Disqus for ومضات إيمانية

الأربعاء، 26 نوفمبر 2014

خلق المؤمن


المؤمنالمؤمن

ما بيننا وبين أن نكون من الذين ينصرهم الله ويؤيدهم الله فى كل أحوالهم ويرعاهم الله فى كل شئونهم ويستجيب لهم كل دعاءهم ويحقق لهم كل آمالهم إلا أن نهاجر الهجرة التى بينها لنا سيدنا رسول الله فى حديثه الكريم
فعندما دخل مكة فاتحاً صلوات ربى وتسليماته عليه أعلن وقف الهجرة المكانية ، أى من مكة أو من أى موضع بالجزيرة العربية إلى المدينة المنورة وفتح باب الهجرة المعنوية إلى يوم الدين ، فقال صلوات ربى وتسليماته عليه: {لا هِجرةَ بعدَ الفتحِ، ولكنْ جِهادٌ ونيَّة}{1}
وقال صلى الله عليه وسلم: {وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ}{2}
فالمهاجر منذ فتح مكة إلى يوم الدين هو الذى يهجر المعاصى والفتن ما ظهر منها وما بطن هو الذى يهجر قالة السوء ، كل القول الذى نهى عنه الحَبيب صلى الله عليه وسلم ، قول الزور والكذب والفجور وكل ما يؤذى المسلمين ويُشوش على المؤمنين والذى أشار إليه صلى الله عليه وسلم فى قوله: {المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسانِهِ وَيَدهِ}{3}
ما الذى يؤذى الإنسان المسلم من لسان أخيه؟ وضح ذلك فى الحديث الآخر صلوات ربى وتسليماته عليه فقال: {لَيْسَ المُؤْمِنُ بالطَّعَّانِ ولاَ اللَّعَّانِ ولا الفَاحِشِ ولا البَذِيِّ}{4}
لا يسب أحداً من خلق الله ، فضلاً عن الإنسان الذى كرمه الل ولا يلعن شيئاً من الخيرات والبركات التى سخرها له الله ولا يصدر من لسانه أى كلمة فاحشة جافية أو نابية أو لاغية تؤذى الآخرين وتضره وتُسَود صحائفه التى يلقى بها رب العالمين
ولا يصدر من لسانه الكلام البذئ الذى تستوحش منه الآذان والذى تفر منه الأبدان ، وإنما يهاجر المسلم دوماً فى كل أقواله إلى قول الرحمن عز وجل: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ} الحج24
لا يخرج منه إلا الكلام الطيب الذى يُطيب النفوس والذى يشرح الصدور والذى يؤلف القلوب والذى ينزع الإحن من الصدور والذى يجعل بنى الإنسان الحياة بينهم ألفة ومودة وصفاء وسرور وحبور ، إن معظم مشاكل الناس فى زماننا وفى كل زمان من اللسان فلو ملَك الإنسان لسانه فإن الناس جميعاً يحبونه ولا شك
فهذه صفة المؤمن ، فالمؤمن الحق هو الذى مَلَك لسانه لا يصدر منه غيبة ولا نميمة ولا سب ولا شتم ولا وقيعة بأى صورة من الصور لأى رجل من المسلمين ، ولذلك يقول الإمام علىّ رضي الله عنه عندما سُئل وقيل له: يا إمام مَن هم أولياء الله الذين يحبهم الله عز وجل؟ فقال رضي الله عنه: {هم الذين أنفسهم عفيفة وحاجاتهم خفيفة ، الناس منهم فى راحة ، وأنفسهم منهم فى عناء}

إذا سَلم الإنسان من لسانه ، فبَشِّره بأن الله قد اختاره واجتباه وجعله حَبيباً مقرباً لحضرة الله جل فى علاه
هذا الإمام البخارى رضي الله عنه حضرته سكرات الموت، وجلس حوله طلابه يبكون على فراقه ، فقال لهم: لِمَ تبكون وها أنا ذا تُطوى صحيفتى ولم يُكتب لى فيها طوال حياتى غيبة واحدة ولا كذبة واحدة ، صحيفته طول حياته لم يُكتب فيها غيبة لمسلم ولا كذبة على مسلم مع أنه كان عالماً فى علوم الحديث ، فكان يتداول سيرة الرواه ، فلان عن فلان، ويتحرى عن كل راوٍ ليتأكد من صدقه فى أقواله وأفعاله و أحواله

فقد ذهب فى إحدى رحلاته إلى حضرموت الآن ليسمع حديثاً بلغه أن هناك رجلاً يرويه وعندما وصل سأل عن الرجل فأشاروا إليه ، فوجد الرجل يجرى حول جمل له فرَّ منه مسرعاً وأمسك الرجل حجره ليوهم الجمل أن حجره فيه طعام ، فلما تبين خلو حجره ، قال: تخدع هذه البهيمة ، لا أسمع منك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومع ذلك لم يُروى عنه فى حياته كذبة واحدة ولا غيبة واحدة ، أين نحن من هؤلاء؟ إذا أردنا أن ينصرنا الله كما نصرهم وأن يُعزنا كما أعزهم وأن يكرمنا كما أكرمهم فعلينا أن نقتدى بهديهم وأن نتبع أفعالهم وأن نكون كما كانوا: {صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} الأحزاب23
فنهجر المعاصى والفتن بالكلية ونُقبل بصدق وإخلاص على رب البرية


{1} صحيح البخارى عن ابن عباس {2} صحيح البخارى عن عبد الله بن عمرو {3} صحيح البخارى عن عبد الله بن عمرو
{4} سنن الترمذى عن عبد الله بن مسعود 
المؤمنالمؤمن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق