Disqus for ومضات إيمانية

الأربعاء، 19 مارس 2014

الإنسان مختصر الأكوان


أراد الله وهو الفعال لما يريد أن يضع أقدار ومقادير ورتب العبيد فجعل لهم خلقا جديد ينزلون به إلى هذه الحياة الدنيا ليختبر صدقهم في ترديد كلمة التوحيد ولذلك قال ربي مبيناً سبب ما نحن جميعاً فيه {بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} ق15

ما سبب اللبس؟ الخلق الجديد وهو ما نحن فيه الآن ، وهو هذا الهيكل المصنوع من عناصر الأرض ، من الطين ومن التراب ومن الماء المهين ، لأنه يميل إلى هذه العناصر ويميل إلى ما منه قد صنع وما منه أوجد فيميل إليها بالكلية ولولا حفظ ربي للعطية ما استطاع واحد منا أن يحفظ هذه العطية الإلهية {فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} يوسف64

فكانت حكمة الله في توارد الخلق إلى هذه الدنيا ، بينّها وقال {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{1} الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} الملك

كما قال ربي في الحقائق النورانية التي لا ترى بالعين الجسمانية {بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} يس83

والملكوت هو عالم الأنوار والأسرار الذي ليس فيه أغيار وليس فيه فجار وإنما أهله هم أهل الصفاء والطهر من الملائكة المقربين وأهل عالين وعليين وأهل العبادة والطاعة الدائمة لرب العالمين {بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} أي خلقه بيد ، وقال في هذا الملك الذي نحن فيه {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} كل ما على الأرض من زينة ومن خلق ومن كائنات من حيوانات، من طيور، من حشرات، من نباتات، من بحار وأنهار ، كلها خلقها الله بيده وقال فيك أيها الإنسان معاتباً من رفض السجود فيك لأبيك {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} ص75

أي أنك يا أيها الإنسان قد جمعت الإثنين ففيك الملك والملكوت

وأنت الوحيد الذي فيك الملك والملكوت ، فإن الملائكة فيها الملكوت فقط وكل ما على الدنيا فيه الملك فقط وأنت الوحيد الذي فيك الملك والملكوت ، فيك عالم الغيب ، الروح والقلب والفؤاد والعقل والعوالم النورانية التي فيك ،وفيك عالم الشهادة والشهادة هي ما تراه العين ، فيك كل شيء أوجده الله في الدنيا ، كل عناصر الخلق فيك وكل ذرات الأنوار فيك فأنت الفرد الجامع لخالقك وباريك , لأن فيك جمع الله الحقائق كلها ولذلك يقول إمامنا علىَّ رضي الله عنه وكرم الله وجهه :

أتزعم أنك جرم صغير ... وفيك إنطوى العالم الأكبر
دواؤك فيك وما تبصر ... وداؤك منك ولا تشعر


ولذلك حتى مولانا الإمام أبو العزائم رضي الله عنه يتممه وقد كسي لسانه بنور الحق فيقول :

يا صورة الرحمن والنور العلي
يا سدرة الأوصاف والغيب الجلي
فيك العوالم كلها طويت
فهل أدركت سراً فيك من معنى الولي

فالعوالم كلها فيك ، كل العوالم العالية والدانية ، فالسماء هي مافيك من عالم الطهر والنقاء والصفاء والأرض هي هذا الجسم وما يحويه من عناصر هذه الأرض والقلب هو النور الذي ينزل فيه النور الذي يقول فيه الله {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} النور35

والسر هو باب البر الذي يفتح على سر الأسرار وترياق الأغيار وروح الأخيار ويأتيك منه المدد من كنوز المواهب من عند العزيز الغفار والذي فيه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن شئت رأيت فيك كل الحقائق العالية والعناصر الدانية ، فالعالية اسمها حقائق والدانية اسمها عناصر ، كل الحقائق العالية وكل العناصر الدانية فيك وفيها يقول الإمام أبو العزائم رضي الله عنه : "تبصرك فيما فيك يكفيك "

كل شيء فيك ، فيك جبال ، وفيك أنهار ، وفيك وديان ، وفيك سهول ، فيك كل شيء في الوجود من عناصر وكل شيء من عالم الطهر من حقائق ولكن هذا يحتاج إلى أن تدير عدسات التليفزيون النورانية الإلهية التي أودعها فيك خالقك وباريك فترى فيك مالا يستطيع أحد أن ينعته من الأولين والآخرين وإليه الإشارة بقول الله {سَنُرِيهِمْ} – وهذا في المستقبل- {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} فصلت53

فأنت مختصر الأكوان ، والأكوان هي السر الجامع الذي في الإنسان بأجلى توضيح وأرقى بيان ، فأنت كون صغير والكون كله إنسان كبير ، لأن كل ما في الكون فيك ، فأنت ريموت كنترول رباني كل كنوز ، الكون العالية والدانية معك مفاتيحها وإن شئت حركتها ، وإن شئت دخلتها ، وإن شئت وزعت منها على أن تأخذ الإذن من صاحب الإذن صلى الله عليه وسلم ، لكن كل شيء معك وليس خارجك

فالإنسان فيه كل ما في الأكوان وهذا أمر لا أريد شرحه بالتفصيل لأن الإنسان يجب أن يمشي فيه ويجول فيه بفكره بعد نقاء سره وجلاء فؤاده فيرى بنور الله ما جعله فيه مولاه ، لكن لا يرى بنور الحظوظ ولا بظلمات الأهواء ولا بالدنيا الدنية إذا كانت مسيطرة على أرجاء القلب فإن كل هذه تجعل الرؤية دنية فلا بد من طهارة القلب بالكلية وصفاء السر لرب البرية حتى يرى الإنسان بعين اليقين ويكون كما قال رب العالمين {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ{5} لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ{6} ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ{7} التكاثر

ثم بعد ذلك {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} التكاثر8

أي سنرى النعيم ، كيف؟ كما قال مولانا أبو العزائم رضي الله عنه :

بعين الروح لا عين العقول ...
شهدت الغيب في حال الوصول

فأنزل الله بني الإنسان إلى هذه الأكوان ، على أدوار بعد أن صنع هذا الهيكل من أطوار ليرى صدق إيمانهم ومدى صفاء ردودهم فيعطي لكل منهم درجاته التي إدخرها له عنده عز وجل ولذلك أشار إلى هذه الحقيقة وقال {الم{1} أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ{2} العنكبوت

وهذا لا يكون ، لماذا يا رب؟ {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} – ما الحكمة وما السر يا إلهى {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}العنكبوت3

إذ كيف سيعرف هذا من ذاك؟ فعند البلاء تظهر حقيقة الأنباء التي رددها الإنسان في عالم الطهر والصفاء ، وهذا سر تقدير البلاء على الناس أجمعين في هذه الدنيا


http://www.fawzyabuzeid.com/table_bo...%E5&id=5&cat=2

منقول من كتاب {كيف يحبك الله}
اضغط هنا لتحميل الكتاب مجاناً




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق