كان الصالحون فى كل زمان ومكان لهم فى بداية العام الهجرى وقفة صادقة لتصحيح مراد النفس ونواياها وطواياها لتستعيد مكانتها عند مولاها وخالقها وبارئها عز وجل ، فيسارعون إلى تخليص القلوب – وهى موضع الطوايا والنوايا – من كل شائبة تشوب الأعمال والأحوال والأقوال عند صدورها لأنهم يراعون علام الغيوب عز وجل ، حتى يَصلون إلى المقام العلى الذى يقول فيه الله {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} التوبة105
أى يجب أن تعمل وتعلم علم اليقين أن العمل الذى تعمله أو ستعمله فيما يستجد من أيامك ويُستقبل من عمرك سيراه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون بهذه الكيفية ، أى اجعل الله أول قصدك ، والتأسى بالحَبيب صلى الله عليه وسلم غاية مرادك ، والخلق إن كنت تريد أن يتأسوا بك ويقتدوا بك فهى فى المرتبة الدنيا من نواياك وطواياك وأحوالك ، تصيب القصد وتحقق المراد
لأن هذا هو المنهج الذى وضعه الله للسابقين والمقربين فى كل زمان ومكان ، إذا غيَّر المرء هذا النسق وجعل غايته العظمى الخلق ، وادَّعى بعد ذلك أنه يريد بعمله الحق ، فإنه يغش نفسه: {مَنْ غَشَّنا فَلَيسَ مِنَّا}{1}
فأول العام الهجرى وقفة مع النفس ، راجع نفسك وراجع أعمالك التى عملتها فى العام المنصرم وضع لنفسك قاعدة تنال بها رضاء الله فيما يُستقبل من الأيام ، واعلم علم اليقين أن الخلق أجمعين لو اجتمعوا على أن يُثيبوك على عمل ولو تسبيحة واحدة لله ما استطاعوا أجمعين
واعلم أن الخلق أجمعين لو التفوا حولك وأحاطوا بك ما استطاعوا أن يُقربوك قدر أنملة لرضاء رب العالمين ، فاقصد الله وعامل الله بإخلاص وصدق ويقين ، بمثل ذلك يجدد الإنسان أحواله، بتجديد نواياه لله
ولذلك كان بعض الصالحين لا يخرج من بيته متوجهاً إلى أى عمل حتى يُحقق نواياه ، ويقول فى ذلك: {إنى لا أخرج من بيتى إلا إذا استجمعت سبعين نية كلها لله} ، وسبق الصالحين ليس بالكم ولكن بهذه النوايا ، على سبيل المثال: لماذا جئت إلى هذا اللقاء الديني؟ جئت لطلب العلم وطالب العلم فى سبيل الله حتى يرجع ، هذه نية ، جئت للتوادد فى الله والزيارة للإخوان الصادقين فى الله وفيها يقول: {مَن عَادَ مَرِيضاً أَوْ زَارَ أَخاً لَهُ في الله نَادَاهُ مُنَادٍ أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الْجَنَّةِ مَنْزِلاً}{2}
جئت لأقف على نفسى أعرف ما لها وما عليها ، ومحاسبة النفس أساس وضعه النبى الكريم لأصحابه وأحبابه المباركين إلى يوم الدين ، أن المرء يكون له وقت يحاسب فيه نفسه فى كل يوم وليلة على ما قدَّم وعلى ما فعل فإن وجد خيراً حمد الله على ذلك وإن وجد غير ذلك تاب واستغفر الله من ذلك ، فيدخل فى قول الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} التوبة119
جئت لأُطهر قلبى وأدخل فى قول رب العالمين فى جماعة الحاضرين: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} الحجر47
نوايا لو أخذنا فى استجماعها ما استطعنا تعدادها ولا سردها لأن النوايا التى تجيش فى قلوب الصالحين لا يستطيع أحد أبداً عدَّها ، لكن الرجل الصالح يعيش فيها ويحيا بها
ولذلك قال رجل من تلاميذ محى الدين بن عربى رضي الله عنه: يا سيدى إن القوم يسئلون عن الطريق وعلومه وأذواقه ومشاربه وفتوحاته ، فبِمَ أقول لهم، فقال رضي الله عنه: قل لهم من لم يذق طعم العسل هل يستطيع وصفه؟ فسيقولون: لا، فقل لهم: كيف يستطيع وصفه؟ فسيقولون: إذا ذاقه ، قال فقل لهم: إن الطريق وفتحه لا يستطيع الحديث عنه ولا وصفه إلا من ذاقه فهو كالعسل
ليس علماً نظرياً ، وليس سرد برهان يحتاج إلى أدلة وبراهين ، ولكنه علم ذوقى يقول فيه الله {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} الإسراء36
فأثبت الله أن أدوات تحصيل العلم ثلاث ، السمع من الغير والبصر فى الكتب أو فى الآفاق ثم الفؤاد وهو يتلقى من المَلك الخلاق عز وجل ، فأثبت للفؤاد أنه وسيلة من الوسائل التى يُحصل بها العلم ويُحصل بها الفهم ويُحصل بها الذوق ويُحصل بها الشهود
ولكن ذلك لأهله الذين خاضوا غماره ، ومشوا على منوال الحبيب فى عطاءه ، فأعطاهم الله الجنى الدانى الوارف لأهله ، لأنه طعام لا يناله بالذوق إلا من صفا ذاته ومشى على منهج أهله فى عطاءه ونواله
[/COLOR]
أى يجب أن تعمل وتعلم علم اليقين أن العمل الذى تعمله أو ستعمله فيما يستجد من أيامك ويُستقبل من عمرك سيراه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون بهذه الكيفية ، أى اجعل الله أول قصدك ، والتأسى بالحَبيب صلى الله عليه وسلم غاية مرادك ، والخلق إن كنت تريد أن يتأسوا بك ويقتدوا بك فهى فى المرتبة الدنيا من نواياك وطواياك وأحوالك ، تصيب القصد وتحقق المراد
لأن هذا هو المنهج الذى وضعه الله للسابقين والمقربين فى كل زمان ومكان ، إذا غيَّر المرء هذا النسق وجعل غايته العظمى الخلق ، وادَّعى بعد ذلك أنه يريد بعمله الحق ، فإنه يغش نفسه: {مَنْ غَشَّنا فَلَيسَ مِنَّا}{1}
فأول العام الهجرى وقفة مع النفس ، راجع نفسك وراجع أعمالك التى عملتها فى العام المنصرم وضع لنفسك قاعدة تنال بها رضاء الله فيما يُستقبل من الأيام ، واعلم علم اليقين أن الخلق أجمعين لو اجتمعوا على أن يُثيبوك على عمل ولو تسبيحة واحدة لله ما استطاعوا أجمعين
واعلم أن الخلق أجمعين لو التفوا حولك وأحاطوا بك ما استطاعوا أن يُقربوك قدر أنملة لرضاء رب العالمين ، فاقصد الله وعامل الله بإخلاص وصدق ويقين ، بمثل ذلك يجدد الإنسان أحواله، بتجديد نواياه لله
ولذلك كان بعض الصالحين لا يخرج من بيته متوجهاً إلى أى عمل حتى يُحقق نواياه ، ويقول فى ذلك: {إنى لا أخرج من بيتى إلا إذا استجمعت سبعين نية كلها لله} ، وسبق الصالحين ليس بالكم ولكن بهذه النوايا ، على سبيل المثال: لماذا جئت إلى هذا اللقاء الديني؟ جئت لطلب العلم وطالب العلم فى سبيل الله حتى يرجع ، هذه نية ، جئت للتوادد فى الله والزيارة للإخوان الصادقين فى الله وفيها يقول: {مَن عَادَ مَرِيضاً أَوْ زَارَ أَخاً لَهُ في الله نَادَاهُ مُنَادٍ أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الْجَنَّةِ مَنْزِلاً}{2}
جئت لأقف على نفسى أعرف ما لها وما عليها ، ومحاسبة النفس أساس وضعه النبى الكريم لأصحابه وأحبابه المباركين إلى يوم الدين ، أن المرء يكون له وقت يحاسب فيه نفسه فى كل يوم وليلة على ما قدَّم وعلى ما فعل فإن وجد خيراً حمد الله على ذلك وإن وجد غير ذلك تاب واستغفر الله من ذلك ، فيدخل فى قول الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} التوبة119
جئت لأُطهر قلبى وأدخل فى قول رب العالمين فى جماعة الحاضرين: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} الحجر47
نوايا لو أخذنا فى استجماعها ما استطعنا تعدادها ولا سردها لأن النوايا التى تجيش فى قلوب الصالحين لا يستطيع أحد أبداً عدَّها ، لكن الرجل الصالح يعيش فيها ويحيا بها
ولذلك قال رجل من تلاميذ محى الدين بن عربى رضي الله عنه: يا سيدى إن القوم يسئلون عن الطريق وعلومه وأذواقه ومشاربه وفتوحاته ، فبِمَ أقول لهم، فقال رضي الله عنه: قل لهم من لم يذق طعم العسل هل يستطيع وصفه؟ فسيقولون: لا، فقل لهم: كيف يستطيع وصفه؟ فسيقولون: إذا ذاقه ، قال فقل لهم: إن الطريق وفتحه لا يستطيع الحديث عنه ولا وصفه إلا من ذاقه فهو كالعسل
ليس علماً نظرياً ، وليس سرد برهان يحتاج إلى أدلة وبراهين ، ولكنه علم ذوقى يقول فيه الله {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} الإسراء36
فأثبت الله أن أدوات تحصيل العلم ثلاث ، السمع من الغير والبصر فى الكتب أو فى الآفاق ثم الفؤاد وهو يتلقى من المَلك الخلاق عز وجل ، فأثبت للفؤاد أنه وسيلة من الوسائل التى يُحصل بها العلم ويُحصل بها الفهم ويُحصل بها الذوق ويُحصل بها الشهود
ولكن ذلك لأهله الذين خاضوا غماره ، ومشوا على منوال الحبيب فى عطاءه ، فأعطاهم الله الجنى الدانى الوارف لأهله ، لأنه طعام لا يناله بالذوق إلا من صفا ذاته ومشى على منهج أهله فى عطاءه ونواله
[/COLOR]
{1} صحيح ابن حبان عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهم
{2} سنن الترمذى عن أبى هريرة رضى الله عنهما
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق