أفضل من حاور الخوارج و جادلهم هو سيدنا عبد الله بن عباس في القرن الأول.
يروى أن عبد الله بن عباس لما وصل إليهم ليحاورهم رأى منهم جباهاً قرحة لطول السجود !
قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : إنه لما اعتزلت الخوارج ودخلوا دارا
وهم ستة آلاف ، وأجمعوا على أن يخرجوا على علي ابن ابي طالب ، فكان لا
يزال يجيء إنسان فيقول : يا أمير المؤمنين إن القوم خارجون عليك ، فيقول
علي : ( دعوهم ، فاني لا أقاتلهم حتى يقاتلوني ، وسوف يفعلون ).
فلما كان ذات يوم أتيته قبل صلاة الظهر فقلت له : ( يا أمير المؤمنين ابرد بالصلاة ، لعلي أدخل على هؤلاء القوم فاكلمهم ) ،
فقال : ( إني أخاف عليك ) ،
فقلت : ( كلا ) - وكنت رجلا حسن الخلق لا أؤذي أحدا - فأذن لي ، فلبست حلة من أحسن ما يكون من اليمن ، وترجلت ، فدخلت
عليهم نصف النهار ، فدخلت على قوم لم أر قط اشد منهم اجتهادا ، جباههم
قرحة من السجود ، وأيديهم كأنها ثفن الإبل ، وعليهم قمص مرحضة، مشمرين،
مسهمة وجوههم من السهر ، فسلمت عليهم ،
فقالوا : مرحبا بابن عباس ، ما جاء بك ؟
فقلت : ( أتيتكم من عند المهاجرين والأنصار ، ومن عند صهر رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، وعليهم نزل القرآن ، وهم أعلم بتأويله منكم ) ،
فقالت طائفة منهم : لا تخاصموا قريشا فان الله عز وجل يقول : { بل هم قوم خصمون } ، فقال إثنان أو ثلاثه لنكلمنه،
فقلت : ( هاتوا ما نقمتم على صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرين
والأنصار ، وعليهم نزل وليس فيكم منهم أحد ، وهم اعلم بتأويله ) ،
قالوا : ثلاثا ،
قلت : ( هاتوا ) ،
قالوا : أما أحداهن فانه حكم الرجال في أمر الله ، وقد قال الله عز وجل : {
إن الحكم إلا لله } فما شأن الرجال والحكم بعد قول الله عز وجل ؟
فقلت : ( هذه واحدة ، وماذا ؟ )
قالوا : وأما الثانية ، فانه قاتل وقتل ولم يسب ولم يغنم ، فإن كانوا
مؤمنين فلم حل لنا قتالهم ولم يحل لنا سبيهم ؟ ، قلت : ( وما الثالثة ؟ ) ،
قالوا : فانه محا عن نفسه أمير المؤمنين ، فإنه إن لم يكن أمير المؤمنين فانه لأمير الكافرين ) ،
قلت : ( هل عندكم غير هذا ؟ )
قلت لهم : ( أما قولكم حكم الرجال في أمر الله ، أنا أقرأ عليكم في كتاب الله ما ينقض هذا ، فإذا نقض قولكم أترجعون ؟ ) ،
قالوا : نعم ،
قلت : ( فان الله قد صير من حكمه إلى الرجال في ربع درهم ثمن أرنب - وتلى
هذه الآية : { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم و من قتله منكم متعمداً فجزاء مثل
ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم . . إلى آخر الآية } ، وفي المرأة وزوجها { وأن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها
. . . إلى آخر الآية } - فناشدتكم بالله هل تعلمون حكم الرجال في إصلاح
ذات بينهم وفي حقن دماءهم أفضل أم حكمهم في أرنب وبضع امرأة ، فأيهما ترون
أفضل ؟ ) ،
قالوا : بل هذه ،
قلت : ( خرجت من هذه ؟ ) ،
قالوا : نعم ،
قلت : ( وأما قولكم قاتل ولم يسب ولم يغنم ، فتسبون امكم عائشة رضي الله
تعالى عنها ؟! فوالله لئن قلتم لنسبينها ونستحل منها ما نستحل من غيرها لقد
خرجتم من الإسلام ، فأنتم بين ضلالتين ، لأن الله عز وجل قال : { النبي
أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم } ، أخرجت من هذه ؟ ) ،
قالوا : نعم ،
قلت : ( وأما قولكم محا عن نفسه أمير المؤمنين ، فأنا آتيكم بمن ترضون ، ان
النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية صالح المشركين أبا سفيان بن حرب
وسهيل بن عمرو ، فقال لعلي رضي الله عنه : (( أكتب لهم كتابا )) ، فكتب لهم
علي : هذا ما اصطلح عليه محمد رسول الله ، فقال المشركون : والله ما نعلم
انك رسول الله ، لو نعلم انك رسول الله ما قاتلناك ، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم : (( انك تعلم أني رسول الله ، امح يا
علي ، اكتب هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله )) ، فوالله لرسول الله خير
من علي، وقد محا نفسه ) ،
فرجع منهم ألفان . . . وخرج سائرهم فقتلوا .
قالوا : كفانا هذا ،
شرح: أي
أن الخوارج خرجوا على سيدنا علي لثلاثة أسباب قالوها لعبد الله ابن عباس
فالأول : أنه رضي بالتحكيم بينه و بين معاوية و هو حكم الرجال و ليس حكم
الله (كما زعموا) و الثاني أن سيدنا علي لما قاتل سيدنا معاوية فإنه لم
يسبي أنصار معاوية و لم يأخذ منهم غنائم، و الثالثة لأن سيدنا علي نفى عن
نفسه أن يكون أميراً للمؤمنين حتى تتوقف الفتنة و القتال بين الصحابة فهم
قالوا إن لم يكن أميراً للمؤمنين فهو أمير للكافرين !!
فكان
رد سيدنا ابن عباس عليهم في الأولى : أن الله حكم الرجال في قتل المحرم
للصيد و في الصلح بين المرأة و زوجها و ذكر أدلة ذلك من القرآن، و في
الثانية: أن السيدة عائشة كانت مع معاوية فكيف تبيحون سبي زوجة رسول الله و
صاحبته و أخذ المغانم منهم و هم مسلمون لكن حدثت الفتنة بين الطائفتين و
لا تنتفي فئة الإيمان عن إحداهما و قال تعالى : "و إن طائفتان من المؤمنين
اقتتلوا" أي كلا الطائفتين مؤمنتان، و كان الرد عليهم في الثالثة أن النبي
محا كلمة رسول الله يوم صلح الحديبية فالنبي فعل ذلك و هو خير من علي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق