسمع بعينه ، ويبصر بعينه ، ويبطش بعينه ... إلخ ... لا تختص جارحة بقدرة واحدة ، بل كل جارحة له تملك سائر قدرات سائر الجوارح ، لأن هذه القدرات قدرات الروح ، لا قدرات الجارحة :

وكُلِّي لسانٌ ناظرٌ ، مِسْمَعٌ ، يَدٌ *
 لِنُطْقٍ ، وإِدْرَاكٍ ، وسَمْعٍ ، وبَطْشَةِ
فَعَيْنِيَ ناجَتْ ، واللسانُ مُشَاهدٌ **
 وعَيْنِيَ سَمْعٌ ، إِنْ شَدَا الْقَوْمُ تُنْصِتِ
وَمِنِّيَ ، عَنْ أَيْدٍ ، لِسَانِي يَدٌ ، كما *
 يدي لي لسانٌ في خطابي وخُطْبَتي

كَذَاكَ يدِي عَيْنٌ تَرَى كُلَّ مَا بَدَا *
 وعيني يَدٌ مبسوطةٌ عِندَ بَسْطَتِي
وسَمْعِي لِسَانٌ في مُخَاطَبَتِي ، كذا *
 لسانيَ ، في إصغائهِ ، سَمْعُ مُنْصِتِ

وللشَّمِّ أحكامُ اطِّرَادِ القياسِ في اتْ *
 تِحادِ صِفَاتي ، أو بِعَكْسِ القضيةِ
وما فيَّ عُضْوٌ خُصَّ ، مِنْ دُونِ غَيْرِهِ *
 بتعيينِ وَصْفٍ مِثلُ عَيْنِ البصيرةِ

ومِنِّي ، على أفرادِها ، كُلُّ ذرةٍ *
 جوامعَ أفعالِ الجوارحِ أَحْصَتِ
يُناجي ويُصغِي عن شُهودٍ ، مُصَرَّفٍ
 بمجموعةٍ في الحالِ عنْ يَدِ قُدْرةِ
فَأَتْلُو عُلومَ العالمينَ بلفظةٍ * وَأَجْلُو عَلِيَّ العالمينَ بِلَحْظَةِ
وأسمعُ أصواتَ الدعاةِ وسائرَ ال
 ـلغاتِ بِوَقْتٍ ، دُونَ مِقْدَارِ لَمْحَةِ
وأُحْضِرُ ما قد عَزَّ ، للبُعْدِ ، حَمْلُهُ *
 ولم يَرْتَدِدْ طَرْفِي إليَّ بغمضةِ
وأنشقُ أرواحَ الجنانِ ، وعَرْفَ ما * يُصَافحُ أذيالَ الرِّياحِ بنسمةِ
وأَسْتَعْرِضُ الآفاقَ نحوي بخطرةٍ *
 وأخترقُ السَّبْعَ الطِّبَاقَ بخطوةِ
وفي ساعةٍ ، أو دونَ ذلك ، مَنْ تَلاَ *
بمجموعِهِ جَمْعِي تَلاَ أَلْفَ خَتْمَةِ
هِيَ النَّفْسُ إِنْ أَلْقَتْ هواها ، تَضَاعَفَتْ *
 قُواها ، وأَعْطَتْ فِعْلَها كُلَّ ذرةِ


والخلاصة ، إن سجود إسرافيل عليه السلام لا يؤدي إلى عدم مشاهدة الحق ، لأن الملك لا يحتاج إلى الجوارح ليبصر ويسمع ويفعل ما يريد ، والنبي والولي لا يحتاج إلى الجوارح لكي يشاهد أويسمع الخطاب الإلهي ، والنبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لم يكن يبصرهم من وراء ظهره بعيني رأسه ، بل بروحه ، والعارف لا يشاهد الحضرة أو يسمع الخطاب الإلهي بعينه وأذنه ، بل بروحه .
وهذا من العلم اللدني ، من شاء صَدَّقه ولم يجد فيه ما يخالف الشريعة ، ومن شاء لم يصدِّقْهُ ولا شيءَ عليه ، إلا الحرمان منه .

وتستطيع يا أخي أن تضع مئات الشبهات في المسألة وفي أية مسألة من العلم ، وكلها مردود عليها ، ولكن تفنى الأعمار في الرد على الشبهات التي يلقيها الشيطان في قلوب الناس ليصدهم عن طريق الحق ، وعن التحقق بمشاهدة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، التي أخبر بها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أو التحقق بمشاهدة الحق عز وجل ، التي هي (رؤيا قلب) أو (رؤيا روح) مثل رؤيا المنام بالضبط ، لكنها في اليقظة ، لأن الرسول والنبي والعارف صفت أرواحهم من كل كدورات البشرية ، حتى صارت – وهي في اليقظة – أكثر صفاء من روح النائم ، فيرى في اليقظة الرؤيا التي يراها النائم ، فيرى النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة ، بينما المحجوب لا يراه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا في النوم ، لأنها – في النهاية – (رؤيا روح) أو (رؤيا قلب) في اليقظة .

والفرق بين المشاهدة والرؤيا ، وتفسير قوله تعالى : ﴿قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا﴾ ، والفرق بين طلب موسى وبين المشاهدة ، حيث كان يطلب الرؤية المحمدية ، ﴿أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ﴾ لا المشاهدة القلبية التي كان متحققا بها ، 
طالب علم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق