جعل الله لنا في كل جمعة وقفة مع أنفسنا نقف فيها معاً نتدّبر في أحوالنا وننظر في أمورنا ونقيس أحوالنا مع نبينا ومع من معه من الصحابة البررة الكرام الأجلاء ثم ننظر بعد ذلك في كتاب الله نتلمَّس منه الهُدى والشفاء
فإن الله جعله صيدلية كاملة لكل أمراضنا النفسية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والمحلية والعالمية كل الأدواء ذكرها الله وشخَّص كل داء وذكر لكل داء شفاء في كتاب الله {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} الإسراء82
فلم يقل الله: وننزل من القرآن ما هو دواء لأن الدواء قد يأتي بالشفاء وقد يزيد الداء لكن القرآن هو شفاءٌ مُحققٌ لا يعقبه داء لأنه كلام خالق الأرض والسماء وهو كلام الله عز وجل
لابد للمؤمن ولجماعة المؤمنين في كل زمان ومكان من وقفة مع النفس في يوم الجمعة ننظر فيها إلى حالنا ننغمس في الدنيا طوال الأسبوع ونقبل على الشهوات نعجّ فيها طوال سبع ليال وسبعة أيام أما يحق لنا حرصاً على أنفسنا ونجاة لنا وحرصاً على مجتمعنا الذي نحن منه ونعيش فيه فننظر إلى حالنا مرة كل أسبوع
ننظر إلى الحال الذي نحن فيه وحالنا الآن كما ترون وكما تسمعون إن كان في الفضائيات أو في الصُحف أو في المجلات أو في الأحاديث الفردية أو الجانبية أصبح حالنا لا يُرضي الله لماذا؟
مع أن أعداءنا الذين يتربصون بنا وبديننا ينسبون كل هذا القصور إلى دين الله وحاشا لله وينسبون ما نحن فيه الآن من فرقة وخلافات واختلافات وعصبيات إلى الإسلام والإسلام هو الذي محا العصبية وهو الذي ألَّف بين الفرقاء وهو الذي جمع الغرباء وجعلهم أشقاء بل خيرٌ من أشقاء
كان المسلم في المدينة يحرص كل الحرص أن ينال أخاً له داخلاً إلى المدينة من خارجها حتى كان النبي يجرى القسمة بينهم لأنهم جميعاً ينتظروا أن ينالوا شرف ضيافة هذا المؤمن لم يكونوا ينتظروا الضيافة ولا يرتضونها بل كان كل رجل منهم يحرص على أن يؤاخيه ويقتسم معه كل النعم التي تفضل بها عليه خالقه وباريه
لماذا ذاك وما الذي نحن فيه الآن؟ لو نظرنا إلى هذا الأمر لاهتدينا السبيل واهتدينا أثر الدليل النبيل الذي أرسله لنا الجليل وصرنا على السبيل الذي به السعادة في الدنيا وفيه الفوز والفلاح في يوم الدين
هؤلاء يحبون بعضا حباً لا يستطيعه أحدٌ من الأولين والآخرين والسابقين وأنتم جميعاً سمعتم وقرأتم كثيرا مما كانوا فيه من الإيثار والمحبة والمودة والتعاون والبذل والكرم وغيرها من الصفات التقية النقية التي ربّاهم عليها رسول الله صلي الله عليه وسلم ولوّح وحض عليها كتاب الله
ونحن أتباعهم فهم مسلمون ونحن مسلمون ونبيهم ونبينا واحد وإلههم وإلهنا واحد وكتابنا وكتابهم واحد وللأسف أصبح بيننا شحناء وبغضاء وفُرقة وخصام وقطعٌ للطريق وبلطجة قل ما شئت: تزوير وتضليل وخداع كل ما في قاموس البغض والكُره صار في مجتمع المؤمنين هل كان هذا في مجتمع الأولين؟ كلا
لِمَ ذلك؟ وما العلاج؟ مع أن ما نحن فيه وللأسف وأكرره يُنسب إلى هذا الدين ويقول الأعداء: انظروا إلى المسلمين وما بينهم من بُغض وخصام وفُرقة وشحناء أنظروا إلى أحوالهم وما هم عليه من فقر
ينسبون ذاك إلى الدين والدين بريء منهم براءة الذئب من دم ابن يعقوب سيدنا يوسف عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام ولو أنَّا وصلنا جميعاً إلى ما تحدّث به نبينا عن هذا الزمان لاهتدينا إلى حقيقة الواقع الذي نحن عليه الآن ماذا عليك يا أخي المؤمن لو طالعت في سُنَّة رسول الله الذي وصفه مولاه وقال فيه {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى{3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى{4} النجم
ما عليك أن تنظر في سنته ملياً وتقرأ ما تحدَّث به عن هذا الزمان فإنه لأنه نبي الختام ما ترك زماناً إلا ووصفه ووصف ما يحدث فيه ووصف أدواءه وأمراضه ووصف العلاج لأهل هذا الزمان والحاضرين فيه وكل ذلك موجود في سنة النبي
لكن أمة النبي تسلَّت بالدنيا والأهواء والحظوظ والشهوات عن هذه الأحاديث الكريمة التي قالها سيد السادات صلي الله عليه وسلم نظر إلينا الآن وإلى المسلمين أجمعين وقال صلوات ربّى وتسليماته عليه {يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ}[1]
هذا هو الداء وفي كتاب الله وحده الشفاء فقد ورد في الأثر أن {حُبُّ الدُّنْيَا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ}
[1] سنن أبي داود ومسند الإمام أحمد عن ثوبان
http://www.fawzyabuzeid.com/table_bo...1&id=94&cat=15
منقول من كتاب [الأشفية النبوية للعصر]
اضغط هنا لتحميل الكتاب المنقول منه الموضوع مجاناً
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق