Disqus for ومضات إيمانية

الأحد، 30 نوفمبر 2014

الأشفية القرآمية


إخوانى المؤمنين يا من أغناكم الله بهذا الدين ووضع لكم وبين أيديكم كنوز الغنى التي بها لا تحتاجون للأولين ولا للآخرين ، فما من شئ يصيبكم في أنفسكم أو في مجتمعكم أو في بيوتكم أو في أزواجكم أو في أولادكم أو في أرزاقكم أو شئ من أحوالكم إلا وتجدون الشفاء التام فيه جاهزاً إما في كتاب الله وإما في سنة سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم
وإني لأعجب كيف يتيه عبد عن علاج نفسه؟ أو كيف يتعب في علاج زوجه؟ أو كيف ييأس من إصلاح ولده؟ أو كيف يبحث عن سبيل لإصلاح مجتمعه؟ وبين يديه كتاب الله يقلبه ، وبين يديه سنة سيدناومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم يستوضحها وهو القائل صلى الله عليه وسلم:{أَيُّها النَّاسُ إنِّي تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ الله وسنتي}{1}
إذاً من ضل ومن ذل ومن هوى ومن بعد ومن تعب فإنما هو لأنه لم يتمسك بما أمره به صلى الله عليه وسلم
ونحن في العام الهجري المنصرم ونستعد لاستقبال العام الهجري الجديد ، هل من جديد يصلح حالنا؟ أو هل من جديد يغير شأننا؟ هل من جديد يحول أحوالنا إلى أحوال ترضي ربنا؟ تعالوا جميعاً نفتح كنز الهجرة ونأخذ منه العبرة فإن هجرة سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها العبرة لمن اعتبر وفيها الحل لكل مشكلات البشر
فمثلاً وهو مثالٌ واحدٌ نسوقه كي لا نشق عليكم ، ما نعاني منه الآن من مشكلات اقتصادية ونفسية واجتماعية استشرت حتى وصلت إلينا جميعاً فلم ينجو منها أحد لأننا نحتاج إلى بعضنا في أمور الحياة ، فمنا من يشكو من ماله ومنا من يشكو من رفيق في العمل ومنا من يشكو من التجار ومنا من يشكو من الزراع ومنا من يشكو من المرءوسين ومنا من يشكو من الحكام والمديرين ومنا من يشكو من أحوال المجتمع بالمرة ، نشكو من ماذا؟
أصبحنا وكل واحد منا مشغولٌ بنفسه لا يفعل إلا عن نفسه ولا يريد أن يجلب الخير إلا لنفسه ولا يريد أن يدفع المكروه إلا عن نفسه ونسى جاره ونسى أخاه بل ربما أحياناً ينسى أباه وأمه حتى يضطرهما أن يرفعا ضده شكاوي في المحاكم لأنه لا يهتم بأمرهما ولا يحس بمشاعرهما ولا يشاركهما في مشاكلهما
فالتاجر لا يهتم إلا بالكسب السريع سواء احتكر على المسلمين أو رفع السعر وغالى فيه على المؤمنين أو غشهم في بيعه أو في وزنه أو سلعته وصنفها ونوعها أو في الجودة لا يهتم بذلك لأن همه كله هو المكسب السريع ولا شأن له بذلك ، والموظف يريد أن يتسلق على أكتاف رفاقه وإخوانه تارة بالكيد لهم وأخرى بالتجسس على أحوالهم وثانية بالقيل والقال لرؤسائه ومديريه ليغير قلوبهم على إخوانهم ليأخذ مكانهم الذي جُعل لهم ولا يهتم إلا بنفسه
وهكذا هل لهذا الشأن من علاج فيما نحن فيه من أحكام وقوانين؟ لا والله ، فلو سنت الدولة ألف قانون وقانون فإنهم يتعلمون كيف يتهربون منها؟ وكيف يجدون المخرج فيها؟ لأن الغالب عليهم هو حب الذات والأثرة والأنانية التي أمتلأت بها النفوس وأصبحت تعيش وكأنها في يوم الفيامة والكل يقول نفسي نفسي لا أريد غيرها ما العلاج؟
لا يوجد علاج إلا إذا نظرنا إلى كنز الهجرة ونظرنا إلى ما فيه من علاج هؤلاء القوم تركوا دورهم وأموالهم وأهليهم وزراعاتهم وتجاراتهم وهاجروا ولا يجدون حتى الكفاف بل لا يجد الواحد منهم ما يستر عورته أو ما يلبسه في قدمه وذهبوا إلى الأنصار بالمدينة فأفاء الله عليهم الخير ووجدوا عندهم الحدائق الغناء وعندهم التجارة وعندهم الزراعة ماذا فعلوا؟ وماذا صنعوا؟
إن هذا ما يخبرنا عنه الله وهو العلاج الأوحد لمجتمعنا يا أحباب الله ورسوله: {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} الحشر9
هذا هو العلاج ، العلاج أننا نصلح القلوب فنطهرها من الذنوب ومن الأثرة ومن الأنانية ومن حب الذات ومن الغل والحقد ومن الحرص على الدنيا الفانية ونملأها إيماناً بالله ونملأها ثقة في وعد الله حتى تكون بما في يد الله أوثق منها بما في يد أنفسها ونملأها يقيناً أن ما قدر لها يكون وأن الرزق لا يسوقه حرص الحريص ولا يناله طالب إلا بما كتب له الواحد ولن ينال بسعيه وحرصه وكده وطلبه ما يناله غيره إلا ما قدره وكتبه له ربه
نملأها يقيناً بأن الآخرة خير وأبقى فيؤثرون الآخرة على الحياة الدنيا ويقبلوا على أعمال الآخرة وأحوال الآخرة وأن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ويفرح إذا رأى الخير عند إخوانه ويسر إذا رأى السرور والطرب عند جيرانه ويحزن لحزن إخوانه ويتألم لآلام جيرانه

{1} رواه ألإمام مالك في الموطأ عن أنس، ورواه الترمذي والطبراني في الفتح الكبير عن زيد بن أرقم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق