Disqus for ومضات إيمانية

الأربعاء، 4 مارس 2015

كيف كان يتحدث رسول الله ؟



كان صلى الله عليه وسلم إذا تكلم لا يسرد كسردنا، وإنما يتكلم بتؤدة وترتيل وتفصيل، كان يُحدِّث حديثاً لو عدَّه العاد لعدَّه، تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: {مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْرُدُ سَرْدَكُمْ هَذَا وَلَكِنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ بِكَلامٍ بَيْنَهُ فَصْلٌ يَحْفَظُهُ مَنْ جَلَسَ إِلَيْهِ}{1}

وفي روايةأخرى: {كَان النَبِي صلى الله عليه وسلم يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ لأَحْصَاهُ}{2}

وكان يُكرر كلامه ثلاثاً، ويُكرر السلام إذا ألقاه ثلاثاً، ويُكرر كل أقواله ثلاثاً لتُفهم عنه صلوات ربي وتسليماته عليه، فعن أنس رضي الله عنه قال: {كَانَ النَبِي صلى الله عليه وسلم إِذَا سَلَّمَ سَلَّمَ ثَلاثًا، وَإِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلاثًا}{3}

وكان صلى الله عليه وسلم يتبسم في حديثه، وقد روى ابن مسعود رضي الله عنه {أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتبسم}، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: {كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا تَكَلَّمَ رُئِيَ كَالنُّورِ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ ثَنَايَاهُ}{4}

وكان صلى الله عليه وسلم يرفع بصره إلى السماء إذا حدَّث، وكان صلى الله عليه وسلم يطيل الصمت ويقلل الكلام ولا يتكلم بغير حاجة، وكان صلى الله عليه وسلم يكني عما يستقبح ذكره، وكان إذا تكلم يُحرك يده، فإذا تعجب قلبها، وإذا تحدث اتصل بها، فعن هند بن أبي هالة رضي الله عنه قال: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذَا أَشَارَ أَشَارَ بِكَفِّهِ كُلِّهَا، وَإِذَا تَعَجَّبَ قَلَبَهَا، وَإِذَا تَحَدَّثَ اتَّصَلَ بِهَا فَيَضْرِبُ بِبَاطِنِ رَاحَتِهِ الْيُمْنَى بَاطِنَ إِبْهَامِهِ الْيُسْرَى}{5}

وإذا زاد عجبه من أمر يُسبح الله (سبحان الله) إن كان هذا الأمر في عالم المُلك أو في عالم الغيب، فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: {سُبْحَانَ اللَّهِ مَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْخَزَائِنِ، وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْفِتَنِ، مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الْحُجَرِ -يُرِيدُ بِهِ أَزْوَاجَهُ - حَتَّى يُصَلِّينَ، رُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٌ فِي الآخِرَةِ}{6}
خوفاً من هذه الفتن التي رآها في نومه صلى الله عليه وسلم.

وكان صلى الله عليه وسلم أحيانا يحرك رأسه عند الحديث، ويضرب يده على فخذه عند التعجب، فعن علي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: {أَلا تُصَلِّيَانِ؟، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا، فَانْصَرَفَ حِينَ قُلْنَا ذَلِكَ وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا، ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُوَلٍّ يَضْرِبُ فَخِذَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا}{7}

ولذلك كان السادة الوارثين – ومنهم الإمام أبو العزائم رضي الله عنه - كل رجل منهم كان ضرَّابا على فخذيه، تشبهاً برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى في هذه الحركات، لأن الإنسان لو لم يرضَ أن يتشبه بحَبيب الله ومُصطفاه في أي أمر من هذه الأمور؛ فإن هذا لشر وسوء في نفسه

وكان صلى الله أحيانا ينكش الأرض بعود، فعن علي رضي الله عنه قال: {كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي جَنَازَةٍ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ الأَرْضَ بِعُودٍ، فَقَالَ: لَيْسَ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلا وَقَدْ فُرِغَ مِنْ مَقْعَدِهِ مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَقَالُوا: أَفَلا نَتَّكِلُ.قَالَ: اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ}{8}

وكان صلى الله عليه وسلم أحياناً يمسح الأرض بيده فعن أبي قتادة قال: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: {مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَلْتَمِسْ لِجَنْبِهِ مَضْجَعًا مِنَ النَّارِ " فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ذَلِكَ وَيَمْسَحُ الأَرْضَ بِيَدِهِ}{9}

وكان صلى الله عليه وسلم يشير بإصبعيه السبابة والوسطى، فعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:{بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ}{10}
وفي رواية {بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَذِهِ مِنْ هَذِهِ، أَوْ كَهَاتَيْنِ، وَقَرَنَ بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى}{11}

وكان صلى الله عليه وسلم أحياناً يشبك أصابعه فعن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ}{12}

فكان هذا الهَدْى هو الذي رأيناه في الصالحين من عباد الله في دقة تشبههم بحَبيب الله ومُصطفاه، ولعل البعض يقول: وما في هذا الأمر لو تركناه؟ كانوا يقولون: لا تُصغرن من الخير شيئاً لعل رضا الله فيه، ولا تحقرن من المعاصي والذنوب شيئاً لعل غضب الله فيه، لا تستقل في شيء مع الله، لأن الله له أمور يُبديها ولا يبتديها، ولا يعلم أسرارها ولا أنوارها إلا ذائقيها وعارفيها نسأل الله أن نكون منهم أجمعين.

وكان صلى الله عليه وسلم يستعين بأصابعه، فيقول: {أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى}{13}

وكان يضرب الأمثال، واستقصاء ما رواه من الأمثال يحتاج إلى رسالة ماجستير أو دكتوراه لكثرتها: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} العنكبوت43

ومن جملتها قوله صلى الله عليه وسلم: {مَثَلُ الْمُؤْمِن كالنِّحْلَةِ، إِنْ أَكَلَتْ أَكَلَتْ طَيِّبًا، وَإِنْ وَضَعَتْ وَضَعَتْ طَيِّبًا، وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى عُودٍ هشٍ لَمْ تَكْسِرْهُ}{14}
أين تقف النحلة؟ على الرياحين والزهور والورود والروائح الطيبة العطرة، وماذا يخرج منها؟ {شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ} النحل69

كذلك المؤمن لا يقف إلا على المجالس الطيبة، مجلس علم أو مجلس حكمة، أو مجلس قرآن، أو مجلس ذكر، أو مجلس صلح، ولا يخرج من فيه إلا ما يُرضي الناس وما يُرضي خالقه وباريه: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ} الحج24
وكذلك المؤمن لو وقف على أي قضية لا يكسرها بل يجبرها ويجبر أهلها والقائمين بها والمتولين شئونها.

هذا كان هَدْى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بشريته الظاهرة التي ينبغي علينا أجمعين أن نحاول أن نتأسى بها على قدرنا حتى يفتح الله علينا بما فتح به على عباد الله الصالحين أجمعين.


{1} سنن الترمذي والصحيحين البخاري ومسلم {2} الصحيحين البخاري ومسلم {3} صحيح البخاري وسنن الترمذي {4} {كان يتبسم} أخبار أصبهان عن ابن مسعود، و{إذا تكلم} سنن الدارمي ومعجم الطبراني عن ابن عباس {5} معجم الطبراني والشمائل المحمدية للترمذي {6} صحيح البخاري وسنن الترمذي {7} الصحيحين البخاري ومسلم {8} الصحيحين البخاري ومسلم {9} معرفة السنن والآثار للبيهقي ومسند الشافعي {10} الصحيحين البخاري ومسلم {11} صحيح البخاري ومسند أحمد {12} الصحيحين البخاري ومسلم {13} صحيح البخاري وسنن الترمذي عن سهل الساعدي {14} شعب الإيمان للبيهقي عن عبد الله بن عمرو

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق