الرد على الخوارج في قضية التحكيم
أما قولهم في قوله تعالى :
( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ
الْكَافِرُونَ ) أنه هو الكفر الأكبر المخرج من الملة فيقول أهل العلم
كفر دون كفر و هو كفر لا يخرج من الملة.
روى الحاكم في المستدرك (2/343) والبيهقي في سننه الكبرى ( 8/20)
وغيرهما من طريق سفيان بن عيينة ، عن هشام بن حجير ، عن طاوس ، عن ابن عباس
أنه قال :
إنه ليس بالكفر الذي يذهبون ( أي الخوارج ) إليه ، إنه ليس كفرا ينقل
عن الملة ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ
الْكَافِرُونَ ) كفر دون كفر .
وقال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وقال الذهبي : صحيح.
سئل ابن عباس في قوله :
( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ )
قال : هي كبيرة ..
قال ابن طاووس : وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله .
وروي عن عطاء أنه قال : كفر دون كفر . اهـ
و يقول الشيخ ابن تيمية : وإذا كان من قول السلف: إن الإنسان يكون فيه
إيمان ونفاق، فكذلك في قولهم: إنه يكون فيه إيمان وكفر، ليس هو الكفر الذي
ينقل عن الملة، كما قال ابن عباس وأصحابه في قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ
يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ الله فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [40] قالوا:
كفروا كفرا لا ينقل عن الملة، وقد اتبعهم على ذلك أحمد بن حنبل وغيره من
أئمة السنة.
و قال الإمام أحمد بن حنبل : "كفر لا ينقل عن الملة؛ مثل الإيمان بعضه دون بعض، فكذلك الكفر، حتى يجيء من ذلك أمر لا يختلف فيه".
و الكفر لغة هو إلستر و التغطية و الإخفاء، و العرب يسمون الليل كافراً لأنه يستر الأشياء بظلامه.
و الكفر في الشرع هو تكذيب النبي صلى الله عليه و سلم في شئ مما جاء به من ربه، أو جحود شئ مما يصير به الكافر مؤمناً.
و الكفر عند أهل السنة درجات فهناك كفر أكبر و هو الذي يخرج صاحبه من دائرة
الإسلام و عليه يعامل معاملة الكفار إذا مات فلا يغسل و لا يكفن و لا يصلي
عليه المسلمين و هناك كفر أصغر و هو الكفر في شئ من العمل و هناك نفاق
أكبر و هو نفاق المعتقد و إظهار الإيمان و إبطان الكفر و هناك نفاق أصغر و
هو أن تظهر غير ما بداخلك و هناك شرك أكبر و هو الشرك بالله و عدم إفراده
بالألوهية و الربوبية و هناك شرك أصغر في الكلام أو المعتقد وهو الذي يحبط
العمل و يضيع الأجر و هناك الشرك الخفي المعروف بالرياء، و هناك شرك المحبة
و هو إذا وصل الحب لشخص أو شئ أكبر من الله، و هناك كفر النعمة و هو جحود
النعمة و عدم شكرها و كفر العشير و هو جحود المرأة بزوجها و ذكر مساوئه و
إنكار حسناته و للكفر أنواع كثيرة عند أهل السنة و الجماعة فلديهم تفصيل و
منطق ليس من هواهم بل بحسب ما جاء في الأدلة النقلية من القرآن و السنة.
أما من قال أن القصد في الآية الكريمة، كفر أكبر يخرج من الملة فهم قرون الخوارج منذ نشأتهم و حتى يخرج آخرهم مع المسيح الدجال.
و نختم بحديث نبينا عن صفة المسلم فيقول صلى الله عليه و سلم:
"من صلى صلاتنا و استقبل قبلتنا و أكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله و ذمة رسوله فلا تخفروا الله في ذمته".
حديث صحيح رواه الإمام البخاري و غيره.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق