ونحن في أيام ذكرى ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم نرجع إلى صفحات التاريخ ألف وأربعمائة عام وننظر إلى المجتمع الذي فتَّتت أعضائه الأحقاد والأحساد والنّزاعات والشقاق والخلافات وسيطر على أهله الأثرة والأنانية وحب الذات ، كيف تغيّر هذا المجتمع في لحظة واحدة إلى درجة أن الله مدح أهله فقال: {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} الحشر9
كيف تغيَّروا مع أن بين الأمرين بون بعيد؟ كيف تحول الرجل شديد الأنانية والاعتزاز بنفسه والحرص على ذاته إلى رجل يتنكر لنفسه ويُظهر الخير على يدي إخوانه ويؤثرهم ويفضلهم في البر والمعروف على نفسه؟ بدواء بسيط عالجهم به النبي الرءوف الرحيم صلوات الله وسلامه عليه ، وما أحوج مجتمعنا في هذا العصر وقد عادت الكرَّة فصارت الناس تُمزِّق روابط المحبة التي يجب أن تكون بينهم الأحقاد والنزاعات والتنافس في حطام الدنيا الفاني وحب الرياسة والزعامات والشقاق والخلافات .هكذا صارت الناس ، بل إن هذا التأثير وصل إلى مداه في أجسامهم فتجد الناس قد كثرت أمراض أجسامهم ، لما أصاب قلوبهم مما ذكرناه وليس بسبب أوبئة أو ميكروبات أو جراثيم وإنما مما تعانيه القلوب من بغضاء وكراهية ومن حب الأثرة والأنانية ، يكيدون لبعضهم فإذا لم يُفْلِح الكيد حزن وإذا اشتد الحزن مرض ، فيحسد أخاه على رزق أعطاه له الله ويودّ أن تزول هذه النعمة عن أخيه فإذا أبقاها الله اشتد وجعه وكثر حزنه حتى يتغير طبعه وتتوتر نفسه ويُصاب بالهلع والجزع قلبه كل هذا نراه في مجتمعنا أمراضاً بين الناس وبعضهم ، وأمراضاً في أجساد الناس بسبب تغير القلوب نحو إخوانهم وذوي رحمهم وأقاربهم ومعارفهم وأصدقائهم وزملائهم في الأعمال وفي التجارات ما العلاج؟ أيوجد في الصيدليات علاج لهذه الأمراض؟ أبداً ، هل يوجد فيلسوف أو حكيم ظهر أو لم يظهر يستطيع أن يعالج هذه الأمراض؟ كلا وألف كلا ، لكن الذي عالج هذه الأمراض في طرفة عين هو الذي قال الله في شأنه : {وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} آل عمران103 أي تهتدون إلى هذا الحل إذاً حلّ هذا الأمر في يد من؟ في يد شرع الله وفي أحكام دين الله وفي بنود كتاب الله الذي نزل به رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي قال في شأنه صلى الله عليه وسلم: {هُوَ الَّذِي مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ وَمَنِ ابُتَغَى الهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ ، هُوَ حَبْلُ اللَّهِ المَتِينُ وَهُوَ الذِّكْرُ الحَكِيمُ وَهُوَ الصِّرَاطُ المُسْتَقِيمُ ، هُوَ الَّذِي مَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ وَمَنْ دَعَا إِليْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}{1} فكتاب الله ودين الله وشرع الله هو العلاج لهذه الأدواء ، نريد دواءاً واحداً من كتاب الله لننظر كيف عالج به رسول الله صلى الله عليه وسلم صدور أصحابه؟ هذا الدواء اسمعوه وعوه: {والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} - ما لهؤلاء؟ - {أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} 4، 5البقرة إذاً الهداية والفلاح بأمرين اثنين: الإيمان اليقيني بما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم والإيمان اليقيني هوالإيمان الذي يصدِّق به القلب قبل العقل ، فإذا صدَّق القلب لا يعترض على أمر قضاه الله ولا يُنازع في حُكْم حَكم به كتاب الله بل يسلِّم لأمر الله وينفِّذ ما جاء في كتاب الله لأنه يعلم علم اليقين أن ذلك فيه له في الدنيا النجاح، وفي الآخرة السعادة يوم لقاء الله وعلى هذا كان أصحابه صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم فقد أيقنوا أن أمرهم كلهم في الدنيا ضرب الله له مثلاً لأجسامهم وأبدانهم مَنْ منَّا يملك أو يستطيع أن يغير ملامح وجهه أو طوله أو وزنه؟ أو يغير مدارك العقل ليسموا بالذاكرة إلى مستوى غير ما أوجده عليها الله؟ أو يزيد في أعضائه عضواً عن الآخرين؟ أو يظهر بميزة في جسمه تخالف الناس أجمعين؟ بل مَنْ منَّا اختار لنفسه الزمان والمكان الذي أنشأ ووُجد فيه؟ ومَنْ منَّا اختار قبيلته التي جاء منها؟ ووالديه اللذان كانا سبباً في وجوده؟ وكذلك مَنْ منَّا يختار الساعة التي يخرج من الدنيا فيها؟ لا أحد ، ومَنْ منَّا يستطيع أن يقدِّر لنفسه ماذا يحدث له في غده، ويحدث كما يريد؟ {1} رواه الترمذي عن الإمام عليّ رضي الله عنه وكرَّم الله وجهه | ||
Islam is religion of peace
الخميس، 8 يناير 2015
الحب عو العلاج الشافى للأمراض
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق