بناء المراقبة الإيمانية (الضمير)أخي المؤمن مهما شرع المشرعون، ومهما قلد المقلدون،
ومهما أصدر مجلس الشعب أو مجلس الشورى، أو غيرهم من لوائح وقوانين، فلن تنصلح أحوالنا إلا إذا ربّينا الضمير في نفوسنا، وفي نفوس آبنائنا وبناتنا، فهو العلاج الوحيد، ولا علاج سواه، ولن ينجينا من تخبطنا شرقًا وغربا
إلا الضمير، ولن يصلح أحوالنا إلا الضمير
ولن يصلح الضمير إلا الدين الذي جاءنا به اللطيف الخبير سبحانه.
وإلاَّ فبالله عليك خبرني أي قانون في دنيا الناس يجعل المرء يعترف بذنبه
على رؤوس الأشهاد؟.
فإننا نرى في زماننا من يرتكب الخطيئة، ويفعل الفاحشة، ويعمل المنكر،
وإذا وقع تحت طائلة العقوبة لجأ إلى التزوير وإلى الكذب، وأعانه شهود الزور وما أكثرهم! وساعده تلفيق المحامين، وما أكثر تلفيقهم!،
بل ربما لجأوا إلى رشوة القضاة ليأخذوا حقًا من مظلوم ويعطوه لظالم.
لكن في ذلك الزمن الفاضل فهذه امرأة لم تتخرج من جامعة، وليس معها دكتوراه، ولم تتعلم في طوكيو أو لندن أو واشنطن، ولكنها تربت على مائدة الإيمان، وكل ما اكتسبته من العلوم والمعارف إنما هو الإيمان القوي بالله عزوجل ، هذه المرأة تذهب إلى رسول الله صل الله عليه وسلم لأن هيئة الرقابة الداخلية دفعا إلى هذا العمل فوقفت أمامه ولم تخجل وقالت: يا رسول الله زَنَيْتُ!!
فكرَّر صل الله عليه وسلم القول قائلا: لعلك قبَّلت، لعلك فاخذت، لعلك ضاجعت وهي تصرُّ على قولها مؤكدة اعترافها: زنيت. فقال صل الله عليه وسلم : ما الذي دعاك إلى هذا الاعتراف؟!! قالت سمعتك تقول:
( من أقيم عليه الحد في الدنيا لم يعذبه الله عزوجل به يوم القيامة).
فهي تريد أن تطهر خوفًا من عذاب الله عزوجل يوم القيامة.
فأراد صل الله عليه وسلم ، أن يلتمس لها المعاذير، والنيابة المحمدية دائما في جانب المتهم تلتمس له مخرجًا، وتحاول أن تجد له عذرًا، لأنها لا تريد أن تعذِّب أحدًا، أو تحكم على أحد بغير حق، لقوله صل الله عليه وسلم :
(لأن يخطئ الإمام في العفو، خير من أن يخطئ في العقوبة).
أي لأن يخطئ فيحكم بالبراءة على مجرم، خير من أن يحكم بالعقوبة على برئ، فيكون إثماً كبير يوم لقاء العلي الكبير، فقال لها صل الله عليه وسلم:
هل بعقلك شئ؟ قالت: يا رسول الله إني حامل. فقال صل الله عليه وسلم : من الذي يتولى أمرها: قالوا عمها. قال ائتوني به. فلما جاء قال له: خذها وأكرمها ولا تهنها حتى تضع ما في بطنها، فلما أتمت الوضع جاءت وكرر عليها الاعتراف مرة أخرى فثبتت على اعترافها، فقال لوليها: خذها حتى تتم رضاع طفلها حولين كاملين، ثم ائتني بها، فجاءت بعد العامين وقرَّرها فأصرَّت على الاعتراف، فقال: حتى يكبر الطفل، فقالت: يا رسول الله إنه قد فطم ويأكل وحده. وأشارت إلى الطفل وبيده قطعة خبر يأكلها فقال صل الله عليه وسلم :
أقيموا عليها الحد وبينما القوم يرجمونها بالحجارة،
أصابت قطرة دم منها ثوب سيدنا خالد بن الوليد فسبَّها،
فغضب رسول الله صل الله عليه وسلم وقال:
(لقد تابت توبة، لو وزِّعت على أهل المدينة جميعًا لوسعتهم).
من الذي يبني هذه المراقبة الإيمانية في قلب ابني؟!!
لا المدرسة، ولا الدروس الخصوصية التعليمية!! وإنما الدروس الخصوصية الإيمانية التي نتعلمها من الجامعة القرآنية، ومن قناة التليفزيون الإيمانية؛
فهي التي تبني عند الأولاد مراقبة الله، وتجعلهم يراقبون الله عزوجل في السرِّ والعلانية، والجهر والخفاء، وهؤلاء حتى ولو كانوا فقراء فلا تخشى عليهم لقول الله عزوجل :( وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْفَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا ) { [9- النساء].أما الذي كافحت معه حتى تخرج من الجامعة وأصبح في منصب كبير،
ولم يحصل على شهادة مراقبة الرقيب عزوجل ، فإنه يتعرض للأهواء،
وقد يسير في طريق الفحشاء، أو تحتوشه شياطين الإنس،
فيكون مصيره جهنم، وهناك يتعلق بك، ويكون الأمر
كما قال صل الله عليه وسلم فيما رواه الطبراني:
(إذا كان يوم القيامة يتعلق بالرجل أهله وذويه ويقولون:
يا ربنا خذ لنا بحقنا من هذا، فيقول الله عزوجل :
وما ذاك؟ فيقولون كان يطعمنا من الحرام،ولم يعلمنا أحكام الإسلام).
فلو درَّبت أولادك يا أخي على مراقبة الله، وعلمتهم قيم الإيمان،
ونزعت بعنايتك، وأخرجت بحسن تربيتك، واقتلعت بحسن طريقتك في توجيههم ما في صدورهم من غلِّ وحقد لبعضهم أو لجيرانهم، أو لأقاربهم وأحبابهم، فأطمأن كل الاطمئنان أنهم سيعاملون بقرار الحنان المنان:
( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً - في الدنيا - وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ - في الآخرة)
[97- النحل]. وتدخل أنت في قوله صل الله عليه وسلم :(إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية،فإذا ربيتهم على تعاليم الرحمن، وأجلستهم على مائدة القرآن، وحببتهم في الصفات والخصال التي أثنى على أهلها القرآن، وبغَّضت إليهم الأخلاق والأفعال التي حذَّر منها القرآن، ونفَّر منها النبي العدنان، فسيأتون في ميزان حسناتك يوم لقاء حضرة الديان فيكون عملهم شافع لك، ويكون لك مثل أجرهم جميعًا، لأنك السبب في هذه الأعمال، والأصل في غرس هذه الخصال والفعال، فقد كان منك هذه العناية، وبك نالوا تلك الرعاية، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له).جهاد النفسلن يستطيع شبابنا مقاومة التيارات الإلحادية المعاصرة، أو مواجهة أتون الشهوات المستعرة، أو الوقوف أمام تيارات المادة الجارفة، إلا بجهاد النفس على وفق الشريعة المطهرة، وغرس مُثلها وقيمها في قلوبهم، لتكون هي الحصن الذي يتحطم عليه كل التيارات الوافدة. فإن الانتصار في ميدان القتال في زمننا صار سهلاً لأنه يتم بواسطة المدافع والدبابات والطائرات وغيرها من وسائل الدمار، لكن التغلب على نزعات النفس وحظوظها وأهوائها ورغباتها هو الذي يحتاج إلى الجهاد الأعظم جهاد النفس.
فنحن لا نحتاج لإصلاح أحوال مجتمعنا لتغيير اللوائح والقوانين، بقدر حاجتنا الماسة إلى تغيير ما بالنفوس لقول الله عزوجل فى[11- الرعد].:فالذي بالنفس ويجعلها ترضخ للمغريات، وتُقبل على الشهوات، وتنسلخ من مبادئها، هو الطمع والشح، والحرص والشَّره، والغفلة والحقد، والحسد والغل، وغيرها من الصفات الذميمة ولا تتغير النفس من نفس أمّارة أو خبيثة إلى نفس لوامة أو مطمئنة إلا بالتخلي عن هذه الصفات، واقتلاع هذه الآفات مصداقًا لقول الله عزوجل فى [47- الحجر]. :} إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ {فكل صفات النفس التي تحجبها عن الأنوار، وتُقعدها عن متابعة النبي المختار، وتجعلها تخلد إلى دار البوار، يجب على شبابنا التنبه إلى أخطارها، والعمل على اقتلاعها من جذورها، فالنفس كما قال الإمام أبو العزائم رضى الله عنه في شأنها: هي النفس للداني تحنُ وترغب وللعاجل الفاني تميل وتطلب( وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ)
هذه النفس كيف نعالجها؟ وكيف نقضي على شرورها ونزغاتها؟
أباللوائح والقوانين؟ أم بالدبابات والمدافع؟ لا هذا ولا ذاك.
أنستطيع أن نُقَوِّمَهَا بالعلم الحديث؟ كلاَّ!!! فإن أوربا جعلت العلم المادي إلهاً يعبدونه من دون الله، ويدَّعون أنه يهيمن على كل شئ، فإذا سألناهم: ما رأي العلم الحديث في تعاطي الخمر؟قالوا: يحرمها ويجرمها - لأسباب كثيرة يضيق حيّز هذه الصفحات عن ذكرها - فلماذا تشربوها رغم كشف العلم عن مضارها؟! وهذا أيضًا رأي العلم في الزنا وغيرها من منكرات الطباع والأخلاق، ولكن العلم وحده ليس عنده القوة التي تدفعني إلى هذه المجاهدات وتلكالمكابدات، .... لكن الذي يدفعني لها نور القرآن، وهدي النبي العدنان، وصلابة الإيمان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق