Disqus for ومضات إيمانية

الأربعاء، 13 نوفمبر 2013

الحلول النبوية للأزمات العصرية


هل من روشتة ربانية نبوية لما نحن فيه الآن، تجمع الشمل وتوحد الصف، وتجعلنا جميعًا نعمل بقول الله: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾ (103آل عمران)؟ ما سبب الفرقة التي نحن فيها الآن؟ وكيف الخلاص منها في بيان النَّبِيِّ العدنان صلى الله عليه وسلم؟ 
نظر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعين قلبه النورانية التي زكَّاها في قرآنه ربُّ البرية وقال له قل لهم: (قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي)(108يوسف)، نظر إلى ما نحن فيه الآن من أهواء وتنافسات وخلافات، وتشتت في الرأي، وعدم التزام الأدب في الحوار، وأصبحنا مع أننا أمة واحدة - ربُّنا واحد، وكتابنا واحد، وديننا واحد، ونبيُّنا واحد - أصبحنا مفترقين، والكُلُّ يظنُّ أنه على الحقِّ، بل ويتجاوز قدره، وربما يُخَطِّئُ أخاه في الله، وربما يسبُّه بما لا يرضاه الله، وربما يتكلم في حقِّه بطريقة نَهى عنها رسول الله، بل ربما يتعدى ذلك فينسبه إلى الكفر - والعياذ بالله - مع أن الحكم في كل ذلك ليس لأحد من الخلق (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّه)(40يوسف).

نَظَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ليصف لنا الداء فنتجنَّبه، ونأخذ من كتاب الله الشفاء فنرجع أخوة أودَّاء أصدقاء، ونتوحَّد أمام الأعداء الذين (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (8الصف). فقال صلى الله عليه وسلم مشخِّصاً سبب الدَّاء الذي نحن فيه - داء الفرقة، داء التنافس في الفانيات، داء الصراع على المناصب الفانية، داء التحزُّب الذي نَهى عنه الله في كلماته الباقية، وقال صلى الله عليه وسلم:
{يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل ومن قلة نحن يومئذ قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن فقال قائل يا رسول الله وما الوهن قال حب الدنيا وكراهية الموت} (رواه أبو داود عن ثوبان رضي الله عنه).
لِمَ الخلاف ونحن أخوة متآلفين؟!! من أجل مناصب فانية!! من أجل شهوات دنيوية في المال وغيره دانية!! وهل هذا الذي ربَّانا عليه الإسلام؟!! وهل هذا الذي كان عليه أصحاب النبي عليه أفضل الصلاة وأتم السلام؟!! كلاَّ والله يا إخواني، إنَّهم كانوا أحرص ما يكونوا على إخوتِهم في الله!! 

يتحدث أبو بكر - ومن هو أبو بكر؟ الذي يقول فيه النبيُّ: {لو وزن إيمان هذه الأمة بإيمان أبي بكر لرجحت كفة أبو بكر} (أخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وإسحاق بن راهويه في مسنده، والإمام أحمد بن حنبل في فضائل الصحابة. وأخرجه ابن عدي في الكامل مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ:" لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح بهم") - يتحدث مع نفرٍ من الفقراء في مسجد رسول الله عن أبي سفيان بن حرب بعدما أسلم فقالوا له: إن سيوف الله لم تأخذ مأخذها من عدو الله، فقال أبو بكر: لا تقولوا هذا لشيخ قريش. ليس في حديثهم سبٌّ ولا شتم، وليس في حديثه وردِّه تزيُّد في الرد!!
ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحكى له ما دار - لأنه قلبٌّ حيٌّ متعلق بالحيِّ عزَّ وجلَّ، خشي أن يكون أساء إلى إخوانه فقراء المسلمين - فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (يا أبا بكر إياك أن تكون أغضبتهم فإن الله عزَّ وجلَّ يغضب لغضبهم) فذهب إليهم الصديق مستعطفًا وقال: يا أخوتاه أأغضبتكم؟ قالوا: لا يا أبا بكر وعفا الله عزَّ وجلَّ عنك.
دين بلغ فيه أن الله يقول لحبيبه ومصطفاه الذي اختاره لرسالته، وأمره بتبليغ شريعته، وأيَّده بعصمته، يقول له: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) (28الكهف). كان صلى الله عليه وسلم إذا جالسهم لم يقم من بينهم إلاَّ إذا قالوا له: قد أذنا لك يا رسول الله فاذهب حيث شئت. وإذا صافح أحدهم لم يكن يسحب يده من يده حتى يترك المصافح يده. وإذا احتاجوا إليه في أمر يرسلون إليه الطفل الصغير فيأخذه من يده، ولا يسأله النبي إلى أين!! ولا من الذي أرسلك!! لأنه صلى الله عليه وسلم كما قال فيه ربُّه: (حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (128التوبة).

ألَّف بينهم على هذا الأساس القرآني، وعلى هذا الهدي النبوي. أخرج الدنيا من قلوبهم فلم تكن الدنيا أكبر همِّهم ولا مبلغ علمهم. لم يكونوا طلاب رياسات، ولا راغبين في جمع الدنيا بأي كيفية وأي وسيلة، وإنما كانت رغباتُهم أن يبلِّغوا رسالات الله، وأن يساعدوه في نشر دين الله، ونذروا أنفسهم للدعوة الإسلامية طلباً لمرضاة الله، لا يرجون من وراء ذلك جزاءً ولا شكوراً، وإنما يرجون من وراء ذلك عند الله عزَّ وجلَّ جنة عالية ونوراً وسروراً، وفضلاً كبيرا يوم لقاءه عزَّ وجلَّ في دار جنانه ودار رضوانه. الدنيا يقول فيها النبيُّ: {حُبُّ الدُّنْيَا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ} (أخرجه بن أبي الدنيا مرسلاً عن الحسن البصري). لو نُزع حبُّ الدنيا من قلوبنا لغلَّقتْ المحاكم أبوابَها، لَمْ نَرَ متنافسين ولا متصارعين، ولا متحاسدين ولا متحاقدين، بل الكل سيسلِّم تسليماً كاملاً لشرع الله، وما يحكم به الله، وما يحكم به العدول في الأمة من رجال الله العلماء العاملين الذين يرجون الحقَّ، ويحكمون بالحقِّ طلباً لمرضاة رب العالمين عزَّ وجلَّ.
حبُّ الدنيا هو سرُّ كل ما نحن فيه. والمخرج؟! لا مخرج لنا إلا إذا أخلصنا العمل لله، فكانت كل أعمالنا، وكل حركاتنا وكل سكناتنا، وكل أقوالنا وكل أفعالنا، ننوي بها وجه الله. لا نقول قولاً لإرضاء فلان ونحن نعلم أنه على غير الحق، لأن هذا يخالف صريح الدين؛ الدين النصيحة. لا أرى متخاصمَين أمامي ثم أُدْعَى إلى الشهادة فأقول: لَمْ أَرَ، مع أنني رأيت وأُنكر الشهادة وأُكتمها!! (وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ) (283البقرة)، حتى ولو كانت الخصومة بين أخي وأبي وغيره من المسلمين، فقد قال الله عزَّ وجلَّ في شأن المسلمين السابقين والمعاصرين واللاحقين: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)(143البقرة).

جعل الله هذه الأمة شهوداً على الأنبياء السابقين وأممهم لأنها أمة العدالة، أمة إحقاق الحقِّ، أمة يقول فيها الحقُّ في سرِّ اجتبائها على سائر الأمم وخيريتها على سائر الأنام: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)، لماذا يا ربّ؟! ( تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) (110آل عمران) . جعل الإيمان بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر!! مع أن مقتضى كلامنا مع بعضنا يقتضي أن يسبق الإيمان، لكن كلام الله لحكمة يعلمها مُنَزَلُ القرآن عزَّ وجلَّ، أمة تقول الحقَّ، وتظهر الحقَّ، وتعمل لوجه الله، لا تريد في أي عمل إلاَّ وجه الله، إذا كان قائدًا أو جندياً فهو يعمل لله، إذا كان خادمًا أو رئيسًا فهو يعمل لله.
جاء عمرو بن العاص وخالد بن الوليد بعد صلح الحديبية مُعلنين إسلامهم، فأصدر النبيُّ صلى الله عليه وسلم قرارًا نبويًّا أن يتولى عمرو بن العاص قيادة إحدى الغزوات تسمى غزوة ذات السلاسل، وكان من جنده أبو بكر وعمر رضي الله عنهما. أيُّ رجال هؤلاء؟!! ماتت شهوات نفوسهم ولم يعد يريدون إلا وجه الله عزَّ وجلَّ، وسمى خالد بن الوليد: (سيف الله المسلول)، وقاد خالد أكثر من مائة معركة حربية انتصر فيها جميعًا.
وفي إحدى المعارك مع الروم - وهي معركة اليرموك - وكان المسلمون حوالي أربعين ألفًا والروم حوالي أربعمائة ألف، جاء خطاب العزل من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى أبو عبيدة بن الجراح أن يتولى قيادة الجند ويعزل خالد ويجرد خالد من جميع رتبه ويرجع جنديًا عاديًا، انظر إلى الرجال قال فيهم الله: (صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ) (23الأحزاب).
جاء رجل لخالد وقال: يا خالد أرضيت بهذا الأمر؟ قال: نعم، قال: إن كنت رضيت بهذا الأمر فإنا لن نرضى، وإن خلفي مائة ألف سيف ينتصرون لك إن رفضت هذا الأمر، قال: بئس ما أشرت عليَّ به يا أخي، فأنا أقاتل لله، إن كنت قائدًا أقاتل لله، وإن كنت جنديًّا أقاتل لله، فلا يهمُّني هذا ولا ذاك.
هؤلاء الرجال الذين أخرجهم الله من ظلمات الدنيا وشهواتها إلى نور الإيمان وجعلهم في معية النبي العدنان، ما أحوجنا إليهم في هذا الزمان!! رجال يقول فيهم الرحمن: (يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ) (54المائدة). ما وصفهم؟ الإخلاص لله، لا ينطق فمه بكلمة إلا إذا تحقق أنها لوجه الله، ولا تتحرك جوارحه بحركة - إن كان في عيادة مريض، أو لتشييع جنازة، أو لقضاء مصلحة لمؤمن، أو لقضاء مصلحة للمجتمع، أو لأي عمل - إلا إذا أخلص النيَّة فيها لله، وكان يبغي بها وجه الله عزَّ وجلَّ.

لو توحَّدت النوايا، وصفت الطوايا، واتجهنا جميعًا إلى الله، وكانت أعمالنا لله، وأقوالنا لله، وحركاتنا وسكناتنا لله، لا لدنيا ولا لمظاهر، ولا لشهرة ولا رياء، ولا لسمعة، ولا لمناصب ولا لمكاسب، في هذا الوقت لن يكون بين المسلمين خلافٌ ولا اختلاف، وإنما سيكونون جميعًا رجلاً واحدًا؛ لأن النية كلها لوجه الله.
نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يوحِّد جمعنا، وأن يلمَّ صفوفنا، وأن يجعل نياتنا كلها لوجهه عزَّ وجلَّ قال صلى الله عليه وسلم:
{طوبى للمخلصين أولئك مصابيح الهدى تنجلي عنهم كل فتنة ظلماء} (رواه ابن أبي الدنيا عن ثوبان رضي الله عنه)، وتمر عليهم الفتن كقطع الليل المظلم، وهم منها في عافية، يعيشون في عافية، ويموتون في عافية، ويحشرون يوم القيامة في جنة عالية.
وقال صلى الله عليه وسلم : (التائب حبيب الرحمن والتائب من الذنب كمن لا ذنب له) (الطبراني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه)،
الموقع الرسمى لفضيلة الشيخ / فوزى محمد أبوزيد 
  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق