كل ما تفضل به الله من العطايا الإلهية على حبيبه ومصطفاه فإنه يُكرم سلفه الصالح ومن مشوا على هديه ونهجه بذلك إلى يوم الدين لأن هذا وعد الله الذى لا يتخلف، والذى ذكره وبينه فى كتابه المبين{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ }وعد الله لا يتخلف ولا يتخلى عن عباده الصالحين الذين صدقوا فى الاتباع لسيد الأولين والآخرين طرفة عين ولا أقل فإذا رأى عبد فى نفسه أن عناية الله تخلفت عن نصرته أو أن الله لم يكلأه بعنايته فليفتش فى نفسه وليبحث عن مرضه الذى أسقطه فى ذلك لأنه لو صدق فى الاتباع فإن الله يصدق معه فى التأييد وحتى يصدق فى الاتباع لابد أن يتحقق أنه دخل فى قول الله{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}والصدق يستتبع أن المرء يُبعد الوهم والخيال من مخيلته وذاكرته ولا يعيش فى الأوهام فقد تُخيل له نفسه أنه من أكمل الأتباع وهو يمشى على هواه لأن الذى يُزين له ذلك خياله ونفسه الأمارة بالسوء والميزان لابد له من وَزَّان والوَزَّان والميزان الذى يزن الرجال لابد أن يكون قسطاساً مستقيماً نصبه سيدنا رسول الله هل يجوز أن يجعل كل تاجر ميزانه على مزاجه الشخصى وعلى هيئته وحالته؟لابد أن يكون ميزانه يطابق مصلحة الموازين التى جعلتها الدولة لضبط الموازين فالدولة العلية الإلهية جعلت الميزان فى الأعمال والأحوال لجميع الرجال من قبل القبل إلى بعد البعد من؟هو سيدنا رسول الله {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}لكن لو تُرك الأمر للخلق لأراد كل رجل أن يزن نفسه بما تخيله خياله، وبما توهمه وهمه، ولذلك يقول أحد الصالحين والصالحون هم موازين جعلهم الله لأهل هذا الزمان:
أنا الميزان للأحوال فانهض
لأحوالى تنل رتباً علية
ويقول أيضاً للواهمين والسامعين والحاضرين أجمعين:
كل ما توهمته بميزان كسب
فهو مهواة حاطب حيران
لا تُحَكم الوهم ولا الخيال ولا النفس فى أحوال الرجال ولكن عليك بالموازين التى وضعها رسول الله والتى صار عليها المحققون من العرفاء بالله إلى يوم الدين والميزان رمانته {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً}الوسطية ويقول فيه أحد الحكماء (وسطاً فكن يا طالب الإقبال) ولذلك يقول أحد الصالحين{الناس ثلاثة: رجال مُغيبون بالكلية وهم أهل الجذب وهؤلاء كثير ورجال فى صحو بالكلية ويُحكمون عقولهم فى كل أمر ويتبعون ظاهر الشريعة وهم كثير ورجال مُغيبون بالكلية وحاضرون وفى صحو بالكلية وهؤلاء أقل من القليل}لأنهم فى تمام المحو وفى تمام الصحو فى تمام الجذب وفى تمام اليقظة مع الخلق جعلوا الجذب لقلوبهم وجعلو الصحو مع الخلق لأجسامهم فيُعطون لكل حقيقة حقها وهؤلاء هم الأقلون عدداً الأكثرون مدداً وهم النمط الذين ينبغى علينا أن نحتذى بهم وأن نمشى على حالهم {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا}ما الجنود الذين أيَّد الله بهم حبيبه ومصطفاه؟ أيَّده الله بجنود فى الهجرة وقبل الهجرة وبعد الهجرة وفى كل وقت وحين وأبقى الله تأييدهم للعدول من أُمته والقائمين بنشر شريعته إلى يوم الدين جنود لا يستطيع أحد عدَّهم {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ}والمباح لنا منهم والذى نستطيع أن نشير إليه: جنود كونية وجنود ملكوتية وجنود قلبية وجنود إلهية ذاتية.
1- الجنود الكونية:
أما الجنود الكونية فقد جعل الله كل عوالم الأكوان عوناً ومدداً وجنداً وعتاداً وسلاحاً وقوة لسيد الأكوان وأصدر الله أمراً لهم فى صريح القرآن ولا يستطيعون جميعاً أن يتخلفوا عن طاعة الله طرفة عين ولا أقل فقال لهم{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ}لابد أن تكون كل الأكوان طوع أمره الأرض طوع أمره والشمس طوع أمره والقمر طوع أمره والبحار طوع أمره وكل من عليها وما تحتها وما فوقها طوع أمره وكل الحيوانات طوع أمره وكل طيور الأرض طوع أمره وكل حشرات الأرض طوع أمره وكل مخلوقات الأرض عدا الكافرين والمشركين والمُبعدين كانوا جميعاً طوع أمر سيد الأولين الآخرين لا يستطيعون أن يتخلفوا عن حضرته طرفة عين فقد أيَّده الله بالهواء وأيَّده الله بالضياء فالهواء أخذ صوته ولم يوصله إلى أسماع المحيطين ببيته عندما كانوا يتحدثون مع بعضهم ويقولون: إن محمداً يزعم أن من آمن به يكون له جنان كجنان العراق وبلاد الشام فخرج عليهم وقال لهم: نعم أنا أقول ذلك ولكن الهواء لم يُسمعهم هذا الصوت حتى لا يتبينوه ولا يعرفوه والضياء أخفى صورة حضرته فلم يروه ولم يتبينوه مع أنه مرَّ عليهم أجمعين ووضع على رأس كل رجل منهم حفنة من التراب لكنهم لم يروه ولم يسمعوه لأن الله أيَّده بهذه الجنود الكونية التى فى عالم الأكوان وأيَّده الله بذلك ليس حول بيته فقط فإن أهل مكة عندما جمعوا جموعهم ووضعوا خططهم حصروا الطرق التى توصل إلى مكة ويخرج الخارج منها فوجدوها اثنى عشر طريقاً فأوقفوا على كل طريق منها جماعة من الجند الأشداء أربعون حول المنزل ثم كتيبة على كل طريق من الطرق التى توصل إلى مكة لمن يريد أن يدخلها ويمشى فيها من يريد أن يخرج منها ومرَّ عليهم رسول الله ولم يروه ولم يعرفوه ولم يسمعوه واخترق كل هذه الحواجز لأنه يمشى بالله ومن يمشى بالله فإن الله يجعله معززاً ومؤيداً فى كل خطواته بأمر مولاه جل فى علاه وعند الجبل صعد رسول الله الجبلكما ذكرت إحدى الروايات فى الأثر وذهب لغار حراء فقال له: يا رسول الله لا أريد أن يصيبك مكروه على ظهرى فنزل وذهب إلى غار ثور فسمع الجبل وهو يقول: إلىَّ يا رسول الله إلىَّ يا رسول الله دعاه الجبل إليه وتولى حمايته بأمر من يقول للشئ كن فيكون وقيَّد الله له على ما تقول الروايات المذكورة فى السِيَّر جنداً من عالم الأرض حمامتين وعنكبوتاً ونباتاً أو كما يذكر بعض العارفين أن الذى تمثَّل فى ذلك كله كان الملائكة المقربون وقد تمثلوا بهذه الصور الظاهرة ليوهموا الكافرين ولم يوجد فى الحقيقة عند الغار نبات ولا عنكبوت ولا حمام ولا يمام وإنما هى ملائكة الله والملائكة أعطاها الله قوة التشكل فتشكلت على هذه الهيئات لتحمى وتُخفى رسول الله وهذه الرواية فى السيرة الحلبية وغيرها لمن أراد المتابعة وهيأ الله له الأرض وكانت طوع أمره فعندما أدركه سراقة يُصدر لها الأمر ويقول لها: خذيه فتنشق وتقبض على أقدام سراقة وأقدام فرسه فيتضرع إلى حضرته ويستغيث به فيُصدر الأمر للأرض ويقول لها: دعيه فتُخلى عنه وتتركه وتكرر هذا الأمر ثلاث مرات لنعلم علم اليقين أن الأرض كانت مسيرة ومذللة بأمر سيد الأولين والآخرين
2- جند الملكوت الأعلى:
أعطاه الله كل جند الأرض ليحفظوه ويحموه، ولكن الله لم يكتفى له بذلك بل أيده بالملكوت الأعلى جند السموات وأنتم تعلمون أنه قبل هجرته عندما رجع من الطائف وقد آذوه ووقف يدعو دعاءه المشهور يقول{فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي. فَقَالَ: إنَّ اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ. قَالَ: فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ. ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ! إنَّ اللّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ، وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ. فَمَا شِئْتَ؟ إنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ » فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ : «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللّهَ وَحْدَهُ، لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً»}[1]فالله كشف لنا الأستار عن مكنون الشفقة الإلهية الموجودة فى قلب هذه الحضرة الربانية لأنه يطمع أن يخرج من أصلابهم من يُوحد الله ذلك رغم أنهم آذوه وعارضوه وسفهوه وما تركوا شيئاً يصيبه بأذى إلا ونالوه، ومع ذلك لم يتغير نحوهم ولم ينقلب حاله ويريد بهم سوءاً أو شراً، ولم يضمر نحوهم إلا الخير وإلا البر لأن الله فطره على ذلك وأعدَّه لذلك وجعله أهلاً لذلك وأيده الله بنزول الملائكة فى غزوة بدر وغزوة أحد وكانوا معه فى كل الغزوات{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ}{إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ}مرة بألف ومرة بثلاثة آلاف من الملائكة ومرة تكون الملائكة لرفع الروح المعنوية ومرة يكونوا محاربين.
3- نزول السكينة:
ثم بيَّن الله فى الآيات القرآنية التأييدات الإلهية القلبية {ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ}والسكينة ما هى؟وأين تنزل؟السكينة خطاب تأمين من رب العالمين إذا وصل لقلب العبد يطمئن أن عناية الله معه ولا يخشى سوى الله أحداً فى قوة (نحن معك){إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا}فأبشروا لأن الله أدخلنا فى هذه المعية أين تنزل السكينة{هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ}خطاب ذاتى تأييد من الله وإعزاز من الله وضمان من الله ليعلم العبد علم اليقين أن الله لن يتخلى عنه بعنايته ونصرته طرفة عين ولا أقل ولذلك كان حبيبنا وقرة عيننا يقول{ أنا عبد الله ورسوله ولن يُضيعنى الله أبداً}لن يضيعه الله لأنه أخذ خطاب ضمان ممن يقول للشى كن فيكون بل إنه أعطاه الله إصدار خطابات الضمان لسواه فقد قال للإمام علىّ: توَسد فى مكانى هذا أى نَم فى مكانى قال: يا رسول الله إنهم إذا نظروا ولم يروك فى فراشك ودخلوا علىَّ قتلونى بضربة واحدة، فقال ما معناه كما فى السير: {لن يخلصوا إليك}خطاب ضمان من الحبيب{وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ}مادام حب رسول الله ساكن فى القلوب حب صادق للحبيب المحبوب فإن الله يكشف عن العبد كل ضر ويحفظه من كل عناء ومن كل لغوب ببركة حب الحبيب المحبوب والسكينة بالنسبة للمؤمنين تنزل فى قلوبهم إذا صلحت وأصبحت صالحة لتنزلات رب العالمين{هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ}لكن بالنسبة لرسول الله لأن ظاهره كباطنه وباطنه كظاهره ظاهره نور وباطنه نور{ نُّورٌ عَلَى نُورٍ}وأصبح كله كأنه قلب نورانى أنزل الله سكينته عليه كله {فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ}أنزل الله عليه سكينته وزاده الله فأنزل عليه طمأنينته والطمأنينة تنزل لمن؟للذاكرين بالقلوب وبالروح لرب العالمين{أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}وزاده الله فأنزل عليه أُنسه، آنسه بوجهه وآنسه بجماله وآنسه بكماله، ولذلك قال لصاحبه عندما قال له: يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا قال{يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللّهُ ثَالِثُهُمَا}[2]كان فى أُنس بمولاه لا يستطيع أحد من الأولين والآخرين وصفه لأنه أُنس حبيب الله بالله جل فى علاه يكفى فى وصفه قول الله لمن أراد أن يلمح ذلك بعين قلبه { ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ}كان فى الغار اثنان والخطاب فى اللغة العربية كان يقتضى أن يقول ثالث اثنين لكن الله قال{ ثَانِيَ اثْنَيْنِ}لأن الحبيب غاب فى مولاه وفنى بالكلية فى حضرة الله فأصبح غائباً عن نفسه موجوداً بمولاه جل فى علاه فلم يعد هناك مثنوية لفناءه بالكلية فى الحضرة الإلهية وأنزل الله عليه من جند لطفه ما لا يستطيع أحد من الأولين والآخرين ذكره أو عده يكفى أن تعلم فى هذا الميدان أن الله تجلى على قلبه بكل أسماءه وصفاته وكان كل وصف من أوصاف الله معيناً لحبيب الله ومصطفاه وعوناً له فى مواجهة أعداءه وأعداء الله جل فى علاه.
4- التأييدات الإلهية الذاتية :
وهناك تأييدات ذاتية وهى لأهل المشاهدات العيانية الذين يتلقون شفاهاً من رب البرية والتأييدات الذاتية أن الله كشف عنه الحجب وواجهه بجمالاته الوهبية آنسه بوجهه، والأُنس يجعل الإنسان يغيب عن الأكوان ولا يشعر بأحد إلا بحضرة الرحمن وجعله الله فى هذا المجال ليس له اعتماد ولا استناد ولا توكل إلا على من يقول للشئ كن فيكون: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}معك الله ومن اتبعك من المؤمنين{وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ} {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ}ومن كان الله مولاه هل يُرِد أحداً آخر؟{وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}فكان يشاهد تجليات الله ويعلم أن الله هو الذى يأويه وهو الذى يسانده وهو الذى يُعززه وهو الذى ينصره وهو الذى يقويه ولذلك كان فى عز دائم بحضرة الدائم{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}هذه التأييدات الإلهية التى ألمحنا إلى بعضها تفصيصها وتفصيلها يحتاج إلى أرواح فارقت الأشباح وعاينت الكريم الفتاح وتتلقى شفاهاً وجهاراً من يد المنعم الفتاح لكن ما أريد أن أقوله أن الله كل تأييد أيَّد به حبيبه فإن الله يؤيد به أحبابه الصادقين فى اتباعه إلى يوم الدين إذا كان الله أيَّد الحبيب بالأكوان فإن الله أيَّد أتباع الحبيب بنصرة كل ما فى الأكوان منهم من جعل الله له الماء لوح ثلج كبير يعبر عليه وجنوده كسيدنا العلاء بن الحضرمى عندما أرسله الحبيب إلى البحرين فاعترضهم البحر فوقف وقال لجنده قولوا خلفى: (يا علىّ يا عظيم يا حليم يا كريم) ولذلك قال بعض الصالحين أن ذلك اسم من أسماء الله العظمى الذى إذا دُعي به أجاب فقالوا: (يا علىّ يا عظيم يا حليم يا كريم) ونزلوا البحر، ومعهم جمالهم، والجمال لا تجيد السباحة، وكذلك هم لأنهم أهل صحراء، ولكنهم كما ذكرت الرواية – والراوى هو سيدنا أبو هريرة - يقول{لمّا بَعَثَ رسولُ الله العَلاءَ بنَ الحَضْرَمِيّ إلى البَحْرَيْنِ تَبِعْتُهُ فَرَأَيْتُ مِنْهُ ثَلاثَ خِصالٍ لا أَدْرِي أَيَّتُهُنَّ أَعْجَبُ. انتَهَيْنَا إلى سَاحِلِ البَحْرِ فَقَالَ: سَمُّوا اللَّهَ وتَقَحَّمُوا، فَسَمَّيْنَا وَتَقَحَّمْنَا، فَعَبَرْنَا، فَمَا بَلَّ الماءُ أَسَافِلَ أَخْفَافِ إِبِلِنَا، فَلَمَّا فَقُلْنَا صُرْنَا مَعَهُ بِفَلاةٍ مِنَ الأرْضِ وَلَيْسَ مَعَنَا مَاءٌ، فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ. فَقَالَ: صَلُّوا ركْعَتَيْنِ، ثُمَّ دَعَا فًّاذَا سَحَابَةٌ مِثْلَ التُّرْسِ، ثُمَّ أَرْخَتْ عَزَالِيْها فَسَقَيْنَا وَاسْتَقَيْنَا، فَمَاتَ فَدَفَنَّاهُ في الرَّمْلِ فَلَمَّا صِرْنا غَيْرَ بَعِيْدٍ قُلْنَا يَجِيءُ سَبْعٌ فَيٌّاكُلُهُ، فَرَجَعْنَا فَلَمْ نَرَهُ}[3]فعبروا اليمَّ ولم تبتل أخفاف إبلهم تجمد الماء وصار كأنه لوح ثلج، فلما رآهم سكان الجزيرة قالوا: ما هؤلاء إلا ملائكة أو جن ولا طاقة لنا بحرب الملائكة ولا الجن فاستسْلموا هذا تأييد من الله لأعوان الحبيب حتى نعرف أن ما يحدث لرسول الله يحدث لأتباعه الصادقين سيدنا سعد بن أبى وقاص لما أراد أن يحارب الفرس فى موقعة القادسية وكان بينه وبينهم نهر دجلة وقام الأعداء بقطع كل الجسور حتى لا يستطيع أن يعبر وكان الله ومازال على ما عليه كان يؤيد جنده بالرؤيا الصالحة، فرأى فى منامه أنه وجنده عبروا دجلة إلى صفوف الكافرين، فلما استيقظ فى الصباح عقد اجتماعاً عاجلاً لكبار القادة، وقال: جائتنى إشارة من رب العالمين بعبور النهر ولابد من العبور لأنهم كانوا أهل يقين قالوا له: كيف سنعبر؟قال: قولوا: (بسم الله توكلنا على الله حسبنا الله ونعم الوكيل) وألقوا بأنفسكم وخيولكم وجمالكم فى النهر فنزلوا النهر بخيولهم وجمالهم، وحملهم الماء، ومشوا يتحدثون مع بعضهم، وكلما تعب رجل منهم من السير ظهرت له جرثومة - أى جزيرة - من الأرض يقف عليها حتى يستريح ثم يستكمل المشى فلما عبروا دجلة ولم ينقص من أحدهم شئ إلا جندى فقدَ كوب الماء الذى يشرب به فى النهر، فتوجه إلى الله وقال: يارب لماذا حرمتنى من كوبى دون بقية إخوانى الجند؟وإذا بالنهر يموج –أى يحدث به موج- وتحمل الموجة كوبه وتقذف به إليه فيهبط فى حجره، فيقول لإخوانه فرحاً وهذا كوبى لم أفقده{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا}وبعث رسول الله رجلاً من عنده برسالة، وكان اسمه سفينة، فوجد الناس يهرعون فارين خائفين فى الطريق الذى سلكه فسألهم: مم تهربون؟ قالوا: الأسد هائج على الطريق وكأنه جائع ويريد أن يصطاد أى أحد ليأكله، قال: تعالوا خلفى ولا تخشوه، فذهب عنده وقال: إنى جند من جنود رسول الله أرسلنى برسالة فتنحى عن الطريق، فنظر إليه الأسد ثم هز ذيله ثم ابتعد عن الطريق ووسع له ومن معه اكراماً للرسالة التى يحملها من رسول الله وهذه القصة مشهورة ومروية بروايات عديدة فى كتب السيرة لمن أراد الإطلاع عليه وحتى فى العصر الحديث آلاف الإكرامات التى أكرم بها الله أحباب رسول الله إذا صدقوا فى اتباعه صلوات ربى وتسليماته عليه[4]{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}هذه الآية عامة أم محددة؟ عامة فى أى زمان ومكان إذا تحققت بها تصير من أهلها ويفتح الله عليك كما فتح على جميع رجالها حتى التأييدات الملكوتية يُنزلها الله لأهل حسن المتابعة لخير البرية وكم فى ذلك من روايات لا عد لها ولا حصر منها: أن رجلاً فى زمن رسول الله كان تاجراً وخرج فى تجارة من المدينة إلى الطائف وليس معه إلا الله معتمداً على مولاه، وفى الطريق تعرض له قاطع طريق وأخذه إلى واد ملئ برءوسٍ لقتلى كثيرين، وقال: اعطنى ما معك ومصيرك كهؤلاء قال: خذ ما معى ودعنى أذهب إلى أولادى قال: لابد قال: إذا كان ولابد فاتركنى حتى أصلى ركعتين لله قال: لك ذلك فأخذ الرجل فى الصلاة وهو عند الركوع سمع قائلاً يقول: دعه يا عدو الله فواصل الصلاة وعند السجود سمع الصوت مرة أخرى يقول: دعه يا عدو الله وفى التشهد الأخير سمع الصوت مرة ثالثة يقول: دعه يا عدو الله فأنهى صلاته وسلمَّ فوجد الرجل مقتولاً بجواره وبجواره رجل يلبس ملابس بيضاء ومعه السيف الذى قتله به وهو ملطخ بالدم، فقال له: من أنت؟ ومن الذى أرسلك إلىَّ؟قال: أنا مَلك من السماء الرابعة لما حدث لك ما رأيت واستغثت بالله نادى منادى الله: من يُغيث عبدى فلان بأرض كذا؟ قلت: أنا يارب فنزلت فهَمَّ الرجل بقتلك وأنت فى الصلاة، فقلت: دعه يا عدو الله، فهمَّ بقتلك مرة ثانية وأنا فى السماء الأولى، فقلت: دعه يا عدو الله، فهمَّ بقتلك مرة ثالثة وأنا على باب هذا الوادى، فقلت: دعه يا عدو الله، ثم قتلته إذن تأييد الله للمؤمنين كتأييده لسيد الأولين والآخرين بكل جند الأرض وكل جند السماء إن كان الهواء فى الرجل الذى قال: يا سارية الجبل أو الماء كما قلنا أو الأرض أو غيرها فى أكثر من موضع وتغص كتب السيرة المطهرة بمثل هذه الوقائع وكذلك يؤيدهم الله بنزول الملائكة لإغاثتهم وكذلك يُنزل الله فى قلوب المؤمنين السكينة والطمأنينة والحكمة واللطف حتى يعتقدوا ويعلموا علم اليقين أن عناية الله تحيط بهم من كل جهاتهم، فلا يخافون إلا الله، ولا يخشون إلا غضب الله جل فى علاه تبارك اسماؤه وتنوهت صفاته فالله أعدَّ لعباد المؤمنين فى الدنيا كل أدوات النصر والتمكين إن كانوا فى أنفسهم أو على غيرهم أو بين إخوانهم أو على أعداءهم لكن كل ما يطلبه الله منهم نظير ذلك هو قوله فى كتابه الكريم{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ}لم يطلب الله أكثر من الإيمان والعمل الصالح ليستخلفهم الله فى الأرض وليمكن لهم دينهم وليؤيدهم بكل ألوان التأييد التى أيَّد بها حبيبه ومصطفاه وإن أرادوا البشريات وأرادوا الكرامات وأرادوا عطاءات الأولياء والصالحين فنظير ذلك قوله{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ}الإيمان والتقوى فإذا آمنوا واتقوا فتكون كما قال لَهُمُ{لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ}نحن نتقى الله ونعمل الصالحات لكن المشكلة عندنا المداومة على ذلك فمعظمنا موسميون حيث نعمل فى رمضان عقداً مع الرحمن على تلاوة القرآن وصلاة القيام والصيام والذكر والتسبيح والطاعات ومدة العقد إما تسع وعشرون أو ثلاثون يوماً حسب الرؤيا وبعد رمضان نرجع إلى ما كنا عليه من قبل لكن الموضوع يحتاج إلى المداومة السيدة عائشة رضى الله عنها وأرضاها تقول عن الحبيب{كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً}[5]أى يدوام عليه والحبيب قال لنا{أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَىٰ الله تَعَالَىٰ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ}[6]فلا تُحَمل نفسك عملاً كثيراً لا تستطيع أن تقوم به إلا وقتاً قليلاً وفى هذه الحالة تكون قد أخطأت فى متابعة البشير النذير فإذا أردت أن تتابع رسول الله لابد أن تمشى على الميزان وهو المداومة هل هذا واضح ؟اعمل لك عملاً يناسبك المهم أن تديم عليه، لو كان هذا العمل حتى قليل لكن المهم المداومة عليه{ أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَىٰ الله تَعَالَىٰ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ }ولذلك كان يقول بعض الصالحين{صلِّ ولو ركعتين فى جوف الليل تُكتب فى ديوان القائمين}المهم أن تداوم عليها لكن تصلى فى رمضان التراويح بعد العشاء ثم تصلى بالليل صلاة التهجد ثم يوم العيد لا تصلى تراويح ولا تهجد ولا حتى ركعتين نفل حتى أنه ثبت صحياً من طب القلوب والأبدان معاً أن الإنسان إذا دام على عمل ثم تركه مرة واحدة يمرض الجسم، فلابد للإنسان أن يُعَود نفسه على المداومة فصلِّ ركعتين فى جوف الليل تكتب فى ديوان القائمين وتصدق ولو بقروش كل يوم تُكتب من المتصدقين المهم المداومة الذاكرين الله كثيراً والذاكرات هؤلاء فى أى وقت؟فى كل الأوقات لكن لهم ذكر داوموا عليه وترفع الملائكة لهم هذا العمل إلى حضرة الله والله يُقبل عليهم بهذا العمل الذى ينظر إليه ويطلع عليه ويراه لأنهم داوموا على هذه الحال لكن الصالحين يقولون لنا(دوام الحال من المحال) هذا لأهل النفوس علاج النفوس كيف؟ يحتاج من الإنسان أن يُرغم نفسه على دوام الطاعة لحضرة الرحمن فإذا داوم على هذا الحال سيكون من الرجال الذين يقول فيهم الله{رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ}واظبوا على العمل الذى يُرفع منهم إلى حضرة الله عز وجل! فى علاه فحتى يكون الإنسان فى رعاية الله على الدوام، ويتنزل الله بأحوال الصادقين والصالحين على التمام لابد من الدوام على الطاعات والقربات التى يرفعها ويتقرب بها إلى الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق