أصول التصوف
أصول التصوف
بعد أن أسس النبى صل الله عليه وسلم أول مدرسة للتصوف السلوكى العملى فى مكة فى دار الأرقم بن أبى الأرقم وأسس فى المدينة المنورة جامعة أهل الصفّة قام صل الله عليه وسلم بوضع هذه الأسس.ومن هنا امتد هذا النسق، وهذا النهج، إلى يومنا هذا...على يد العلماء العاملين، والحكماء الربانيين في كل وقت وحين. ولذلك كان بداية التصوف: أن الرجل الصالح كان يبنى زاوية. ومن ثم يجمع فيها خلاصة أصحابه. ويصنع معهم ما كان الحبيب يصنع مع أهل الصفة. ويتكرر نفس المشهد، فمنهم من يذكر الله، ومنهم من يتفكر، ومنهم من يقرأ القرآن، ومنهم من يعلّم، ومنهم من يتعلم، ومنهم من يصوم النهار، ومنهم من يقوم الليل.
ويتعهد الرجل الصالح هذا أبنائه وأتباعه فيعطى لكل رجل منهم ما يلائم قواه، وما تميل إليه نفسه من العمل الصالح الذي يقرِّبه إلى الله، وذلك لأن النفوس مختلفات، وكل نفس تميل إلى عمل يقربها إلى الله، فيعطيه لكل منهم ما تميل إليه نفسه وما يصلح به حاله ليتقرب به إلى ربه؛فيفيض الله عليهم المنح والعطاءات التي أفاضها من قبل على أحباب الحبيب المصطفى من أهل الصُفَّة رضوان الله عليهم أجمعين. وهذا هو الأساس الذي سار عليه الصوفية الصادقون، والأولياء، والمتقون، والحكماء الربانيون، متَّبعين أحوال أهل الصُفَّة في أحبابهم وفى مريديهم ولذلك كما قلنا وبينا تجد لديهم حلقات الذكر، وحلقات العلم، وحلقات الفكر، وحلقات قراءة القرآن. وكذلك تجد بينهم: التحابب، والتوادد، والتآلف لأنهم يشترطون فيمن يدخل بينهم، ويشاركهم أمرهم، ألاّ يكون في قلبه: ضغينة أو حقد أو حسد، وألاّ يكون في نفسه أدنى ميل إلى الدنيا؛ لأنهم يجتمعون على الله، ويريدون وجه الله جلَّ في علاه.ومن أجل ذلك يكرمهم الله بالمنح والعطاءات الإلهية المذكورة في قول الله [32 فاطر]:( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) وهل التصوف هذا، يحتاجه الإنسان في هذا العصر ؟ نعم !يحتاجه الإنسان في هذا العصر، وفى كل عصر: لسلامة قلبه، ولصحة بدنه، ولصفاء وقته، ذهب أحد المريدين إلى الشيخ أبو السعود، وقال له: أريد أن أتتلمذ على يديك، فقال له: شيخك الشيخ عثمان المغربي، وهو في بلاد المغرب، ولما يأت بعد.فامكث هنا معنا إلى أن يأتي شيخك !، أي اجلس مستمعا فقط، لأنهم اخوة.:( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ )[10الحجرات] وبعد خمسة عشر عاما، وذات يوم، سأل الشيخ عن هذا المريد، وقال له: شيخك سيصل عصر اليوم إلى منيل الروضة قادما من بلاد المغرب عن طريق الإسكندرية، فاذهب للقائه، فتوجه المريد إلى الميناء بالمنيل، فوجد السفينة الآتية من الإسكندرية قد وصلت.فانتظر حتى نزل الركاب، فتعرف على شيخه، وذهب ليسلم عليه، ففوجئ به يقول له: جزى الله آخي أبو السعود عنى خيرا، إذ حفظك لي طوال تلك المدة. هؤلاء هم الأبطال حقا !! أمَّا ما يحدث من بعض المعاصرين عندما يتركه أحد المريدين، فتجده يقول لمن حوله: سيحدث له كذا من السوء، وسيصاب بكذا وكذا، فهذا ليس من دين الله في شئ.فليس بشيخ من يحنق على مريد إذا تحول عنه إلى غيره من الأشياخ، أو ترك مجلسه وذهب إلى مجلس غيره من الصالحين، لأن صاحب قدم الصدق من الرجال يعلم علم اليقين أن الإخوان الصادقين رزق من الله يسوقه إليه: "وما كان لك فسوف يأتيك"، وما ليس لك فلن تستطيع جلبه حتى لو أنفقت كل ما تملك:( لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ )[63 الأنفال] فالذات العلية هي التي تتولى ربط قلوب المريدين بقلوب المشايخ والعارفين، وأي تبديل أو تغيير لا يتم ولا يكون إلا بإرادة العلي القدير، وسجلات المريدين ومن ينتمون إليهم من الأساتذة، والعارفين ثابتة من قبل القبل، ولذلك فإن سيدنا سهل التسترى كان يقول: إني لأعلم أولادي وأربيهم وهم في أصلاب آباءهم منذ يوم ألست بربكم. أي أن الكشف المسجل فيه أحبابه، أخذه من هناك..! فالذي لم يكتب بالكشف يترك المكان، ولو جلس مرة لأنه ضيف وقتي والصالحون يعلمون ذلك ويعلّمونه لله ؛ وليس هناك مشكلة في ذلك. وهذه أحوال الصالحين في كل زمان ومكان، لأن بينهم نقاء وصفاء ووفاء، فكلهم أساتذة في الجامعة المحمدية، ولازم كل ليلة يجتمع أعضاء هيئة التدريس: وأين هذا الاجتماع؟ كما أشار سيدي إبراهيم الدسوقى في قوله:على الدرة البيضاء كان اجتماعنا ...
وفى قاب قوسين اجتماع الأحبة
فالذي يشهد اجتماع قاب قوسين هل يبقى عنده بقية من الدنيا الدنية؟ كلا، وهكذا كل من وصلوا إلى هذا المقام العالي، ليس هناك شئ يحاك في صدورهم نحو إخوانهم؛ لأن كل من حاك شئ في صدره بسوء نحو إخوانه، لا يؤذن له بالإشراف على هذه المعية، أو الحضور بقلبه في هاتيك المقامات السنيةوهؤلاء بسر استنارة بصائرهم يعرفون مريدهم، بل آونة يطلعهم الله على المريدين، ومن ينتسبون إليهم من أشياخهم.ومثل هؤلاء لا يجدون غضاضة في قلوبهم، إذا تحول أي مريد من مجالسهم إلى غيرهم.وهذا هو التصوف السليم، والمنهج المستقيم الذي جاء به السلف الصالح من الرؤوف الرحيم ، وأي شئ غير ذلك قد يكون فيه شهوة نفس أو حظ أو مآرب دنيوية أو هوى.ومن عنده هوى !.فليس له دواء.
من كتاب : الصوفية فى القرآن والسنة
رابط الكتاب للمطالعة أو التحميل مجانا
اضغط على الرابط
http://www.fawzyabuzeid.com/news_d.php?id=175
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق