إخوانى المؤمنين يا من أغناكم الله بهذا الدين ووضع لكم وبين أيديكم كنوز الغنى التي بها لا تحتاجون للأولين ولا للآخرين ، فما من شئ يصيبكم في أنفسكم أو في مجتمعكم أو في بيوتكم أو في أزواجكم أو في أولادكم أو في أرزاقكم أو شئ من أحوالكم إلا وتجدون الشفاء التام فيه جاهزاً إما في كتاب الله وإما في سنة سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم
وإني لأعجب كيف يتيه عبد عن علاج نفسه؟ أو كيف يتعب في علاج زوجه؟ أو كيف ييأس من إصلاح ولده؟ أو كيف يبحث عن سبيل لإصلاح مجتمعه؟ وبين يديه كتاب الله يقلبه ، وبين يديه سنة سيدناومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم يستوضحها وهو القائل صلى الله عليه وسلم:{أَيُّها النَّاسُ إنِّي تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ الله وسنتي}{1} إذاً من ضل ومن ذل ومن هوى ومن بعد ومن تعب فإنما هو لأنه لم يتمسك بما أمره به صلى الله عليه وسلم ونحن في العام الهجري المنصرم ونستعد لاستقبال العام الهجري الجديد ، هل من جديد يصلح حالنا؟ أو هل من جديد يغير شأننا؟ هل من جديد يحول أحوالنا إلى أحوال ترضي ربنا؟ تعالوا جميعاً نفتح كنز الهجرة ونأخذ منه العبرة فإن هجرة سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها العبرة لمن اعتبر وفيها الحل لكل مشكلات البشر فمثلاً وهو مثالٌ واحدٌ نسوقه كي لا نشق عليكم ، ما نعاني منه الآن من مشكلات اقتصادية ونفسية واجتماعية استشرت حتى وصلت إلينا جميعاً فلم ينجو منها أحد لأننا نحتاج إلى بعضنا في أمور الحياة ، فمنا من يشكو من ماله ومنا من يشكو من رفيق في العمل ومنا من يشكو من التجار ومنا من يشكو من الزراع ومنا من يشكو من المرءوسين ومنا من يشكو من الحكام والمديرين ومنا من يشكو من أحوال المجتمع بالمرة ، نشكو من ماذا؟ أصبحنا وكل واحد منا مشغولٌ بنفسه لا يفعل إلا عن نفسه ولا يريد أن يجلب الخير إلا لنفسه ولا يريد أن يدفع المكروه إلا عن نفسه ونسى جاره ونسى أخاه بل ربما أحياناً ينسى أباه وأمه حتى يضطرهما أن يرفعا ضده شكاوي في المحاكم لأنه لا يهتم بأمرهما ولا يحس بمشاعرهما ولا يشاركهما في مشاكلهما فالتاجر لا يهتم إلا بالكسب السريع سواء احتكر على المسلمين أو رفع السعر وغالى فيه على المؤمنين أو غشهم في بيعه أو في وزنه أو سلعته وصنفها ونوعها أو في الجودة لا يهتم بذلك لأن همه كله هو المكسب السريع ولا شأن له بذلك ، والموظف يريد أن يتسلق على أكتاف رفاقه وإخوانه تارة بالكيد لهم وأخرى بالتجسس على أحوالهم وثانية بالقيل والقال لرؤسائه ومديريه ليغير قلوبهم على إخوانهم ليأخذ مكانهم الذي جُعل لهم ولا يهتم إلا بنفسه وهكذا هل لهذا الشأن من علاج فيما نحن فيه من أحكام وقوانين؟ لا والله ، فلو سنت الدولة ألف قانون وقانون فإنهم يتعلمون كيف يتهربون منها؟ وكيف يجدون المخرج فيها؟ لأن الغالب عليهم هو حب الذات والأثرة والأنانية التي أمتلأت بها النفوس وأصبحت تعيش وكأنها في يوم الفيامة والكل يقول نفسي نفسي لا أريد غيرها ما العلاج؟ لا يوجد علاج إلا إذا نظرنا إلى كنز الهجرة ونظرنا إلى ما فيه من علاج هؤلاء القوم تركوا دورهم وأموالهم وأهليهم وزراعاتهم وتجاراتهم وهاجروا ولا يجدون حتى الكفاف بل لا يجد الواحد منهم ما يستر عورته أو ما يلبسه في قدمه وذهبوا إلى الأنصار بالمدينة فأفاء الله عليهم الخير ووجدوا عندهم الحدائق الغناء وعندهم التجارة وعندهم الزراعة ماذا فعلوا؟ وماذا صنعوا؟ إن هذا ما يخبرنا عنه الله وهو العلاج الأوحد لمجتمعنا يا أحباب الله ورسوله: {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} الحشر9 هذا هو العلاج ، العلاج أننا نصلح القلوب فنطهرها من الذنوب ومن الأثرة ومن الأنانية ومن حب الذات ومن الغل والحقد ومن الحرص على الدنيا الفانية ونملأها إيماناً بالله ونملأها ثقة في وعد الله حتى تكون بما في يد الله أوثق منها بما في يد أنفسها ونملأها يقيناً أن ما قدر لها يكون وأن الرزق لا يسوقه حرص الحريص ولا يناله طالب إلا بما كتب له الواحد ولن ينال بسعيه وحرصه وكده وطلبه ما يناله غيره إلا ما قدره وكتبه له ربه نملأها يقيناً بأن الآخرة خير وأبقى فيؤثرون الآخرة على الحياة الدنيا ويقبلوا على أعمال الآخرة وأحوال الآخرة وأن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ويفرح إذا رأى الخير عند إخوانه ويسر إذا رأى السرور والطرب عند جيرانه ويحزن لحزن إخوانه ويتألم لآلام جيرانه {1} رواه ألإمام مالك في الموطأ عن أنس، ورواه الترمذي والطبراني في الفتح الكبير عن زيد بن أرقم | ||
Islam is religion of peace
الأحد، 30 نوفمبر 2014
متى ينصرنا الله ؟
وضع الله فى قرآنه الكريم قواعد النصر الإلهى التى لا تتخلف عن أحد من المسلمين إذا أقامها وامتثل لها وأطاع الله ونفذ ما أمره به فيها ، فهى قواعد لنصر أى طائفة من المؤمنين من الأولين أو الآخرين أو المعاصرين إذا طبقوها يتولى الله نصرهم لأنها قواعد إلهية مسجلة فى خير كلام رب البرية وهو القرآن الكريم الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه
وجعل الله قاعدة النصر ، نصر الإنسان على أعداءه أو نصر الأُمة كلها والدولة على مناوئيها أو نصر أى شعب أو أمة على غيرهم من البشر ، جعلها فى جملة واحدة وفى عبارة جامعة قال فيها الله فى محكم التنزيل: {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} محمد7 كيف ننصر الله؟ وهل الله يحتاج إلى من يعاونه؟ حاشا لله ، وهل الله يحتاج إلى من يساعده؟ حاشا لله ، إذاً كيف ننصر الله؟ ننصر الله على أنفسنا فلا نتبع ما تهوى الأنفس وما تميل إليه الأهواء وننصر الله بأن نمشى على الشريعة السمحاء التى أنزلها فى كتاب الله والتى أرسل من أجلها لإبلاغها رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا قضينا على هذا الأمر ولم نجعل للنفس علينا سلطاناً ولم نأتمر بأمر الهوى ولم نتبع الشهوات الجامحة والرغبات التى نهى عنها الله من طلبات النفس وهى التى تسعى فى خلاف الله ، وقال فيها الله مبيناً شأنها فى عبارة جامعة: {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} يوسف53 النفس هى كل أمر بشر أو ضر أو سوء فى داخل الإنسان ، فإذا أُمرت فى داخلك أو سمعت نداءاً فى باطنك وأردت تحقيقه بأعضاءك وجوارحك وظاهرك فهو من النفس ، قد تطلب منك النفس أن تغش فى الكيل والميزان ، وقد تطلب منك النفس أن تكذب فى موضع نهى الله فيه عن الكذب وأمر فيه بالصدق وقد تطلب منك النفس أن تهضم الزوجة حقها وقد تطلب منك النفس أن تجور على الجار. وقد تطلب منك النفس أن تورث أبنائك وأنت حى فى الدنيا وتفرق بينهم فى العطاء فتعطى لهذا لأنه يتزلف لك وتمنع هذا لأنه بعيد عنك فكل ما تحض عليه النفس هو السوء والفحشاء وما يخالف شرع الله وما نهى عنه حَبيب الله ومُصطفاه صلوات ربى وتسليماته عليه ولذلك مدح الله الذين يمتنعون عن تنفيذ أوامر النفس انتصاراً لشرع الله وينفذون ما أمر به الله وإن كان فيه إغضاب للنفس لأنه مخالف لها ، فقال الله فى قرآنه الكريم: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا{9} وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا{10} الشمس فجعل الله للإنسان فى نفسه عدو مبين قال فيه التقى النقى النبى الرءوف الرحيم صلوات ربى وتسليماته عليه: {لَيْسَ عَدُوُّكَ الَّذِي يَقْتُلُكَ فَيُدْخِلَكَ اللَّهُ بِهِ الْجَنَّةَ ، وَإِنْ قَتَلْتَهُ كَانَ لَكَ نُوراً وَلكِنْ أَعْدَى الأَعْدَاءِ لَكَ نَفْسُكَ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْكَ}{1} لأنها هى التى تزين للإنسان العصيان وهى التى تأمره بما نهى عنه الرحمن وتأمره بالعمل بما يخالف نهج النبى العدنان ، وأمرنا النبى وأمرنا الله بوضوح كامل أن نخالف النفس وأن ننصر شرع الله تعالى وأن نعمل بأمر الله وأن ننفذ سُنة رسول الله صلوات ربى وتسليماته عليه فإذا نصرنا الله أى أقمنا شرع الله وعملنا بما طلبه الله وقمنا بما كان عليه حَبيب الله ومُصطفاه ، نَصَرنا النصير عز وجل على أعدائنا وعلى كل أعداء الله وجعل الله من كل ضيق فرجاً وجعل لنا من كل بأساء وشدة مخرجاً ورزقنا من حيث لا نحتسب ، وليس هذا فقط لأن عطاء الله لا حد له ولا رد فالله جعل الرزق لأهل الأرض جميعاً بالأسباب ، إذا سعوا فيها جنوا ثمار السعى ، وجعل الرزق للمؤمنين الذين يقيمون شرع الله ويتأسون بحبيب الله يتعدى حدود الأسباب ويجعله لهم ممتداً بغير حساب ، قال فيهم سبحانه: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً{2} وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} الطلاق جعل الله لأهل التقوى رزقاً ليس عن طريق الحسابات العقلية الدنيوية ولكنه عن طريق العطاءات والألطاف الخفية الإلهية ، أما بالنسبة للمعايش الدنيوية فإن الله إذا أراد زيادتها للمؤمنين يضع فيها البركة من عنده عز وجل وإذا نزلت البركة فى الغذاء لا ينفذ الغذاء ولو كان قليل مهما كان الآكلون منه جمعهم كثير ، وإذا وضع الله البركة فى الثياب لا تبلى أبداً حتى يمل لابسها من لبسها ويتصدق بها على الفقراء ، لأن الله جعل البركة فيها وإذا أنزل الله البركة فى الصحة والعافية لا يحتاج المرء إلى دواء ولا إلى الذهاب للأطباء لأن الله يعافيه ويشفيه بركة من الله ، وإذا أراد الله إنزال البركة فى الأولاد جعلهم بررة بأبيهم ولا يكلفونه الكثير يجعلهم فى الدراسة يفهمون ويفقهون ولو بغير دروس ويتفوقون ولو بقليل من النظر فى الدروس والكتب ، كل هذا لماذا؟ لأن الله إذا أنزل البركات جعل كل شئ فى زيادة وهذا ما قال الله فيه لنا أجمعين: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} الأعراف96 والبركة زيادة فى الخيرات على نفس المقادير التى معنا ولكنها بركات معنوية لا تلحظها العين الحسية ، يقول فيها خير البرية صلى الله عليه وسلم:{طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الإِثْنَيْنِ ، وَطَعَامُ الإِثْنَيْنِ يَكْفِي الأَرْبَعَةَ ، وَطَعَامُ الأَرْبَعَةِ يَكْفِي الثَّمَانِيَةَ}{2} أما بالنسبة للأعداء إن كانوا حاقدين أو حاسدين أو محاربين فإن الله إذا نصر العبد شرعه وقام بأوامر دينه وتابع النبى صلى الله عليه وسلم فى هديه وسنته يورثه ما أعطاه للحَبيب ، وقد كان صلى الله عليه وسلم كما يقول فيه الإمام علىّ رضي الله عنه: { مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ}{3} {1} الدَّيلمي عن أَبي مالكٍ الأَشعري رضي الله عنه ، والعسكري في الأمثال عن سعيد بن أَبي هلال {2} صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه {3} سنن الترمذي عن على رضي الله عنه | ||
الخميس، 27 نوفمبر 2014
مجتمع المدينة المنورة
العبرة التى نأخذها لإصلاح حياتنا وإصلاح مجتمعنا ونأخذها من مجتمع المهاجرين والأنصار الذى لو صرنا على هداه فى أى زمان أو مكان لنصرنا الله كما نصرهم ولأعزنا كما أعزهم ولهدانا كما هداهم ولمَكَّن الله لنا فى الأرض كما مكَّن لهم
كيف نصلح مجتمعنا ويصير مجتمع نورانى ربانى مثل مجتمع المدينة المنورة التى فتحها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينها القرآن؟ حتى يكون المجتمع فى الدنيا فى رغد العيش وفى خيرات وبركات وفى صالحات وفى طاعات ولا يوجد بين الناس مشكلات ولا معارك ولا غش ولا غير ذلك ن بيَّن الله ذلك فى ثلاث أشياء بِم وصف الله الأنصار؟ {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ} الحشر9 أول صفة: {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} والصفة الثانية: {وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً} والصفة الثالثة: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} هذه الصفات لو اتبعت فى أى مجتمع فإنه سيكون فى الدنيا فى أرغد عيش وفى أسعد حال وفى الآخرة يكون أهله هم أهل النجاة والفلاح عند المليك الفتاح الصفة الأولى: {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} وهى التى نحتاج إليها جميعاً ، كان حضرة النبى صلى الله عليه وسلم حريص على أن يُجرى لكل من يدخل فى الإسلام عملية فى قلبه فينزع حب الدنيا ويضع حب الله ورسوله ، كل المشاكل التى بين الناس سببها حب الدنيا ، قال صلى الله عليه وسلم: {حُبُّ الدُّنْيَا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ}{1} فأى خطيئة بين الأخ وأخي وبين الإبن وأبيه وبين الزوج وزوجته وبين الجار وجاره وبين أى إنسان فى أى زمان ومكان سببها حب الدنيا لأن ذلك يجعل الناس تقع فى بعض ثم يكيدون لبعض ولا مانع من أن يتطاولون على بعض ثم بعد ذلك لا مانع من أن يشتكون بعض ثم لا مانع بعد ذلك من الافتراء على بعض حتى يؤيدوا شكاياهم على بعض وكل ذلك سببه حب الدنيا لذلك أول شئ كان يفعله رسول الله مع أصحابه ينزع من قلوبهم حب الدنيا ويضع مكانه حب الله ورسوله وحب كتاب الله وحب المؤمنين ، نحن جميعا نقول أننا نحب الله ورسوله ، رسول الله أعطانا ترمومتر نقيس به هذا الحب فقال: {والله لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ مَالِهِ وَأَهْلِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}{2} أنت تحب حضرة النبى ولكن تحب نفسك أكثر إذاً هذا الحب غير مضبوط ، كيف تحب نفسك أكثر من حضرة النبى؟ تحب نفسك لأنك تضرب بسنة حضرة النبى عرض الحائط من أجل مصلحتك مع أنك تعرف أنه مخالف للسنة لكن الذى يحب حضرة النبى يعظم السنة ، وحتى قال فى ذلك بعض الصالحين: {حافظ على السنة ولو بُشرت بالجنة} فلابد من المحافظة على السنة ، والسنة مقابلها الهوى ، كما جاء فى الحديث الآخر: {لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعاً لِمَا جِئْتُ بِهِ}{3} فالذى ضيَّع الناس الآن هو الهوى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى{40} فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى{41} النازعات وعندما ننظر فى المجتمع فإننا نجد أن معظم المشكلات سببها عدم اتباع السنة أو شرع الله لأن هناك شئ من الهوى ، فلو اتفقنا على سنة رسول الله ففى أى شئ سنختلف؟ لن يأتى أى خلاف لكن الخلاف يأتى عندما يكون شخص غير أهل ويُدخل نفسه فى موضع لا يليق أن يكون له ، وإنما موضع ينبغى أن يكون لغيره مثال ذلك: لما أراد حضرة النبى أن يقوم بعمل إعلان للصلاة وأراد أن يكون هذا الإعلان مخالفاً لليهود والنصارى فطلب من أصحابه أن يبحثوا عن وسيلة ، فنام جماعة من أصحابه ولأنهم كانوا مع الله كانوا عندما ينامون تصعد أرواحهم إلى الملكوت الأعلى ، فصعدت روح أحدهم إلى الملكوت ورأى الملائكة ، فقالوا له: ماذا تريد؟ قال: أريد شيئاً نعلن به عن الصلاة فأعطوه ألفاظ الآذان فاستيقظ الرجل من نومه وذهب إلى رسول الله وقال له: رأيت كذا وكذا ، رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع القاعدة إلى يوم القيامة ، فلم يقل له أنت الذى تلقيت الآذان قم فأذن ، ولكن قال له: لقنه بلال فإنه أندى صوتاً منك ، لو مشينا على هذه القاعدة هل سيحدث خلاف؟ لا، لأننا نريد جميعاً رفعة الإسلام {1} رواه البيهقي في الشعي عن الحسن رضي الله عنه {2} سنن النسائي الصغرى عن أنس ورواه البخارى ومسلم بلفظ «لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حتى أكونَ أَحَبَّ إليهِ مِنْ والِدِهِ وَوَلَدهِ والنَّاس أَجْمَعين» {3} فتح البارى وصححه النووى عن أبى هريرة رضي الله عنه | ||
الهجرة إلى الحرية
كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عن زينة الدنيا في سبيل مبدئه ويزهد في المناصب والأموال في سبيل القيم التي يدعو إليها ، ويؤثر أن يهاجر ويرد الأموال إلى أهلها ليلقن البشرية كلها أن هذا دينٌ أنزله رب العالمين وارتضى من أصحابه وطلب منهم أن يراعوا حق الله وأن ينفذوا أخلاق الله ولو مع الكافرين والجاحدين من أعداء الله
فليس معنى أنهم كافرون أن يبيح لنا أموالهم أو أن يطلق الإسلام أيدينا في أعناقهم أو يترك لنا التعرض لأعراضهم ، لأن المؤمن دائماً وأبداً هو حارس المثل الإلهية والخليفة عن الله في إعلاء القيم الإيمانية والمبادئ الإسلامية التي دعا إليها الله في قرآنه والنبي صلى الله عليه وسلم في سنته
وقد وعى أصحابه هذا الدرس ، فعندما ضاقت عليهم هذه البلدة وفيها حرم الله لكنهم لا يستطيعون أن يعبدون الله فيها بحرية ، هاجروا وتركوا أموالهم ودورهم وأولادهم حتى لا يفتنون عن دين الله فهم كما قال الله في شأنهم: {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ}المائدة54
فهذا صهيب يخرج وقد كان من أغنى أغنياء مكة في التجارة ، ويلحقه الكافرون فينثر كنانته بما فيها من سهام ويقول لهم: يا أهل مكة تعلمون إني من أرماكم ووالله الذي نفسي بيده لن يصل إلى واحد منكم إلا ورميته بسهم من سهامي فإذا فنيت سهامي سأمسك بسيفي ولن تصلوا إلا على أشلائي أو لا أدلكم على خير من هذا ، قالوا: وماذا؟ قال: أدلكم على مالي فتذهبوا إليه وتأخذوه وتتركوني أهاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فدلهم على ماله وذهب بدينه ومبادئه ومثله ، وإذا بالحق يرسل برقية عاجلة إلى سيد الخلق صلى الله عليه وسلم يقول له فيها: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} البقرة207
وعندما وصل قال له النبي صلى الله عليه وسلم: {أبشر يَا أَبا يَحْيى رَبِحَ البَيْعُ .. رَبِحَ البَيْعُ}{1}
أي بيع؟ {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ} التوبة111
هكذا صاروا على هذا الحال
فهذا رجل منهم يأتي بعد غزوة أحد قائداً لتجارة كبيرة لقريش آتية من بلاد الشام ويشرح الله صدره للإيمان فلا يصبر حتى يؤدي التجارة إلى أهلها ثم يرجع إلى المدينة ليعلن إيمانه لكنه ذهب مباشرة إلى المدينة وأعلن إيمانه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد فرح به صلى الله عليه وسلم فرحاً كبيراً، لأنه كان زوج ابنته ولكن الإسلام قد فرق بينهما
فوسوس إليه أحد المنافقين المنشغلين بالدنيا عن الدين والذين يريدون أن يسخروا الدين في سبيل الحصول على عرض الدنيا ، ولو كان في ذلك مخالفة لأوامر رب العالمين ، فقال له: يا هذا ما دمت قد آمنت فإن الكفار كما تعلم قد أخذوا أموال إخوانك المؤمنين فلا ترجع إليهم واغنم هذا المال فإنه مال الكافرين
فما كان من الرجل الذي شرح الله صدره للإسلام إلا أن صاح في وجهه قائلاً: {أهذه نصيحتك لأخيك فوالله ما كنت لأبدأ عهدي بالإسلام بالخيانة} فإن الإسلام دين الأمانة ، ثم ذهب إلى مكة ورد الأمانات إلى أهلها وقال يا معشر قريش، ماذا تعلمون عني؟ قالوا: خيراً قال: هل بقى لكم شئ عندي، قالوا: لا وجزاك الله خيراً ، قال: فإني أشهدكم أني رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً{2}
ما أحوجنا في هذه الأيام إلى هذه الهجرة ، أي هجرة؟ هي التي يقول فيها صلى الله عليه وسلم: {المهاجِرُ مَن هَجرَ ما نَهى اللّهُ عنه}{4}
ما أحوجنا في هذه الأيام إلى هجرة الفواحش ما ظهر منها وما بطن وإلى أن نهجر الغش ولو كان فيه المكسب الكبير وأن نترك الرشوة ولو كان في ذلك علو شأننا وارتفاع منصبنا لأن هذه مكاسب حرمها الله ويعاقب عليها العقاب الشديد
لن ينصلح حالنا إلا إذا هجرنا المثل والمبادئ التي نشرها بيننا أهل الغرب من الخبث والدهاء والخداع والمكر والغش والكذب تحت أسماء ومسميات يعتقدون ويقولون أنها حضارة ويشيرون إلى من يتمسك بالأمانة أنه رجل جامد لا يصلح لهذا الزمان ، والرجل الذي يتمسك بالأمانة في التجارة ولا يغش يعاتبونه ن بل يعيرونه بأنه إنسان لا يريد أن يعيش بل يريد أن يكون فقيراً بين الناس ، نريد أن نقول كما قال القائل:
ليت الذى بيني وبينك عامـر وبيني وبين العالمين خــراب
إذا صح منك الود فالكل هيّن وكل الذي فوق التراب تراب
قال صلى الله عليه وسلم: {المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسانِهِ وَيَدهِ ، والمؤمن من آمن جاره بوائقه ، والمهاجِرُ مَن هَجرَ ما نَهى اللّهُ عنه}{5}
{1} رواه الحاكم والطبراني عن صهيب وقال الشيخان هذا حديث صحيح الإسناد
{2} وهناك رواية ثانية أورها صاحب المستدرك على الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها وغيرها من كتب السنة ( باختصار): {أن رسول الله بعث إلى السرية الذين أصابوا مال أبي العاص، وقال لهم: إِنَّ هذا الرَّجُلَ مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتُمْ وَقَدْ أَصَبْتُمْ لَهُ مالاً فَإِنْ تُحْسِنوا تَرُدّوا عَلَيْهِ الّذي لَهُ فَإِنّا نُحِبُّ ذلِكَ وَإِنْ أَبََيْتُمْ ذلِكَ فَهُوَ فَيْءُ الله الّذي أَفاءَهُ عَلَيْكُمْ فَأَنْتُمْ أَحَقُّ بِهِ، قالوا: بل نرده عليه قال: فردوا عليه ماله بأسره لا يفقد منه شيئاً، ثم احتمل إلى مكة فأدى إلى كل ذي مال من قريش ماله ممن كان أبضع منه، ثم قال: يا معشر قريش هل بقي لأحد منكم عندي مال لم يأخذه؟ قالوا: لا فجزاك الله خيراً فقد وجدناك وفيا كريماً قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وما منعني من الإسلام عنده إلا تخوفاً أن تظنوا أني إنما أردت أخذ أموالكم، فلما أداها الله عزّ وجل إليكم وفرغت منها أسلمت ثم خرج حتى قدم على رسول الله }
{3} رواه أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمرو
{4} متفق عليه
{5} متفق عليه
http://www.fawzyabuzeid.com/table_books.php…
منقول من كتاب {الخطب الإلهامية_ج1_الهجرة ويوم عاشوراء}
الأربعاء، 26 نوفمبر 2014
خلق المؤمن
ما بيننا وبين أن نكون من الذين ينصرهم الله ويؤيدهم الله فى كل أحوالهم ويرعاهم الله فى كل شئونهم ويستجيب لهم كل دعاءهم ويحقق لهم كل آمالهم إلا أن نهاجر الهجرة التى بينها لنا سيدنا رسول الله فى حديثه الكريم
فعندما دخل مكة فاتحاً صلوات ربى وتسليماته عليه أعلن وقف الهجرة المكانية ، أى من مكة أو من أى موضع بالجزيرة العربية إلى المدينة المنورة وفتح باب الهجرة المعنوية إلى يوم الدين ، فقال صلوات ربى وتسليماته عليه: {لا هِجرةَ بعدَ الفتحِ، ولكنْ جِهادٌ ونيَّة}{1} وقال صلى الله عليه وسلم: {وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ}{2} فالمهاجر منذ فتح مكة إلى يوم الدين هو الذى يهجر المعاصى والفتن ما ظهر منها وما بطن هو الذى يهجر قالة السوء ، كل القول الذى نهى عنه الحَبيب صلى الله عليه وسلم ، قول الزور والكذب والفجور وكل ما يؤذى المسلمين ويُشوش على المؤمنين والذى أشار إليه صلى الله عليه وسلم فى قوله: {المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسانِهِ وَيَدهِ}{3} ما الذى يؤذى الإنسان المسلم من لسان أخيه؟ وضح ذلك فى الحديث الآخر صلوات ربى وتسليماته عليه فقال: {لَيْسَ المُؤْمِنُ بالطَّعَّانِ ولاَ اللَّعَّانِ ولا الفَاحِشِ ولا البَذِيِّ}{4} لا يسب أحداً من خلق الله ، فضلاً عن الإنسان الذى كرمه الل ولا يلعن شيئاً من الخيرات والبركات التى سخرها له الله ولا يصدر من لسانه أى كلمة فاحشة جافية أو نابية أو لاغية تؤذى الآخرين وتضره وتُسَود صحائفه التى يلقى بها رب العالمين ولا يصدر من لسانه الكلام البذئ الذى تستوحش منه الآذان والذى تفر منه الأبدان ، وإنما يهاجر المسلم دوماً فى كل أقواله إلى قول الرحمن عز وجل: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ} الحج24 لا يخرج منه إلا الكلام الطيب الذى يُطيب النفوس والذى يشرح الصدور والذى يؤلف القلوب والذى ينزع الإحن من الصدور والذى يجعل بنى الإنسان الحياة بينهم ألفة ومودة وصفاء وسرور وحبور ، إن معظم مشاكل الناس فى زماننا وفى كل زمان من اللسان فلو ملَك الإنسان لسانه فإن الناس جميعاً يحبونه ولا شك فهذه صفة المؤمن ، فالمؤمن الحق هو الذى مَلَك لسانه لا يصدر منه غيبة ولا نميمة ولا سب ولا شتم ولا وقيعة بأى صورة من الصور لأى رجل من المسلمين ، ولذلك يقول الإمام علىّ رضي الله عنه عندما سُئل وقيل له: يا إمام مَن هم أولياء الله الذين يحبهم الله عز وجل؟ فقال رضي الله عنه: {هم الذين أنفسهم عفيفة وحاجاتهم خفيفة ، الناس منهم فى راحة ، وأنفسهم منهم فى عناء} إذا سَلم الإنسان من لسانه ، فبَشِّره بأن الله قد اختاره واجتباه وجعله حَبيباً مقرباً لحضرة الله جل فى علاه هذا الإمام البخارى رضي الله عنه حضرته سكرات الموت، وجلس حوله طلابه يبكون على فراقه ، فقال لهم: لِمَ تبكون وها أنا ذا تُطوى صحيفتى ولم يُكتب لى فيها طوال حياتى غيبة واحدة ولا كذبة واحدة ، صحيفته طول حياته لم يُكتب فيها غيبة لمسلم ولا كذبة على مسلم مع أنه كان عالماً فى علوم الحديث ، فكان يتداول سيرة الرواه ، فلان عن فلان، ويتحرى عن كل راوٍ ليتأكد من صدقه فى أقواله وأفعاله و أحواله فقد ذهب فى إحدى رحلاته إلى حضرموت الآن ليسمع حديثاً بلغه أن هناك رجلاً يرويه وعندما وصل سأل عن الرجل فأشاروا إليه ، فوجد الرجل يجرى حول جمل له فرَّ منه مسرعاً وأمسك الرجل حجره ليوهم الجمل أن حجره فيه طعام ، فلما تبين خلو حجره ، قال: تخدع هذه البهيمة ، لا أسمع منك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لم يُروى عنه فى حياته كذبة واحدة ولا غيبة واحدة ، أين نحن من هؤلاء؟ إذا أردنا أن ينصرنا الله كما نصرهم وأن يُعزنا كما أعزهم وأن يكرمنا كما أكرمهم فعلينا أن نقتدى بهديهم وأن نتبع أفعالهم وأن نكون كما كانوا: {صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} الأحزاب23 فنهجر المعاصى والفتن بالكلية ونُقبل بصدق وإخلاص على رب البرية {1} صحيح البخارى عن ابن عباس {2} صحيح البخارى عن عبد الله بن عمرو {3} صحيح البخارى عن عبد الله بن عمرو {4} سنن الترمذى عن عبد الله بن مسعود | ||
الحكمة من البلاء
لو كان البلاء يقصد به العقاب أو الجزاء حاشا لله لحفظ منه كمَّل عباده وهم الأنبياء والصالحون والصديقون وما شابههم وما ماثلهم لكن الله وهو الحق والكل عنده سواء ولا يكرم الخلق بقدر عطائهم من الدنيا لأنه هو الذي أعطاها لهم ، وهو الذي أعطى هذا وحرم هذا ، وهو الذي رفع هذا وخفض هذا ، وهو الذي أعز هذا وأذل هذا ، وهو الذي يعطي ويمنع ، وهو الذي يخفض ويرفع
ولأن هذه الأشياء تساوى فيها بل زاد فيها الكافرون على المؤمنين فلم يجعلها هي معدن الابتلاء وإنما الابتلاء على قدر الإيمان وجعل ابتلاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في امتحان صلابة الإيمان في نفوسهم فتعرضوا للكافرين تارة بالاستهزاء وتارة بالتعذيب وتارة بالطرد وتارة بالضرب وتارة بأخذ أموالهم وتارة بأخذ أرواحهم وإزهاق نفوسهم ينظر الله إلى قلوبهم عند تعرضهم لهذا البلاء فمنهم من هو أشد صلابة في دين الله من كل جبال الدنيا وصخورها ولا تأخذه في الله هوادة كأبي عبيدة بن الجراح الذي التقى في غزوة بدر مع أبيه وجهاً لوجه وكلما ابتعد من أمام وجه أبيه براً به وهو كافر أسرع أبوه ليلحق
به ، فخاف أن يقتله مسلم فيكون في صدره شئ نحو هذا المسلم ، فأراد أن يثبت لله أنه لا يخشى إلا الله ولا تأخذه رأفة في دين الله فقتل أباه بسيفه
ومنهم مصعب بن عمير وكانت أمه من أثرياء مكة وعندما آمن بالإسلام حرمته من كل مالها ومقتنياتها وتركته يتكفف إخوانه المؤمنين لقلة ذات يده ، وأرسلت رسلها يطلبون منه أن يرجع إلى دينها وترد له الأموال التي عندها ، لكنه قال لهم قولوا لها: هيهات هيهات لقد عرف القلب حب الله واستنشق عبير كتاب الله فلم يعد يجد لذة إلا في مناجاة مولاه ويجيب على أخيه أبى اليسر في موقعة بدر وهو أسير في يد رجل من المسلمين فيستنجد به أخوه ، فليتفت إليه ثم يقول لأخيه المسلم: أشدد يدا أسيرك فإن أمه غنية وستفديه بمال كثير ، فقال: أهذه وصايتك بأخيك؟ قال: لست أخي وإنما هذا هو أخي والإسلام فرق بيننا{يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} المائدة54 فنجحوا في الامتحان جميعاً وقال لهم الله مع حبيبه في قرآنه {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} الفتح29 فهم معه في الدنيا ومعه في الاخرة ومعه عند لقاء الله وبشرهم بالجنة ووعدهم بمقعد صدق وهنأهم بما لهم عند الله من مقام كريم وأجر عظيم لأنهم نجحوا في هذا الابتلاء ، فنصرهم الله وأعزهم الله وفتح لهم البلدان وصاروا أمراء وقادة جيوش وفاتحين وجاءتهم خزائن الدنيا كلها تحت أرجلهم فكان الإمتحان الأعظم فلم يلتفتوا عن الله طرفة عين ولم تشغلهم الدنيا عن الله ولاعن طاعته وعبادته ولم يتخلوا بسبب طغيان المادة عن الأخلاق الإسلامية من الصدق والأمانة والكرم والشجاعة وغيرها من أخلاق الإيمان وقد ورد أنه لما فتحت خزائن كسرى أمر قائد الجيش جنده أن يحضروا ما وجدوه فأحضروا كل ما التقطوه من ألوان النعيم ومن أصناف الأموال حتى من كان يجد ولو إبرة يأتي بها إلى القائد ، وجاء رجل منهم ومعه صندوق كبير ملئ بالمجوهرات التي كان يتحلى بها نساء كسرى وهي مجوهرات لم يروا جميعاً مثلها في حياتهم فليس في بيتهم ولو قليل من مثلها فقال له القائد ما اسمك؟ قال: ولم؟ قال: لنرسل لعمر بن الخطاب نخبره عن شأنك ، قال: عجباً لك لو كنت أتيت بهذا من أجلك أو من أجل ابن الخطاب ما أتيت به وكنت أخرته عندي وأخذته لي ولكن جئت به من أجل خشية الله وحملت هذه الكنوز جمال كان أولها في المدينة المنورة وآخرها في بلاد فارس وكانت أكواماً كثيرة في مسجد الحَبيب صلى الله عليه وسلم وتجمع المسلمون في المدينة المنورة ومن حولها ليشاهدوا غنائم المؤمنين من كنوز كسرى وعجبوا وقال عمر رضي الله عنه قَالَ: {إِنَّ أَقْوَامَاً أَدُّوا هذَا لَذَوُو أَمَانَةٍ ، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّكَ عَفَفْتَ فَعَفَّت الرَّعِيَّةُ}{1} هذا رجل منهم وهو سلمان الفارسي يأتيه صك بتعيينه أميناً على المدائن وبينما هو يمر ويتفقد أحوال رعيته إذا برجل مسافر لا يلحظ عليه إلامارة وأنه أمير المدينة ومعه أثقال يريد من يحملها فأشار إليه وقال تعال احمل متاعي فحمله على كتفه وبينما هو يمشي خلفه إذا رجل يقول له: السلام عليك أيها الأمير ، فتعجب الرجل وقال: أنت أمير المدائن؟ قال: نعم ، قال: وتحمل لي أثقالي ، قال: وماذا في ذلك؟ ذهبت وأنا سلمان ورجعت وأنا سلمان فلم تفتنهم الدنيا وزينتها وزخرفها عن الرحمن طرفة عين ولا أقل فكانوا بذلك وعلى ذلك من الذين يعنيهم الله بقوله {فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً} النساء69 ونحن كذلك أعلنا الإيمان فابتلانا الله ليختبرنا بصدق الإيمان ، ابتلانا الله بفتن الدنيا وزينتها وزخرفها وطغيان الأموال وابتلى بعضنا ببعض الأمراض وابتلى بعضنا ببعض المناصب وابتلى بعضنا ببعض زواره وابتلى بعضنا بأمور في بيته أو في عمله أو في نفسه أو في إخوانه لأن الله قال وهو أصدق القائلين { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ} نمتحنكم جميعاً في أي أمر من هؤلاء {بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} البقرة155 {1} عن مخلد بن قيس الْعَجلي عن أَبيهِ، جامع المسانيد والمراسيل | ||
حال الجن والإنس مع الله
قال صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى {إني والجن والإنس في نبإ عظيم أخلق ويعبد غيري وأرزق ويشكر سواي خيري إلى العباد نازل وشرهم إلى صاعد أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم ويتبغضون إلي بالمعاصي وهم أفقر شيء إلي ، من أقبل إلي تلقيته من بعيد ومن أعرض عني ناديته من قريب ومن ترك لأجلي أعطيته فوق المزيد ومن أراد رضاي أردت ما يريد ومن تصرف بحولي وقوتي ألنت له الحديد ، أهل ذكري أهل مجالستي وأهل شكري أهل زيادتي وأهل طاعتي أهل كرامتي وأهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي إن تابوا إلي فأنا حبيبهم فإني أحب التوابين وأحب المتطهرين لم يتوبوا إلي فأنا طبيبهم أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من المعايب}{1}
من فضل الله علينا أنه جعل التوبة أقرب إلينا من أنفاسنا التي تتردد في أجسامنا فمهما فعل المرء وارتكب من الخطايا إذا رجع في أي نفس وقال يا ربَّ تبت إليك يقول في الحال وأنا قبلت لأنه عز وجل كما قال في قرآنه:
{يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} البقرة222
بل قالَ الله تَبَارَكَ وتعَالى: {يا ابنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى ما كانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِي ، يا ابنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَت ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِي ، يا ابنَ آدَمَ إنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بي شَيْئاً لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً}{2} وقد جعل الله من فضله أياماً خصّصها للمغفرة ومن هذه الأيام يوم عاشوراء يوم العاشر من شهر الله المحرم فقد قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: {صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاء يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيةَ}{3} إذا اهتم فيه الإنسان بالطاعات وصامه لله وقضى يومه في التوبة والإنابة لحضرة الله ولذلك فالحبيب صلى الله عليه وسلم الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر كان يصوم هذا اليوم ويقول {يكفر الله به السنة التي قبلها}{4} عمل سهل يسير وأجر كبير ولما وجد اليهود يصومون هذا اليوم لأنه اليوم الذي تاب الله فيه على آدم واليوم الذي نجا الله فيه موسى ومن معه من فرعون وملأه فنادى وقال لأصحابه: خالفوا اليهود ، وقال كما أخبر حبر الأمة عبد الله بن عباس رضى الله عنهما : {لَئِنْ بَقِيتُ إِلَىٰ قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ والعاشر}{5} فعليكم بصيام التاسع والعاشر ، واضرعوا فيه إلى الله وسلوا الله فيه مطلوبكم بصدق وقولوا جميعاً: تبنا إلى الله ورجعنا إلى الله وندمنا على ما فعلنا وعلى ما قلنا وعزمنا على أننا لا نعود إلى ذنب أبداً وبرئنا من شرور أنفسنا وسيئات أقوالنا وقبائح أعمالنا وكل شئ يخالف دين الإسلام والله على ما نقول وكيل والله على ما نقول شهيد {1} رواه البيهقي والحاكم عن معاذ والديلمي وابن عساكر عن أبي الدرداءبإختلافات ونقصان أوزيادة ، مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين لإبن القيم الجوزية {2} سنن الترمذي عن أنس بن مالك {3} رواه البيهقي في سننه عن أبي قتادة ورواه مسلم في صحيحه عن يحيي بن يحيي {4} أخرجه الترمذي في كتاب الصوم، باب ما جاء في الحث على صوم يوم عاشوراء، برقم 683 {5} رواه البيهقي في سننه وابن أبي الجعد في سننه عن ابن عباس | ||
الاثنين، 10 نوفمبر 2014
كيف نداوم على الطاعات ؟
الخميس، 6 نوفمبر 2014
الدرس العملى للهجرة النبوية
إن الدرس العملي الذي نأخذه جميعاً من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أكثر دروسها أن المرء منا لا يتوقف عند أي أمر أمره به الله مهما لاقى في سبيل ذلك من صعاب فالذي أعز أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شدة عقيدتهم فكان الرجل منهم لا يبيح لنفسه أن يخرج عن المثل والمبادئ الإيمانية قيد أنملة خوفاً من الله مهما تعرض له من صعاب
لكن في عصرنا الآفة التي انتشرت في مجتمعنا أن الناس قد اجتهدوا من عند أنفسهم اجتهاداً خاطئاً في تبرير الزيغ والبعد عن المثل والمبادئ الإيمانية فيبيح لنفسه الكذب بحجة أنه مضطر ويبيح لنفسه أخذ ما يريد من المال العام بحجة أن مال الحكومة ملك للجميع وكل واحد له فيه نصيب ويبرر لنفسه التزويغ من العمل بحجة أن أجره لا يكفي ، وهذا الوقت على قدر فلوسهم مثلما نسمع منهم ويبيح لنفسه أن يخدع في تجارته أو يغش في بيعه وكيله وبلسانه وإلا لن يستطيع أن يعيش أو يكسب في زعمه ، هذه الأشياء التي سولّتها لنا النفس وعززها الشطان وهذا الذي جعل الله يبتلينا ليذكرنا وليس للانتقام منا لأنه لا ينتقم من المؤمنين ولكن يذكرنا المرة تلو المرة بالمرض أو الفقر أو الغلاء فكل هذه ابتلاءات كي نرجع إلى الله لكن والله الذى لا إله إلا هو لو تمسكنا بهدى الله لفتح الله لنا الخيرات في الأرض وأنزلها من السماء وكنا كأهل الجنة تأتينا أرزاقنا في أيدينا دون عناء أو تعب {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} الأعراف96 لم يقل فتحنا عليهم خيرات لأن الخيرات ممكن تكون كثيرة ولكنها لا تكفي لأنها ليس فيها بركة لكن لو رزقنا القليل وبارك الله فيه لأغنى عن الكثير والكثير فنحن نشتكي في زماننا من كثرة الأمراض ومع كثرة المستشفيات لم تعد تستطيع أن تقوم بمهمة العلاج ، والأمراض الموجودة في الأجسام كلها لا تساوي مرضاً واحداً من أمراض الأخلاق التي حذّر منها الكريم الخلاق والتي تنخر في مجتمعنا نخر السوس كالشّقاق والنفاق والحسد والبغضاء والكراهية والأحقاد وغيرها من الأمراض التي نعاني منها من الضغوط النفسية والتوترات العصبية كل هذا يسبب وجود الأمراض الجسدية ، والأمراض الجسدية لو لم يوجد خلفها التوترات العصبية سوف تشفى بإذن الله لكن الذي يزيد المرض هو التوترات والضغوط والمشاغل وكل هذا جاء من الحسد لهذا والكره لهذا حتى أن كل مؤمن بينه وبين إخوانه المؤمنين حروباً لا عدّ لها حروب مع الأولاد وحروب مع زملائه في العمل ، والحروب مع الأقارب لماذا؟ أين الذين قال الله فيهم {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} الحجر47 الذين ملأوا المحاكم من أجل سهم في البيت أو سهمين في الغيط والأخ وأولاده وزوجته حرب على أخوهم والثاني كذلك وهذا يستعد وهذا يستبدّ ألم يسمعوا عن القول الذين أخذوا الغرباء عنهم في النسب لكنهم معهم وقريبين منهم في الدين ويقول له تعالَ أقسم بيتى نصفين وتختر أحدهما والمال نصفين واختر ما يعجبك وانظر إلى زوجتى الاثنتين أيهما تعجبك فأطلقها وبعد انتهاء العدة تتزوجها أنت على سنة الله ورسوله هؤلاء الجماعة ماذا قال الله لهم في الوسام الذي أعطاه لهم؟ {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} الحشر9 ليس ذلك فقط بل عندما جاءت الفتوحات وجاءت الخيرات جمعهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال لهم تعالَوْ معشر الأنصار وتعالَوْ معشر المهاجرين ، فقال للأنصار: ما رأيكم جاءت إلينا خيرات كثيرة أقسمها بينكم أنتم والمهاجرون ويظلون معكم؟ أم أعطيها للمهاجرين ويتركوا لكم البيوت والأموال التي معهم؟ قالوا: لا، أعطيها لهم كلها ولا نأخذ شيئاً خرجنا منه لله {لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءُ الْرَّاجِعُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يرجع فِي قَيْئِهِ}{1} اعطِ لهم الكل ونحن والحمد لله يكفينا رضاء الله علينا ، أين هؤلاء؟ هؤلاء هم أجدادنا وهم آباؤنا وهم قدوتنا وهم أسوتنا وهم الذين قال الله فيهم {أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} الأنعام90 فنحن جميعاً نحتاج نصر الله وتأييد الله ولطف الله وتوفيق الله وهذا هو السبيل البين والطريق القويم له {1} رواه أحمد عن ابن عباس | ||
جند الله ونصره
{إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا}
التوبة40
ما الجنود الذين أيَّد الله بهم حُبيبه ومُصطفاه؟ أيَّده الله بجنود فى الهجرة وقبل الهجرة وبعد الهجرة وفى كل وقت وحين ، وأبقى الله تأييدهم للعدول من أُمته والقائمين بنشر شريعته إلى يوم الدين ، جنود لا يستطيع أحد عدَّهم: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} المدثر31 والمباح لنا منهم والذى نستطيع أن نشير إليه: جنود كونية وجنود ملكوتية وجنود قلبية وجنود إلهية ذاتية جند الملكوت الأعلى: أعطاه الله كل جند الأرض ليحفظوه ويحموه ولكن الله لم يكتفى له بذلك بل أيده بالملكوت الأعلى جند السموات ، وأنتم تعلمون أنه قبل هجرته عندما رجع من الطائف وقد آذوه ووقف يدعو دعاءه المشهور: يقول صلى الله عليه وسلم: {فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي ، فَقَالَ: إنَّ اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ ، وَقَدْ بَعَثَ إلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ ، قَالَ: فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إنَّ اللّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ ، وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ ، وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ ، فَمَا شِئْتَ؟ إنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللّهَ وَحْدَهُ ، لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً»}{1} فالله كشف لنا الأستار عن مكنون الشفقة الإلهية الموجودة فى قلب هذه الحضرة الربانية لأنه يطمع أن يخرج من أصلابهم من يُوحد الله ، ذلك رغم أنهم آذوه وعارضوه وسفهوه وما تركوا شيئاً يصيبه بأذى إلا ونالوه ، ومع ذلك لم يتغير نحوهم ولم ينقلب حاله ويريد بهم سوءاً أو شراً ولم يضمر نحوهم إلا الخير وإلا البر لأن الله فطره على ذلك وأعدَّه لذلك وجعله صلى الله عليه وسلم أهلاً لذلك وأيده الله بنزول الملائكة فى غزوة بدر وغزوة أحد وكانوا معه فى كل الغزوات: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ} الأنفال9 {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ} آل عمران124 مرة بألف ومرة بثلاثة آلاف من الملائكة ومرة تكون الملائكة لرفع الروح المعنوية ومرة يكونوا محاربين {1} صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها | ||
كيف يطمئن القلب بذكر الله ؟
{ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ}
التوبة26
والسكينة ما هى؟ وأين تنزل؟ السكينة خطاب تأمين من رب العالمين إذا وصل لقلب العبد يطمئن أن عناية الله معه، ولا يخشى سوى الله أحدا ً، فى قوة {نحن معك}: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا} غافر51 فأبشروا لأن الله أدخلنا فى هذه المعية ، أين تنزل السكينة: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ} الفتح4 خطاب ذاتى تأييد من الله وإعزاز من الله وضمان من الله ليعلم العبد علم اليقين أن الله لن يتخلى عنه بعنايته ونصرته طرفة عين ولا أقل ، ولذلك كان حَبيبنا وقرة عيننا صلى الله عليه وسلم يقول: {أنا عبد الله ورسوله ولن يُضيعنى الله أبداً} لن يضيعه الله لأنه أخذ خطاب ضمان ممن يقول للشى كن فيكون ، بل إنه صلى الله عليه وسلم أعطاه الله إصدار خطابات الضمان لسواه ، فقد قال للإمام علىّ: توَسد فى مكانى هذا ، أى نَم فى مكانى ، قال: يا رسول الله إنهم إذا نظروا ولم يروك فى فراشك ودخلوا علىَّ قتلونى بضربة واحدة ، فقال صلى الله عليه وسلم ما معناه كما فى السير: {لن يخلصوا إليك} خطاب ضمان من الحَبيب صلى الله عليه وسلم: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ} الأنفال33 مادام حُب رسول الله صلى الله عليه وسلم ساكن فى القلوب ، حُب صادق للحَبيب المحَبوب فإن الله يكشف عن العبد كل ضر ويحفظه من كل عناء ومن كل لغوب ببركة حُب الحَبيب المحَبوب صلى الله عليه وسلم ، والسكينة بالنسبة للمؤمنين تنزل فى قلوبهم إذا صلحت وأصبحت صالحة لتنزلات رب العالمين: {هُو الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ} الفتح4 لكن بالنسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن ظاهره كباطنه وباطنه كظاهره ، ظاهره نور وباطنه نور: {نُّورٌ عَلَى نُورٍ} النور35 وأصبح كله كأنه قلب نورانى أنزل الله سكينته عليه كله: {فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} التوبة40 أنزل الله عليه سكينته وزاده الله فأنزل عليه طمأنينته ، والطمأنينة تنزل لمن؟ للذاكرين بالقلوب وبالروح لرب العالمين: {أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} الرعد28 وزاده الله فأنزل عليه أُنسه ، آنسه بوجهه وآنسه بجماله وآنسه بكماله ولذلك قال لصاحبه عندما قال له: يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا ، قال: {يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللّهُ ثَالِثُهُمَا}{1} كان فى أُنس بمولاه لا يستطيع أحد من الأولين والآخرين وصفه لأنه أُنس حَبيب الله بالله ، يكفى فى وصفه قول الله لمن أراد أن يلمح ذلك بعين قلبه: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} التوبة40 كان فى الغار اثنان والخطاب فى اللغة العربية كان يقتضى أن يقول ثالث اثنين لكن الله قال {ثَانِيَ اثْنَيْنِ} لأن الحبيب غاب فى مولاه وفنى بالكلية فى حضرة الله فأصبح غائباً عن نفسه موجوداً بمولاه ، فلم يعد هناك مثنوية لفناءه بالكلية فى الحضرة الإلهية وأنزل الله عليه من جند لطفه ما لا يستطيع أحد من الأولين والآخرين ذكره أو عده يكفى أن تعلم فى هذا الميدان أن الله تجلى على قلبه بكل أسماءه وصفاته ، وكان كل وصف من أوصاف الله معيناً لحَبيب الله ومُصطفاه، وعوناً له فى مواجهة أعداءه وأعداء الله وهناك تأييدات ذاتية وهى لأهل المشاهدات العيانية الذين يتلقون شفاهاً من رب البرية والتأييدات الذاتية أن الله كشف عنه الحجب وواجهه بجمالاته الوهبية ، آنسه بوجهه والأُنس يجعل الإنسان يغيب عن الأكوان ولا يشعر بأحد إلا بحضرة الرحمن وجعله الله فى هذا المجال ليس له اعتماد ولا استناد ولا توكل إلا على من يقول للشئ كن فيكون {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} الأنفال64 معك الله ومن اتبعك من المؤمنين: {وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ} التحريم4 {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} محمد11 ومن كان الله مولاه هل يُرِد أحداً آخر؟ {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} الطلا ضمان إلهى" فكان صلى الله عليه وسلم يشاهد تجليات الله ويعلم أن الله هو الذى يأويه وهو الذى يسانده وهو الذى يُعزز وهو الذى ينصره وهو الذى يقويه ولذلك كان صلى الله عليه وسلم فى عز دائم بحضرة الدائم عز وجل: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} المنافقون8 {1} الصحيحين البخارى ومسلم عن أبى بكر رضي الله عنه | ||
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)