عندما فرض علينا الحج قال لخليله{وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ } وما الحكمة؟ {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم} حكمتين اثنتين:
الحكمة الأولى:{لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}أي جهزها الله لهم في تلك الأماكن وهي منافع عاجلة ومنافع آجلة أما المنافع العاجلة فهي أن يتوب عليهم ويغفر لهم ذنوبهم ويردهم كما ولدتهم أمهاتهم خالصين من الذنوب والخطايا مستورين ومجبورين من الآثام والعيوب ويستجيب دعائهم ويصلح أحوالهم ويجيبهم في أحبابهم فقد قال r: {يُغْفَرُ لِلْحَاج وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ}[1] والهدف المشترك بين جميع العبادات{لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم} ولم يكتف بأن هذه هي الحكمة العالية والغاية السامية من تلك العبادات الراقية ولم يكتف بالتنبيه عنها وكلها في تلك الآية بل في كل خطوة من خطوات الحاج يذكرهم بتلك الحكمة فعندما ينزلوا من عرفات يقول الله لهم جميعاً {فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} فمرة يقول: {وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ}ومرة يقول {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ}أي اجعلوا ذكر الله هو الغاية العظمى فالغاية العظمى من الحج في كل خطواته وحركاته وسكناته هي ذكر الله.وكذلك الصلاة فيقول فيها الله{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} فهو ذكر الله وذكر الله هنا التذكير فهو في هذا الموقف التذكير بالوعد والوعيد والجنة والنار في الطاعات والقربات بآيات من كتاب الله وبأحاديث رسول الله من باب فضل الله{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}و {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي }والصلاة فيها ذكر الله فيها التحميد والتكبير والتهليل وفيها تلاوة كتاب الله وكلها في حركات الصلاة وكل حركة من حركاتها لها ذكر مخصوص يحب أن يسمعه الله من عباده المؤمنين {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} فكلها أحوال ذكر وكذلك الصيام فالهدف منه {وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} يعني من العبادات الجسمانية الهدف منها آية الذكر وقد علمنا rأنه ما أقيمت الصلاة وما فرض الصيام ولا نُسك الحاج إلا لذكر الله Uلماذا؟ ليعرفنا أن الدرجة الأولى في حياتنا هو ذكره I وليس هناك نهاية لنعم الله U. فلو حاول الواحد فينا أن يعد نعم الله عليه في نفس واحد ما استطاع إلى ذلك سبيلاً: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا}نعمة واحدة إذا كانت ظاهرة أو باطنة بل نعمة واحدة من نعم الواحد كنعمة البصر أو السمع أو الكلام أو العقل أو الحركة أو القدرة أوالإرادة أو الحياة أو الرزق. نعم ليس لها نهاية نعمة واحدة منها لا يستطيع الواحد أن يحدها أو يحصرها من معطيها U ولكنه U طلب منا أن نذكره على ذلك. وطب منا أن نشكره على ذلك فإذا قمت من نومي وقد وهبني الحياة بعدما كنت في نومي كالأموات كما ذكر الله U{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} عندما أقوم من نومي وقد وهب لي الحياة لابد أن أشكره وأذكره وأقول كما علمني الرسول r: { الْحَمْدُ لّلهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا، وَإِلَيْهِ النُّشُورُ }[2] فأشكره على أن وهب لي الحياة وإذا نظرت إلى نعمة الأكل أذكره وأشكره وأقول { الـحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي أطْعَمَنـي هذا ورَزَقَنِـيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ منِّـي ولا قُوَّة }[3]، وإذا أعطاني ماءاً أقول{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَقَانَا عَذْباً فُرَاتاً بِرَحْمَتِهِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ مِلْحاً أُجَاجاً بِذُنُوبِنَا}[4]أي نعمة من النعم حتى نعمة الشهوة عندما انتهي منها أقول { الحمد لله الذي جعل من الماء نسباً وصهراً وكان ربك قديراً } لازم الإنسان يشكر الله على نعمائه. هي صحيح كلمات وليست شكراً وافراً ولا شكراً إيجابي لكن الله يقبلها منا ويدخرها لنا، ويعطينا عليها من الأجر ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر إذاً كل العبادات يا إخواني تهدف إلى ذكر الله U وليس حلقات الذكر فقط هي الذكر لكن ذكر الله حسب الحالة التي أوجدني عليها الله وحسب النعمة التي ساقها إلي الله حتى ولو نزل بي غم أو نزلت بي مصيبة وهي في نظري مصيبة لكنها في الحقيقة نعمة من الله U وبعدها تمر علي أتحدث على أنها نعمة من الله. حتى هذه النعمة علمني رسول الله أن أشكر الله عليها ماذا علمني؟{كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إذَا أَتَاهُ الأَمْرُ يُعْجِبُهُ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُنْعِمِ المُتَفَضِّلِ الَّذِي بِنِعْمَتِه تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ وَإذَا أَتَاهُ الأَمْرُ مِمَّا يَكْرَهُ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلىٰ كُلِّ حَالٍ}[5]ساعة النعمة أقول الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وهذا يعني أن النعمة التي جاءت ليست بشطارتي أو بمهارتي أو بذكائي أو بمالي أو بقوتي لكنها تمت بنعمة الله ومعونة الله وتوفيق الله U وإذا جاءت مصيبة في نظري فهي نعمة لكن لا أعلمها الآن لقول الله{وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}فبنو إسرائيل لما اعتقدوا أن الموت نقمة وذهبوا إلى سيدنا موسى وألحوا عليه وقالوا له: يا كليم الله اطلب من ربك U أن يرفع عنا الموت فلا يموت منا أحد وكانوا قوماً شداداً في المكابرة والعناد. فلما ذهب موسى إلى ربه وطلب منه ذلك فرفع عنهم الموت وابتلاهم بالأوجاع والأسقام والفقر وقلة الأقوات فالمريض يشكو مُرَ الشكوى من الألم ولا يجد من يريحه وليس هناك موت كما طلبوا واشتد القحط وقلت الأقوات حتى أكلوا القطط والكلاب من قلة الأقوات وبخلت السماء بالماء وبخلت الأرض بالنبات وكانوا يأكلون بعضهم من قلة الأقوات والأرزاق ولا يجدون مناصاً ولا مخلصاً لهم وبعد خمس سنوات ذهبوا إلى موسى وقالوا له اطلب من الله U أن يأتينا بالموت لقد اشتقنا إلى الموت قال يا قوم ألم تطلبوه؟ ألم أنهاكم عنه وأنتم أصررتم على ذلك؟ قالوا ما كنا نعلم بالحكمة العالية التي من أجلها بعثه الله U فدعا الله U فاستجاب الله له ووجدوا أن الموت هو المصيبة فيما بينهم ووصفه ربنا على قدرنا أنه مصيبة وقال {فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ} لأن الموت يريح من اشتكى من السَقم ولا يجد من يريحه من شدة الألم ويفتح للناس الأبواب لكي يأخذ كل واحد منهم دوره في الحياة فلا يتمتع الشيوخ الكبار على حساب الشباب بل لكل واحد منهم قسط معلوم ومصير من الأقوات والأرزاق ونعم الحي القيوم فعلينا أن نقول عند الموت: الحمد لله على نعمه وحتى المرض فهو نقمة على الكافرين لكنه نعمة للمؤمنين. كيف يكون المرض نعمة؟ لأن الله U يطهر به المسلم من خطاياه ويغسله من ذنوبه وآثامه حتى ورد فى الأثر أن: { مرض يوم يكفر ذنوب سنة }وهذا إنما هو للمريض الصابر الذي لا يجزع ولا يشكو الله ولا يقول: لم خصصتني يا ربَّ بهذا الهم؟ ولم ابتليتني بهذا الغم؟ وأنا أصلي وفلان لا يصلي لأن هذا اختياره بعلم وحكمة وهذا اختيار العليم الحكيم U. فالمريض الصابر الذي لا يشكو من مثل هذا كل يوم من أيامه يكفر عنه ذنوب سنة ولذا قال r: يقول الله في الحديث القدسي: { أَبْتَلِـي عَبْدِي الـمُؤْمِنَ، فإذَا لـم يَشْكُ إلـى عُوَّادِهِ ذلِكَ، حَلَلْتُ عنهُ عِقْدِي وأَبْدَلْتُهُ دماً خيراً من دمِهِ وَلَـحْمَا خيراً من لَـحْمِهِ ثم قلتُ له: إيتَنِفِ العَمَلَ –استكمل العمل-} [6].ومن فضل الله على هذه الأمة المحمدية أن يمرض الرجل منهم قبل موته لما ورد عن رسول الله r ما معناه أنه إذا أحب الله عبداً أمرضه قبل موته، لماذا؟ ليرحمه ويمحو الذنوب التي عليه ويبدلها بحسنات ومكان الحسنة بعشر حسنات ويزيد الله ويضاعف لمن يشاء على حسب قوة إيمانه وعلى حسب صبره وقدرته على تحمل المرض حتى المرض يا إخواني نعمة من نعم الله U لكن ليس معنى ذلك أن نرضى به ونسلم به ونترك التداوي وقد قال r: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ تَدَاوَوْا ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالى لَمْ يَخْلُقْ دَاءً إِلاَّ خَلَقَ لَهُ شِفَاءً}[7].علينا أن نأخذ بالأسباب التي أوجدها مسبب الأسباب Uإن المؤمن يا إخواني عليه آناء الليل وأطراف النهار أن يذكر الله وعليه أن يشكره وعليه أن يستعين بنعمه وعليه أن يؤدي ما عليه من واجبات ذكره وشكره إذا واجهه ولو بالقليل من نعمه وفضله U حتى يدخل في ساحة الرضوان فيمن قال فيهم{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ}أويدخل في قوله{رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ}فيدخل في هؤلاء القوم الذين سيكرمهم الله، والذين لا يندمون لحظة الخروج من هذه الحياة ولا يندمون يوم لقاء الله، ولا يندمون حتى بعد دخولهم في جنة المأوى وفي رحاب الله U. والمؤمن لحظة خروج روحه يرى ما له من الثواب العظيم على العمل اليسير فيكشف المولى ما له من الأجر العظيم على عمله في طاعة الله وعلى ذكره وعلى صبره وعلى حكمته في هذه الحياة فينادي ويقول كما قال الله{يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ }والذكر ليس له شروط فلا يحتاج إلى وضوء ولا إلى مكان معد ومحدد مثل هذا بل يجوز في الشارع ويجوز في السوق ويجوز في العمل ويصح في البيت ويصح على وضوء وعلى غير وضوء بل يجوز حتى على الجنابة فالجنب لا يصلي ولا يقرأ كتاب الله ولا يمس المصحف ولكنه يجوز له أن يذكر الله U. فأين العذر عندما يسألني الله؟ ماذا أقول له؟ كنت مشغولاً بالأرزاق فيقول لي: وما شأنك بذلك؟ ألم أقل لك{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى }وكذلك في الآخرة فالسابقون في هناء وسرور من الطاعات والقربات والنوافل وعمل الصالحات فقد سبق المفردون قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: المستهترون بذكر الله U والمستهترون معناها الذين لا يغفلون عن ذكر الله طرفة عين قال r: {كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَىٰ اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَىٰ الرَّحْمنِ. سُبْحَانَ اللّه وَبِحَمْدِهِ. سُبْحَانَ اللّهِ الْعَظِيمِ }[8]، وقال أيضاً { سيروا فقد سَبَقَ المُفْردُونَ، قالوا: يا رسول الله، وما المفردون؟ قال: المُفْرَدُونَ بِذِكْرِ الله وَضَعَ الذِّكْرُ عَنْهُمْ أَثْقَالَهُمْ، فَيٌّاتُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ خِفَافاً }[9]، وود عن ذى النون: { إذا أكرم الله عبداً ألهمه ذكره }وقال r: { أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعُهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ تَعَاطِي الذَّهَبِ والفِضَّةِ ومِنْ أَنْ تَلْقَوا عَدُوَّكُمْ غَداً، فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ، ويَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟، قالوا: بلى يا رسول الله! قال: ذِكْرُ الله عَزَّ وجلَّ }[10].
تهيم القلوب والأرواح في هذه الأيام إلى مهبط الرحمات الذي جهزه لنا الملك العلام فكلنا يود أن يذهب إلى تلك الأماكن ويملأنا الشوق ويعاودنا الحنين حتى أن بعضنا من شدة شوقهم إذا ناموا يرون أنفسهم في تلك البقاع يطوفون أو يسعون أو يقفون لأن الجميع يشتاق إلى بيت الله عزوجل . وقد ذكرني ذلك بقول سيدنا عبد الله بن عمر رضى الله عنه عندما كان يحج ذات مرة وأخذ يزاحم على الحجر حتى دمى وجهه وحتى تورمت أصداغه فقال له بعض من حوله: يا عبد الله لم هذه المزاحمة وقد أغناك الله عن هذا ونهى رسول الله صل الله عليه وسلم عن شدة المزاحمة؟ ماذا قال رضى الله عنه ؟ قال: هويت إليه القلوب فأحببت أن يكون فؤادي معهم. أى هذا المكان اشتاقت إليه القلوب فوددت أن يكون قلبي معهم بين يدي مقلب القلوب عزوجل .هذا حال المؤمنين ممن اختارهم الله لزيارته كلهم شوق وحنين وحب وأنين خاصة من أسمعه الله نداءه على لسان الخليل فقلبه مملوء بالشوق وفؤاده لا يستقر في مكانه لأنه هائم هيام دائم في بيت الله عزوجل لماذا هذا الحنين؟ ولماذا هذا الشوق؟هذا لأن الله يقول{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً }إن أول بيت وضع للناس في الأرض هذا البيت كيف تم ذلك؟ عندما أهبط الله آدم عليه السلام ونزل في سرنديب في بلاد الهند ونزلت الجدة حواء في جدة وسميت بهذا الاسم لأنها هبطت بها وأخذ يدعو الله ويستغيث بالله كما تقول إحدى الروايات ثلاثمائة عام وهو يبكي أسفاً على ما فرط في جنب الله وعلى النعيم والمقام الكريم الذي حرم منه بعد أن أهبط إلى الأرض وفي هذا الندم والأسف نزل عليه الأمين جبريل ووجهه إلى هذا البيت الكريم وقال له يا آدم اذهب إلى البيت وطف حوله يغفر الله لك. فجاء آدم عليه السلام من بلاد الهند ماشياً غير أن الله بقدرته كان يطوي له الأرض حتى وصل إلى البيت وكان البيت ليس كهيئته هذه وإنما صخور مرتفعة بناها الملائكة فطاف حوله وهو أول من طاف بالبيت من البشر وإن كان البيت لا يخلو من طائف في لحظة من ليل أو نهار فقد ورد في الأثر: { لا يخلو هذا البيت من ستمائة ألف يطوفون به كل يوم وليلة فإذا لم يتموا العدد من البشر أتمه الله من الملائكة } هذا المكان منذ أن خلقه الله وهو مكان للرحمات ومهبط للبركات يذهب الخطايا ويأتي بالفضل من الله عزوجل للزائرين وللسائلين وللعاكفين وللركع السجود هذا البيت في أي بلد؟ {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً}لمَ لم يقل الله مكة؟ هي مكة وبكة وأم القرى وهي البيت الحرام. وقال الله بكة لأن الله آلى على نفسه أن يبك (يدق) أعناق الجبابرة الذين تسول لهم أنفسهم أن يعتدوا على حرمة البيت. فهي بكة لأنها تبك (تدق) أعناق الجبارين الذين يريدون أن يؤذوا الطائفين والعاكفين ببيت رب العالمين عزوجل .وإذا كانت الحيوانات والطيور تتأدب مع بيت الله عزوجل كأنها فهمت قول الله {وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً}وأخذت على نفسها العهد ألا تؤذي أحد من أجناسها فقبل الإسلام ولم يكن للبيت سور يحيط به ولا أبواب تغلق فكانت الحيوانات المتوحشة يجري بعضها إثر بعض ليقتنص فريسته فإذا جرت الفريسة ودخلت حدود الحرم وقف الوحش بدون حراك كأنه يعلم أن هذا حرم وأن هذا مكان آمن وأنتم تحفظون جميعاً قصة فيل أبرهة عندما كانوا يوجهوه جهة الشام فيمشي وجهة اليمن يمشي أما جهة البيت فيصرخ فيحمو الأسياخ في النار وينخسونه بها فلا يتحرك لأنه يعلم شدة عقاب الله لمن يجترئ على ساحة فضل حرم الله عزوجل حتى أن الحيات وهي العدو اللدود للإنسان لا تؤذي إنساناً في الحرم ولا تروع إنساناً في البلد الأمين والطيور كذلك تقف على المصلين وتطير ذات اليمين وذات الشمال ولكنها تطوف كما أمر الله عزوجل المؤمنين بالبيت لو نظرت إليها لا تجد طائراً يعلو البيت الحرام إلا إذا كان به مرض فالحمامة التي تمرض يلهمها الله عزوجل أن شفائها في الوقوف على ظهر البيت للحظات فتصعد على ظهر البيت وتقف عليه للحظات فتشفى بأمر الشافي u أما الحمامة السليمة فإنها تطوف حوله كما يفعل المؤمنون وكما تفعل الملائكة وكما فعل النبيون والمرسلون أجمعون والكل ينفذ أمر رب العالمين{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}لابد أن يطوفوا بهذا البيت ولذا عندما ذهب أسعد الحميري بثلاث مائة ألف من جنده إلى البيت وقد كان سبق له الهداية من رب العالمين. صدَّه الله عزوجل عن البيت مع كثرة عدد جنده فما كان منه إلا أن نطق بالإسلام وطاف بالبيت وكساه الديباج والحرير فكان أول من كسا البيت بعد أن كان زاهداً في هذا البيت لأن الله تعهد ببكة أن تبك كل جبار يحاول أن يعتدي على البيت حتى أن الحجاج عندما حاصر ابن الزبير وأمر جنوده أن يقفوا على جبل أبي قبيس في مواجهة الكعبة ويضربوه بالمنجانيق [وهي آلة كالمدفع إلا إنها تقذف قذائف مصنوعة من القماش وفي وسطها البارود وإذا نزلت تعمل حرائق كبيرة] فأطلق المنجانيق على البيت وأشتعلت النيران وإذا بسحابة تأتي من جهة جدة على قدر البيت فتقف قبالة البيت وتنزل الماء فتطفئ النار التي أشتعلت في كسوة البيت ثم تأتي صاعقة فتخطف الثلاثين رجلاً الذين قذفوا هذا البيت وتنهي حياتهم في لمحة ولكنه من شدة جبروته جاء بآخرين وقال لهم: لا يهولنكم الأمر أي لا تخافون فإنها أرض صواعق فجاءت سحابة أخرى فاختطفتهم أجمعين فرجع عن كيده للبيت بعد أن يئس منه لأنه علم أن الله عزوجل يحفظه بحفظه ويكلؤه بكلاءته{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ}ولكي نعرف الفرق بينه وبين المسجد الأقصى عندما تحدث الله عن الأقصى جعل البركة حوله {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} والبركة حوله في الأنبياء الذين كانوا حوله والصالحين الذين كانوا حوله ولكنه عندما تحدث عن هذا البيت قال {مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ }هو في ذاته مبارك وهو في ذاته هدى للعالمين لأنه لا يذهب إليه إنسان إلا وتحيطه بركة الحنان المنان u فلو ذهب إليه تائب يتوب الله عليه ولو أتاه سائل يجيب الله له كل المسائل ولو ذهب إليه راج يحقق الله له كل رجاءه ولو ذهب إليه عابد يرجع بعبادة لا عد لها ولا حصر لها يكفي أن كل صالحة فيه تعدل مائة ألف فيما سواه، الركعة فيه بمائة ألف ركعة فيما سواه، والتسبيحة فيه بمائة ألف تسبيحة فيما سواه والصدقة فيه بمائة ألف صدقة فيما سواه حتى قال العلماء: لو صلى رجل صلاة واحدة جماعة في بيت الله الحرام كانت أفضل في الأجر والثواب له من أنه لو عاش عمر نوح في بلده يعبد الله عزوجل قيل له: وكيف ذلك؟ قال: الصلاة الواحدة بمائة ألف صلاة وصلاة الجماعة تزيد على صلاة الفرد بسبعة وعشرين درجة فحاصل ضرب المائة ألف في سبعة وعشرين يكون رقم كبير وعمل كثير لا يستطيع الإنسان أن يقضيه هنا ولو أعطاه الله عمر نوح عليه السلام هذا البيت يقول فيه صل الله عليه وسلم {يُنَزِّلُ اللَّهُ كُلَّ يَوْمٍ عَلَى حُجَّاجِ بَيْتِهِ الْحَرَامِ عِشْرِينَ وَمِائَةَ رَحْمَةٍ: سِتِّينَ لِلطَّائِفِينَ وَأَرْبَعِينَ لِلْمُصَلِّينَ وَعِشْرِينَ لِلنَّاظِرِينَ}[2]وقال صل الله عليه وسلم : {مَنْ أَتَىٰ هَـٰذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ}[3]علامات لا عدّ لها ولا حصر لها آيات ظاهرة كالحِجْر والحَجَر الأسعد الذي جعله الله يشهد لكل من استلمه كيف لحجر أن يعرف كل الصالحين من أول آدم إلى يوم الدين ويشهد لهم عند رب العالمين يعرفهم بأسمائهم ويصورهم ويردد الكلمات التي قالوها في مواجهته شهادة لهم عند ربهم وهو حجر لكنه مملوء بنور النور الأكبر عزوجل هذا الحجر فيه قصة للعظة والتفهيم أقصها عليكم عن أَبي سعيدٍ الْخدري رضى الله عنه قَالَ: { حَجَجْنَا مَعَ عُمَرَ بْنَ الُخَطَّابِ، فَلَمَّا دَخَلَ الطَّوَافَ اسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ فَقَالَ: إِني لأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، وَلَوْلاَ أَني رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ يُقَبلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ، ثُمَّ قَبَّلَهُ، فَقَالَ عَليُّ رضى الله عنه : يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ إِنَّهُ يَضُرُّ وَيَنْفَعُ، قَالَ: بِمَ؟ قَالَ: بِكِتَابِ اللَّهِ عزوجل ، قَالَ: وَأَيْنَ ذٰلِكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالى {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى} خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَمَسَحَ عَلى ظَهْرِهِ فَقَرَّرَهُمْ بِأَنَّهُ الرَّبُّ وَأَنَّهُمُ الْعَبيدُ، وَأَخَذَ عُهُودَهُمْ وَمَوَاثِيقَهُمْ وَكَتَبَ ذٰلِكَ فِي رَقَ، وَكَانَ لِهذَا الْحَجَرِ عَيْنَانِ وَلِسَانَانِ، فَقَالَ: افْتَحْ فَاكَ، فَفَتَحَ فَاهُ، فَأَلْقَمَهُ ذٰلِكَ الرَّقَّ، فَقَالَ: اشْهَدْ لِمَنْ وَافَاكَ بِالمُوَافَاةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِني أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: يُؤْتى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْحَجَرِ الأَسْوَدِ وَلَهُ لِسَانٌ ذَلِقٌ يَشْهَدُ لِمَنْ اسْتَلَمَهُ بِالتَّوْحِيدِ، فَهُوَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ يَضُرُّ وَيَنْفَعُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَعِيشَ فِي قَوْمٍ لَسْتَ فِيهِمْ يَا أَبَا الْحَسَنِ}.[5] فما بالكم بالحِجْر وفيه باب للجنة مفتوح أبد الآبدين ودهر الداهرين. فعندما اشتكى إسماعيل إلى ربه من حر مكة قال له: يا إسماعيل اجلس في الحِجْر فإنا سنفتح لك فيه باباً من الجنة يأتيك منه الروح والريحان إلى يوم القيامة. فما بالكم بالميزاب؟ وهو مكتب استجابة الدعوات من حضرة الوهاب فلا يدعو عنده داع إلا ويؤمن عليه الملائكة المكرمون ووظيفتهم أن يقولوا: آمين آمين إلى يوم الدين. كل من يدعو يؤمنون عليه ومن وافق دعائه دعاء الملائكة استجاب الله عزوجل له.
فما بالكم بمقام إبراهيم؟ وما بالكم بزمزم؟ وما بالكم بكذا وكذا.. آيات وآيات تحتاج إلى أيام ودهور حتى نعرف منها بعض الحكم التي من أجلها أمرنا الله أن نتوجه إلى هذا البيت
آية من آيات ربنا عزوجل كلنا نشهدها فى الحج إما بعين الرأس لمن وصل إلى هنالك وإما في وسائل الإعلام لمن لم يقدم الاستطاعة ويوفقه الموفق للوصول إلى هنالك يذهب الناس من فجاج الأرض يفارقون الأهل وهم فرحون ويفارقون المال والأوطان وهو مغتبطون ومسرورون لا يبكي أحد لفراقهم بل كلنا نهنئهم ونتمنى أن نكون على أثرهم ونلح عليهم أن يدعو الله لنا هنالك أن يكرمنا بالحج كما أكرمهم هذه الآية ما سرها؟سرها كلمة وقف أمامها الناس كثيراً فقد سُئل الإمام علي رضى الله عنه وكرم الله وجهه: يا إمام كم بين السماء والأرض؟ فقال: دعوة مستجابة. ليس الفرق بين السماء والأرض بالكيلومترات ولا بالأميال ولا بسرعة الصوت أو الضوء أو غيرها بل هناك من هو أسرع من ذلك كله وهو الدعوة التي تخرج من قلب العبد المؤمن لله ربِّ العالمين فإنه لا يكاد يحرك بها شفتاه إلا ويستجيب لها الله عزوجل {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ}بمجرد الاستغاثة أجاب لم ينظر في الأمر ولم يؤجله إلى ميعاد بل استجابة فورية بفاء الفورية لأن الله عزوجل وعد بذلك عباده المؤمنين وخاصة إذا كانت الدعوة تتعلق بأمر من أمور الدين إذا كان الإنسان في ضيق بسبب إتباعه وصدقه لأمر الله أو يتعرض للإيذاء أو الشدات لتطبيقه لأمر الله أو يصبر أمام أعاصير المادة التي تريد أن تقتلع جذور الإيمان من قلوب المؤمنين فهذا هو المثل عندما ضاق بإبراهيم عليه السلام الميدان وفر بأهله وبولده وذهب إلى مكان لا يصدق أي إنسان بالحياة فيه لا زرع ولا ضرع ولا وحش ولا طير ولا خير فيها على الإطلاق لكن تجلت آية الكريم الخلاق لأنه هاجر بهم من أجل دين الله ولإحياء شعائر الله دعا فقال{رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ} هاجر بهم من أجل أن يقيموا الصلاة ويحيوا شعائر الله لأنهم لم يتمكنوا من إقامتها بين القوم الكافرين ودعا ماذا دعا؟ وماذا كانت إجابة المولى له{فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ } وهذا ما نراه منذ زمانه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها أفئدة الناس وقلوب الناس وأشواق الناس تزداد إلى زيارة هذه الأماكن وتتمنى أن تطأ هذه المواطن. لماذا؟ هل يحصلون هناك أرزاق؟ هل يحصلون هناك على أوسمة أو نياشين؟ نعم لكن أرزاق ربانية وأوسمة ونياشين قرآنية وإلهية لم يهاجروا طلباً للدنيا أو زينتها وإنك ترى العجب عندما ترى الرجل الفقير يجمع القرش على القرش حتى يوفر نفقة الحج فإذا توفرت لديه كانت هذه أكبر فرحة عنده في هذه الحياة لا يضارعها فرحة بمنصب مهما كان عظمه ولا بمولود مهما كان شأنه كيف يفرحون وهم من أموالهم ينفقون؟ ولأهلهم وأوطانهم يفارقون؟ ولبلاد لا يعرفونها يذهبون؟ لأنها دعوة إبراهيم علية السلام التي استجاب لها الله وجعل هذا المكان قبلة لجميع خلق الله من لم يذهب إليه للحج يتجه إليه وهو في مكانه في الصلاة ولا تستوفى الصلاة إلا إذا اتجه إلى البيت الذي بناه إبراهيم عليه السلام استجابة لدعوته عزوجل .
والشق الثاني من الدعوة{وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ }وهذا أمر والحمد لله رأيناه جميعاً فليس عندهم أنهار ولا أمطار ولا غابات ولا أشجار لكن الله أنبع لهم من الأرض أرزاقاً بغير عمل منهم فتأتي الشركات الأجنبية ويعمل فيها أهل أمريكا وأوروبا الذين لا يتحملون حرارة الصيف يأتون وهم المترفون يعيشون في الصحراء متحملين حرارتها وشظف العيش بها ليحفروا آبار البترول ويستخرجونها وبني إبراهيم والذين سكنوا في الأرض التي دعا فيها إبراهيم جلوس مستريحين لا يتعبون ولا يكدون ولكنهم يقفون على المواني ليحاسبون فكل شحنة لهم منها نصيب بلا تعب ولا عناء ثم زاد الله عزوجل بعد ذلك في خير هذه الأرض فجعل خير أي بقعة في الكرة الأرضية من فواكهها ونباتها ومصنوعاتها ومشتهياتها يعرض في هذه الأماكن بأسعار أرخص من الأماكن التي تنتج فيها لأن الله استجاب لإبراهيم عندما قال له{وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}وعندما خوفهم بعض الكافرين بأن البترول مآله إلى النفاذ إذا بهم يكتشفون جبالاً من الذهب في باطن الأرض فتركوها كما هي للأيام الخالية لأن الله عزوجل شملهم بدعوة إبراهيم فرزقهم من جميع أنواع الثمرات والخيرات وتلك آية لنا جميعاً جماعة المؤمنين فيا أخي المؤمن يا من تشكو ضرك للمخلوقين وتشكو مكابدة الحياة وعناء العمل لمن لا يملكون لك ضراً ولا نفعاً ولا حياة ولا نشوراً ذلك هو الطريق اصلح ما بينك وبين الله ونفذ على نفسك وأهل بيتك ما يحبه الله ويرضاه وخذ بهم وبأيديهم على كتاب الله وعلى سنة سيدنا رسول الله صل الله عليه وسلم ثم اطلب بعد ذلك ما شئت من مولاك يواليك بالعطاء بلا سبب لأن الله يرزق أحبابه بغير حساب كما استجاب لإبراهيم في ذريته وأهله عليهم السلام{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}كيف تكون مستجاب الدعوة؟ وما الأمر الذي يطلب منك لتنال هذه المكرمة وتكون من أهل تلك المنة؟إن رسولكم الكريم صل الله عليه وسلم لخص الأمر في كلمتين مجيباً لسعد بن أبي وقاصرضى الله عنه عندما قال: يا رسول الله ادعوا الله أن يجعلني مستجاب الدعوة قال{يا سَعْدُ أَطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَة }[1] أي كل من طريق حلال ليس من غش ولا سرقة ولا خداع ولا ربا ولا تطفيف في كيل ولا غش في ميزان ولا تضييع لوقت العمل فيما لا يفيد وإهمال لمصالح المترددين من العبيد تحت دعوة على قدر فلوس الدولة نعطيها لأنك تعاقدت على ذلك وإن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه فإذا اتقنت العمل وابتعدت عن مواطن الزلل وحافظت على فرائض الله وكفى فإنه يكون بينك وبين الله خطاً مباشراً وهاتفاً مستعجلاً تدعوه في أي أمر ما لم يكن إثم أو قطيعة رحم. يعجل لك قضاءه في الحال وقد كان على ذلك أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم أجمعين والأمثلة في هذا المجال يضيق الوقت عن ذكرها قالصل الله عليه وسلم : { الرجُل يَـمُدُّ يَدَيْهِ إلـى السماءِ يا ربَّ يا ربِّ، ومَطْعَمُهُ حَرَامٌ، ومَشْرَبُه حَرَامٌ، ومَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وقَدْ غُذِيَ بالـحَرَامِ، فأَنَّى يُسْتَـجَابُ لَهُ }[2]الذين يدعون الله ألا يستبطأ الإجابة ويقول دعوت ودعوت ولم يستجب لي فقد قال r:{ يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ }[3] فالأمر يحتاج إلى يقين هاجر وإسماعيل عندما أودعها وطفلها بين الصفا والمروة وقالت له: لمن تتركنا ها هنا يا إبراهيم؟ فلم يجبها فكررت القول ثلاث فلما رأته لم يجبها قالت: أالله أمرك بذلك؟ قال: نعم، قالت: إذاً لا يضيعنا. ثقة بالله ويقيناً وحسن ظن بالله عزوجل وقال صل الله عليه وسلم :{ حُسْنُ الظّنِّ بِالله مِنْ حُسْنِ الْعِبادَةِ }[4]فلما أحسنت بالله ظنها فرج الله أمرها فبينما هي تجري مسرعة بين الصفا والمروة بعد نفاذ السقاء الذي كان معها من الماء إذا بها تجد طيوراً عند صغيرها فتسرع إليه خائفة فإذا الماء قد نبع من تحت قدم رضيعها وعلى هذا الماء أمر عجيب في صحراء جرداء لا يرويها نهر ولا يأتيها مطر تروي الملايين والملايين في كل طرفة عين ولا ينفذ ماؤها ولا يتغير طعمها ولا يعطي منها ماء في الأول يخالف الماء في آخر اليوم فكأنها تنبع من الجنة لا مقطوعة ولا ممنوعة وإسماعيلعليه السلام عندما حكى له أباه الرؤيا وقال{يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} ولم يعترض على أمر الله ولم يهرب من أبيه بل عاونه وكان نعم العون له وقال له يا أبت لا تخبر أمي بخروجنا وخرجا وتظاهرا أنهما خارجان للسير فلما وصلا إلى منى قال: يا أبت اشحذ المدية (السكين) حتى تقطع بسرعة وانزع قميصي من على جسدي حتى لا يقع عليه الدم فتعرف بذلك أمي فتحزن لأجلي وألقني على وجهي حتى لا تنظر إلى قسمات وجهي فتأخذك رحمة في تنفيذ أمر الله عزوجل فقال له: نعم الولد أنت عوناً لأبيك يا إسماعيل{فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ }ونزل الملك بفدائه من الجنة بكبش سمين لتكون سنة عملية لمن يحج ولمن لا يحج إلى يوم القيامة تثبت للناس أجمعين أن المؤمنين الذين يسلمون لأمر الله ولا يعترضون على قضاء الله الذي ليس في وسعهم دفعه ولا منعه يحميهم الله بلطفه وينقذهم الله عزوجل ببره لأنه نعم الوكيل ونعم المولى ونعم النصير جماعة المؤمنين عليكم بباب الدعاء عليكم بباب الدعاء تعلموا آدابه وألزموا أنفسكم بشروطه وادعوا الله عزوجل في ليلكم ونهاركم في مساجدكم أو في أعمالكم أو في بيوتكم أو في شوارعكم تجدون الله عزوجل أقرب إليكم من كل شئ لكم أو حولكم وأقرب إليك من مالك الذي في البنك ومن زوجتك التي تنام إلى جوارك على الفراش ومن فلذة كبدك الذي أنفقت عليه آلاف الجنيهات وارحم بك من نفسك وارحم عليك من كل هؤلاء. فاستغني بالله يغنيك الله عمن عداه
جعل الله عزوجل في كل عام أوقاتاً عظيمة نُشرّف فيها أسماعنا بسماع قصة سيدنا إبراهيم ونُمتّع عقولنا بفهم الحكم العظيمة التي من أجلها أوجب الله عزوجل علينا أن نتذكر في هذه المواطن والأيام سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل وزوجه هاجر عليهم السلام أجمعين. لماذا؟ ... حكم كثيرة وعبر عظيمة ومنافع جمّة لا نستطيع أن نحيط بها في هذا الوقت القصير وإنما الأمر كما يقول الإله العلي الكبير ] لقد كان فى قصصهم عبرة للأولى الألباب [ (111يوسف( . ليست روايات وحواديت نسمعها على سبيل التسلية لكنها عظات عالية وحكم غالية وآنات آلهية راقية علينا أن نتدبرها ونعيها ونفهمها في هذا الوقت يا إخواني حتى يكرمنا الله كما أكرمهم وحتى يعمنا الله عزوجل بالفضل الكبير الذي عمّهم به وبالأجر العظيم الذي وعدهم به وبالثواب الجزيل الذي أدخره لهم المولى عزوجل عنده..
عبرة واحدة أريد أن أفهمها وآخذها لنفسي ويفهمها معي إخواني نحن في هذه الأيام.. كل واحد فينا يحاول أن يعمل لأولاده ما ينفعهم في الدنيا فالذي يسافر ليحضر لهم ريالات أو دولارات والذي يتاجر ليعمل لهم بيوتاً وعمارات والذي يجري هنا وهناك كل هذا لماذا؟ هو لا يريد شيئاً لنفسه لأنه تزوج وسكن وأدى ما عليه ولكنه يريد أن يعمل لأولاده حاجة تنفعهم في الدنيا والكل يعتقد تمام الاعتقاد أنَّ من يفعل ذلك هو الناصح في دنياه الشفوق العطوف على أبنائه وولاياه، السعيد في نظر خلق الله ...
وكلنا لا يشك في هذا الكلام وهذا الكلام الصحيح لكن الأصح منه أن نتأسى بأنبياء الله ورسل الله وعلى رأسهم خليل الله عليه السلام . ماذا أفعل؟ عاش ثمانين عاماً لم يرزقه الله عزوجل فيهم بغلام فلم ييأس من فضل الله ولم يقنط من رحمة مولاه بل كان دائماً وأبداً منتظراً لفرج الله، وانتظار الفرج عبادة كما أخبرنا سيدنا ومولانا رسول الله صل الله عليه وسلم ، يعني الذي أخرّ الله عنه الإنجاب والولد يترقب الفضل وينتظر الكرم من الله عزوجل وهذا الانتظار عبادة يثيبه عليها العزيز الغفار عزوجل ، عبادة ليس فيها عمل ولا تعب ولا إنفاق إلا إنه يحرك قلبه بالحنان والعطف والإشفاق إلى المليك الخلاق يستمطره الرحمات وينتظر منه المكرمات لأنه وحده عزوجل الذي بيده مقاليد السموات والأرض وهو على كل شئ قدير.
أكرمه الله بالولد بعد ثمانين عاماً ولم يتركه يفرح به لوقت طويل بل أمره على الفور بأن يلقي به في صحراء ليس فيها زرع ولا ضرع ولا ماء ولا فيها حتى وحوش لأن الوحوش لا تسكن إلا المكان الذي فيه قوتهم وفيه شرابهم وهذا مكان ليس فيه قوت لحي ماذا يفعل؟ هل اعترض على أمر الله؟ هل شعر في نفسه بأن هذا الحكم الذي حكم به عليه الله قاس؟ هل ناوأ الله وقال كما نسمع من عباد الله لماذا تفعل معي هذا؟ ولماذا حكمت عليّ بهذا الحكم؟! ولم خصّصتني وأمرتني بهذا العمل؟ هل مثل هذا الكلام ينفع من العبد مع سيده ومولاه؟ ] وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون [ (68القصص)، فإذا قضى أمراً فعلينا بقوله ] وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسولة أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا [ (36الأحزاب) ، فكل أمر أمر به الله لا يجوز للمؤمن أن يختار بعد أمر الله ولا يجوز للمؤمن أن يعترض على ما قضاه الله ولا يجوز للمؤمن أن يُظهر حتى بقلبه أو بنفسه الجزع أو الهلع أو الضيق في الأمر الذي أبرمه الله عزوجل ولكن عليه أن يرضى بأمر الله وأن يُسلّم لقضاء الله وأن يفوض كل أموره لله عزوجل فإذا لم يرضى ماذا يكون له؟ وإذا رضى ماذا يكون له؟.
قال صل الله عليه وسلم : {مَنْ رَضِيَ، فَلَهُ الرِّضَا. وَمَنْ سَخِطَ، فَلَهُ السُّخْطُ} الذي يرضى عن أمر الله وعن قضاء الله فسيرضيه الله في دنياه ويرضيه الله عزوجل في أخراه والذي يسخط لا يعبأ به الله يمشي في أودية الهموم أو تقتله الهموم والغموم أو يهلك مع الهالكين في الأفكار والشواغل الدنيوية أو تحرمه هذه الأشياء من المتع النورانية، ومن الهناءة الروحانية عندما يناجي معنا الحضرة العلية كل هذه الأمور يا إخواني تحدث له وأكثر ولا يهتم به الله لأنه لم يرض بأمر الله عزوجل لكن المؤمنين ( جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجرى من تحتهم الأنهار خالدين فيها أبدا رضى الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشى ربه [ (8البينة) ، لأنهم رضوا عن أمر الله وتقدير الله فكان جزاؤهم أن رضى عنهم الله عزوجل .
هذا الرجل رضى وعلم زوجته الرضا حتى أنه تركها وليس معها إلا جراب بسيط فيه بضع تمرات وآخر بسيط فيه جرعة ماء فنظرت إليه وقالت يا إبراهيم لمن تتركنا ها هنا؟ فلم يجبها وآثر الصمت والسكوت فكررت القول يا إبراهيم لمن تتركنا ها هنا؟ فلم يلتفت ولم يرد فقالت: أألله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذاً لا يضيعنا. لأنها على يقين أن الرزاق هو الله عزوجل - فالمرأة التي قال لها جيرانها في وداع زوجها مسافراً، لمن يتركك؟ قالت لهم: زوجي مُذْ عرفته أكال والرزاق هو الله يذهب الأكال ويبقى الرزاق عزوجل - لما اطمأنت ورضيت وسلمت لأمر الله عزوجل فرح إبراهيم ودعا لها الجليل وقال كما سمعنا جميعاً في محكم التنزيل:
] ربنا إنى أسكنت من ذرينى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون [ (37إبراهيم (.
دعا وهو راضٍ فلباه الله وأجابه الله وزاده الله عزوجل من فضله وكرمه لأنه راضٍ عن أمر الله وعن حكم الله عزوجل . لم يَدع لهم في البداية بالأرزاق والأقوات والخيرات والأموال لأنه يعرف أن هذه الأشياء مضمونة ويعلم أن هذه الأشياء لو جاءت إلى قوم غير مسلمين فستكون وبالاً عليهم في الدنيا وطامة عظمى يوم لقاء رب العالمين. ربما يدعو لهم بالأموال فتأتي الأموال لكن لا يوفقون في كيفية الإنفاق التي ترضي الله ولا كيفية تحصيلها بحيث لا يتجنبون غضب وسخط الله فيكون المال في هذا الوقت يميل بهم إلى غضب الله في الدنيا ويميل بهم إلى جهنم وبئس القرار لكن المرء العاقل يفعل كما فعل الخليل عليه السلام يدعو الله عزوجل لهم بإقامة الصلاة ويركز عليها فأول ما بدأ هذا الدعاء قال فيه: ]ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم [ ثم عاد إلى تكراره في آخر الدعاء حيث قال: ] رب اجعلنى مقيم الصلاة ومن ذريتى ربنا وتقبل
دعائى [ (40إبراهيم( ، فكرر مرة ثانية دعوة الإقامة لماذا؟
لأنه قانون الله الذي حكم به في كتاب الله عزوجل فالذي يخاف على أولاده من بعده ويخشى عليهم أن يتعبوا أو يجوعوا أو لا يجدوا موضعاً يسكنون فيه ولا أموالاً للزواج ولا عمل يتكسبون منه ماذا يفعل يا رب؟ لا يوجد هيئة تأمين ومعاشات والتأمين على الحياة لكن واهب الحياة وصانع الحياة ومدبر أمور الحياة قال للمؤمنين الذين يحرصون على أبنائهم بعد انتقالهم من هذه الحياة: ] وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم [ ماذا يفعلوا يا رب؟ ] فليتقوا الله وليقولوا سديدا [ (9النساء) ، أمرين اثنين ... يتقوا الله عزوجل ويقولوا الأقوال السديدة التي تسدد لهم في خانات حسناتهم وفي صحف إيمانهم حتى تنتفع بها ذرياتهم بعد مماتهم
إذاً الأمر يا إخواني على عكس ما يقول الناس فالذي ينفع الأبناء على التحقيق ليست وديعة البنوك ولكن الوديعة التي ادخرتها عند ملك الملوك عزوجل حتى أن الله سخر نبياً من أولي العزم وولياً من كمل الأولياء من أجل بناء الجدار فالولي يبني ومعه المسطرين والنبي يصنع المونة ويناولها له ويناول معها الطوب لهذا الولي مع أن هذه البلدة لم يَدْعهم أحد من أهلها حتى لشربة ماء أو فنجان قهوة أو كوب شاي ولما قال سيدنا موسى كيف نعمل لأناس لم يضيّفنا منهم أحد؟ أجابه نحن مكلفين بهذا العمل من الله لأجل هذين الغلامين ] وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين فى المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا [ (82الكهف) ، أبوهم هذا كان الجد السابع وليس الأب المباشر ولا الذي بعده ولكن الجد السابع كان صالحاً فنفع الله به ذريته من بعده وسخر لهم رسولاً وولياً ليقيما الجدار وليحفظ هذا الكنز حتى يبلغ الصبيان فضلاً من الله عزوجل ونعمة يا جماعة المؤمنين فسيدنا إبراهيم علّمنا هذا الدرس بأننا ندعو لهم بالصلاح ونهتم في أمرهم بأمر الله ونسوقهم إلى الطاعات ونعرفهم التشريعات ونبين لهم أحكام كتاب الله ونوضح لهم سنة سيدنا ومولانا رسول الله ثم نطمئن إلى أن عناية الله لن تتخلف عنهم طرفة عين
طھظپط§طµظٹظ„ ط§ظ„ط®ط¨ط±
العالم كله من حولنا الكافرين والمشركين والجاحدين والملحدين يتعجبون من الروح الغريبة التي تنتشر في المسلمين في هذه الأيام شوقاً إلى بيت الله الحرام ينظرون إلى وسائل الإعلام فيرون المسلمين الفقراء يضحون بكل شئ ويتبعون كل شئ في سبيل أن يذهبوا لهذه البقاع المباركة ثم ينظرون إلى أحوالهم عند وصولهم إلى هذه الأماكن منهم من يتوفى ومنهم من يبكي ومنهم من يصرخ ومنهم من يفعل كذا وكذا فيزداد عجبهم ويتساءلون لم يفعل المسلمون هذه الأشياء؟
لحجارة في ظنهم وخيالهم وجهلهم كأي حجارة في الأرض لكن تعالوا معي يا عباد الله ننظر إلى المغناطيس الإلهي الذي أودعه الله في بيت الله والذي يجذب المؤمنين القاصين والدانين جميعاً إلى
بيت الله ما هو؟ إن الله عزوجل يتحدث عن ذلك فيقول: ] فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان ءامنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا [ (97آل عمران) ، فيه علامات واضحات، فيه مناهج ودلالات، فيه أنوار ساطعات، فيه إشراقات وفيوضات وتجليات لمن فتح الله عين قلبه ونظر
بنظارة الإيمان فيرى حول بيت الله أنوار مكون الأكوان عزوجل ، أما هؤلاء الذين عمت بصائرهم فلا يرون هذه الآيات ولا ينكشفون على تلك التجليات لأن الله عزوجل لا يكشف على أسراره للمجرمين والمشركين وإنما يحفظها لعباده المؤمنين ولا يكشفها إلا للصادقين من عباده المؤمنين.
تعالوا معي يا عباد الله جماعة المؤمنين نجلس في بيت الله وننظر إلى الكعبة المشرفة التي أسسها
الله على مائدة الله والنظر إليها عبادة فما بالكم بالطواف حولها والصلاة لها إنها عبادات مباركات لها أجر ثابت حدده سيد السادات صل الله عليه وسلم . أول سؤال يواجهنا ونحن حول هذا البيت لماذا بناه الله؟ ولماذا أمر برفعه الله؟ إن هذا له قصة عجيبة فعندما اختار الله آدم عليه السلام ليكون خليفة في الأرض وجمع الملائكة أجمعين وأمرهم بالسجود لمن اختاره خليفة عن رب العالمين وقال لهم موجهاً لهم الخطاب: ] وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إنى أعلم مالا تعلمون [ (30البقرة) ، فعلموا أنهم أخطأوا
في الجواب على حضرة الوهاب وأساءوا الأدب في الحديث مع حضرة الله فخرجوا هائمين إلى البيت المعمور يطوفون حوله يعلنون توبتهم ويقدمون ندمهم لعل الله عزوجل يغفر لهم هذه الذلة !!!
فلما طافوا حول البيت المعمور وهو فوق السماء السابعة تجاه الكعبة تماماً قال لهم الله (اهبطوا إلى الأرض فابنوا لعبادي بيتاً إذا أخطأوا كما أخطأتم وأذنبوا كما أذنبتم يذهبون إليه فيطوفون حوله كما طفتم فاغفر لهم كما غفرت لكم) ونزل آدم عليه السلام من الجنة بأرض الهند وأخذ يبكي على ذنبه لله أربعين عاماً حتى رق عليه الملائكة الكرام فنزل أمين الوحي جبريل وقال يا آدم أين أنت من بيت الله اذهب إليه فطف حوله يغفر لك ذنبك الله عزوجل فجاء من أرض الهند إلى أرض الحجاز ماشياً على أقدامه فطاف بالبيت وهو يقول كما أنبأنا حضرة الرسول: {اللهم إنك تعلم سري وعلانيتي فاقبل معذرتي وتعلم ما في نفسي فاغفر لي ذنبي، اللهم إني أسألك إيماناً يباشر سويداء قلبي حتى لا أحب تأخير ما عجلت ولا تعجيل ما أخرت إنك على كل شئ قدير}
طاف حوله وهو يردد هذه الكلمات فأوحى الله عزوجل إليه { يا آدم قد دعوتنا بدعوات فاستجبناها لك
وكل من جاء من بنيك وذريتك إلى هذا البيت ودعا بهذه الدعوات استجبنا له وغفرنا له ذنبه ونزعنا الفقر من بين عينيه وملأنا قلبه بالإيمان وتجرنا له من وراء تجارة كل تاجر } فهو رمز المغفرة من الغفار وسر التوبة من التواب ورمز القبول من العزيز الوهاب لمن خرج من بيته لا يريد إلا وجه الله ولا يبغى بحجة إلا اتباع سيدنا ومولانا رسول الله وماله حلال واجتهد في جمعه من طريق حلال إذا ذهب إلى هناك وطاف بالبيت وانتهى من الطواف يضع الملائكة الموكلين بالبيت أيديهم على ظهره ويقولون كما قال رسول
الله صل الله عليه وسلم : {قد كفيت ما مضى فاستأنف العمل فيما بقى} {مَنْ أَتَىٰ هَـٰذَا الْبَيْتَ فَلَمْ
يَرْفُثْوَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ} .
ولم يحدد الصغائر ولا الكبائر، السر ولا العلانية رب العباد فإن الله عزوجل يغفر جميع الذنوب لأنه يرده كالطفل المولود والطفل المولود لا يكتب عليه الكرام الكاتبون سيئات أبداً لا يكتبون له إلا خيرات
وحسنات لكن صحيفة سيئاته كما هي مطوية لا تفتح إلا إذا بلغ الحلم فيرجع وليس عليه شاهد
بذنب لأن الله عزوجل غفر له جميع ذنبه.
هذا البيت المبارك يا إخواني فيه آيات ظاهرة جلية يراها حتى الكافر والنافر....
بل إن كفار مكة كانوا يعظمون البيت قبل الإسلام ومعهم العرب وهم يعبدون الأصنام لماذا؟ للآيات
الحسية التي رأوها في هذا البيت المبارك انظروا معي بيت بني بالأحجار كيف تتأدب معه الحيوانات والأطيار؟ وهي كما نعلم جميعاً ليس معها عقول ولم تتأدب بآداب إن الطيور التي حوله والتي حماها الله وحرم ذبحها لأدبها مع بيت الله ماذا تفعل؟ تطوف حوله كالطائفين ولا تعلو ظاهره أبداً في طيرانها إلا الطائر المريض فإنه يعلو ظاهر البيت ويقف فوق ظهره للحظات فيشفى بإذن الله عزوجل أما الجميع فيطوفون حوله كما يطوف الطائفون ولا يعلون ظهره أبداً أدباً مع بيت ربهم عزوجل .
بل إن الناقة التي ركبها سيدنا رسول الله صل الله عليه وسلم وهو في حجة الوداع وطاف راكباً لها حول البيت وسعى عليها بين الصفا والمروة أمسكت نفسها فلم تخرج بولاً ولا روثاً في بيت الله عزوجل تأدباً مع بيت الله عزوجل مع أن بولها طاهر وروثها طاهر لأن القاعدة الشرعية كل ما أكل لحمه فبوله طاهر وروثه طاهر بل إن الحيوانات المتوحشة كالأسود والنمور والكلاب رؤى عنها مراراً وتكراراً أنها كانت تجري وراء صيد لها مثيل لها فتجري وراء زرافة أو تجري وراء ماعزاً وتجري وراء ضبّ فتدخل الفريسة الحرم فيقف الوحش ويتأدب ولا يستبيح الصيد في داخل الحرم الذي جعله الله عزوجل آمناً فإذا كانت الحيوانات المتوحشة والطيور والحيوانات المستأنسة تتأدب مع هذا البيت فلماذا؟
لأن فيه أسرار وأنوار لا يكشفها الواحد القهار إلا لعباده الأخيار والأطهار بل إن العرب عرفوا به أسرار الأمطار قبل تقدم علم الفلك في العالم أجمع فيجلسون حول البيت في موسم الحج فإذا نزل المطر شرق البيت كان شرق العالم كله في هذا العام في خير وبركة ومطر من الملك العلام وإذا نزل الغيث غرب البيت كان غرب العالم كله في هذا العام مطر وخير من الله عزوجل وإذا نزل المطر حوله من جميع الجهات كان هذا العام عام رخاء على الأرض كلها، فهو الميزان وهو المرصد الذي يحدد الخير النازل من الله إلى جميع عباد الله وشتى أرجاء المعمورة بإذن الله عزوجل .
هذا البيت يا إخواني لا يخلو من الملائكة فحوله سبعون ألفاً من الملائكة الكرام كل كلماتهم آناء الليل وأطراف النهار آمين آمين آمين يؤمنون على دعاء الطائفين والعاكفين والراكعين والساجدين في بيت رب العالمين عزوجل ولذا كان الدعاء فيه مستجاب لا يرد أبداً لأن الله عزوجل جعله موضع إجابة وعندما دعا فيه الخليل إبراهيم رأينا أثر دعوته إلى يومنا هذا فما فيه هؤلاء القوم من خيرات وثمرات وبركات إنما هو استجابة لدعوة إبراهيم عليه السلام .
هذه الآيات وغيرها كثيرات لضيق المقام عن ذكرها جعلت المولى عزوجل لا يدخل بهذا البيت إلا من يحبه من عباده وكل من أراد الله غفران ذنوبه وكل من أراد الله ستر عيوبه وكل من أراد الله تطهيره من الخطايا وكل من أراد الله أن يجعله من التوابين والمتطهرين اسمعه في البدأ دعوة إبراهيم للزائرين فإن إبراهيم عليه السلام هو الذي دعا جميع الزائرين بدون استثناء إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها
فعندما كلفه الله بالبناء وأخذ يبني البيت وإسماعيل يجمع الأحجار ويحملها إليه وبنى حتى وصل
البناء إلى قامته ثم تحير كيف يبني بعد ذلك فأنزل الله له حجراً ] فيه آيات بينات مقام إبراهيم
[ (97آل عمران)، يقف عليه ويحمله إسماعيل بالأحجار ثم يشير إليه فيرتفع بأمر الواحد القهار حتى
يصل إلى مستوى البناء ويظل واقفاً في الهواء حتى ينتهي إبراهيم من البناء فيشير إليه فيرجع مرة أخرى إلى الأرض ولما انتهى من البناء أجمع وقال هو وإسماعيل ] وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك ئأنت السميع العليم * ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة
لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم [ (127، 128البقرة).
قال الله يا إبراهيم:] وأذن فى الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق [ (27الحج)، قال يا ربي وما يبلغ صوتي؟ قال: عليك الأذان وعلينا البلاغ فوقف على الحجر وأوجد الله
الآية في الحجر فلان الحجر تحت أقدامه حتى أثرت فيه أصابعه الشريفة عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ثم اتجه جهة الشام وقال أيها الناس إن الله قد بنى لكم بيتاً وكتب عليكم الحج فحجوا ثم اتجه جهة اليمين وقال مثل ذلك وجهة المشرق وقال مثل ذلك وجهة المغرب وقال مثل ذلك فأمر الله الجبال أن تهبط والوديان أن ترتفع وفتح أسماع الأرواح وفتح أسماع الأجنة في بطون أمهاتها وأنطق ألسنة الجميع بأمر ربها فلبت الأرواح وقالت ملبية نداء الخليل لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك..
والملائكة يسجلون فمن قالها مرة كان نصيبه الحج مرة ومن رددها مرتين كان نصيبه الحج مرتين ومن
زاد على ذلك فبحساب ذلك وبقى حجر المقام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وفيه أقدام الخليل
عليه السلام يراه كل من ذهب إلى هذه الأماكن فيعلم صدق رسول الله فيما قال عن الله ويعلم صحة الخبر أن من بنى البيت هو خليل الله وهذه آثار أقدامه وهذا هو الحجر الذي نادى عليه والذي كان يقف عليه بقى إلى ما شاء الله كما هو وفيه آثار قدميه عليه السلام ، فإذا كان في ليلة النصف من شعبان فيكشف الله للملائكة الكرام في اللوح المحفوظ الذين وقع عليهم الاختيار للذهاب إلى زيارة الله في
بيته الذين يدعوهم لزيارته والذين يؤهلهم للوقوف بين يدي حضرته والذين كتب لهم الطواف حول بيت عظمته والذين هيأ لهم الوقوف على عرفات معرفته فينقلون أسمائهم ويرسلون لهم دعوة لربهم عن طريق الملك الذي وكل بقلوبهم وهو ملك الإلهام فقد قال صل الله عليه وسلم فى حديث ما معناه :
{لكل آدمي ملك على قلبه يلهمه بالخير ويحثه عليه وشيطان يوسوس له } فيرسلون له الدعوة
عن طريق ملك الإلهام فيلقى في روعة الشوق إلى بيت الله والحنين إلى هذه الرحاب التي باركها
الله فيقول لمن حوله إني عازم على الحج هذا العام ....
ثم ييسر المولى الكريم الزاد وييسر الطريق وييسر لمن يريد أن يكرمهم قال صل الله عليه وسلم : {الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللَّهِ، إنْ دَعَوْهُ أَجَابَهُمْ، وَإنِ ٱسْتَغْفَرُوهُ غَفَرَ لَهُمْ وإن شكروا شكرهم} وقال r: {يُغْفَرُ لِلْحَاج وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ} .
. إن من آيات الله في البيت الحرام الحجر الأسعد الذي يستلمه الساعي من الله عزوجل لما وقف أمامه عمر بن الخطاب رضى الله عنه وقال له: إنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صل الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك. فقال له الإمام علي رضى الله عنه وكرم الله وجهه: بل إنه ينفع ويضر بإذن الله يا أمير المؤمنين. قال: وكيف ذلك؟ قال: أما علمت أن الله عندما أخذ الميثاق على بني آدم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين كتب هذا الأمر في رق ثم ألقمه هذا الحجر فهو يشهد لكل من استلمه يوم القيامة وقد قال صل الله عليه وسلم : {يُؤْتَىٰ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْحَجَرِ الأَسْوَدِ وَلَهُ لِسَانٌ ذَلِقٌ يَشْهَدُ لِمَنِ اسْتَلَمَهُ بِالتَّوْحِيدِ }
هذا الحجر يسجل كل الذي يمر حوله كل الطائفين وكل المصلين وكل الراكعين والساجدين وكل الناظرين. العدسة النورانية التي أودعها فيه رب العالمين تسجل هيئاتهم وأصواتهم وحركاتهم وسكناتهم ثم تعيد هذا الفيلم أمام الخلائق أجمعين يوم الدين. كيف هذا وهو في نظرنا حجر لكنه فيه سر من فاطر البشر عزوجل حجر ليس كالأحجار حتى في صفاته الحسية وقد ورد أن أبا عبد الله القرمطي والقرامطة كانوا من الخوارج الشاذين عن دين الله نزل هو ورجاله إلى بيت الله الحرام في موسم الحج وقتلوا الحجيج وخلعوا الحجر وحملوه معهم إلى الكوفة وأرادوا أن يصرفوا المسلمين عن بيت الله إلى الحجر الذي وضعوه في مسجد لهم في الكوفة وافص عليكم جزءا من الرواية الواردة فيه:
{ فَمُدَّةُ إقَامَتِهِ عِنْدَ الْقَرَامِطَةِ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ سَنَةً فَافْتَدَاهُ أَيْ اشْتَرَاهُ مِنْهُمْ الْخَلِيفَةُ الْعَبَّاسِيُّ بِثَلاثِينَ أَلْفِ دِينَارٍ وَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُكَيْمٍ الْمُحَدِّثَ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ لِيَتَعَرَّفَهُ وَيَأْتِي بِهِ فَذَهَبَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ إلَى الْقَرَامِطَةِ فَأَحْضَرُوا لَهُمْ حَجَرًا, فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَنَا فِي حَجَرِنَا عَلامَتَانِ لا يَسْخُنُ بِالنَّارِ وَلا يَغُوصُ فِي الْمَاءِ فَأَحْضَرُوا نَارًا وَمَاءً فَأُلْقِيَ فِي الْمَاءِ فَغَاصَ ثُمَّ فِي النَّارِ فَحَمِيَ وَكَادَ يَتَشَقَّقُ, فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَيْسَ هَذَا بِحَجَرِنَا ثُمَّ أُتِيَ بِحَجَرٍ مُضَمَّخٍ بِالطِّيبِ فَفَعَلَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ كَذَلِكَ فَجَرَى لَهُ مَا جَرَى لِذَلِكَ فَأُحْضِرَ إلَيْهِمْ الْحَجَرُ الأَسْوَدُ فَوُضِعَ فِي الْمَاءِ فَطَفَى وَلَمْ يَغُصْ وَفِي النَّارِ فَلَمْ يَحْمِ فَعَجِبَ أَبُو طَاهِرٍ وَسَأَلَهُ عَنْ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ فَأَسْنَدَ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ [الْحَجَرُ الأَسْوَدُ يَمِينُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ خَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ مِنْ الْجَنَّةِ وَإِنَّمَا اسْوَدَّ مِنْ ذُنُوبِ النَّاسِ يُحْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَهُ عَيْنَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا وَلِسَانٌ يَتَكَلَّمُ بِهِ يَشْهَدُ لِكُلِّ مَنْ اسْتَلَمَهُ وَقَبَّلَهُ بِالإِيمَانِ وَأَنَّهُ حَجَرٌ يَطْفُو عَلَى الْمَاءِ وَلا يَسْخُنُ بِالنَّارِ إذَا أُوقِدَتْ عَلَيْهِ] . قَالَ أَبُو طَاهِرٍ هَذَا دِينٌ مَضْبُوطٌ بِالنَّقْلِ وَمِنْ آيَتِهِ أَنْ تَفَسَّخَ تَحْتَهُ ( مات تحته) وَهُمْ ذَاهِبُونَ بِهِ قِيلَ أَرْبَعُونَ جَمَلا وَقِيلَ ثَلاثُمِائَةٍ وَقِيلَ خَمْسُمِائَةٍ وَلَمَّا أُعِيدَ لِمَكَّةَ أُعِيدَ عَلَى جَمَلٍ أَعْجَفَ هَزِيلٍ فَسَمِنَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.}
هذا هو قدر الحجر الأسعد فما بالكم بالمطاف الذي لا يسع أكثر من مائة ألف رجل يطوفون في وقت واحد لكنه لو اجتمع فيه كل سكان المعمورة في وقت واحد يسعهم بإذن الله وعلى هذا الحال أيضاً منى فهي مكان ضيق بين جبلين لا تسع إلا بضع آلاف قليلة. سألوا رسول الله صل الله عليه وسلم يا رسول الله كيف تسع منى الحجيج مع ضيقها؟ فقال صل الله عليه وسلم : { إن منى تتسع بأهلها كما يتسع رحم الأم بالجنين الذي فيه } يتسع بطن الأم للجنين فإذا خرج رجعت كحالتها وهكذا منى وسئل صل الله عليه وسلم ما بالنا ومن قبلنا نرمي بالكثير والكثير عند الجمرات ولا نجد له أثراً إلا القليل عند انتهاء المناسك؟ فقال صل الله عليه وسلم : { ما تُقُبِّل منها رفع، ولولا ذلك لرأيتها أمثال الجبال } .
آيات وآيات كثيرات لا أستطيع أن أحصيها في موقفي هذا ولكن عليكم عباد الله أن تجددوا شوقكم إلى بيت الله فإن الله أمرنا أن نتجه إليه في كل صلاة حتى نحس بالشوق إليه وبالحنين إليه نريد أن نصلي وليس بيننا وبينه جدار وليس بيننا وبينه جبال وليس بيننا وبينه وديان نريد أن نصلي يوماً من الأيام وأمامنا بيت الله الحرام فكلما وقف المصلي بين يدي الله يتحرك فيه الشوق إلى بيت الله الحرام ويريد أن يكون مع الذين أنعم الله عليهم في هذا المقام.
ونحن فى شهر ذي الحجة الكريم ويتوافد الحجيج على أرض الله تلبية لنداء سيدنا إبراهيم خليل الله
فإن الله عزوجل أمره أن يبني البيت فقال يا ربَّ فكيف اعلم مكان البيت؟ فانزل الله سيدنا جبريل عليه السلام
وأعلمه بأن الله سيرسل سحابة ستقف أمامه على مكان البيت وأمره أن يعلم على ظلها فإنه أساس البيت
فلما علم على أساس البيت وكشفه بأمر الله أمره الله أن يبنيه وإسماعيل عليه السلام ثم أرسل لهم الملائكة الكرام
يقطعون الأحجار وينقلونها إلى حيث مكان البيت ويضعها إسماعيل لإبراهيم إلى أن تم البناء بأمر الله عزوجل .
فلما تم البناء نادى الله عزوجل إبراهيم وقال كما قال في محكم كلامه القدير ( وأذن فى الناس بالحج يأتوك رجالا
وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق )(27الحج) . فقال يا ربَّ وما يبلغ صوتي؟ قال: يا إبراهيم عليك الآذان وعلينا البلاغ
فأمر الله الأرواح أن تخرج من مستقرها وأمر الجبال أن تهبط من عليائها والوديان أن ترتفع إلى مستوى سطح الأرض
وأسمع الجميع آذان إبراهيم عليه السلام فوقف إبراهيم على الجبل المواجه للكعبة (جبل أبي قبيس) واتجه مرة إلى اليمين
ومرة إلى الشمال ومرة إلى الجنوب ومرة إلى الشرق وأخرى إلى الغرب وفي كل مرة يقول:
(أيها الناس إن الله قد بنى لكم بيتاً وكتب عليكم الحج فحجوا) فقلنا وقال من قبلنا ومن بعدنا من كتب الله لهم زيارة هذا البيت
قلنا جميعاً: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لبيك اللهم لبيك، منا من قالها مرة
ومنا من قالها مرتين ومنا من زاد على ذلك وفي ذلك يقول نبيكم الكريم صل الله عليه السلام :
{من لبى مرة حج مرة ومن لبى مرتين حج مرتين ومن زاد على ذلك فبحساب ذلك} .
فإذا كانت ليلة النصف من شهر شعبان ظهر في اللوح المحفوظ بقلم القدرة من علوم فيض حضرة الديان
الحجاج الذين اختارهم الله لأداء هذا المنسك في هذا العام فتنسخ الملائكة أسمائهم ويبلغونه دعوة ربهم
منهم من تبلغه الدعوة مناماً ومنهم من تبلغه الدعوة في نفسه يقظة ومنهم من يجد الشعور بالذهاب للزيارة
ومنهم من يتحرك فيه الباعث لأداء الفريضة والذي حرك هذه البواعث والذي ألهم تلك النفوس
والذي أجج غرام تلك القلوب إنما هو علام الغيوب عزوجل فإذا دعاهم لزيارته يسر لهم الأسباب
وبسط لهم الأرزاق وسهل لهم الأمور حتى يذهبوا لأداء المناسك ويتمون الحج لوجه الله عزوجل مصداقاً لقوله سبحانه
(و أتموا الحج والعمرة لله )(196البقرة).
يذهب ابتغاء مرضاة الله لا من أجل السمعة ولا من أجل الرياء ولا من أجل اكتساب
لقب فإن الله عزوجل غني عن تلك الألقاب وغني عن تلكم الأعمال وإنما
( من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون ) (15الجاثية).
فإذا ذهبوا إلى هناك ذهبوا تطبيقاً لأمر الله وتنفيذاً لسنة رسول الله وهمهم أداء الفريضة ابتغاء وجه الله
فرجعوا كيوم ولدتهم أمهاتهم كما قال صل الله عليه وسلم :
{ مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رجع كيوم ولدته أمه } خالياً من الذنوب والعيوب ... لماذا فرض الله تلك الفريضة؟
إن الله عزوجل لما أخبر ملائكته الكرام وقال لهم ] وإذ قال ربك للملائكة أنى جاعل فى الأرض خليفة
قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إنى أعلم ما لا تعلمون [ (30البقرة)،
فعلموا أنهم أخطأوا لأنهم لم يحسنوا رد الجواب على ربهم فطافوا حول البيت المعمور في السماء السابعة تائبين منيبين فلما أتموا سبعة أشواط قال لهم: بشرى يا ملائكتي فقد غفرت لكم اهبطوا إلى الأرض فابنوا لعبادي بيتاً فإذا أخطأوا كما أخطأتم وأذنبوا كما أذنبتم يذهبون إليه فيطوفون حوله كما طفتم فاغفر لهم كما غفرت لكم فلما وقع آدم في الخطيئة ونزل ببلاد الهند وحواء بجدة بالأراضي الحجازية ومكث ثمانين عاماً يبكي على خطيئته حتى فتح الله له أبواب توبته فنزل جبريل وأمره أن يذهب إلى البيت ليطوف بالبيت حتى يتوب عليه رب البيت عزوجل فجاء من بلاد الهند ماشياً حتى وصل إلى البيت وطاف حوله وقد ورد فى ذلك : { طاف آدم عليه السلام سبعا بالبيت حين نزل، ثم صلى تجاه باب الكعبة ركعتين، ثم أتى الملتزم، فقال: اللهم إنك تعلم سريرتي ، وعلانيتي، فاقبل معذرتي، وتعلم ما في نفسي، وما عندي فاغفر لي ذنوبي، وتعلم حاجتي، فأعطني سؤلي، اللهم إني أسألك إيمانا يباشر قلبي، ويقينا صادقا حتى أعلم أنه لن يصيبني إلا ما كتبت لي، والرضا بما قضيت علي، قال: فأوحى الله تعالى إليه: يا آدم قد دعوتني بدعوات فاستجبت لك، ولن يدعوني بها أحد من ولدك إلا كشفت غمومه، وهمومه، وكففت عليه ضيعته ، ونزعت الفقر من قلبه، وجعلت الغناء بين عينيه، وتجرت له من وراء تجارة كل تاجر، وأتته الدنيا وهي راغمة ، وإن كان لا يريدها، قال: فمذ طاف آدم عليه السلام كانت سنة الطواف } ( ورد فى أخبار مكة للأزرقي، رواية عن عبد الله بن أبي سليمان مولى بني مخزوم }.
فمن يذهب بمال حلال ابتغاء رضاء الواحد المتعال فإنه يرجع من هناك كيوم ولدته أمه خالياً من الذنوب والعيوب بالإضافة إلى الثواب الذي لا نستطيع أن نحيط به في هذا الوقت القصير ويكفي أن نلمح إليه في قول الرجل الصالح الذي يقول: (صلاة واحدة في جماعة في بيت الله الحرام خير وأعظم عند الله من عمر نوح في طاعة الله عزوجل ) فقالوا له وكيف ذلك؟ قال الصلاة في البيت الحرام بمائة ألف صلاة فإذا كانت في جماعة تزيد سبعاً وعشرين مرة فتصير مليونين وسبعمائة ألف صلاة فإذا قسمناها على خمس صلوات في اليوم كان عمراً أكبر من عمر نوح عليه السلام في طاعة الله عزوجل وليست الصلاة فقط فالتسبيحة بمائة ألف تسبيحة،
والصدقة بمائة ألف والختمة للقرآن الكريم بمائة ألف ختمة وصلاة الجمعة بمائة ألف صلاة جمعة وكل عمل صالح هناك بمائة ألف عمل صالح هنا فضلاً من الله عزوجل ونعمة.
قال صل الله عليه وسلم : {الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللَّهِ، إنْ دَعَوْهُ أَجَابَهُمْ، وَإنِ ٱسْتَغْفَرُوهُ غَفَرَ لَهُمْ وإن شفعوا شفعوا} .
.
. ما بال المؤمنون الذين لم يكتب الله لهم أداء هذه الفريضة يحرمون من هذا الأجر والثواب نقول لهم ولنا إن الله عزوجل يعطي من هنا مثل أجر من هناك بشروط ومواصفات وضعها رسولكم الكريم صل الله عليه وسلم يردد الناس - وهذا من جهلهم بدينهم - أن المقبول هو الذي فتح له الباب وسافر بالطائرة أو بالباخرة أو في الأتوبيس ويعيرون من أخذ بالأسباب ولم يكتب له السفر ويقولون له لو كنت مقبولاً لهيأ الله لك السفر، وكذبوا على الله عزوجل فإن كثيراً ممن يسافر إذا قال لبيك اللهم وسعديك تقول له الملائكة لا لبيك ولا سعديك وحجك هذا مردود عليك ... لماذا؟
لأنه حج من مال حرام وبعضهم خرج للرياء والسمعة حتى إذا رجع يقولون الحاج فلان ذهب والحاج فلان رجع ومثل هذا ليس له من الأجر إلا سمعته وإلا تشريفه بهذا اللقب وإذا كان الأمر أمر السفر فإن نبيكم الكريم رأى في المنام أنه ذهب لأداء الحج وبشر أصحابه وذهبوا وأحرموا وساقوا الهدى ومنعهم الكفار من دخول البيت مع أن الله قال لهم: ] لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله ءامنين محلقين رؤسكم ومقصرين فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا [ (27الفتح) ، الكفار والمشركين يطوفون بالبيت والرسول الكريم يمنع من دخول البلد الحرام هل كان هذا دليلاً على قبول الكفار وعلى رد الرسول المختارصل الله عليه وسلم ؟ أم أن تلك الأقدار تفعل بإرادة الواحد القهار عزوجل ] وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما [ (30الإنسان).
أنت تريد والله يريد ولا يكون إلا إرادة الحميد المجيد عزوجل . أما الذي نوى الحج وأخذ بالأسباب ولم تتيسر له أسباب السفر فقد كتب له حجة مقبولة طوافها وسعيها ووقوفها ورميها ونفقاتها وهي في ميزان حسناته عند الله يوم القيامة وأنا ضمين بذلك عند الله لأن الذي قال ذلك رسولكم الكريمصل الله عليه وسلم . لكن الذي يريد الحج ولم تتيسر له النفقات وليس معه مال ولكنه مشتاق للزيارة ويعيش هذه الأيام القادمة أيام العشر مع الحجيج يعيش معهم في طوافهم ومعهم في سعيهم ومعهم في تلبيتهم يكتب له أجر الحج بنيته وبصدق إرادته وقد قال صل الله عليه وسلم : { إنَّـما الأعْمَالُ بالنِّـيَّاتِ وإنَّـما لكل امْرِىءٍ ما نَوَى } ولم يقل لكل امرء ما عمل.
وقد سافر أصحابه إلى تبوك في بلاد الشام وكان سفراً طويلاً وشاقاً فلما وصلوا إلى هنالك قال صل الله عليه وسلم لمن معه: { إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَقَوْماً، مَا سِرْتُمْ مِنْ مَسِيرٍ، وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِياً، إِلاَّ كَانُوا مَعَكُمْ فِيهِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ: وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ. حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ } منعهم العذر وهو ضيق ذات اليد وقلة النفقة من أن يكونوا معهم والله يثيب المؤمنين على قدر نياتهم فالمؤمن ينوي كل عام حج بيت الله الحرام فإن تيسر له الأمر فبها ونعمت وإن لم يتيسر له الأمر أخذ أجر الحجيج المقبولين وثوابهم عند الله على قدر نيته وعلى قدر صدق إرادته لأن الأعمال بالنيات عند الله عزوجل .
قال صل الله عليه وسلم : { مَنْ صَامَ يَوْمَ عَرَفَةَ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ سَنَتَيْنِ: سَنَةً أَمَامَهُ، وَسَنَةً خَلْفَهُ } وهذا كما يحدث للحجيج، وقال صل الله عليه وسلم : { يَا فَاطِمَةُ قُومِي إِلى أُضْحِيَتِكِ فَاشْهَدِيهَا، فَإِنَّ لَكِ بِكُل قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِهَا أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكِ مَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبِكِ } . فالحاج هناك يطوف ويسعى والذي هنا يصوم تلك الأيام الفاضلة التي يقول فيها رسولكم الكريم: { مَا مِنْ أَيَّامٍ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَىٰ أَنْ يُتَعَبَّدَ لَهُ فِيهَا مِنْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، يَعْدِلُ صِيَامُ كُل يَوْمٍ مِنْهَا بِصِيَامِ سَنَةٍ، وَقِيَامُ كُل لَيْلَةٍ مِنْهَا بِقِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فإذا كان يوم عرفة فإن الله يغفر بصيامه ذنوب سنتين } .
وإذا كان الحاج يذبح الهدي فالذي هنا يذبح الأضحية وله نفس الأجر وإذا كان الحاج يلبي فالذي هنا يكبر من يوم الوقفة ويوم العيد وأيام التشريق عقب كل صلاة ليكون الذي هنا يكبر والذي هناك يكبر ويلبي والذي هناك في عرفات والذي هنا بروحه مع الله في استجابة الدعوات فيثيب الله الجميع ويوزع الأجر على الجميع،
طھظپط§طµظٹظ„ ط§ظ„ط®ط¨ط±
. نحن هنا والحمد لله بأجسامنا بينكم وأرواحنا في هذا الوقت وهذا الحين في بلد الله الحرام مع حجاج بيت الله نتابع خروجهم اليوم من مساكنهم في مكة إلى منى ليصلوا هناك اليوم الظهر والعصر والمغرب والعشاء وبعد صلاتهم الصبح في يوم الغد يتوجهون جميعاً إلى عرفات الله عزوجل ماذا يستحضرون في أعمالهم؟ إن الشريعة المطهرة أمرت المؤمن والمؤمنة أن يستحضر في كل عمل يعمله بأعضائه وحركات جسمه مشهداً قلبياً يشهد فيه سراً من أسرار حكمة ربه عزوجل .
وسنسوق على حسب المقام بعض ما يشهده حجاج بيت الله الحرام في أداء مناسكهم رغبة في رضا الرحمن عزوجل ، في صباح هذا اليوم يغتسلون ويتذكرون بهذا الغسل آخر غسل لهم بعد وفاتهم للقاء ربهم عزوجل ثم يخلعون ملابسهم ويلبسون ملابس الإحرام ويتذكرون بها الأكفان التي يلبسونها يوم يدعوهم الديان عزوجل فإذا خرجوا من ديارهم تذكروا صيحة الله عزوجل عندما ينادي (يا أيتها العظام النخرة ويا أيتها الأعضاء المتقطعة ويا أيتها الشعور المتهالكة اجتمعوا واخرجوا ليوم الجمع) فيتذكروا هذا النداء فيقولون ملبين لله (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك).
وكلمة لبيك يعني جئت إليك مسرعاً طائعاً يا ربَّ العالمين فهي تعني سرعة الإجابة وسرعة التلبية لله عزوجل فإذا وصلوا إلى عرفات تذكروا يوم الميقات ] فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون [ (25آل عمران) ، وقد تسارع الجميع لا شهرة لغني ولا ظهور لفقير ولا مكان مخصص لأمير أو وزير بل الكل سواسية أمام العلي الكبير عزوجل ، ملابس واحدة وفي مكان واحد وألسنة مختلفة وأصوات متنوعة ووجوه متباينة كأنه يوم الحشر فيضرع الإنسان إلى الله إذا تذكر يوم العرض على الله وعلم أن هذا هو اليوم الذي سيحاسبه فيه مولاه على ما قدمت يداه فيسارع إلى التوبة ويبكي بدموع الندم على الذنوب ويضرع إلى الله عزوجل أن يتغمده بغفرانه وأن يشمله بعفوه ورضوانه.
ولذا قال صل الله عليه وسلم : { أعظم الناس ذنبا من وقف بعرفة فظن إن الله لم يغفر له } ،
ثم يدعوهم الله عزوجل بعد خروجهم واعترافهم على عرفات بذنوبهم للقاء حضرته، فيتذكر الحاج بالذي يقطعه على الله والذي يباعد بينه وبين طريق الله وهو إبليس اللعين فيرجم الجمرات كأنه يعلن البراءة من وسوسة إبليس ومن تلبيس إبليس ويتذكر أن النفس تعوقه في مهمته فيسارع إلى إراقة الدماء وكأنه يقول يا ربَّ إن لم يكن يرضيك إلا قتل نفسي في سبيل مرضاتك فها أنا ساعي في مرضاتك بكل ما أستطيع ثم يذهبون إلى بيت الله الحرام والله عزوجل لايحده بيت ولا يحيط به مكان ولكنه مثال جعله الله لنتذكر به يوم العرض على الله عزوجل ، فيتذكر وقوفه بين يدي مولاه عندما يطوف ببيت الله عزوجل وكيف يكون موقفه وكيف يكون شأنه في يوم يقول فيه سيد الأولين والآخرين صل الله عليه وسلم : { إن الوجوه لتتهدل حتى لا يكون عليها مزعة لحم من شدة الخجل والحياء من الله عزوجل } هذا للمسرفين والعصاة والمذنبين أما المؤمنون الصالحون ففيهم يقول رب العالمين جل وعلا فى محكم التنزيل: ] وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة [ (22، 23القيامة).
ثم يطوف ويمشي بين الصفا والمروة ويتذكر مشيه بين كفتي الميزان فالصفا إشارة إلى كفة الحسنات والمروة إشارة إلى كفة السيئات وهو يمشي بينهم يتهادى تارة ويسرع أخرى ويتعشم أن تثقل كفة حسناته ولو بحسنة واحدة حتى يكون فيمن قال فيهم الله ] كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور [ (185آل عمران).
هذه باختصار شديد بعض المعاني التي يستحضرها الحجيج لكي يغفر الله لهم ويقول لهم انصرفوا لقد غفرت لكم وقد أكرم الله عزوجل المسلمين أجمعين في هذا اليوم ووعدهم بالمغفرة وقد قال صل الله عليه وسلم : {خَيْرُ الدّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ} لم يقل دعاء المؤمن على أرض عرفة لكنه جعل دعاء يوم عرفة لمن هناك ولمن هنا على أن يشاركهم في حالهم ويهيئ نفسه لاستحضار أحوالهم ولذلك دعا النبي صل الله عليه وسلم المؤمنين والمؤمنات إلى صيام هذا اليوم وقال في شأنه: { صومِ يومِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الماضِيَةَ والبَاقِيَةَ }
لأن الصيام يقوي الاستحضار ويقوي الناحية الروحانية فيعيش المؤمن في هذا اليوم في أي زمان وفي أي مكان وكأنه على عرفات الله عزوجل مع الحاج يدعو الله أو يتلو كتاب الله أو يستغفر الله أو يبتهل ضارعاً إلى الله المهم ألا يشغل نفسه في هذا اليوم إلا بطاعة الله عزوجل فإذا أكرم الله الحجيج بإجابة الدعوات كان دعاؤه معهم وإذا أكرمهم الله بغفران الذنوب غفر الله عزوجل له معهم وإذا تفضل عليهم بشئ من الرحمات عمته الرحمة معهم لأنه شاركهم بنفسه وبروحه وإن لم يستطع أن يشاركهم بجسمه.
ويشهد لذلك قول رسولكم الكريمصل الله عليه وسلم فيما يرويه الإمام البخاري عندما توجه بجيشه إلى تبوك ببلاد الشام ووقف هناك وقال لمن حوله: { إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَقَوْماً، مَا سِرْتُمْ مِنْ مَسِيرٍ، وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِياً، إِلاَّ كَانُوا مَعَكُمْ فِيهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ: وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ. حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ } ولأن العذر حبسهم فقد شاركوا إخوانهم في أجورهم وفي مكافآتهم وفي كل أحوالهم.
هكذا الأمر يا جماعة المؤمنين لمن حبسهم العذر عن الذهاب إلى بيت الله لكنه عاش في هذه الأيام بروحه وبنفسه وبعقله وبقلبه وبكله في هذه البقاع المباركة حتى أنه عندما ينام من شدة شوقه لهذه الأماكن قد يجد نفسه يطوف بالبيت أو يسعى بين الصفا والمروة أو يقف على عرفات لشدة شوقه إلى هذه الأماكن المباركات فدعانا النبي صل الله عليه وسلم إلى أن نصوم هذا اليوم وإلى أن نكبر الله عزوجل من صبح الغد وهو يوم عرفة إلى عصر يوم الرابع من أيام العيد.
نكبر الله بعد كل صلاة سواء صلينا في جماعة أو صلينا فرادى الرجال والنساء وإن كانت النساء تكبر بصوت خافت والرجال بصوت عالي لكن الكل يكبر الله عقب كل صلاة سواء كانت فريضة أو سنة فمن صلى ركعتي الضحى عليه أن يكبر في هذه الأيام حتى لو حضرتنا جنازة في هذه الأيام علينا بعد الانتهاء من صلاة الجنازة أن نكبر الله عزوجل :
قال صل الله عليه وسلم : { مَا رُؤِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمَاً هُوَ أَصْغَرُ وَلاَ أَحْقَرُ وَلاَ أَدْحَرُ وَلاَ أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ } ، وقال: { ما مِنْ يَوْمٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ يَنْزِلَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى سَمَاءِ الدَّنْيَا فِيُبَاهِي بِأَهْلِ الأَرْضِ أَهْلَ السَّمَاءِ، فَلَمْ يُرَ يَوْمُ أَكْثَرُ عِتْقاً مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ } ، وقال صل الله عليه وسلم ايضاً: { صومِ يومِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الماضِيَةَ والبَاقِيَةَ } .
يكرم الله عزوجل عباده المؤمنين في هذه الأيام بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فالمؤمن الذي يقتدي بنبي الله إبراهيم ونبي الله إسماعيل يشتري أضحية بشروطها الشرعية إن كانت من الماعز يشترط أن يكون مرّ عليها عامين وإن كانت من الأغنام يشترط أن يكون مرّ عليها ستة أشهر وإن كانت من الأبقار يشترط أن يكون قد مرّ عليها سنتين وإن كانت من الجمال يشترط أن يكون قد مر عليها خمس سنوات ... وألا تكون بها عيوب ... لا عوراء ..ولا جرباء .. ولا هزيلة .. ولا مريضة .. ولا مشقوقة الأذن ولا مكسورة القرن .. لأن المؤمن لا ينال البر حتى يعطي أفضل ما يحب لله عزوجل .....
وأن يكون ذلك بعد صلاة العيد وسماعه الخطبة لقوله عزوجل ] فصل لربك وانحر [ (2الكوثر)، ويجوز أن نذبحها في أول يوم أو ثاني يوم أو ثالث يوم على أن يذبح بالنهار ويكره الذبح بالليل وأيضاً لا يعطي الجزار شيئاً منها على سبيل الأجرة كما يفعل الكثير منا يحضر الجزار فيذبح الأضحية ثم يحمل الجلد على كتفه ويخرج على أنه أجرته ..هذا ممنوع.
فقد قال على رضى الله عنه وكرم الله وجهه: { أَمَرَنِي رَسُولُ اللّهِ أَنْ أَقُومَ عَلَىٰ بُدْنِهِ. وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا وَأَجِلَّتِهَا. وَأَنْ لاَ أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا. قَالَ: نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا }
ماذا نفعل بالجلد؟ يمكن أن نبيعه ونتبرع بثمنه لأي مشروع من مشروعات الخير أو عمل من أعمال البر فإذا وفى المسلم بهذه الشروط خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وليس هذا فقط بل قال صل الله عليه وسلم : { لصاحبها بكلِّ شعرةٍ حسنةٌ، ويُرْوَى بِقُرُونِها }
من يستطيع أن يعد؟ { ولكم بكل قطرة من دمها حسنة وإنها لتوضع في الميزان بقرونها وأظفارها ولحومها ودمائها فطيبوا بها نفساً وأبشروا }.
ثم ماذا يا رسول الله؟ قال صل الله عليه وسلم : { إِسْتَفْرِهُوا ضَحَايَاكُمْ فَإنَّهَا مَطَايَاكُمْ عَلَى الصرَاطِ } أى هي الركوبة التي تكربها على الصراط يوم القيامة إن شاء الله.
فالأضحية سنة على الموسر يفعلها في عمره كله ولو مرة لكن لا يجب في سبيلها أن تحدث المشكلات في البيوت كأن نريد أن نضحي حتى لا نكون أقل من الجيران !!! ولا يجب أن يستدين المرء ليضحي لله عزوجل !! فالذي معه سعة عليه أن يضحي خوفاً من قول رسول الله صل الله عليه وسلم : { مَنْ وَجَدَ سَعَةً لأَنْ يُضَحيَ فَلَمْ يُضَح فَلاَ يَحْضُرْ مُصَلاَّنَا } لكن الذي ليس معه لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لأن المؤمن لا يعمل العمل إلا لله فإذا ضحى فإنما يضحي طمعاً في ثواب الله ورغبة في رضاء الله لا سمعةً بين جيرانه ولا شهرةً بين أقرانه.
و قد يحدث في البيوت ما لا تحمد عقباه من هذا أن الزوجة قد تصرّ على الأضحية ولو شكى لها الزوج ألف عذر لا ترحمه لأنها تقول له كيف أقابل الجيران وأتحدث مع الإخوان وليس عندنا أضحية؟ وهذا لا يرضي الرحمن عزوجل ، فالمؤمن لا يعمل إلا لله ولا يعمل إلا ابتغاء ثواب الله وطلباً لرضوان الله عزوجل .
لكن المؤمن الذي ليس معه سعة عليه أن يحاول أن يضحي ولو مرة واحدة في عمره كله وهذا ليس بالصعب العسير ليحصل على هذا الثواب يغفر الله له ولأهل بيته وتوضع بكل ما فيها في كفة حسناته ويكون له ركوبة يركبها على الصراط يوم لقاء الله هذا فضلاً عن متابعته لسنة سيد الأنبياء وإمام الأنبياء سيدنا رسول الله صل الله عليه وسلم وسيدنا إبراهيم عليه السلام .
فإذا ضحى فإن الأضحية يصلح شأنها ويرفع ثوابها أن يعطي المرء منها للفقراء والمساكين وعليه أن يتحرى في ذلك فإن كثيراً منا يعطي السائلين وكثيراً منهم ليسوا محتاجين وإنما يستكثرون من هذا الخير لعلمهم أن الناس يعطون من سألهم لكن المؤمن يتحرى موضع صدقته وخير موضع يضعها فيه الموظف الذي عنده أولاد ودخله لا يكفيه.
كيف يعطيها له؟ إن هذا أمر لو هدى الله عزوجل العبد له لألهمه بالطريقة السليمة الرشيدة التي يستطيع بها أن يضع صدقته في موضعها لقد قال صل الله عليه وسلم : { لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِالَّذِي تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ. وَلاَ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ. إِنَّمَا الْمِسْكِينُ الْمُتَعَفِّفُ أبا العيال } .
وقال الله عزوجل واصفاً الفقراء الذين يبحث عنهم الأغنياء ] للفقراء الذين أحصروا فى سبيل الله لا يستطيعون ضربا فى الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف [ لا يقدر أن يمد يده لأحد ] تعرفهم بسيماهم لا يسئلون الناس إلحافا [ (273البقرة) ، لا يشكو فقره إلا إلى ربه عزوجل ...
مثل هذا يجب علينا أن نغنيه في هذا اليوم فإن السائل الذي يمد يده إلي وإليك تعلمون جميعاً أنه يملأ ثلاجات العمارة كلها بما تسوله من اللحوم. أما الفقير المتعفف فقد لا يستطيع إحضار كيلو واحد من اللحم لأولاده في هذا الوقت ولا يستطيع أن يمد يده ولا تطاوعه نفسه أن يسأل لأنه رجل عفوف النفس قوي الإيمان وهذا الذي يجب علينا أن نبحث عنه جميعاً أيها المؤمنون.
وإياك أخى المسلم .. أن تقول أنه ليس بموجود أو أنه أصبح مفقوداً بل موجود وكثير، ولا يغرك المظهر ولا يغرك الشأن العام ولكن ابحث في جوهر الناس وتحسس في طلبات الناس بلا تجسس والتماس عورات ولكن ابحث عن الفقير المتعفف ذو العيال الذى اغلق بابه وكف لسانه وسأل ربه وليسوا الذين سدوا ابواب الطرقات وغصت بهم باحات المساجد وإن أغلبهم لتجار كما نهر عمر رضى الله عنه أحدهم لما رآه يسأل المرة تلو المرة فقال له إنك لتاجر.... فلنبحث عن المتعففين المحتاجين لنضع الصدقة في موضعها الحقيقي
طھظپط§طµظٹظ„ ط§ظ„ط®ط¨ط±
قال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء: رواه الخطيب في المتفق والمفترق والديلمي في مسند الفردوس من حديث ابن عمر بسند ضعيف، كشف الخفاء
رواه الترمذي في سننه عن عمر بن شعيب ورواه الطبراني في الأوسط عن ابن عمرو .
رواه مسلم وأحمد في مسنده عن أبي قتادة الأنصاري .
رواه البخارى وأحمد عن أنس
رواه الإمام مالك في الموطأ والبيهقي من طريقه وغيرهما عن طلحة بن عبيد الله بن كريز.
صحيح ابن حبان عن جابر.
رواه مسلم وأحمد في مسنده عن أبي قتادة الأنصاري .
صحيح مسلم
رواه أحمد والترمذي وابن ماجة عن زيد بن أرقم
رواه السيوطي في الكبير والديلمي عن أبي هريرة
رواه ابن ماجة في سننه ورواه أحمد والحاكم عن أبي هريرة.
رواه ابن ماجة في السنن والسيوطي في الكبير عن عمران بن حصين.
وسنسوق على حسب المقام بعض ما يشهده حجاج بيت الله الحرام في أداء مناسكهم رغبة في رضا الرحمن عزوجل ، في صباح هذا اليوم يغتسلون ويتذكرون بهذا الغسل آخر غسل لهم بعد وفاتهم للقاء ربهم عزوجل ثم يخلعون ملابسهم ويلبسون ملابس الإحرام ويتذكرون بها الأكفان التي يلبسونها يوم يدعوهم الديان عزوجل فإذا خرجوا من ديارهم تذكروا صيحة الله عزوجل عندما ينادي (يا أيتها العظام النخرة ويا أيتها الأعضاء المتقطعة ويا أيتها الشعور المتهالكة اجتمعوا واخرجوا ليوم الجمع) فيتذكروا هذا النداء فيقولون ملبين لله (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك).
وكلمة لبيك يعني جئت إليك مسرعاً طائعاً يا ربَّ العالمين فهي تعني سرعة الإجابة وسرعة التلبية لله عزوجل فإذا وصلوا إلى عرفات تذكروا يوم الميقات ] فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون [ (25آل عمران) ، وقد تسارع الجميع لا شهرة لغني ولا ظهور لفقير ولا مكان مخصص لأمير أو وزير بل الكل سواسية أمام العلي الكبير عزوجل ، ملابس واحدة وفي مكان واحد وألسنة مختلفة وأصوات متنوعة ووجوه متباينة كأنه يوم الحشر فيضرع الإنسان إلى الله إذا تذكر يوم العرض على الله وعلم أن هذا هو اليوم الذي سيحاسبه فيه مولاه على ما قدمت يداه فيسارع إلى التوبة ويبكي بدموع الندم على الذنوب ويضرع إلى الله عزوجل أن يتغمده بغفرانه وأن يشمله بعفوه ورضوانه.
ولذا قال صل الله عليه وسلم : { أعظم الناس ذنبا من وقف بعرفة فظن إن الله لم يغفر له } ،
ثم يدعوهم الله عزوجل بعد خروجهم واعترافهم على عرفات بذنوبهم للقاء حضرته، فيتذكر الحاج بالذي يقطعه على الله والذي يباعد بينه وبين طريق الله وهو إبليس اللعين فيرجم الجمرات كأنه يعلن البراءة من وسوسة إبليس ومن تلبيس إبليس ويتذكر أن النفس تعوقه في مهمته فيسارع إلى إراقة الدماء وكأنه يقول يا ربَّ إن لم يكن يرضيك إلا قتل نفسي في سبيل مرضاتك فها أنا ساعي في مرضاتك بكل ما أستطيع ثم يذهبون إلى بيت الله الحرام والله عزوجل لايحده بيت ولا يحيط به مكان ولكنه مثال جعله الله لنتذكر به يوم العرض على الله عزوجل ، فيتذكر وقوفه بين يدي مولاه عندما يطوف ببيت الله عزوجل وكيف يكون موقفه وكيف يكون شأنه في يوم يقول فيه سيد الأولين والآخرين صل الله عليه وسلم : { إن الوجوه لتتهدل حتى لا يكون عليها مزعة لحم من شدة الخجل والحياء من الله عزوجل } هذا للمسرفين والعصاة والمذنبين أما المؤمنون الصالحون ففيهم يقول رب العالمين جل وعلا فى محكم التنزيل: ] وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة [ (22، 23القيامة).
ثم يطوف ويمشي بين الصفا والمروة ويتذكر مشيه بين كفتي الميزان فالصفا إشارة إلى كفة الحسنات والمروة إشارة إلى كفة السيئات وهو يمشي بينهم يتهادى تارة ويسرع أخرى ويتعشم أن تثقل كفة حسناته ولو بحسنة واحدة حتى يكون فيمن قال فيهم الله ] كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور [ (185آل عمران).
هذه باختصار شديد بعض المعاني التي يستحضرها الحجيج لكي يغفر الله لهم ويقول لهم انصرفوا لقد غفرت لكم وقد أكرم الله عزوجل المسلمين أجمعين في هذا اليوم ووعدهم بالمغفرة وقد قال صل الله عليه وسلم : {خَيْرُ الدّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ} لم يقل دعاء المؤمن على أرض عرفة لكنه جعل دعاء يوم عرفة لمن هناك ولمن هنا على أن يشاركهم في حالهم ويهيئ نفسه لاستحضار أحوالهم ولذلك دعا النبي صل الله عليه وسلم المؤمنين والمؤمنات إلى صيام هذا اليوم وقال في شأنه: { صومِ يومِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الماضِيَةَ والبَاقِيَةَ }
لأن الصيام يقوي الاستحضار ويقوي الناحية الروحانية فيعيش المؤمن في هذا اليوم في أي زمان وفي أي مكان وكأنه على عرفات الله عزوجل مع الحاج يدعو الله أو يتلو كتاب الله أو يستغفر الله أو يبتهل ضارعاً إلى الله المهم ألا يشغل نفسه في هذا اليوم إلا بطاعة الله عزوجل فإذا أكرم الله الحجيج بإجابة الدعوات كان دعاؤه معهم وإذا أكرمهم الله بغفران الذنوب غفر الله عزوجل له معهم وإذا تفضل عليهم بشئ من الرحمات عمته الرحمة معهم لأنه شاركهم بنفسه وبروحه وإن لم يستطع أن يشاركهم بجسمه.
ويشهد لذلك قول رسولكم الكريمصل الله عليه وسلم فيما يرويه الإمام البخاري عندما توجه بجيشه إلى تبوك ببلاد الشام ووقف هناك وقال لمن حوله: { إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَقَوْماً، مَا سِرْتُمْ مِنْ مَسِيرٍ، وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِياً، إِلاَّ كَانُوا مَعَكُمْ فِيهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ: وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ. حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ } ولأن العذر حبسهم فقد شاركوا إخوانهم في أجورهم وفي مكافآتهم وفي كل أحوالهم.
هكذا الأمر يا جماعة المؤمنين لمن حبسهم العذر عن الذهاب إلى بيت الله لكنه عاش في هذه الأيام بروحه وبنفسه وبعقله وبقلبه وبكله في هذه البقاع المباركة حتى أنه عندما ينام من شدة شوقه لهذه الأماكن قد يجد نفسه يطوف بالبيت أو يسعى بين الصفا والمروة أو يقف على عرفات لشدة شوقه إلى هذه الأماكن المباركات فدعانا النبي صل الله عليه وسلم إلى أن نصوم هذا اليوم وإلى أن نكبر الله عزوجل من صبح الغد وهو يوم عرفة إلى عصر يوم الرابع من أيام العيد.
نكبر الله بعد كل صلاة سواء صلينا في جماعة أو صلينا فرادى الرجال والنساء وإن كانت النساء تكبر بصوت خافت والرجال بصوت عالي لكن الكل يكبر الله عقب كل صلاة سواء كانت فريضة أو سنة فمن صلى ركعتي الضحى عليه أن يكبر في هذه الأيام حتى لو حضرتنا جنازة في هذه الأيام علينا بعد الانتهاء من صلاة الجنازة أن نكبر الله عزوجل :
قال صل الله عليه وسلم : { مَا رُؤِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمَاً هُوَ أَصْغَرُ وَلاَ أَحْقَرُ وَلاَ أَدْحَرُ وَلاَ أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ } ، وقال: { ما مِنْ يَوْمٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ يَنْزِلَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى سَمَاءِ الدَّنْيَا فِيُبَاهِي بِأَهْلِ الأَرْضِ أَهْلَ السَّمَاءِ، فَلَمْ يُرَ يَوْمُ أَكْثَرُ عِتْقاً مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ } ، وقال صل الله عليه وسلم ايضاً: { صومِ يومِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الماضِيَةَ والبَاقِيَةَ } .
يكرم الله عزوجل عباده المؤمنين في هذه الأيام بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فالمؤمن الذي يقتدي بنبي الله إبراهيم ونبي الله إسماعيل يشتري أضحية بشروطها الشرعية إن كانت من الماعز يشترط أن يكون مرّ عليها عامين وإن كانت من الأغنام يشترط أن يكون مرّ عليها ستة أشهر وإن كانت من الأبقار يشترط أن يكون قد مرّ عليها سنتين وإن كانت من الجمال يشترط أن يكون قد مر عليها خمس سنوات ... وألا تكون بها عيوب ... لا عوراء ..ولا جرباء .. ولا هزيلة .. ولا مريضة .. ولا مشقوقة الأذن ولا مكسورة القرن .. لأن المؤمن لا ينال البر حتى يعطي أفضل ما يحب لله عزوجل .....
وأن يكون ذلك بعد صلاة العيد وسماعه الخطبة لقوله عزوجل ] فصل لربك وانحر [ (2الكوثر)، ويجوز أن نذبحها في أول يوم أو ثاني يوم أو ثالث يوم على أن يذبح بالنهار ويكره الذبح بالليل وأيضاً لا يعطي الجزار شيئاً منها على سبيل الأجرة كما يفعل الكثير منا يحضر الجزار فيذبح الأضحية ثم يحمل الجلد على كتفه ويخرج على أنه أجرته ..هذا ممنوع.
فقد قال على رضى الله عنه وكرم الله وجهه: { أَمَرَنِي رَسُولُ اللّهِ أَنْ أَقُومَ عَلَىٰ بُدْنِهِ. وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا وَأَجِلَّتِهَا. وَأَنْ لاَ أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا. قَالَ: نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا }
ماذا نفعل بالجلد؟ يمكن أن نبيعه ونتبرع بثمنه لأي مشروع من مشروعات الخير أو عمل من أعمال البر فإذا وفى المسلم بهذه الشروط خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وليس هذا فقط بل قال صل الله عليه وسلم : { لصاحبها بكلِّ شعرةٍ حسنةٌ، ويُرْوَى بِقُرُونِها }
من يستطيع أن يعد؟ { ولكم بكل قطرة من دمها حسنة وإنها لتوضع في الميزان بقرونها وأظفارها ولحومها ودمائها فطيبوا بها نفساً وأبشروا }.
ثم ماذا يا رسول الله؟ قال صل الله عليه وسلم : { إِسْتَفْرِهُوا ضَحَايَاكُمْ فَإنَّهَا مَطَايَاكُمْ عَلَى الصرَاطِ } أى هي الركوبة التي تكربها على الصراط يوم القيامة إن شاء الله.
فالأضحية سنة على الموسر يفعلها في عمره كله ولو مرة لكن لا يجب في سبيلها أن تحدث المشكلات في البيوت كأن نريد أن نضحي حتى لا نكون أقل من الجيران !!! ولا يجب أن يستدين المرء ليضحي لله عزوجل !! فالذي معه سعة عليه أن يضحي خوفاً من قول رسول الله صل الله عليه وسلم : { مَنْ وَجَدَ سَعَةً لأَنْ يُضَحيَ فَلَمْ يُضَح فَلاَ يَحْضُرْ مُصَلاَّنَا } لكن الذي ليس معه لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لأن المؤمن لا يعمل العمل إلا لله فإذا ضحى فإنما يضحي طمعاً في ثواب الله ورغبة في رضاء الله لا سمعةً بين جيرانه ولا شهرةً بين أقرانه.
و قد يحدث في البيوت ما لا تحمد عقباه من هذا أن الزوجة قد تصرّ على الأضحية ولو شكى لها الزوج ألف عذر لا ترحمه لأنها تقول له كيف أقابل الجيران وأتحدث مع الإخوان وليس عندنا أضحية؟ وهذا لا يرضي الرحمن عزوجل ، فالمؤمن لا يعمل إلا لله ولا يعمل إلا ابتغاء ثواب الله وطلباً لرضوان الله عزوجل .
لكن المؤمن الذي ليس معه سعة عليه أن يحاول أن يضحي ولو مرة واحدة في عمره كله وهذا ليس بالصعب العسير ليحصل على هذا الثواب يغفر الله له ولأهل بيته وتوضع بكل ما فيها في كفة حسناته ويكون له ركوبة يركبها على الصراط يوم لقاء الله هذا فضلاً عن متابعته لسنة سيد الأنبياء وإمام الأنبياء سيدنا رسول الله صل الله عليه وسلم وسيدنا إبراهيم عليه السلام .
فإذا ضحى فإن الأضحية يصلح شأنها ويرفع ثوابها أن يعطي المرء منها للفقراء والمساكين وعليه أن يتحرى في ذلك فإن كثيراً منا يعطي السائلين وكثيراً منهم ليسوا محتاجين وإنما يستكثرون من هذا الخير لعلمهم أن الناس يعطون من سألهم لكن المؤمن يتحرى موضع صدقته وخير موضع يضعها فيه الموظف الذي عنده أولاد ودخله لا يكفيه.
كيف يعطيها له؟ إن هذا أمر لو هدى الله عزوجل العبد له لألهمه بالطريقة السليمة الرشيدة التي يستطيع بها أن يضع صدقته في موضعها لقد قال صل الله عليه وسلم : { لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِالَّذِي تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ. وَلاَ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ. إِنَّمَا الْمِسْكِينُ الْمُتَعَفِّفُ أبا العيال } .
وقال الله عزوجل واصفاً الفقراء الذين يبحث عنهم الأغنياء ] للفقراء الذين أحصروا فى سبيل الله لا يستطيعون ضربا فى الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف [ لا يقدر أن يمد يده لأحد ] تعرفهم بسيماهم لا يسئلون الناس إلحافا [ (273البقرة) ، لا يشكو فقره إلا إلى ربه عزوجل ...
مثل هذا يجب علينا أن نغنيه في هذا اليوم فإن السائل الذي يمد يده إلي وإليك تعلمون جميعاً أنه يملأ ثلاجات العمارة كلها بما تسوله من اللحوم. أما الفقير المتعفف فقد لا يستطيع إحضار كيلو واحد من اللحم لأولاده في هذا الوقت ولا يستطيع أن يمد يده ولا تطاوعه نفسه أن يسأل لأنه رجل عفوف النفس قوي الإيمان وهذا الذي يجب علينا أن نبحث عنه جميعاً أيها المؤمنون.
وإياك أخى المسلم .. أن تقول أنه ليس بموجود أو أنه أصبح مفقوداً بل موجود وكثير، ولا يغرك المظهر ولا يغرك الشأن العام ولكن ابحث في جوهر الناس وتحسس في طلبات الناس بلا تجسس والتماس عورات ولكن ابحث عن الفقير المتعفف ذو العيال الذى اغلق بابه وكف لسانه وسأل ربه وليسوا الذين سدوا ابواب الطرقات وغصت بهم باحات المساجد وإن أغلبهم لتجار كما نهر عمر رضى الله عنه أحدهم لما رآه يسأل المرة تلو المرة فقال له إنك لتاجر.... فلنبحث عن المتعففين المحتاجين لنضع الصدقة في موضعها الحقيقي
طھظپط§طµظٹظ„ ط§ظ„ط®ط¨ط±
قال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء: رواه الخطيب في المتفق والمفترق والديلمي في مسند الفردوس من حديث ابن عمر بسند ضعيف، كشف الخفاء
رواه الترمذي في سننه عن عمر بن شعيب ورواه الطبراني في الأوسط عن ابن عمرو .
رواه مسلم وأحمد في مسنده عن أبي قتادة الأنصاري .
رواه البخارى وأحمد عن أنس
رواه الإمام مالك في الموطأ والبيهقي من طريقه وغيرهما عن طلحة بن عبيد الله بن كريز.
صحيح ابن حبان عن جابر.
رواه مسلم وأحمد في مسنده عن أبي قتادة الأنصاري .
صحيح مسلم
رواه أحمد والترمذي وابن ماجة عن زيد بن أرقم
رواه السيوطي في الكبير والديلمي عن أبي هريرة
رواه ابن ماجة في سننه ورواه أحمد والحاكم عن أبي هريرة.
رواه ابن ماجة في السنن والسيوطي في الكبير عن عمران بن حصين.
نحن في يوم من أيام خليل الله عليه السلام وقد كان هذا اليوم يوم استجابة من الله عزوجل لخليله إبراهيم حيث طلب من الله عزوجل أن يجعل له لسان صدق في الآخرين يعني يذكرونه ويشرحون سيرته ويتعظون بمسيرته ويتأسون بسنته إلى يوم الدين فما من نبي إلا ونذكره سنة وننساه سنين أو نذكره وقتاً قد يطول وقد يقصر إلا نبي الله إبراهيم فلابد أن نذكره كل عام ولابد أن نحكي قصته كل عيد أضحى. لماذا؟ استجابة لقول الله عزوجل ] واجعل لى لسان صدق فى الآخرين [ (84الشعراء) . هذا النبي الكريم اسمه خليل الله. لماذا سمي بهذا الاسم؟ روى البخاري ومسلم أن خليل الله إبراهيم عليه السلام خرج كعادته يوماً يبحث عن الضيفان وكان لا يأكل إلا مع ضيف ويمكث يوماً بل أيام بدون أكل حتى يعثر على ضيف ليأكل معه وكان يمشي الأميال باحثاً ذات اليمين وذات الشمال عن الضيف لما علمه من أجر إكرام الضيف عند الكريم عزوجل . فذهب يوماً وعاد ولم يجد أحداً ثم دخل المنزل فوجد رجلاً جالساً في منزله فقال له: لم دخلت المنزل بدون إذن سيده؟ قال: قد أذن لي رب الدار. قال: من أنت؟ قال: أنا ملك أرسلني الله عزوجل ليبشر رجلاً من عباده بأنه خليل الله عزوجل . قال: دلني على هذا الرجل فوالله لو دللتني عليه ثم كان في أقصى بقاع الأرض لذهبت إليه وعشت معه حتى ألقى الله عزوجل . قال: إنه أنت، قال: أنا. أنا وأخذ يكررها مبهوراً متعجباً فرحاً مستبشراً. قال: ولم؟
قال: لأنك تعطي لله ولا تسأل الناس شيئاً وانتهى الملك من بشارته. وإذا بملك الملوك عزوجل يفتح بابه لإبراهيم ويوحي إليه يا إبراهيم تعلم لم اتخذتك خليلاً؟ قال: لا يا رب. قال: لأنك جعلت جسدك للنيران، وولدك للقربان، ومالك للضيفان، وقلبك للرحمن عزوجل .
فلم يأخذها بالفهلوة ولم يأخذها بالنصب والاحتيال ولم يأخذها بطريق مفروش بالورود ولكنه طريق صعب طويل في سبيل الدعوة إلى الملك الجليل عزوجل . بدأ هذا الطريق مع أبيه أولاً حيث كان أبوه هو الذي يصنع الآلهة ويبيعها للناس ليعبدوها من دون رب الناس عزوجل . فطلب منه أن يذهب إلى السوق ليبيع هذه الآلهة فنفذ الأمر وذهب إلى السوق وأخذ ينادي عليها ساخراً متهكماً ويقول: الإله الذي لا ينفع ولا يضر ولا يسمع ولا يبصر بكذا !! فنقل الناس الخبر إلى أبيه فجاء إليه مسرعاً وقال: ماذا تفعل؟ - لأنه يحارب دين أباه - فقال:
] إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئا [ (42مريم)، فلما اعترض على موقفه طرده من بيته فخرج غير نادم على ما حدث لأنه نذر نفسه لله عزوجل وقال كما قال الله: ] قل إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين (162، 163الأنعام) .
ثم أخذ يدعو قومه بالحكمة تارة وباللين تارة وبالجدال تارة فيذهب إلى من يعبدون النجوم وهم كثير في بلده الأولى العراق ويسمون الصابئة وجلس معهم ليلة طويلة عريضة وقال لهم: ماذا تعبدون؟ قالوا: هذا. وأشاروا إلى نجم فانتظر حتى أفل النجم، وقال: إني لا أحب الآفلين. ثم أشاروا إلى القمر فجلس معهم حتى طلع الصباح وكسف ضوء القمر فقال أيضاً: إني لا أحب الآفلين ثم طلعت الشمس فقال متهكماً: أظن أن هذا إله أكبر فنورها أسطع وحجمها أكبر وإشراقها أوسع ثم جاورهم حتى غابت الشمس وأقام عليهم الحجة بأن هذه الآلهة لا تنفع ولا تضر وإنما الإله الحق هو رب العالمين عزوجل .
فما كان منهم إلا أن أخذوه إلى النمروذ ملكهم وكان قد طغى وبغى وأدعى الألوهية. قال: يا إبراهيم هل علمت لك من إله غيري؟ ألك رب سواي؟ قال: ربي الذي يحيي ويميت ولم يعبأ بسلطانه ولم يهتز لصولجانه ولم يهب من كثرة جنوده مع أنه من الملوك المعدودين الذين ملكوا أكثر البسيطة الأرضية إلا أن الإيمان ثبت قلبه وقوى فؤاده. فقال النمروذ: أنا أحيي وأميت. قال: كيف؟ فجاء برجلين حكم عليهما بالقتل وأشار إلى حاشيته وقال: اقتلوا هذا. ثم أشار إلى الآخر وقال: أنا عفوت عن هذا أنا أحييته وأعطيته حياة جديدة.
وظن أنه كسب الجولة فإذا بإبراهيم الذي علمه العليم الحكيم يأتيه بقاصمة الظهر ويقول له ] ألم ترى إلى الذى حاج إبراهيم فى ربه أن ءاتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربى الذى يحي ويميت قال أنا أحى وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتى بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذى كفر والله لا يهدى القوم الظالمين [ (258البقرة)، واحتار في الأمر وتروى وتدبر ثم أطلق سراحه بعد أن أمر الجميع أن لا يكلموه ولا يحدثوه ولا يستمعوا إليه ولكنه أصر على أن يكمل رسالته مع الله عزوجل . فخرجوا في يوم عيدهم وأرادوا أن يخرج معهم، فقال: إني سقيم أي إني مريض من كفركم وشرككم بالله عزوجل وصمم على أن يأتي لهم بمصيبة جديدة تلفت نظرهم إلى الله فجعلهم يتوجهون إلى حضرة الله فخرجوا وتركوه وحيداً عند بيوتهم.
فخرج إلى الأصنام وحطمها جميعاً ثم وضع الفأس على رأس كبيرهم. فلما رجعوا ووجدوا ما حدث ] قالوا من فعل هذا باءلهتنا إنه لمن الظالمين [ (59الأنبياء)، قالوا: ومن يكون إلا إبراهيم لأنه الوحيد الذي يعيب علينا عبادة هذه الآلهة ويسخر بها ويستهزأ بها فجاءوا به وقالوا: ] قالو ءأنت فعلت هذا بألهتنا يا إبراهيم [ (62، 63الأنبياء)، وأشار إلى أصبعه الأكبر (يعني أن يده هذه هي التي فعلت) وأشار بيده إلى الصنم الأكبر لأن الأنبياء لا يكذبون في مزاح ولا في لهو ولا في شئ لأن الله عزوجل ثبتهم على الحق. فقال: بل فعله كبيرهم هذا وهو يقصد إصبعه الأكبر وهم يظنون أنه يقصد الصنم الأكبر ثم أخذ يجادلهم، وبعد ذلك علموا أنه على الحق وإنهم على الباطل ومع ذلك أخذتهم العزة بالإثم فدبر النمروذ أمره بأن يلقيه في النار ... وبدأو التجهيزات لذلك...
وأخذوا يجمعون الحطب واستمروا في جمعها لمدة ستة أشهر حتى أن المرأة التي كانت تتعسر في وضعها كانت تنذر أنها إذا وضعت تحضر حطباً لإحراق إبراهيم والتي مرض ولدها تنذر أنه إذا شفى تجمع الحطب لحرق إبراهيم حتى جمعوا حطباً يحرق مدينة من الناس وليس رجلاً وإن كان سماه الله أمة ] إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يكن من المشركين [ (120النحل).
ثم أوقدوا النار وأشعلوها وبعد اشتعالها لم يستطيعوا أن يقتربوا من النار لشدة حرارتها وقالوا كيف نلقيه فيها ونحن لا نستطيع أن نقترب منها وإذا بإبليس اللعين ينزل في صورة آدمية ويرشدهم لعمل المنجنيق وهي آلة كالمقلاع تقذف الأشياء لأماكن بعيدة ووضح لهم كيف يضعوه فيها بأن يصعدوا على قمة جبل ومعهم المنجنيق ثم يضعوا فيه إبراهيم بعد تكتيفه بالحبال ويقذفونه في وسط النيران.
وهنا ضجت ملائكة السموات يقولون: (يا ربنا عبدك إبراهيم لا يعبدك في الأرض سواه فما كان من الجليل إلا أن قال لهم: إذا كان قد استعان بكم فأعينوه أي فهل استغاث بكم؟ فقال سيدنا إسرافيل: يا ربَّ مرني أن انزل الأمطار على النار لتطفأها على الخليل. فقال الجليل عزوجل إذا استغاث بك فاغثه.
وقال الأمين جبريل: يا ربَّ عبدك إبراهيم. قال: انزل فإذا سألك حاجة فاعطها له. فنزل جبريل على إبراهيم وقال يا خليل الله ألك حاجة؟ قال: أما إليك فلا. قال: إذا كانت إلى الله فاطلبها من الله أبلغها إلى الله. فقال: علمه بحالي يغني عن سؤالي.
فوضع جبريل إصبعه في الأرض فنبعت عين ماء ومد يده في الجنة فجاء بشجرة تفاح ووضعها بجوار الماء وجاء بأريكة من الجنة وفرشها بجوار الماء تحت الشجرة وكان في النار كما قال لها الواحد القهار ] قلنا يا نار كونى بردا وسلاما على إبراهيم [ (69الأنبياء) .
فلم تحرق النار إلا أحباله وقيوده التى قيدوه بها حراً فريداً يجلس على الأريكة في ظل الشجرة يأكل التفاح ويشرب الماء ويذكر الله عزوجل لمدة شهرين كاملين في هذه النار حتى اطفأت فقد استمرت موقدة لمدة شهرين كاملين .
ولكن القوم عندما رأوه تعجبواو قال النمروذ في جبروته وعتوه: من تعبد يا إبراهيم؟ قال: أعبد الله عزوجل . قال: إنه إله كريم يستحق أن اذبح له مائة بدنة فنحر مائة بقرة لله ولكن الله لم يتقبلها منه لأنه لم يؤمن بالله عزوجل . قال الخليل: إن الله لا يريد بدناتك ولكن يريد أن توحده ويريد أن تعبده ويريد أن تعرفه وهو غني عنك وعن بدناتك جميعاً واستمر يدعو الله ويدعو هؤلاء القوم إلى عبادة الله عزوجل ولكنه في النهاية زاد غرورهم وعتوهم بل إنهم في النهاية أصدروا أمراً بطرده من البلاد فقال ] وقال إنى ذاهب إلى ربى سيهدين [ (99الصافات) .
هذا الخليل ألقى جسمه في النيران وقدم ولده قرباناً لحضرة الرحمن وكان ماله كله للضيفان حتى أن الرحمن يحكي لنا أنه جاءه رجلان فماذا فعل؟ اثنين يكفيهما نصف دجاجة لكنه كما قال الله ] فما لبث أن جاء بعجل حنيذ [ (69هود)، جاء بعجل سمين. جاء بعجل حنيذ يعني مشوي شواه لهم لأنه كان كريماً مع الله عزوجل . فقالوا له: يا إبراهيم لا نأكل طعامك إلا إذا دفعنا الثمن. قال: الثمن الذي أطلبه منكم أن تذكروا الله أوله وتحمدوه في آخره. فقالوا: صدق من سماك الخليل.
بل أنه مشى ذات يوم وقد تعجبت ملائكة الله من أحواله. فاختار الله منهم نفراً وأمرهم أن ينزلوا لاختباره بعد أن نما ماله وكان كثير وكثير فنزلوا وذكر واحد منهم الله بصوت شجي يطرب السامعين فقال الخليل: أعد علي ذكر الله الذي ذكرته آنفاً. قال: لا أعيد حتى تعطيني ما أريد. قال: وماذا تريد؟ قال: تعطيني وادياً مملوءاً بالغنم من أغنامك وكان له وديان كثيرة مليئة بالأغنام لأنه أبو الضيفان كما سماه الرحمن عزوجل .
فماذا قال للملك؟ قال: اسمعني ذكر ربك ولك كل ما ملكت من أودية مملوءة بالجمال أو الأبقار أو الأغنام فضجت الملائكة في السموات وقالوا: صدق الله إذ سماك الخليل، لأنه مع أن الله أعطاه المال الكثير إلا إنه لم ينشغل به عن ذكر العلي الكبير عزوجل .
اختبره الله بعدم الإنجاب فلم ينجب إلا بعد ثمانين عاماً مضت من عمره ولم يتغير ولم يتبدل. اختبره الله في زوجه حيث سلط عليها فرعون مصر ولكنه لم يتغير قلبه. اختبره الله بعد أن أعطاه الولد بعد هذا العمر الطويل وأمره بأن يبعده ويضعه في مكان قفر لا زرع فيه ولا ضرع فيه ولا ماء فيه ولا أنيس فيه وهو في كل ذلك لا يتغير قلبه طرفة عين عن خالقه وبارئه عزوجل فما كان من الله بعد أن نجح في كل هذه الابتلاءات ونجا من كل هذه الامتحانات إلا أن جعله أباً لنا ولمن قبلنا ولمن بعدنا ووفقه الله لأعمال الفطرة التي لم تظهر إلا على يديه.
كيف ذلك؟كان أول من اختتن من الرجال واختتن وهو ابن مائة وعشرون عاماً بقادوم بعد أن أمره الله بالاختتان. والاختتان يعني الطهارة وكان أول من نظف فاه.
وكان أول من استنشق بالماء وأول من لبس السراويل يعني ساتر العورة والبنطلونات حتى لا تظهر عورته وأول من ظهر الشيب في رأسه فقال: ما هذا يا رب؟ قال: هذا وقار يا إبراهيم. قال: يا ربَّ زدني وقاراً. قال: يا إبراهيم إني استحي من رجل شاب في الإسلام أن أعذبه بالنار، وكان عليه السلام أول هذه الأمة في حج بيت الله الحرام كما أمر الملك العلام فهو الذي بنى البيت وهو الذى نسك مناسك البيت.
وكلما طاف الحجيج بالبيت وكلما سعوا بين الصفا والمروة وكلما وقفوا على عرفات وكلما رموا الجمرات وكلما شربوا من زمزم تذكروا بذلك إبراهيم الخليل وولده إسماعيل وزوجته هاجر وذلك كله تكريماً لإبراهيم عليه السلام لأن الله عزوجل اختاره واصطفاه.
قال صل الله عليه وسلم عندما قيل له أنت أكرم الخلق على الله قال: { ذاك إبراهيم عليه السلام إنَّ الكَرِيمَ ابْنُ الكَرِيمِ ابنِ الكَرِيمِ ابنِ الكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بنِ إسْحاقَ بنِ إبراهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمنِ عَزَّ وَجَلَّ }
وقال صل الله عليه وسلم : { أَوَّلُ مَنْ يُكْسَىٰ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قُبْطِيَّتَيْنِ، ثُمَّ يُكْسَىٰ مُحَمَّدٌ حُلَّةً حَبِرَةً وَهُوَ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ }
لقد كان لكم في إبراهيم خليل الله أسوة حسنة وفي محمد صل الله عليه وسلم أسوة كريمة فإن الله عزوجل اختارنا للإسلام والإيمان وجعلنا جميعاً عباد الرحمن وقد قال صل الله عليه وسلم : { قال الله عزوجل للدنيا يا دنيا مري ولا تحلولي لعبادي الصالحين حتى لا ينشغلوا بك عني } فإن الله عزوجل عندما يغلي علينا الأسعار أو يصيبنا ببعض الأمراض أو ياتي لنا ببعض الهموم ويعفي من ذلك الفجار والكفار !!!! فإن ذلك شأن عجيب؟
فهم كما ترون ينعمون بالمال وينعمون بالخيرات وينعمون بالحياة الدنيا لأن الأمر كما قال صل الله عليه وسلم : { الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ } أولئك عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ في حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا أما أنتم معشر المؤمنين فإن الله يريد أن يرفع درجاتكم ويريد أن يغفر زلاتكم ويريد أن يستر عيوبكم ويريد أن يطهر قلوبكم.
فكلما أسرف العبد منا على نفسه في الخطايا جاءه الله ببلاء قريب ويعينه عليه ليغفر له به هذه الذنوب فإذا أصيب بمرض فصبر عليه ولم يشكو ورد فى الأثر: { مرض يوم يكفر ذنوب سنة }، وقال الله عزوجل في حديثه القدسي: { أَبْتَلِـي عَبْدِي الـمُؤْمِنَ، فإذَا لـم يَشْكُ إلـى عُوَّادِهِ ذلِكَ، حَلَلْتُ عنهُ عِقْدِي، وأَبْدَلْتُهُ دماً خيراً من دمِهِ، وَلَـحْمَا خيراً من لَـحْمِهِ ثم قلتُ له: إئتنِفِ العَمَلَ } .
فإذا أصابه هذا المرض كان تكفيراً لخطاياه أو رفعة لدرجته عند الله فإن لم يصبه بالمرض أصابه بهم المعاش أو أصابه بهم الأولاد أو أصابه بنكد من الزوجة أو يصاب بأي شئ من أشياء الدنيا وكل هذه الأشياء يقول فيها نبيكم الكريم صل الله عليه وسلم : {لا يُصيبُ المرءَ المؤمنَ مَنْ نَصَبٍ ولا وَصَبٍ ولا هَمَ ولا حُزْنٍ ولا غَمَ ولا أَذىً حتى الشوكةُ يُشَاكُها إلا كَفَّرَ اللَّهُ عنهُ بها خَطايَاهُ} كل هذه تكفير لنا يا عباد الله.
ولذلك أمرنا الله أن نقول ] قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون [ (51التوبة) .
لم يقل إلا ما كتب الله علينا لأن الذي كتبه الله لنا الأجر والثواب والخير والفضل الكثير لكن لو قال إلا ما كتبه الله علينا فالذي يكتبه علينا الأوزار والذنوب والعيوب والمخالفات فكل من ابتلاه الله فإنما يبتليه ليرفع شأنه وليقيمه في مقام الصالحين وليلحقه بالنبيين. فقد ورد:
{ عن مُصْعَبِ بنِ سعد عن أبيه، قالَ : يا رسولَ اللَّهِ، مَنْ أشدُّ الناسِ بَلاءً؟ قالَ: «الأنبياءُ، ثم الأَمْثَلُ فالأمثلُ، يُبْتَلَى العبدُ على حَسَبِ دينِهِ، فما يَبْرَحُ البَلاءُ بالعبدِ حتى يَدَعَهُ يَمْشي على الْأَرْضِ وما عليهِ خَطيئةٌ } وورد أيضاً أنه:
{ دَخَـلَ سعيدٍ الـخُدْرِيَّ عَلَـى رسولِ الله وهو مَوْعُوْكٌ علـيه قَطِيْفَةٌ، فَوَضَعَ يَدَهُ علـيهِ فَوَجَدَ حَرَارَتَهَا فوقَ القَطِيْفَةِ، فقالَ أبو سعيدٍ: ما أَشَدَّ حَرَّ حُمَّاكَ يا رسولَ الله، فقالَ رسولُ الله: إنَّا كَذَلِكَ يُشَدَّدُ عَلَـيْنَا البلاءُ، ويُضَاعَفُ لنا الأَجْرُ، ثم قالَ: يا رسولَ الله مَنْ أَشَدُّ الناسِ بلاءً، قالَ: الأنبـياءُ، قالَ ثم مَنْ، قالَ: ثم العُلَـمَاءُ، قالَ ثُمَّ مَنْ قالَ: ثم الصَّالِـحُونَ، كان أَحَدُهُمْ يُبْتَلَـى بالفَقْرِ حتَّـى ما يَجِدُ إلاَّ العباءَةَ يَلْبَسُهَا، ويُبْتَلَـى بالقَمْلِ حتَّـى يَقْتُلَهُ، ولأَحَدُهُمْ أَشَدُّ فرحاً بالبلاءِ من أَحَدِكُمْ بالعطاءِ }
لماذا؟ لأن الدنيا ساعة فاجعلها طاعة لله عزوجل .
والإنسان كما أخبر الديان ] كلا إن الإنسان ليطغى * أن رءاه استغنى [ (6- 7العلق) ، عندما يرى جسمه صحيحاً وماله كثيراً وولده حوله يغتر بل ربما يطغى بل ربما يفسد في الأرض فمن رحمة الله بعباده المؤمنين أن يكدرهم بهذه الآلام ويفكرهم بهذه المصائب حتى لا ينسوا فضل الله وحتى لا يغفلوا عن طاعة الله وحتى يظلوا طوال عمرهم معتمدين أولاً وآخراً على جميل فضل الله وعلى كريم صنع الله ويعلموا بأن الأمر في الأولى والآخرة متوقف على جناب الله وعلى عطف الله فيشكرون الله عزوجل
____________________
فضائل يوم عرفة
.. تفضل الله عزوجل على المؤمنين أجمعين سواء الحجاج أو المعتمرين أو المقيمين في بلدانهم مثلنا تفضل الله على الجميع بهذا اليوم وقد قالت اليهود لعمر بن الخطاب رضى الله عنه وأرضاه لقد نزلت عليكم آيه لو نزلت علينا لجعلنا يومها عيداً. قال: وما تلك الآية؟ قالوا: قول الله عزوجل ] اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا [ (3المائدة) ، فقال رضى الله عنه وأرضاه: أشهد أنها نزلت في يوم عيدين اثنين. نزلت في يوم عرفة وكان يوم جمعة.
فيوم عرفة يوم عيد ويوم الجمعة يوم عيد. يوم عرفة يوم عيد لحجاج بيت الله فإن الله عزوجل يتنزل لصباح هذا اليوم إلى السماء الدنيا ويأمر الملائكة أجمعين أن يتنزلوا ليشاهدوا هذا الحفل العظيم حتى أن الملائكة الموكلين بالأعمال يعطيهم إذناً أن ينتهوا ويتركوا الأعمال ليشهدوا حجاج بيت الله وهم واقفين ضارعين متبتلين مخبتين بين يدي الله عزوجل فإذا شهدوهم أو رأوهم قال الله عزوجل لهم مباهياً بعباده المؤمنين للملائكة المقربين: { يَا مَلائِكَتِي انْظُرُوا إلى عِبَادِي شُعْثاً غُبْراً، أَقْبَلُوا يَضْرِبُونَ إليَّ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَجَبْتُ دُعَاءَهُمْ وَشَفَعْتُ رَعِيَّتَهُمْ وَوَهَبْتُ مُسِيئَهُمْ لِمُحْسِنِهِمْ، وَأَعْطَيْتُ مُحْسِنِيهِمْ جَميعَ مَا سألوني }
فيتجلى عليهم الغفار فيغفر لهم جميع الذنوب والأوزار ما داموا قد تحروا المال الحلال والزاد الحلال والنفقة الحلال وهم متوجهين لله عزوجل ، ولذا قال الصادق المصدوق صل الله عليه وسلم :
{ أعظم الناس ذنبا من وقف بعرفة فظن إن الله لم يغفر له } .
وهل يغفر الله لهم ما بينه وبينهم فقط؟ أو يتجلى ويغفر لهم جميع الذنوب. إن الله عزوجل على الحقيقة يا إخواني يغفر لهم جميع الذنوب ما ظهر منها وما بطن ما صغر منها وما كبر ما كان بينهم وبين الله وما كان بينهم وبين أحد من خلق الله وإليكم الدليل على ذلك من حديث سيدنا ومولانا رسول الله صل الله عليه وسلم فقد ورد عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
{ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ دَعَا لاٌّمَّتِهِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، فَأُجِيبَ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ مَا خَلاَ الْمَظَالِمَ، فَإنِّي آخِذٌ لِلْمَظْلُومِ مِنْهُ. قَالَ: أَيْ رَبِّ إنْ شِئْتَ أَعْطَيْتَ الْمَظْلُومَ الْجَنَّةَ، وَغَفَرْتُ لِلْظَّالِمِ، فَلَمْ يُجَبْ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ بِالْمُزْدَلِفَةِ أَعَادَ، فَأُجِيبَ إلَى مَا سَأَلَ. قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ، أَوْ قَالَ تَبَسَّمَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إنَّ هذِهِ لَسَاعَةٌ مَا كُنْتَ تَضْحَكُ فِيهَا، فَمَا الَّذِي أَضْحَكَكَ؟ أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ. قَالَ: إنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إبْلِيسَ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ قَدِ اسْتَجَابَ دُعَائِي، وَغَفَرَ لاٌّمَّتِي أَخَذَ التُّرَابَ فَجَعَلَ يَحْثُوهُ عَلَى رِأْسِهِ، وَيَدْعُو بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ فَأَضْحَكَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ جَزَعِهِ} ، ومن أجل ذلك قال صل الله عليه وسلم : { إِذَا أَفَاضَ الْقَوْمُ مِنْ عَرَفَاتٍ أَتَوْا جَمْعاً فَوَقَفُوا، قَالَ: انْظُرُوا يَا مَلاَئِكَتِي إِلَى عِبَادِي عَاوَدُونِي فِي الْمَسْأَلَةِ، أُشْهِدُكُمْ أَني قَدْ أَجَبْتُ دَعْوَتَهُمْ، وَشَفَعْتُ رَغْبَتَهُمْ، وَوَهَبْتُ مُسِيئَهُمْ لِمُحْسِنِهِمْ، وَأَعْطَيْتُ مُحْسِنَهُمْ جَمِيع مَا سَأَلَ، وَتَحَمَّلْتُ عَنْهُمُ التَّبِعَاتِ الَّتِي بَيْنَهُمْ }
وقال صل الله عليه وسلم : { إن الله يتجلى لأهل عرفة فيغفر لهم الذنوب جميعاً } فقال سيدنا عمر: يا رسول الله أهذا لنا خاصة أم لنا ولمن بعدنا؟ فأخبرهم صل الله عليه وسلم أن هذا لهم ولمن بعدهم إلى يوم القيامة ،{ إذا كان يوم عرفة نزل الله عزوجل إلى السماء الدنيا ونظر إلى خلقه فغفر لهم جميعاً. فقالوا: يا رسول الله أهذا لنا خاصة فقال صل الله عليه وسلم بل هذا لكم وللناس من بعدي } فأخذ سيدنا عمر رضى الله عنه يحجل من شدة الفرح ويقول قد فاض خير ربنا وطاب قد فاض وطاب.
فذلك اليوم يا إخواني يوم غفران الذنوب وستر العيوب بل إن الله عزوجل من فضله وكرمه لا يغفر للحاج في نفسه فقط بل كما يقول الصادق الأمين صل الله عليه وسلم : { يَغْفِرُ الله للحَاجِّ ولمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الحَاجُّ } فإذا استغفر الحاج لرجل هنا أو امرأة هنا فإن الله من فضله وجوده وكرمه يقبل هذه المغفرة ويغفر لأهله وذويه الذين يستغفر لهم على بساط رب العالمين عزوجل فإذا غفر لهم الذنوب وضمن لهم التبعات وغفر لهم ذنوب ذويهم وأحبابهم قال لهم:
] وقال ربكم ادعونى استجب لكم [ (60غافر)، فينظر إلى دعائهم فيستجيب لهم الدعاء ويحقق لهم الرجاء ويلبي لهم المطالب ... لماذا ؟
لأنهم جاءوا إلى الله عزوجل وقد خرجوا من حولهم وطولهم ولبسوا في إحرامهم أكفانهم عند موتهم ووقفوا بين يدي ربهم وهم يستحضرون يوم الجمع على الله فالجميع سواسية أمام الله ليس هناك أمير أو حقير ولا وزير ولا خفير وليس هناك غني أو فقير ولا ذا طول وضعيف بل الكل بين يدي الله يلبسون الأكفان البيضاء وقد تجردوا من الحول وقد تجردوا من الطول وقد تركوا خلفهم مناصبهم وعشائرهم وأولادهم وبلادهم وأموالهم وكل شئ يتباهون به في هذه الحياة ووقفوا بين يدي الله وقدموا بين أيديهم ذنوبهم ومعاصيهم وقبائحهم يرجون من الله أن يغفرها لهم فالرحمن الرحيم يرحمهم ويرحم ضعفهم ويرحم فقرهم ويرحم ذلهم فيغفر لهم ويستجيب لهم ويردهم كما ولدتهم أمهاتهم.
كما قال النبي الكريم: {مَن حَجَّ هذا البيتَ فلم يَرْفُثْ ولم يَفْسُقْ، رجَعَ كما ولَدَتْهُ أمُّه} هذا اليوم الكريم يا إخواني في السنوات العادية فما بالكم إذا وافق هذا اليوم يوم الجمعة وهو اليوم الذي احتفل به الله مع نبي الله ومع أصحاب رسول الله ومع ملائكة الله بتمام نزول شرع الله وبإتمام دين الله الذي اختاره الله عزوجل ديناً قيماً يملأ حياة الناس بالإيمان والمحبة والسلام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
فإذا وافق يوم الجمعة فقد وافق حجة النبي في حجة الوداع صل الله عليه وسلم ويوافق اليوم الذي سنقوم فيه للقيامة فقد قال صل الله عليه وسلم :
{ خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، يَوْمُ الْجُمُعَةِ. فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ. وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا. وَلاَ تَقُومُ السَّاعَةُ إِلاَّ فِي يَوْمِ الْجُمعَةِ } .
فهؤلاء القوم في هذا اليوم كأنهم يستحضرون يوم القيامة ويوم القيامة سيكون يوم جمعة وسنخرج فيه جميعاً من قبورنا ومن لحودنا عرايا كما ولدتنا أمهاتنا ليس لنا لباس يواري سوءاتنا إلا من له تقى عند الله وعمل صالح قدمه إلى الله ومن هنا قال القائل:
إذا المرءُ لم يلبسْ ثياباً من التُّقَى
تقلّب عرياناً وإن كان كاسياً
وخيرُ لباسِ المرء طاعةُ ربه
ولا خيرَ فيمن كان لله عاصياً
نقوم جميعاً في هذا اليوم وليس معنا مدخراتنا وليس معنا دفاتر شيكاتنا وليس معنا ما نحتفظ به من صنوف أموالنا لأننا نخرج إلى الله ويجول في آذاننا قول الله ] ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم [ (94الأنعام).
فلا يستطيع أن يباهي في ذلك اليوم ببنيه ولا بأخيه ولا بذويه ولابفصيلته التي تأويه بل إن الإنسان في هذا اليوم العظيم لا ينفعه إلا ما قدمت يداه. فما أكرم هذا اليوم على الله فلا تشغلوا أنفسكم يا عباد الله ولو من هذه اللحظة إلى غروب الشمس إلا بطاعة الله أو بذكر الله أو بالاستغفار لله أو بالندم على ما ارتكبناه حتى يتفضل علينا الله مع حجاج بيت الله فيعمنا جميعاً بغفرانه ويحفنا جميعاً برضوانه ويغفر لنا معهم ويستجيب لنا الدعاء معهم لأننا نشاركهم في الإنابة ونشاركهم في التوبة ونشاركهم في الاستغفار ونشاركهم في الدعاء.
قال صل الله عليه وسلم : { صومِ يومِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الماضِيَةَ والبَاقِيَةَ } ،
نذكر في عجالة سريعة ما يجب علينا جميعاً أن نتبعه في هذا اليوم وفي هذه الأيام التالية إن شاء الله. فأول ما يجب علينا في هذا اليوم وفيما بعده أن نكبر الله عقب كل صلاة وهذا التكبير سنة يقول فيها سيدنا رسول الله صل الله عليه وسلم : { زَيِّنُوا أَعْيَادَكُمْ بالتَّكْبِيرِ } .
ووقته يبدأ من صلاة الفجر في هذا اليوم في يوم عرفة إلى عصر اليوم الرابع من ايام العيد إن شاء الله نكبر جميعاً ونحن نكبر إذا صلينا في بيت الله في جماعة لكن يجب أن نعلم أن التكبير لكل مصل ولو صلى بمفرده فلو جئت بعد الجماعة فعليك أن تكبر عقب الصلاة حتى الذي يصلي نوافل زائدة أو من يصلي الضحى أو من يصلي قيام الليل عليه بعد هذه النوافل أن يكبر لله صل الله عليه وسلم حتى لو حضرنا جنازة في هذه الأيام فعلينا أن نكبر عقب صلاة الجنازة تأسياً بسيدنا رسول الله صل الله عليه وسلم وعلينا أن نأمر نسائنا وبناتنا أن يكبرن في البيوت وإن كن يكبرن بصوت خافت لكن عليهن أيضاً أن يكبرن عقب كل صلاة لله عزوجل في هذه الأيام المباركة.
ثم علينا بعد ذلك أن نشغل هذا الوقت كما يعمل حجاج بيت الله بطاعة الله إلى آذان المغرب نقوم جميعاً بين يدي الله مخبتين منيبين تائبين مسبحين مهللين مكبرين تالين لكتاب الله عزوجل إلى هذا الوقت والحين ثم علينا بعد ذلك أن نتجهز لصلاة العيد فنقلم أظافرنا ونحلق شعورنا إلا من كان عنده أضحية فالسنة في حقه هي قول رسول الله صل الله عليه وسلم : { مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَدَخَلَتْ أَيَّامُ الْعِشْرِ فَلاَ يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ وَلاَ أَظْفَارِهِ حتى يذبح أضحيته }
يعني لا يحلق حتى لصلاة العيد لأن الأضحية لا تنفع ولا يكون لها ثوابها إلا بعد أداء صلاة العيد فالذي عنده أضحية لا يحلق شعره ولا يقصر ظفره حتى يصلي العيد ويذبح أضحيته وذلك لكمال تشبهه بحجاج بيت الله الحرام فإنهم لا يقصرون ولا يقلمون إلا بعد أن يرمون جمرة العقبة ويذبحون الهدى لله ثم يحلقون شعورهم ويقلمون أظافرهم فعلينا أن نحلق شعورنا لغير المضحي ونقلم أظافرنا ثم نغتسل ليلة العيد أو صباح العيد ونقول (نويت الاغتسال غسل العيد سنة عن رسول الله صل الله عليه وسلم لله تعالى) أو نستحضر هذه المعاني بقلوبنا فالنية محلها القلب فإذا أصبح الغد وهو يوم العيد ....
نلبس خير ما عندنا ويستحسن أن تكون الثياب جديدة فإذا لم يكن عندنا جديد فنلبس خير ما عندنا فإذا لم يوجد نلبس الثياب البيضاء ونضع العطر ونخرج من البيت ومعنا أولادنا نكبر الله عزوجل من لحظة الخروج من البيت في بيتنا وفي شوارعنا بصوت عال حتى ندخل إلى بيت الله عزوجل لنكبر مع المكبرين.
فعلينا أن نفرح بيوتنا ونفرح طرقاتنا ونفرح شوارعنا بالتكبير فيها ونحن سائرون فيها فإذا صلينا العيد جلسنا لسماع الخطبة من الإمام ثم بعدها نصافح إخواننا المؤمنين وننزع الغل والشح والحقد والكره من الصدور ونرجع من طريق آخر حتى نكثر من السلام على المؤمنين. فنسلم على قوم آخرين في طريقنا غير الذين سلمنا عليهم في مجيئنا.
____
إن الله عزوجل جلت حكمته وتعالت مكانته وتسامت عزته لم يفرض علينا شيئاً إلا لحكمة عالية ولأسرار راقية يعرفها من وفقه الله لسلوك طريقه المستقيم ولمن هداه عزوجل إلى نهج نبيه القويم فأما فريضة الحج فقد فرضها الله عزوجل على المؤمنين والمؤمنات لحكم كثيرة نكتفي بواحدة منها في موقفنا هذا تكون لنا إن شاء الله عظة وعبرة فقد جعل الله عزوجل الحج للمؤمنين والمؤمنات تذكرة للسفرة إلى الدار الآخرة للعرض على الله عزوجل ] ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد [ (9آل عمران).
فإذا خرج الحاج من بيته فإنه يغتسل قبل لبس ملابس إحرامه ويتذكر بهذا الغسل [الغسل الذي يغسله به رفاقه لكي يودعون دنياه ويزفونه إلى مولاه إذا دعاه عزوجل ] ثم يلبس ملابس الإحرام وهي بيضاء ولا يوجد بينها وبين الجسم أشياء ليذكر نفسه ويتذكر من حوله لبس الأكفان إذا دعى للقاء الواحد الديان عزوجل فإذا أتم ملابس الأكفان يلبس ملابس الإحرام تذكر نداء الله يوم ينادي منادي الله لجميع الخلائق في حضرة الله فيقول كما قال سيدنا رسول الله صل الله عليه وسلم : { يا أيتها العظام النخرة يا أيتها الأجساد البالية يا أيتها الشعور المتقطعة اجتمعوا وائتلفوا فإن الله يدعوكم ليوم عظيم } فيتذكر هذا النداء فيلبي قائلاً لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك وكلمة لبيك تعني نأتي إليك مسرعين جئنا إليك طائعين جئنا إليك بالتلبية يا أحكم الحاكمين ولم نتوانى عن إجابة دعوتك طرفة عين ولا أقل.
فإذا وصل إلى ساحة عرفات تذكر ساحة العرض العظيم حيث يقف الخلائق أجمعين في مساواة كاملة في الظاهر بين يدي رب العالمين { لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيَ عَلَى أَعْجَمِيَ وَلاَ أَعْجَمِيَ عَلَى عَرَبِيَ، وَلاَ أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلاَّ بِالتَّقْوَىٰ والعمل الصالح } فالجميع يتساوى أمام الله يلبسون ملابس واحدة ويقفون في بقعة واحدة لا فرق بين غني ولا فقير ولا أمير ولا حقير لأنه لا يسمح للوزير أن يعلق نيشاناً على صدره أو يعلق شيئاً على كتفه وإنما يتساوى الجميع ولا فرق بينهم إلا في الزفرات والحرقات والتسبيحات والدعوات التي تخرج من صدورهم وقلوبهم إلى ربهم ....
فمنهم من يقال له لا لبيك ولا سعديك وحجك هذا مردود عليك ومنهم من يقال له لبيك وسعديك حجك مغفور وزادك موفور وسعيك مشكور فيقولون كما قال الله يوم يجمع فريق فى الجنة وفريق فى السعير [ (7الشورى). أما من يقبل الله عليه ويتقبل دعواه فهو من أهل الجنة إن شاء الله وإما من ترد الملائكة دعواه وتعلم أن تلبيته مردودة من قبل الله فهو من فريق السعير والعياذ بالله عزوجل .
فإذا وقفوا على عرفات وأقروا لله بذنوبهم واعترفوا بين يديه بمساويهم وأخطائهم غفر الله عزوجل لهم ولا يبالي ولذا يقول الرسول الكريم صل الله عليه وسلم { أعظم الناس ذنبا من وقف بعرفة فظن إن الله لم يغفر له } ،
وقد ورد أن الإمام محمد بن المنكدر رضى الله عنه وأرضاه وكان قد حج خمسين مرة لله عزوجل في يوم من أيام عرفة ألقى عليه النوم فرأى ملائكة تنزل من عند الله عزوجل ويتساءلون فيما بينهم فقال بعضهم للبعض يا عبد الله تدري كم حج بيت ربنا هذا العام؟ قال: لا. قال: ستمائة ألف. قال: تدري كم قبل الله عزوجل منهم؟ قال: لا. قال: ستة أنفس. قال: فقمت من نومي مهموماً مغموماً وقلت إذا كان الله عزوجل لم يقبل من هؤلاء إلا ستة أنفس فأين أكون منهم؟
فلما وصلت إلى المزدلفة وصليت المغرب والعشاء قصراً وجمعاً فألقى الله عزوجل عليّ النوم فإذا بهذا النفر من الملائكة وقد جاءوا وتساءلوا فيما بينهم فقال بعضهم لبعض: يا عبد الله تدري كم حج بيت ربنا هذا العام؟ قال: نعم ستمائة ألف. قال: تدري ماذا فعل الله عزوجل بهم؟ قال: نعم قبل منهم ستة أنفس ورد الباقين. قال: تدري ماذا حكم ربك في هذا اليوم؟ قال: لا. قال: وهب لكل واحد من الستة .. مائة ألف فشفعهم جميعاً في بعضهم وانصرفوا جميعاً مغفوراً لهم.
قال صل الله عليه وسلم : { إن الله ينظر إلى أهل عرفات ويباهي بِكُمُ المَلاَئِكَةَ يَقُولُ: عِبَادِي جَاءُونَا شُعْثَاً غُبْرَاً مِنْ كُل فَجَ عَمِيقٍ يَرْجُونَ جَنَّتِي، فَلَوْ كَانَتْ ذُنُوبُكُمْ عَدَدَ الرَّمْلِ أَوْ كَقَطْرِ المَطَرِ أَوْ كَزَبَدِ الْبَحْرِ لَغَفَرْتُهَا، أَفِيضُوا عِبَادِي مَغْفُورَاً لَكُمْ وَلِمَنْ شَفِعْتُمْ لَهُ }
وقد قال صل الله عليه وسلم : { إِذَا أَفَاضَ الْقَوْمُ مِنْ عَرَفَاتٍ أَتَوْا جَمْعاً فَوَقَفُوا، قَالَ: انْظُرُوا يَا مَلاَئِكَتِي إِلَى عِبَادِي عَاوَدُونِي فِي الْمَسْأَلَةِ، أُشْهِدُكُمْ أَني قَدْ أَجَبْتُ دَعْوَتَهُمْ، وَشَفَعْتُ رَغْبَتَهُمْ، وَوَهَبْتُ مُسِيئَهُمْ لِمُحْسِنِهِمْ، وَأَعْطَيْتُ مُحْسِنَهُمْ جَمِيع مَا سَأَلَ، وَتَحَمَّلْتُ عَنْهُمُ التَّبِعَاتِ الَّتِي بَيْنَهُمْ } .
وأقص عليكم قصة هذا الحديث ومناسبته بالمعنى ( أوردنا نص الحديث بالخطب السابقة):
فقد كان صل الله عليه وسلم بالمزدلفة وحوله أبو بكر وعمر رضى الله عنه فإذا به يضحك فقال سيدنا أبو بكر: يا رسول الله ما أضحكك؟ أضحك الله سنك. قال صل الله عليه وسلم إني لما كنت على عرفات عشية عرفة دعوت الله عزوجل لأهل الموقف أن يغفر الله ذنوبهم ويستجيب دعاءهم ويضمن عنهم التبعات فأجابني الله في اثنتين ولم يجبني في الآخرة وهي أن يضمن عنهم التبعات والتبعات هي حقوق العباد التي بينهم وبين غيرهم من العباد. قال صل الله عليه وسلم : فلما جئت إلى هنا دعوت الله عزوجل بما دعوت به على عرفات فقال الله عزوجل قد استجبنا لك فيما دعوت. فلما رأى إبليس ذلك ولّى وله ولولة وضراط فهذا هو الذي أضحكني (صلوات الله وسلامه عليه).
فإذا نزلوا إلى منى وتذكروا ما يباعد بينهم وبين الله والسبب الذي يجعلهم يقعون في عصيان الله وهو إبليس اللعين فيجمعون الأحجار ويرمونه ليعلنون البراءة منه قبل أن يتبرأ منهم يوم القيامة، فقد ورد في آيات القرآن أنه سيتبرأ ممن تبعه أمام الديان عزوجل فيعلن المؤمن البراءة من إبليس ووسوسته ويرجمه بالأحجار ويعلن بذلك أنه برئ من إبليس وقوله.
ثم يتذكر الذي يعين إبليس على الوسوسة ويزين للمرء المعصية وهي النفس الخبيثة التي يقول فيها الله ] إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربى إن ربى غفور رحيم [ (53يوسف).
فيذبح هديه ويقول: يا ربَّ إن لم ترض عني إلا بذبح نفسي ذبحتها لرضاك فإني أطمع في عفوك وأرجو مغفرتك وكل شئ يباعد بيني وبينك قدمته إرضاء لحضرتك فقد تركت الأهل والولد وقد قربت المال وها أنا أقرب نفسي وأعلن البراءة من الشيطان وحزبه لترضى عني يا ربَّ العالمين.
فليتك تحلو والحياة مريــرة وليتك ترضى والأنام غضابُ
وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خــراب
ثم يحلق شعره ويتذكر أخلاقه الذميمة التي تباعد بينه وبين الله فإن الله كما ورد فى الأثر: {إن الله يحب من خلقه من كان على خلقه}، فيسارع في التخلص من الأخلاق التي لا يحبها الله مثل الغيبة والنميمة والشح والطمع والجحود والعصيان والعقوق وقطيعة الأرحام وغيرها من الصفات التي يبغضها الله والتي حذرنا منها رسول الله صل الله عليه وسلم تصديقاً لقوله عزوجل ] الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولى الألباب [ (197البقرة).
ثم يزين نفسه بالأخلاق الكريمة بسعة الأخلاق والحلم والعفو والصفح والأدب بين يدي الله ليذهب إلى بيت الله وهو يتذكر عرضه على الله يتذكر هذه الساعة وكيف يقابل الله وقد قال صل الله عليه وسلم في ذلك ما معناه: { إن من الناس من يضئ حسنه لأهل الموقف كما تضئ الشمس لأهل الدنيا }، وقال في الطائفة الأخرى ما معناه :{ إن من الناس لمن يتمزع وجهه ولحمه ويتهدل من شدة الخجل والحياء من الله عزوجل }
فيطوف حول بيت الله تائباً منيباً لله يعاهد الله عند الحجر وهو يمين الله في الأرض أن لا يعود إلى المعاصي وأن لا يرجع إلى ذنب أبداً ثم يذهب إلى الصفا والمروة يسعى بينهما ويتذكر السعي في يوم الموقف العظيم بين كفة حسناته وكفة سيئاته فهو يمشي بينهما تارة ويهرول بينهما أخرى لينظر أيهما هي التي تكون الراجحة فيكون فيها الفلاح وهو يود أن يكون ممن قال فيهم الله ] فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز [ (185آل عمران).
ثم يتوجه إلى الرسول الكريم يرجو شفاعته ويطلب منه أن يكون في زمرته لأنه لم يدخل أحد الجنة إلا بشفاعته وإلا ببركته صل الله عليه وسلم . هذه بعض مشاهد الحجيج وقد أكرم الله عزوجل الأمة الإسلامية فجعل من المؤمنين والمؤمنات من إذا عاش بروحه في هذه الأماكن الطاهرات في تلك الأيام المباركات يكون له من الأجر مثل من وقف على عرفات تماماً بتمام على أن يكون في هذه الأيام جسمه هنا وقلبه وروحه هناك ولذا حبب النبي الكريم في صوم يوم عرفات وقال فيه صل الله عليه وسلم : { صوم يوم عرفة يكفر ذنوب سنتين }
لأن الصيام يقوي الروحانية ويضعف الجسمانية ويجعل أحوال المرء قريبة من أحوال الملائكة الكرام فإذا وقف الإنسان في يوم عرفات وفي صبيحة هذا اليوم يوم العيد بين يدي الله يدعو الله ويضرع إلى الله ويتوب إلى الله فقد قال صل الله عليه وسلم : { خَيْرُ الدّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ } ومن رحمته صل الله عليه وسلم أنه لم يقل خير الدعاء دعاء عرفة فلو قال خير الدعاء دعاء عرفة كان الفضل لمن وقف هناك فقط. أما قوله صل الله عليه وسلم : { خَيْرُ الدّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ } فهو يشمل كل من يدعو في هذا اليوم في أي فج من الأرض وفي أي موقع من البسيطة لأن الله عزوجل ينظر إلى عباده جميعاً. فقد قال صل الله عليه وسلم : { خير يوم في الأرض يوم عرفة ومَا رُؤِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمَاً هُوَ أَصْغَرُ وَلاَ أَحْقَرُ وَلاَ أَدْحَرُ وَلاَ أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ } .
ودعا الإسلام في سبيل ذلك القائمين هنا إلى أعمال تشبه أعمال الحجيج فالحجيج يلبون لله عزوجل ونحن لنا التكبير لله عزوجل قال صل الله عليه وسلم : { زَيِّنُوا أَعْيَادَكُمْ بالتَّكْبِيرِ } نكبر عقب كل صلاة سواء فريضة أو سنة مؤكدة فمن صلى صلاة الضحى يكبر بعدها لله عزوجل ، ومن صلى صلاة التهجد يكبر بعدها لله عزوجل وإذا حضرت جنازة في تلك الأيام وصلينا عليها نكبر لله عزوجل من صلى في جماعة يكبر، ومن صلى مفرداً في المسجد أو في بيته يكبر الرجل يكبر بصوت مرتفع والمرأة تكبر بصوت خافت وإذا سرنا في الطرقات لا نستحي أن نكبر الله بصوت عال فقد كان أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم ورضي الله عنهم أجمعين يمشون في يوم العيد في طرقات المدينة وهم يكبرون بصوت مرتفع ليخزون الشيطان ويعلنون التكبير للملك العلام عزوجل فالحجاج يلبون ونحن نكبر لله عزوجل وهم يقومون اليوم برجم إبليس ونحن في هذا اليوم نصلي صلاة العيد لله عزوجل وهم ليس عليهم صلاة عيد.
والحجاج ينحرون هديهم ونحن نذبح أضحيتنا لله فإذا فعل المرء المؤمن بعض هذه الأمور واستحضر هذه الشعائر والمناسك أكرمه الله عزوجل بما أكرم به حجاج بيته الحرام لقوله صل الله عليه وسلم فيما رواه الإمام البخاري رضى الله عنه وأرضاه عندما كان سيدنا رسول الله صل الله عليه وسلم في غزوة تبوك نظر إلى من معه وقال: { إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَقَوْماً، مَا سِرْتُمْ مِنْ مَسِيرٍ، وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِياً، إِلاَّ كَانُوا مَعَكُمْ فِيهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ: وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ. حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ} فكل من حبسه العذر الشرعي من مرض أو قلة ذات اليد عن لذهاب إلى بيت الله وفعل ما ذكرناه جعل الله عزوجل له حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً لأنه صل الله عليه وسلم قال:
{ إِنَّما الأعْمَالُ بالنِّيات، وإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِىءٍ ما نَوَى } . أما من كان معه الاستطاعة ولم يذهب لأداء هذا النسك فهذا نحذره من قول المصطفى صل الله عليه وسلم { مَنْ لَمْ يَحْبِسْهُ مَرَضٌ أَوْ حَاجَةٌ ظَاهِرَةٌ أَوْ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ أَوْ سُلْطانٌ جَائِرٌ فَلَمْ يَحُجَّ فَلْيَمُتْ إنَّ شَاءَ يَهُودِيَّاً وَإِنّ شَاءَ نَصْرَانِياً }
ومن يقل إني معي مال إما أن أزوج به الولد وإما أن أحج فقد افتى العلماء أجمعون أن زواج الولد ليس فرض علي. إن علي أن أربيه وأن أنميه وليس علي في شريعة الله أن أزوجه ولكن علي فرضاً لله أن أحج بيت الله عزوجل فعلي أن أبدأ بالحج ومال الحج مخلوف ] وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين [ (39سبأ).
قال صل الله عليه وسلم : { الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللَّهِ، إنْ دَعَوْهُ أَجَابَهُمْ، وَإنِ ٱسْتَغْفَرُوهُ غَفَرَ لَهُمْ وإن شفعوا شفعوا } ،
. ماذا علينا في هذا اليوم السعيد لله عزوجل ؟ علينا في هذا اليوم أول عمل نعمله بعد الصلاة هو قوله صل الله عليه وسلم : { مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ } فأفضل عبادة لله عزوجل في هذا اليوم هي إراقة دماء الأضاحي وليس إراقة دم المسلمين والمسلمات كما ظن بعض الجاهلين والجاهلات.
وهذه الأضاحي جعلها الله عزوجل لنا ثواباً معجلاً ففيها لنا باختصار شديد فوائد شتى نذكر بعضها على سبيل القصد أول فائدة منها أنها تغسل المرء من الذنوب هو وأهل بيته أجمعين فيكون كمن حج بيت الله عزوجل وفي ذلك يقول صل الله عليه وسلم { يَا فَاطِمَةُ قُومِي فاشْهَدِي أُضْحِيَتَكِ، فَإنَّ لَكِ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِهَا مَغْفِرَةً لِكُلِّ ذَنْبٍ } فأول قطرة تنزل من دمها يغفر لصاحبها ولزوجه ولأهل منزله أجمعين فيكون كما قال فيه صل الله عليه وسلم : { مَن حَجَّ هذا البيتَ فلم يَرْفُثْ ولم يَفْسُقْ، رجَعَ كما ولَدَتْهُ أمُّه } وكذلك من ضحى لله لا يبغي رياء ولا سمعة ولا شهرة فإن الله يخرجه من ذنوبه كيوم ولدته أمه.
أما الفضل الثاني فقوله صل الله عليه وسلم : { إِنَّهَا لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلاَفِهَا، وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَى الأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْساً } ...
من يستطيع منكم عدَّ صوفها ... من أيها الحضور الكرام؟ ومن يستطيع حساب قطرات دمها ... أنه أجر عظيم لا يعلمه إلا المولى الكريم عزوجل .
أما الأجر الثالث فقوله صل الله عليه وسلم : { إِسْتَفْرِهُوا [استسمنوا] ضَحَايَاكُمْ فَإنَّهَا مَطَايَاكُمْ عَلَى الصرَاطِ } هذا الصراط الذي يمتد على جسور جهنم وهي سبعة جسور كل جسر منها يقول ورد فيها من الأثر: { ألف عام صعوداً وألف عام استواءاً وألف عام هبوطاً لمن يمشي عليه } فهذه السبعة جسور ما الذي نركبه لنمر عليها؟ هي أضحيتنا التي نذبحها لله عزوجل وهذا ما حدى بسلفنا الصالح أن يوطنوا أنفسهم على أن يذبحوا ولو في العمر مرة ليكون له ركوبة يركبها على الصراط يوم لقاء الله عزوجل على أن تتوافر فيها الشروط الشرعية.
وما الشروط الشلاعية هذه؟ أن يكون ذبجها بعد صلاة العيد وخطبة العيد في اليوم الأول أو الثاني أو الثالث من أيام العيد على أن يكون الذبح بالنهار لنهيه صل الله عليه وسلم عن الذبح بالليل، وعلى أن تكون إذا كانت من الماعز يكون مر عليها عام، وإذا كانت من الضأن يكون مر عليها ستة أشهر، وإذا كانت من البقر يكون مر عليها عامان، وإذا كانت من الجمال يكون قد مر عليها خمسة أعوام، وأن تكون غير معيبة لا عوراء ولا مقطوعة القرن ولا مشقوقة الأذن ولا عرجاء ولا مريضة ولا هزيلة وإنما تكون صحيحة وسليمة وسمينة لأنه يقدمها لله عزوجل وأن لا يبيع شيئاً منها ولو كان للجزار.
فقد ورد { عَنْ عَلِيَ ، قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللّهِ أَنْ أَقُومَ عَلَىٰ بُدْنِهِ. وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وَجُلُودِهَا وَأَجِلَّتِهَا. وَأَنْ لاَ أُعْطِيَ الْجَزَّارَ مِنْهَا. قَالَ: نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا } هكذا أمره صل الله عليه وسلم ألا تعطه جلدها مقابل ثمن ذبحها وإنما نعطيه الأجر من عندنا.
ولا نبع شيئاً من لحومها وإنما نوزع بعضها للفقراء وبعضها للأهل والأصدقاء وإذا كنا من بيت فقير نأكلها جميعاً ويكفينا أننا فعلنا سنة أبينا إبراهيم ونسك نبينا صل الله عليه وسلم .
فيا إخواني جماعة المؤمنين وطنوا أنفسكم على أن تصنعوا هذا العمل في عمركم كله ولو مرة واحدة نذبح فيها أضحية لله نرجو بها وجه الله ونطمع في ثواب الله ونحدد فيها الشروط التي بينها رسول الله صل الله عليه وسلم كي ننال هذا الثواب من الله عزوجل فإذا فعلنا ذلك كان علينا بعد ذلك في هذا اليوم أن نصل أرحامنا وأن نود أقاربنا وأصدقائنا وإخواننا المسلمين والمسلمات وأن نتصافى ونتصالح مع خصمائنا لوجه الله عزوجل في هذا اليوم وأن نكثر فيه من الصدقات على الفقراء والمساكين.
وليس الفقراء والمساكين الذين يمدون أيديهم ويمرون على الدور وإنما هم الذين يقول فيهم صل الله عليه وسلم : { لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِالَّذِي تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ. وَلاَ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ. إِنَّمَا الْمِسْكِينُ الْمُتَعَفِّفُ أبا العيال } ، فإن المسلم الذي يقول ليس علي شئ إذا أعطيت الصدقة لمن يطلبها نقول له: لا. إن الله عزوجل أمرك أن تتفقد إخوانك المسلمين وتخص بصدقتك الفقراء والمساكين الذين يقول فيهم رب العالمين ] للفقراء الذين أحصروا فى سبيل الله لا يستطيعون ضربا فى الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسئلون الناس إلحافا [ (273البقرة)، علينا أن نبحث عنهم ونعطيهم حتى لا ندخل في قوله صل الله عليه وسلم { لَيْسَ بِالْمُؤْمِنِ الّذي يَبيتُ شَبْعاناً وَجَارُهُ جائِعٌ إِلى جَنْبِهِ } ، كم بيت في المسلمين اليوم أهله في ظاهرهم مستورين .. ويلبسون ملابس حسنة ولكنهم ليس عندهم لأولادهم قطعة لحم .. لأنهم يستحيون من الطلب ولا يمدون أيديهم إلى الناس وهؤلاء هم المحتاجون الذين عناهم ربُّ الناس .... والذين كان يخصهم سيِّد الناس صل الله عليه وسلم بعطاءه وإنفاقه صل الله عليه وسلم
وعلينا أن نترك لأبنائنا في هذا اليوم بعض اللعب المباح، على أن لا يكون فيه مخالفة لتعاليم السماء ولا يكون فيه لعب للقمار، فاللعب بالنقود بأي طريقة من الطرق [نوع من القمار] ولا يكون فيه شرب البيرة أو المخدرات أو المسكرات بحجة أن هذا يوم يبيح الله عزوجل فيه للمؤمنين ما لا يبيحه في سواه. فالقوم الذين يجلسون في هذه الليالي على أنغام الموسيقى الشجية في الليل ويشربون المخدرات والمسكرات آثمون. وهم في فعلهم ذلك خارجون عن طاعة الله عزوجل وواقعون في الإثم الصريح بقول الله تعالى ] ياأيها الذين ءامنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون [ (90المائدة).
فاللهو المباح في هذا اليوم ما لم يكن فيه إثم وما لم يكن فيه مغرم. وما لم يكن فيه تعريض سلامة أولادنا لأي شئ كالمراجيح البلدية التي تعرضهم للكسور والتشوهات فمثل هذه الأعمال يجب أن نتعاون جميعاً على إلغائها لنكون ممن قال الله عزوجل فيهم: , ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب (2المائدة)، وكذلك من يخرجون بعد صلاة العصر بصورة منكرة من شبابنا ويدعون أن ذلك موكب للصوفية فإن مواكب الصوفية فيها ذكر لله وفيها إنشاد القصائد بطريقة حسنة، أما الذين يرقصون ويحجلون ويفعلون تلك المنكرات ويتطلعون إلى الغاديات والرائحات في مقدمة هذا الموكب ... يجب علينا أن نأخذ على أيديهم جميعاً وإلا نلغي هذا الموكب حتى لا يكون وصمة عار على جبين الصوفية وفي جبين الإسلام فإن هذا ليس من الإسلام في شئ يا جماعة المؤمنين والمؤمنات.
المباح في هذا اليوم الذي لا يخالف الدين ولا يخالف سنة سيد الأولين والآخرين صل الله عليه وسلم أما ما يفعله البعض في يومنا هذا من الجلوس في بيوتهم لتقبل العزاء في أقاربهم وإخوانهم وقد مضى على موتهم أيام وشهور فهذا مخالف لسنة رسول الله صل الله عليه وسلم من أن العزاء ثلاثة ايام ، وقال صل الله عليه وسلم :{ لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تَحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثٍ إلاَّ عَلَى زَوْجِهَا } ، لا يجب أن نزيد على ذلك فلا يجب أن نجدد الأحزان في عيدنا ولا نفتح البيوت لتقبل العزاء بل نعلن الفرحة بأن الله غفر لنا ذنوبنا وشكر لنا سعينا وأعاننا على طاعته[
هذة المشاركات نقلا من كتاب : الخطب الإلهامية فى الحج وعيد الأضحى
لفضيلة الشيخ فوزى محمد أبوزيد الموقع الرسمى لفضيلة الشيخ فوزى محمد أبوزيد
رئيس الجمعية العامة للدعوة إلى الله تعالى
بجمهورية مصر العربية
http://www.fawzyabuzeid.com/table_bo...EC&id=75&cat=3
لفضيلة الشيخ فوزى محمد أبوزيد الموقع الرسمى لفضيلة الشيخ فوزى محمد أبوزيد
رئيس الجمعية العامة للدعوة إلى الله تعالى
بجمهورية مصر العربية
http://www.fawzyabuzeid.com/table_bo...EC&id=75&cat=3
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق