الذي يريد أن ينال رضا الله ، ينظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كيف كان يسير ؟ ويسير مثله ، حتى يرضى عنه ، كما رضى عنه ، من الذي أخذ الرضا؟ {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} الفتح18
فالذين بايعوك ، والذين معك ، ويطيعوك ، ويتبعوك ، أنا رضيت عنهم ، وعندما جاء ليبايعهم ، قال له : اجعلهم يتنبهون أن {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} الفتح10
ما اليد التي كانت فوق أيديهم؟ لم يقل يد الله فوق أيديكم ، لأنه لو قال ذلك لكانت يد الله المعنوية الحقيقية فوق أيدي الكل بما فيهم يد رسول الله ، لكنه قال{يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} هم ، وليست يدك أنت معهم ، لكن ما هي اليد التي كانت فوق أيديهم؟ ، إنها يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعناها أنه يقول له : إنك أنت في هذا المقام نائب عن الحضرة العلية ، ومندوب عن الذات الإلهية في مواثقة ومعاهدة هؤلاء القوم ، على الجهاد في سبيل الله
ولذلك عندما قال {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ} الفتح10
لم يقل "كأنما يبايعون الله " إنما قال {إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} الفتح10
أي أنهم يبايعون الله في الحقيقة ، أي إنك في هذه الحالة : بالنيابة عن حضرة الله ، فخلق الله الخلق ، وخلق هذا السيد العظيم ، على الكمالات التي يرتضيها ، وعلى الجمالات التي يحبها ، وعلى الصفات التي يرضى عنا بها ، وكأنه قال لنا : من أراد أن نحبه ، ونرضى عنه ، ونعطيه ، ونحبوه ، فعليه أن يتصف بهذه الكمالات ، ويتخلق بهذه الأخلاق الفاضلات ، ويتجمل بهذه الجمالات ، التي ظهرت في هذا المحبوب الأعظم صلى الله عليه وسلم
فالذي يريد أن يصل إلى الله كيف يصل؟ لا بد أن يرى هذا الرجل ، وكيف يمشي؟ وما صفاته؟ وما نعوته؟ وما جمالاته؟ ويمشي على مثاله ، ويمشي على منهاجه ، ويحتذي على منواله ، حتى ينال رضا الله
إذاً حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليس كما يظن بعض الناس الغير فاهمين الذين يقولون (خليك مع الله على طول) ، فأنا مع الله ، ولكن من الذي عرفني بالله؟ رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ، ومن الذي نزل عليه كلام الله؟ ، ومن الذي بلَّغنا رسالة الله؟ ، ومن الذي وضحَّ لنا جمال الله وكمال الله وبهاء الله وغيوب الله؟ ، فلو ربنا لا يريده في السكة ، لكان عرَّفنا بنفسه من غير وساطته ، لكنه عز وجل جعله واسطة بينه وبين خلقه ، لأنه عز وجل في ذاته الإلهيَّة وكمالاته القدسيَّة
وصفاته ونعوته الصمدانيَّة ، لا يستطيع أحد من الخلائق أن يدرك حقيقة هذه الجمالات ، من الذي يستطيع معرفة هذه الغيوب؟ ومن الذي يستطيع أن يطلع على هذه الكمالات؟ لكن رسول الله بما آتاه الله من مواهبه العلية ، أطلعه الله ، وكاشفه الله ، وبين له الله
وهو صلوات الله وسلامه عليه ، بيَّن لنا على قدرنا ، وعلى قدر القوابل الموجودة في قلوبنا ، وعلى قدر النيات والقصود الموجودة في أرواحنا ، بيَّن لنا صلوات الله وسلامه عليه ، ما يليق بنا من الأحوال العلية ، وما يلائمنا من الأخلاق والصفات الإلهية ، وهو صلى الله عليه وسلم الواسطة ، ولولا الواسطة لذهب كما قيل الموسوط
هذا الذي جعل العارفين يهتمون بسيدنا رسول الله ، فكلما كان الرجل منا أقرب شبهاً إلى سيدنا ومولانا رسول الله ، كان أقرب منزلة إلى حضرة الله، وكلما كان أكمل في الاتباع لسيدنا ومولانا رسول الله ، كلما كان أعظم في الحظوة والفضل من الله ، ، وليس كما يظنون أننا نجعله شريكاً في الأمر مع حضرة الله ، فهذا الفهم لا يوجد عند أحد ولو من صغار المسلمين
كل ما فهمناه ، أن هذه هي الصورة المحبوبة ، وعلينا لكي نكون محبوبين ، أن نتخلق بأخلاقه ونتجمل بجمالاته ، حتى ننال رضا رب العالمين ، فأتعلق وأنشغل به صلى الله عليه وسلم ، فهو أصل وصول العارفين ، وبه اتصلوا ، وبه وصلوا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق