مراجعة النفس
وضع الله فى قرآنه الكريم قواعد النصر الإلهى التى لا تتخلف
عن أحد من المسلمين إذا أقامها وامتثل لها وأطاع الله ونفذ ما
أمره به فيها فهى قواعد لنصر أى طائفة من المؤمنين من
الأولين أو الآخرين أو المعاصرين إذا طبقوها يتولى الله نصرهم لأنها قواعد إلهية مسجلة فى خير كلام رب البرية وهو القرآن
الكريم الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وجعل الله قاعدة النصر نصر الإنسان على أعداءه أو نصر الأُمة كلها
والدولة على مناوئيها أو نصر أى شعب أو أمة على غيرهم من
البشر جعلها فى جملة واحدة وفى عبارة جامعة قال فيها الله جل فى علاه فى محكم التنزيل{إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}كيف ننصر الله؟وهل الله يحتاج إلى من يعاونه؟حاشا لله جل فى علاه وهل الله يحتاج إلى من يساعده؟حاشا لله جل فى علاه إذاً كيف ننصر الله؟ننصر الله على أنفسنا فلا نتبع ما تهوى الأنفس وما تميل إليه الأهواء وننصر الله بأن نمشى على الشريعة السمحاء التى أنزلها فى كتاب الله والتى أرسل من أجلها لإبلاغها رسول الله فإذا قضينا على هذا الأمر ولم نجعل للنفس علينا سلطاناً ولم نأتمر بأمر الهوى ولم نتبع الشهوات الجامحة والرغبات التى نهى عنها الله من طلبات النفس وهى التى تسعى فى خلاف الله وقال فيها الله جل فى علاه مبيناً شأنها فى عبارة جامعة{إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}النفس هى:كل أمر بشر أو ضر أو سوء فى داخل الإنسان فإذا أُمرت فى داخلك أو سمعت نداءاً فى باطنك وأردت تحقيقه بأعضاءك وجوارحك وظاهرك فهو من النفس قد تطلب منك النفس أن تغش فى الكيل والميزان وقد تطلب منك النفس أن تكذب فى موضع نهى الله فيه عن الكذب وأمر فيه بالصدق وقد تطلب منك النفس أن تهضم الزوجة حقها وقد تطلب منك النفس أن تجور على الجار وقد تطلب منك النفس أن تورث أبنائك وأنت حى فى الدنيا وتفرق بينهم فى العطاء فتعطى لهذا لأنه يتزلف لك وتمنع هذا لأنه بعيد عنك فكل ما تحض عليه النفس هو السوء والفحشاء وما يخالف شرع الله وما نهى عنه حبيب الله ومصطفاه صلوات ربى وتسليماته عليه ولذلك مدح الله الذين يمتنعون عن تنفيذ أوامر النفس انتصاراً لشرع الله وينفذون ما أمر به الله وإن كان فيه إغضاب للنفس لأنه مخالف لها فقال الله فى قرآنه الكريم{قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}فجعل الله للإنسان فى نفسه عدو مبين قال فيه التقى النقى النبى الرءوف الرحيم صلوات ربى وتسليماته عليه{لَيْسَ عَدُوُّكَ الَّذِي يَقْتُلُكَ فَيُدْخِلَكَ اللَّهُ بِهِ الْجَنَّةَ وَإِنْ قَتَلْتَهُ كَانَ لَكَ نُوراً وَلكِنْ أَعْدَى الأَعْدَاءِ لَكَ نَفْسُكَ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْكَ}1لأنها هى التى تزين للإنسان العصيان وهى التى تأمره بما نهى عنه الرحمن وتأمره بالعمل بما يخالف نهج النبى العدنان وأمرنا النبى وأمرنا الله تعالى بوضوح كامل أن نخالف النفس وأن ننصر شرع الله تعالى وأن نعمل بأمر الله وأن ننفذ سُنة رسول الله صلوات ربى وتسليماته عليه فإذا نصرنا الله أى أقمنا شرع الله وعملنا بما طلبه الله وقمنا بما كان عليه حبيب الله ومصطفاه نَصَرنا النصيرعلى أعدائنا وعلى كل أعداء الله وجعل الله من كل ضيق فرجاً وجعل لنا من كل بأساء وشدة مخرجاً ورزقنا من حيث لا نحتسب وليس هذا فقط لأن عطاء الله لا حد له ولا رد فالله جعل الرزق لأهل الأرض جميعاً بالأسباب إذا سعوا فيها جنوا ثمار السعى وجعل الرزق للمؤمنين الذين يقيمون شرع الله ويتأسون بحبيب الله يتعدى حدود الأسباب ويجعله لهم ممتداً بغير حساب، قال فيهم سبحانه{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}جعل الله لأهل التقوى رزقاً ليس عن طريق الحسابات العقلية الدنيوية ولكنه عن طريق العطاءات والألطاف الخفية الإلهية أما بالنسبة للمعايش الدنيوية فإن الله إذا أراد زيادتها للمؤمنين يضع فيها البركة من عنده وإذا نزلت البركة فى الغذاء لا ينفذ الغذاء ولو كان قليل مهما كان الآكلون منه جمعهم كثير وإذا وضع الله البركة فى الثياب لا تبلى أبداً حتى يمل لابسها من لبسها ويتصدق بها على الفقراء لأن الله جعل البركة فيها وإذا أنزل الله البركة فى الصحة والعافية لا يحتاج المرء إلى دواء ولا إلى الذهاب للأطباء لأن الله يعافيه ويشفيه بركة من الله وإذا أراد الله إنزال البركة فى الأولاد جعلهم بررة بأبيهم ولا يكلفونه الكثير يجعلهم فى الدراسة يفهمون ويفقهون ولو بغير دروس ويتفوقون ولو بقليل من النظر فى الدروس والكتب كل هذا لماذا؟لأن الله إذا أنزل البركات جعل كل شئ فى زيادة وهذا ما قال الله فيه لنا أجمعين{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ}والبركة زيادة فى الخيرات على نفس المقادير التى معنا ولكنها بركات معنوية لا تلحظها العين الحسية يقول فيها خير البرية{ طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الإِثْنَيْنِ وَطَعَامُ الإِثْنَيْنِ يَكْفِي الأَرْبَعَةَ وَطَعَامُ الأَرْبَعَةِ يَكْفِي الثَّمَانِيَةَ }2أما بالنسبة للأعداء إن كانوا حاقدين أو حاسدين أو محاربين فإن الله إذا نصر العبد شرعه وقام بأوامر دينه وتابع النبى فى هديه وسنته يورثه ما أعطاه للحبيب، وقد كان كما يقول فيه الإمام علىّ{مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ}3ورَّثه الله الهيبة فكان كل من رآه ولو من بعيد يهاب أن يقترب منه ويخاف أن يؤذيه بل يخاف أن يشير إليه حتى أن المؤمنين أنفسهم كانوا يهابونه هيبة شديدة جاءته امرأة لحاجة وهو فى عرض الطريق فقال لها: يا أمة الله اجلسى فى أى ناحية من نواحى الطريق أجلس إليك فاهتزت المرأة من هيبته وارتجت وسقطت على الأرض من هيبته فقال لها صلى الله عليه وسلم مُهَوِناً{ هَوِّنْى عَلَيْكَ فَإِنَّما أَنا ابْنُ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ كانَتْ تَأْكُلُ الْقَديدَ في هذِهِ الْبَطْحاءِ }4والقديد هو اللحم المجفف وكان لا يأكله إلا الفقراء ولما حضر عمرو بن العاص الوفاة وهو القائد الفذ المحنك قال لابنه عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهم: لقد حدثت أمور أريد أن أحكيها لك آمنت برسول الله بعد حربه وما كان أحد أحب إلىَّ منه وكنت أتمنى أن يقبضنى الله على ذلك الحال مع أنى ما استطعت أن أنظر إليه ببصرى قط من شدة هيبته فعمرو بن العاص القائد الفذ لم يستطع عمره مع رسول الله أن يثبت بصره فى وجه الشريف من شدة هيبة رسول الله هذه الهيبة كانت تُلقى الرعب فى قلوب أعداءه حتى الذين بينه وبينهم مسيرة شهر ولذلك قال{ نُصِرْتُ بالرُّعْب مَسِيرَةَ شَهرٍ}5وكذلك العبد المؤمن الذى يتوكل على مولاه ويعمل مقتفياً أثر حبيب الله ومصطفاه ويمتلئ قلبه بالخوف والهيبة من حضرة الله فإن الله يُلقى الهيبة منه على جميع أعداءه فلا يستطيعون أن يكيدوا له أو يدبروا شراً له ولو حدث ودبَّروا له شراً أو حاكوا له ضراً فيصدر عليهم قرار رب العالمين{وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}فمن أراد أن يتولاه الله بنصرته وأن يجعله مرهوباً الجانب طوال حياته الدنيوية ويجعله مكللاً بتاج البهاء فى الدار الأخروية فعليه أن ينصر شرع الله ويعمل به فى حياته لا يعمل أمراً يخالف شرع الله ولو فى القليل فإن القليل عند الله كثير لا يستصغر أمراً لأنه ربما حقَّر أمراً فنظر إليه الله وهو يفعل عملاً يُغضبه فيسخط عليه الله سخطاً لا يعقبه بعده رضا أبداً إلا إذا تاب إلى الله توبة نصوحا، قال النبى{ يا غُلامُ إنِّـي أُعَلِّـمُكَ كَلِـمَاتٍ احْفَظِ الله تَـجِدْهُ أَمَامَكَ تَعَرَّفْ إِلَـى الله فِـي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِـي الشِّدَّةِ وَاعْلَـمْ أَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَـمْ يَكُنْ لِـيُصِيبَكَ وَمَا أَصَابَكَ لَـمْ يَكُنْ لِـيُخْطِئَكَ وَاعْلَـمْ أَنَّ النَّصَرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً}6كان أصحاب رسول الله يمشون أجمعين على هذه القاعدة الإيمانية مراجعة النفس ومحاسبتها فكان الرجل منهم إذا تعقد له أمر فى حياته أو إذا تعذر له الحصول على أمر يريده أو تعذر له الوصول إلى نصر يريد تحقيقه أو أبطأ عليه رزق يستعجل وروده يراجع نفسه ويحاسبها لأنه يعلم أنه إنما أوتى من قِبَلِه فلو كان ماشياً على المنهج القويم وعلى منهج الرءوف الرحيم فإن عناية الله لا تتخلف عنه طرفة عين ولا أقل حتى قال رجل منهم(إنى لأعرف حالى مع الله من خُلق زوجتى ومن تشامس دابتى)أي إذا رأى زوجته فى يوم من الأيام وقد تغيرت معاملتها معه وكانت معاملة غير مرضية يعلم أنه قصَّر فى الطاعات مع رب البرية وهذا مؤشر له ونذير له ليصحح حاله وإذا أراد أن يركب دابته فلم تقف بهدوء أمامه واستعصت على الركوب يراجع ما بينه وبين الله هذا فى أمورهم الخاصة وكذا فى أمورهم العامة حاصر عمرو بن العاص حصن بابليون وهى القاهرة الآن واستمر الحصار ستة أشهر ولم يستطيعوا دخول الحصن وأصحاب رسول الله كما عوَّدهم الله كان لا يُبطئ عليهم النصر ما هى إلا كرَّة من صباح أو من مساء ويأتى نصر الله لهم وعليهم لأنهم مؤيدين بنصر الله جل فى علاه وكان سلاحهم الأساسى هو الذى أرسل به عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبى وقاص حيث قال له فى جملة قصيرة موجزة قوية ومعبرة(يا سعد مُر الجند بطاعة الله وانههم عن معصية الله)فإن الأعداء أقوى منا عدداً وسلاحاً ومدداً فلو عصى الجند الله تساوو معهم فى المعصية فكانت الغلبة لهم لأنهم أكثر عدداً وأقوى مدداً وإذا أطعنا الله دخلنا فى قول الله{ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}فلما أبطأ فتح الحصن على عمرو بن العاص والذين معه جلس مع كبار القادة يتباحثون وقالوا لبعضهم : ما الذى تركناه من فرائض الله؟فوجدوا أنهم لم يتركوا شيئاً من الفرائض فراجعوا أنفسهم وقالوا: ما الذى تركناه من سنن رسول الله؟ وأخذوا يتناقشون ويذكر بعضهم بعضاً حتى تنبهوا وقالوا: تركنا السواك الذى قال فيه النبى الكريم{لأَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ بِسِوَاكٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُصَلِّيَ سَبْعِينَ رَكْعَةً بِغَيْرِ سِوَاكٍ}7وقال فيه{لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ}8فأمروا الجند باستخدام السواك فنظر الأعداء من على سور الحصن فقالوا لبعضهم: لقد جاءهم جند يأكلون الخشب أو يجعلون أسنانهم حادة ليأكلوكم وإذا كنا لا طاقة لنا بحرب هؤلاء فكيف نحارب من يأكلون الخشب؟يا قوم استسلموا وسلموا لهم فاستسلم أهل الحصن بمجرد أن رجعوا إلى سُنة رسول الله واستخدموا السواك الذى سَنه لنا رسول الله فحافظوا على فرائض الله يحفظكم الله وحافظوا على سنن رسول الله ينصركم الله دائماً وأبداً ويجعل أمركم مرفوعاً ودعاءكم مجاباً وكل أموركم كما تريدون لأنه قال فى قرآنه {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
[1] الدَّيلمي عن أَبي مالكٍ الأَشعري والعسكري في الأمثال عن سعيد بن أَبي هلال.
[2] صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله
[3] سنن الترمذي عن على
[4] المستدرك على الصحيحين عن عبدالله بن جرير.
[5] صحيح البخارى عن جابر بن عبد الله ونص الحديث: «أُعْطِيتُ خَمساً لم يُعْطَهُنَّ أحدٌ قبلي: نُصِرْتُ بالرُّعْب مَسِيرَةَ شَهرٍ، وجُعِلَتْ ليَ الأرضُ مَسجِداً وطَهوراً فأَيُّما رَجُلٍ من أُمَّتي أدرَكَتْهُ الصلاةُ فلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ ليَ المَغانِمُ ولم تَحِلَّ لأحَدٍ قَبْلي، وأُعْطِيتُ الشفاعَةَ، وكان النبيُّ يُبْعَثُ إِلى قَومِه خاصَّةً وبُعِثْتُ إِلى النّاسِ عامَّة».
[6] مسند الإمام أحمد والبيان والتعريف عن ابن عباس رضى الله عنهم .
[7] رواه أبو نعيم في كتاب السواك بإسناد جيد عن ابن عباس رضى الله عنهم .
[8]صحيح مسلم عن أبى هريرة
وضع الله فى قرآنه الكريم قواعد النصر الإلهى التى لا تتخلف
عن أحد من المسلمين إذا أقامها وامتثل لها وأطاع الله ونفذ ما
أمره به فيها فهى قواعد لنصر أى طائفة من المؤمنين من
الأولين أو الآخرين أو المعاصرين إذا طبقوها يتولى الله نصرهم لأنها قواعد إلهية مسجلة فى خير كلام رب البرية وهو القرآن
الكريم الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وجعل الله قاعدة النصر نصر الإنسان على أعداءه أو نصر الأُمة كلها
والدولة على مناوئيها أو نصر أى شعب أو أمة على غيرهم من
البشر جعلها فى جملة واحدة وفى عبارة جامعة قال فيها الله جل فى علاه فى محكم التنزيل{إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}كيف ننصر الله؟وهل الله يحتاج إلى من يعاونه؟حاشا لله جل فى علاه وهل الله يحتاج إلى من يساعده؟حاشا لله جل فى علاه إذاً كيف ننصر الله؟ننصر الله على أنفسنا فلا نتبع ما تهوى الأنفس وما تميل إليه الأهواء وننصر الله بأن نمشى على الشريعة السمحاء التى أنزلها فى كتاب الله والتى أرسل من أجلها لإبلاغها رسول الله فإذا قضينا على هذا الأمر ولم نجعل للنفس علينا سلطاناً ولم نأتمر بأمر الهوى ولم نتبع الشهوات الجامحة والرغبات التى نهى عنها الله من طلبات النفس وهى التى تسعى فى خلاف الله وقال فيها الله جل فى علاه مبيناً شأنها فى عبارة جامعة{إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}النفس هى:كل أمر بشر أو ضر أو سوء فى داخل الإنسان فإذا أُمرت فى داخلك أو سمعت نداءاً فى باطنك وأردت تحقيقه بأعضاءك وجوارحك وظاهرك فهو من النفس قد تطلب منك النفس أن تغش فى الكيل والميزان وقد تطلب منك النفس أن تكذب فى موضع نهى الله فيه عن الكذب وأمر فيه بالصدق وقد تطلب منك النفس أن تهضم الزوجة حقها وقد تطلب منك النفس أن تجور على الجار وقد تطلب منك النفس أن تورث أبنائك وأنت حى فى الدنيا وتفرق بينهم فى العطاء فتعطى لهذا لأنه يتزلف لك وتمنع هذا لأنه بعيد عنك فكل ما تحض عليه النفس هو السوء والفحشاء وما يخالف شرع الله وما نهى عنه حبيب الله ومصطفاه صلوات ربى وتسليماته عليه ولذلك مدح الله الذين يمتنعون عن تنفيذ أوامر النفس انتصاراً لشرع الله وينفذون ما أمر به الله وإن كان فيه إغضاب للنفس لأنه مخالف لها فقال الله فى قرآنه الكريم{قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}فجعل الله للإنسان فى نفسه عدو مبين قال فيه التقى النقى النبى الرءوف الرحيم صلوات ربى وتسليماته عليه{لَيْسَ عَدُوُّكَ الَّذِي يَقْتُلُكَ فَيُدْخِلَكَ اللَّهُ بِهِ الْجَنَّةَ وَإِنْ قَتَلْتَهُ كَانَ لَكَ نُوراً وَلكِنْ أَعْدَى الأَعْدَاءِ لَكَ نَفْسُكَ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْكَ}1لأنها هى التى تزين للإنسان العصيان وهى التى تأمره بما نهى عنه الرحمن وتأمره بالعمل بما يخالف نهج النبى العدنان وأمرنا النبى وأمرنا الله تعالى بوضوح كامل أن نخالف النفس وأن ننصر شرع الله تعالى وأن نعمل بأمر الله وأن ننفذ سُنة رسول الله صلوات ربى وتسليماته عليه فإذا نصرنا الله أى أقمنا شرع الله وعملنا بما طلبه الله وقمنا بما كان عليه حبيب الله ومصطفاه نَصَرنا النصيرعلى أعدائنا وعلى كل أعداء الله وجعل الله من كل ضيق فرجاً وجعل لنا من كل بأساء وشدة مخرجاً ورزقنا من حيث لا نحتسب وليس هذا فقط لأن عطاء الله لا حد له ولا رد فالله جعل الرزق لأهل الأرض جميعاً بالأسباب إذا سعوا فيها جنوا ثمار السعى وجعل الرزق للمؤمنين الذين يقيمون شرع الله ويتأسون بحبيب الله يتعدى حدود الأسباب ويجعله لهم ممتداً بغير حساب، قال فيهم سبحانه{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}جعل الله لأهل التقوى رزقاً ليس عن طريق الحسابات العقلية الدنيوية ولكنه عن طريق العطاءات والألطاف الخفية الإلهية أما بالنسبة للمعايش الدنيوية فإن الله إذا أراد زيادتها للمؤمنين يضع فيها البركة من عنده وإذا نزلت البركة فى الغذاء لا ينفذ الغذاء ولو كان قليل مهما كان الآكلون منه جمعهم كثير وإذا وضع الله البركة فى الثياب لا تبلى أبداً حتى يمل لابسها من لبسها ويتصدق بها على الفقراء لأن الله جعل البركة فيها وإذا أنزل الله البركة فى الصحة والعافية لا يحتاج المرء إلى دواء ولا إلى الذهاب للأطباء لأن الله يعافيه ويشفيه بركة من الله وإذا أراد الله إنزال البركة فى الأولاد جعلهم بررة بأبيهم ولا يكلفونه الكثير يجعلهم فى الدراسة يفهمون ويفقهون ولو بغير دروس ويتفوقون ولو بقليل من النظر فى الدروس والكتب كل هذا لماذا؟لأن الله إذا أنزل البركات جعل كل شئ فى زيادة وهذا ما قال الله فيه لنا أجمعين{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ}والبركة زيادة فى الخيرات على نفس المقادير التى معنا ولكنها بركات معنوية لا تلحظها العين الحسية يقول فيها خير البرية{ طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الإِثْنَيْنِ وَطَعَامُ الإِثْنَيْنِ يَكْفِي الأَرْبَعَةَ وَطَعَامُ الأَرْبَعَةِ يَكْفِي الثَّمَانِيَةَ }2أما بالنسبة للأعداء إن كانوا حاقدين أو حاسدين أو محاربين فإن الله إذا نصر العبد شرعه وقام بأوامر دينه وتابع النبى فى هديه وسنته يورثه ما أعطاه للحبيب، وقد كان كما يقول فيه الإمام علىّ{مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ}3ورَّثه الله الهيبة فكان كل من رآه ولو من بعيد يهاب أن يقترب منه ويخاف أن يؤذيه بل يخاف أن يشير إليه حتى أن المؤمنين أنفسهم كانوا يهابونه هيبة شديدة جاءته امرأة لحاجة وهو فى عرض الطريق فقال لها: يا أمة الله اجلسى فى أى ناحية من نواحى الطريق أجلس إليك فاهتزت المرأة من هيبته وارتجت وسقطت على الأرض من هيبته فقال لها صلى الله عليه وسلم مُهَوِناً{ هَوِّنْى عَلَيْكَ فَإِنَّما أَنا ابْنُ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ كانَتْ تَأْكُلُ الْقَديدَ في هذِهِ الْبَطْحاءِ }4والقديد هو اللحم المجفف وكان لا يأكله إلا الفقراء ولما حضر عمرو بن العاص الوفاة وهو القائد الفذ المحنك قال لابنه عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهم: لقد حدثت أمور أريد أن أحكيها لك آمنت برسول الله بعد حربه وما كان أحد أحب إلىَّ منه وكنت أتمنى أن يقبضنى الله على ذلك الحال مع أنى ما استطعت أن أنظر إليه ببصرى قط من شدة هيبته فعمرو بن العاص القائد الفذ لم يستطع عمره مع رسول الله أن يثبت بصره فى وجه الشريف من شدة هيبة رسول الله هذه الهيبة كانت تُلقى الرعب فى قلوب أعداءه حتى الذين بينه وبينهم مسيرة شهر ولذلك قال{ نُصِرْتُ بالرُّعْب مَسِيرَةَ شَهرٍ}5وكذلك العبد المؤمن الذى يتوكل على مولاه ويعمل مقتفياً أثر حبيب الله ومصطفاه ويمتلئ قلبه بالخوف والهيبة من حضرة الله فإن الله يُلقى الهيبة منه على جميع أعداءه فلا يستطيعون أن يكيدوا له أو يدبروا شراً له ولو حدث ودبَّروا له شراً أو حاكوا له ضراً فيصدر عليهم قرار رب العالمين{وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}فمن أراد أن يتولاه الله بنصرته وأن يجعله مرهوباً الجانب طوال حياته الدنيوية ويجعله مكللاً بتاج البهاء فى الدار الأخروية فعليه أن ينصر شرع الله ويعمل به فى حياته لا يعمل أمراً يخالف شرع الله ولو فى القليل فإن القليل عند الله كثير لا يستصغر أمراً لأنه ربما حقَّر أمراً فنظر إليه الله وهو يفعل عملاً يُغضبه فيسخط عليه الله سخطاً لا يعقبه بعده رضا أبداً إلا إذا تاب إلى الله توبة نصوحا، قال النبى{ يا غُلامُ إنِّـي أُعَلِّـمُكَ كَلِـمَاتٍ احْفَظِ الله تَـجِدْهُ أَمَامَكَ تَعَرَّفْ إِلَـى الله فِـي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِـي الشِّدَّةِ وَاعْلَـمْ أَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَـمْ يَكُنْ لِـيُصِيبَكَ وَمَا أَصَابَكَ لَـمْ يَكُنْ لِـيُخْطِئَكَ وَاعْلَـمْ أَنَّ النَّصَرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً}6كان أصحاب رسول الله يمشون أجمعين على هذه القاعدة الإيمانية مراجعة النفس ومحاسبتها فكان الرجل منهم إذا تعقد له أمر فى حياته أو إذا تعذر له الحصول على أمر يريده أو تعذر له الوصول إلى نصر يريد تحقيقه أو أبطأ عليه رزق يستعجل وروده يراجع نفسه ويحاسبها لأنه يعلم أنه إنما أوتى من قِبَلِه فلو كان ماشياً على المنهج القويم وعلى منهج الرءوف الرحيم فإن عناية الله لا تتخلف عنه طرفة عين ولا أقل حتى قال رجل منهم(إنى لأعرف حالى مع الله من خُلق زوجتى ومن تشامس دابتى)أي إذا رأى زوجته فى يوم من الأيام وقد تغيرت معاملتها معه وكانت معاملة غير مرضية يعلم أنه قصَّر فى الطاعات مع رب البرية وهذا مؤشر له ونذير له ليصحح حاله وإذا أراد أن يركب دابته فلم تقف بهدوء أمامه واستعصت على الركوب يراجع ما بينه وبين الله هذا فى أمورهم الخاصة وكذا فى أمورهم العامة حاصر عمرو بن العاص حصن بابليون وهى القاهرة الآن واستمر الحصار ستة أشهر ولم يستطيعوا دخول الحصن وأصحاب رسول الله كما عوَّدهم الله كان لا يُبطئ عليهم النصر ما هى إلا كرَّة من صباح أو من مساء ويأتى نصر الله لهم وعليهم لأنهم مؤيدين بنصر الله جل فى علاه وكان سلاحهم الأساسى هو الذى أرسل به عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبى وقاص حيث قال له فى جملة قصيرة موجزة قوية ومعبرة(يا سعد مُر الجند بطاعة الله وانههم عن معصية الله)فإن الأعداء أقوى منا عدداً وسلاحاً ومدداً فلو عصى الجند الله تساوو معهم فى المعصية فكانت الغلبة لهم لأنهم أكثر عدداً وأقوى مدداً وإذا أطعنا الله دخلنا فى قول الله{ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}فلما أبطأ فتح الحصن على عمرو بن العاص والذين معه جلس مع كبار القادة يتباحثون وقالوا لبعضهم : ما الذى تركناه من فرائض الله؟فوجدوا أنهم لم يتركوا شيئاً من الفرائض فراجعوا أنفسهم وقالوا: ما الذى تركناه من سنن رسول الله؟ وأخذوا يتناقشون ويذكر بعضهم بعضاً حتى تنبهوا وقالوا: تركنا السواك الذى قال فيه النبى الكريم{لأَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ بِسِوَاكٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُصَلِّيَ سَبْعِينَ رَكْعَةً بِغَيْرِ سِوَاكٍ}7وقال فيه{لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ}8فأمروا الجند باستخدام السواك فنظر الأعداء من على سور الحصن فقالوا لبعضهم: لقد جاءهم جند يأكلون الخشب أو يجعلون أسنانهم حادة ليأكلوكم وإذا كنا لا طاقة لنا بحرب هؤلاء فكيف نحارب من يأكلون الخشب؟يا قوم استسلموا وسلموا لهم فاستسلم أهل الحصن بمجرد أن رجعوا إلى سُنة رسول الله واستخدموا السواك الذى سَنه لنا رسول الله فحافظوا على فرائض الله يحفظكم الله وحافظوا على سنن رسول الله ينصركم الله دائماً وأبداً ويجعل أمركم مرفوعاً ودعاءكم مجاباً وكل أموركم كما تريدون لأنه قال فى قرآنه {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
[1] الدَّيلمي عن أَبي مالكٍ الأَشعري والعسكري في الأمثال عن سعيد بن أَبي هلال.
[2] صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله
[3] سنن الترمذي عن على
[4] المستدرك على الصحيحين عن عبدالله بن جرير.
[5] صحيح البخارى عن جابر بن عبد الله ونص الحديث: «أُعْطِيتُ خَمساً لم يُعْطَهُنَّ أحدٌ قبلي: نُصِرْتُ بالرُّعْب مَسِيرَةَ شَهرٍ، وجُعِلَتْ ليَ الأرضُ مَسجِداً وطَهوراً فأَيُّما رَجُلٍ من أُمَّتي أدرَكَتْهُ الصلاةُ فلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ ليَ المَغانِمُ ولم تَحِلَّ لأحَدٍ قَبْلي، وأُعْطِيتُ الشفاعَةَ، وكان النبيُّ يُبْعَثُ إِلى قَومِه خاصَّةً وبُعِثْتُ إِلى النّاسِ عامَّة».
[6] مسند الإمام أحمد والبيان والتعريف عن ابن عباس رضى الله عنهم .
[7] رواه أبو نعيم في كتاب السواك بإسناد جيد عن ابن عباس رضى الله عنهم .
[8]صحيح مسلم عن أبى هريرة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق