حرصنا على أن نبيَّن نهج سلفنا الصالح في التوجه إلى الله بالاستغاثة أو الدعاء ، لأنه ظهر في عصرنا من ينكر قراءة الأوراد والأحزاب الواردة عن الصالحين ؛ بل ويُعِدُّ ذلك " بدعة " ؛ يجب القضاء عليها ، ويبرِّر ذلك بقوله : الأوْلى الاشتغال بالقرآن والسنَّة ، وهذا يرجع في نظرنا إلى أمرين :
إما رؤيتهم لبعض المنتسبين للصالحين ، والذين يدَّعون الحبَّ للصالحين ، ولكن لا يتابعونهم في سلوكهم وهديهم ، وحكمهم على أهل الطريق كلهم من خلال هذه النظرة القاصرة وإما لجهلهم بأحوال أهل الطريق ، لعدم إطلاعهم عليها ، وعدم معرفته للأسباب الشرعية التي استمد أهل الطريق منها أحوالهم ، وأسَّسوا عليها أعمالهم فإن القوم ما خرجوا عن القرآن والسنة طرفة عين ، لذلك رأينا أن نبيِّن طريق القوم في التوجِّه والدعاء ، وحتى لا يظنَّ العبد أننا نتعصَّب لهم ، فإننا ننقل كلام أحد أئمتهم في هذا الشأن ، ونكتفي به لغنائه ، فقد قال العارف بالله الشيخ أحمد زروق في مقدمة شرحــه على " حزب البحر لسيدي أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه" : {أعلم أن للشارع في كل باب من المطالب إفادة ، وللأولياء في ذلك زيادة ، فمن جمع بين فائدة الشرع وزيادة الأولياء ، كان على اهتداء ، واقتداء ، ومن أفرد ذلك كان نقصه بحسب ذلك ، ولكن نقص الإهتداء يمنع الفائدة ، ونقص الإقتداء قد لا يضر لأنه مقوٍّ فقط ، والوقوف معه بهجران ما ورد شرعاً يضرُّ دنياً وآخرة ، وسأذكر لك في ذلك سبعة أمثلة : الأول : إذا أردت استعمال " حزب البحر " للسـلامة من عطبه ؛ فقدِّم قبل ركوبه {بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } ، {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } إذ قد جاء في الحديث أنه أمانٌ من الغرق الثاني: إذا أردت الخروج من الضيق إلى السعة ، فأت بما كان الشيخ يعلِّمه أصحابه لذلك من قوله **** واسع يا عليم يا ذا الفضل العظيم ، أنت ربِّي وعلمك حسبي ، إن تمسسني بضرٍّ فلا كاشف له إلا أنت ، وإن تردني بخير فلا رادَّ لفضلك ، تصيب به من تشاء من عبادك ، وأنت الغفور الرحيم} فقدِّم ملازمة الاستغفار ؛ إذ قد جاء في الحديث أن الله يجعل لملازمه من كل همٍّ فرجاً ، ومن كل ضيق مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب واستعمل دعاء الكرب المرويِّ في البخاري {لا إله إلا اللَّهُ العَظِيـــمُ الـحَلِـيـمُ ، لا إله إلاَّ اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيــمِ ، لا إلهَ إلاَّ اللَّهُ ربُّ السَّموَاتِ وَرَبُّ الأرْضِ وَرَبُّ العَرْشِ الكَرِيـمِ} وما جاء في سنن أبي داود من حديث أبي أمامة رضي الله عنه في الذي اشتكى هموماً وديوناً اعترته ؛ فعلَّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم {اللَّهُمَّ إِنِّي أَعوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ ، وَأَعوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ ، وَأعوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ والْبُخْلِ ، وَأعوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَـةِ الدَّيْنِ وَقَهْـرِ الرِّجَـالِ ، وقـال : قُلْهُ بعد الصبـح والمغـرب}[1] الثالث : إذا أردت النصر على الأعداء باستعمال ما كان الشيخ يعلِّمه لأصحابه من ذلك من قوله : بسم الله ، وبالله ، وعلى الله فليتوكل المؤمنون ، اللهم اجعل كيدهم في نحورهم ، واكفنا شرورهم حسبي الله وكفا ، سمع الله لمن دعا ، ليس وراء الله منتهى حسبنا الله ونعم الوكيل، وقال: يذكر سبعاً في دبر كل صلاة تقدِّم عليه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم يقوله إذا خاف قوماً {اللَّهُمَّ إِنَّا نَجْعَلُكَ في نُحُورِهِمْ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ}[2] وكان عليه الصلاة والسلام إذا خاف عدواً يقول : عن البراء بن عازب رضي الله عنه : مسند الإمام أحمد وابن حبان {اللَّهُمَّ اكْفِنَاهُ بما شِئْتَ} الرابع : إذا أردت السلامة من ظالم ، تدخل عليه باستعمال ما أشار به الشيخ رضى الله عنه من قوله تعالى فى محكم التنزيل{وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ} فقدَّم ما جاء في الحديث لمن خاف ســـلطاناً ، أو ظــالماً أن يقول : {اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَعَزُّ مِنْ خَلْقِهِ جَمِيعاً، اللَّهُ أَعَزُّ مِمَّا أَخَافُ وَأَحْذَرُ، أَعُوذُ بِاللَّهِ الَّذِي لاَ إِلٰه إِلاَّ هُوَ، المُمْسِكُ السَّمٰوَاتِ السَّبْعَ أَنْ يَقَعْنَ عَلٰى الأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ، مِنْ شَر عبْدِكَ فُلاَنٍ وَجُنُودِهِ، وَأَتْبَاعِهِ وَأَشْيَاعِهِ، مِنَ الْجِن وَالإِنْسِ، اللَّهُمَّ كُنْ لِي جَاراً مَنْ شَرهِمْ ، جَلَّ ثَنَاؤُكَ ، وَعَزَّ جَارُكَ ، وَتَبَـارَكَ اسْمُكَ ، وَلاَ إِله غَيْرُكَ ـ يقوله ثَلاثَ مَرَّاتٍ–}[3] كما رواه الطبرانى وغيره – الخامس : قال الشيخ رضي الله عنه : إذا أردت ألا يصدأ لك قلب، ولا يلحقك همٌّ ولا كرب ، ولا يبقى عليك ذنب ، فأكثر من {سبحان الله وبحمد لا إله إلا الله} ، ويزيد { محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم} ، {اللهم ثبِّت علمها في قلبي ، واغفر لي ذنبي ، واغفر للمؤمنين والمؤمنات ، والحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى} فمن أراده ؛ فليستعمل معه {اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ابْنُ عَبْدِكَ ابْنُ أَمَتِكَ ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ} إلى آخر الدعاء الآتي في فوائد تفريج الكرب ، فما قاله أحدٌ ؛ إلا أذهب الله همّه ، وأبدل مكان حزنه فرحاً ، كما ورد في الحديث الشريف{4} السادس : حزب البحر ، والحفيظة التي أولها {بسم المهيمن العزيز } وضع كلاهما للجلب والدفع ، وقد جــــاء في الحديث {أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (ثلاثا)}[5] عند نزول المنزل في السفر ؛ منزل أمان {أى بقولها يصير المكان الذى نزلوه أمانا} حتى يرتحل عنه وجـــــــــاء {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ } لنفي وحشته {أى وحشة مكان النزول} وجـــــــــــــــــــاء {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } والمعوذتان ، صباحاً ومساءً ؛ ثلاثاً ؛ تكفيك من كل شئ وجـــــــــــاء أيضــــــــــــاً {بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ في الأرْضِ ولا في السَّماءِ وهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} من قالها ثلاثاً صباحاً لم تصبه فجأةُ بلاء حتى يمسي ، وإن قالها مساءاً ؛ فكذلك حتى يصبح{6} السابع : قد ذكر المشايخ وجوهاً وأذكاراً لطلب الغنى : فمن ذلك يقول بين الفجر والصبح {سبحان الله العظيم ، سبحان من يمنُّ ، ولا يُمَنُّ عليه ، سبحان من يجير ولا يجار عليه ، سبحان من يبرئ من الحول والقوة إليه ، سبحان مدَّ التسبيح منَّة منه على من اعتمد عليه ، سبحان من يسبِّح كل شئ بحمده ، سبحانك لا إله إلا أنت، يا من يسبِّح له الجميع ، تداركني بعفوك فإني جزوع} ثم يستغفر الله مائة مرة ، فإنه لا يأتي عليه أربعون يوماً ؛ إلا وقد أتته الدنيا بحذافيرها ، وهو مجرَّب الفائدة والحاصل من ذلك كله ، أن أثر الأسرار مقيد بأسرار الشريعة ، فمن أراد نجح مقصده ؛ فليقدم الشرعيَّات ، ثم يتبعها بما هو من نوعها} انتهى كلام الشيخ زروق ، وقد نقلناه من كتاب {سعادة الدارين للنبهاني} وهكذا يتبيَّن لنا أن نهج السلف الصالح هو : 1- الإتيان بما ورد في الباب من الآيات القرآنيَّة ، والأدعـية ، والأذكار النبويَّــــة 2- ثم يزيدون على ذلك بما يفتح الله عليهم من بـاب الإلهام 3- فهم لا يكتفون بالأصول ، وإن كان فيها الغناء ، لعلوِّ هممهم ، وصدق عزائمهم ، وشدَّة أشواقهم ، وكثرة شغلهم بطاعة ربهم والإقبال عليه ، طمعاً في مزيد فضله ونوال كرامته ، وهم لا يستغنون بالزيادة عن الأصول ، بل قال قائلهم فيمن فعل ذلك {إنما حُرِمُوا الوصول لتضييع الأصول}
{1} عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قال : «دَخَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ المَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنَ الأنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو أُمَامَةَ، فَقَالَ يَاأَبَا أُمَامَةَ مَا لِي أَرَاكَ جَالِساً فِي المَسْجِدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلاَةِ؟ قالَ: هُمُومٌ لَزِمَتْنِي وَدُيُونٌ يَارسولَ الله، قالَ أَفَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلاَماً إِذَا أنت قُلْتَهُ أذْهَبَ الله هَمَّكَ وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ؟ قال قُلْتُ بَلَى يَارسولَ الله قال قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ (الحديث) قالَ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَ الله هَمِّي وَقَضَى عَنِّي دَيْنِي» (سنن أبي داوود) {2} عن أبي بُرْدَةَ بنِ عَبْدِ الله أَنَّ أَبَاهُ ، حَدَّثَهُ: « أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا خَافَ قَوْماً قالَ (الحديث) سنن أبي داوود وابن حبان ومسند الإمام أحمد {3} عن ابن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ :قال صلى الله عليه وسلم إِذَا أَتَيْتَ سُلْطَاناً مَهِيباً تَخَافُ أَنْ يَسْطُوَ عَلَيْكَ ، فَقُلْ (الحديث) مصنف ابن أبي شيبة وجامع الأحاديث والمراسيل {4} عن ابن مسعود ، قال: قال رَسُولُ اللَّهِ «مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ، إِذَا أَصَابَهُ هَمٌّ أَوْ حُزْنٌ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ابْنُ عَبْدِكَ ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ القُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ بَصَرِي ، وَجِلاَءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحاً». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ هٰذِهِ الْكَلِمَاتِ؟ قَالَ : «أَجَلْ، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهنَّ» صحيح ابن حبان {5} عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةِ ، أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللّهَ يَقُولُ «إِذَا نَزَلَ أَحَدُكُمْ مَنْزِلاً فَلْيَقُلْ: (الحديث) فَإِنَّهُ لاَ يَضُرُّهُ شَيْءٌ حَتَّىٰ يَرْتَحِلَ مِنْهُ» صحيح مسلم{6} عن عثمان ، أَن رَسُول اللَّهِ قال : «مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ: ( الحديث ) ثَلاثَ مَرَّاتٍ، لَمْ تَفْجَأْهُ فَاجِئَةُ بَلاءٍ حَتَّى يُمْسِيَ ، وإنْ قَالَهَا حِينَ يُمْسِي لَمْ تَفْجَأْهُ فَاجِئَةُ بَلاءٍ حَتَّى يُصْبِحَ ».مسند الإمام أحمد ، وصحيح ابن حبان
| ||
Islam is religion of peace
الخميس، 8 مايو 2014
الإستغاثة والدعاء عند السلف الصالح للشيخ #فوزي_محمد_أبوزيد
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق