تنشئة الطفل المسلم
قسَّم الإسلام مراحل تربية الأولاد إلى ثلاثة مراحل:1.من لحظة ميلاده إلى سن السابعة (الطفولة).
2.من سن السابعة إلى سن الرابعة عشر (الصبوة).
3.من سن الرابعة عشر إلى سن الإحدى والعشرين (الشباب).
وذلك في الأثر الوارد عن الإمام علي t والذي يقول فيه:
{ لاعبه سبعاً، وأدبه سبعاً، وصاحبه سبعاً }[31]
المرحلة الثانية والتى تبدأ من سن السابعة إى وقت البلوغ. وطريقة الإسلام في معالجة هذه المرحلة وما بعدها هي المعالجة الشاملة لكل الدوافع والغرائز التي تسيطر على حواس الإنسان، وتنمية كل القوى المدركة في باطن الإنسان ويشمل ذلك إعداد الطفل بدنيًا وعقليا وروحيًا، حتى يكون عضواً نافعاً لنفسه ولأمته.وقد أفرد الإمام الغزالي لهذه الحقوق، جزءاً خاصاً قدم له بواجب الآباء والمربين في توجيه أبنائهم لتحسين أخلاقهم فقال: (اعلم أن الطريق في رياضة الصبيان من أهم الأمور وأوكدها، والصبي أمانة عن والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجه خالية عن كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، ومائل إلى كل ما يمال به إليه، فإن عُوِدَ الخير وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبوه وكل معلم له ومؤدب، وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك، وكان الوزر في رقبه عليه والوالي له، وقد قال الله عزوجل :
} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا { (11- التحريم).
ومهما كان الأب يصونه عن نار الدنيا فبأن يصونه عن نار الآخرة أولى، وصيانته بأن يؤدبه ويهذبه ويعلمه محاسن الأخلاق ويحفظه من قرناء السوء، وأوجب أن تكون التربية من أول مراحل الصبي ونشأته وهي مرحلة الولادة والرضاعة بألا تستعمل في حضانته وإرضاعه إلا امرأة متدينه تأكل الحلال: (فإن اللبن الحاصل من الحرام لا بركة فيه، فإذا وقع عليه نشوء الصبي انعجنت طينته من الخبيث فيميل طبعه إلى ما يناسب الخبائث)[32].
أولا: الإعداد البدني
ويقصد به تهيئة الطفل ليكون سليم الجسم، قوي البنية، قادرًا على مواجهة الصعاب التي تعترضه، بعيدًا عن الأمراض والعلل التي تشل حركته، وتعطل شأنه.والإسلام وهو يحترم الطاقة الجسمية احترامًا كاملًا، لا يتركها على حالها، ولا يطلق لها العنان! إنه ينظمها ويضبط منصرفاتها، لأنها ـ هكذا بطبيعتها- إذا تركت وشأنها لا تقف عند حد، وتدمر الكيان، فليس هم الحياة ـ كما فطرها الله ـ مجرد أداء المطالب البيولو جية، فحفظ الحياة على وجه الأرض ليس هو كل هدف الحياة! بلهدفها حفظها وترقيتها على الدوام، ولذلك لا يترك الإسلام الإنسان لشهواته تستعبده وتجرفه إلى حيث لا يملك لنفسه القياد بل يضبطها ويهذبها وينطفها ولكنه لا يكبتها.
فمنهج الإسلام في تربية النفس أنه لا يكبت رغائبها فيقتل حيوتها، ويبدد طاقتها، ويشتت كيانها، فلا تعمل ولا تنتج ولا تصلح لعمارة الأرض وترقيَّة الحياة، وفي الوقت ذاته لا يطلق رغائبها بلا ضوابط، لأن ذلك يبدد طاقتها من جانب آخر، يبددها في نشاط الحيوان وعلى مستوى الحيوان، ووسيلته إلى ذلك - كما قلنا - هي الضبط.
إنه يعمل على تربية القوة الضابطة وتنميتها منذ نعومة الأظفار وذلك بربط القلب البشري بالله، وخشيته وتقواه، ومراقبته في كل عمل وكل شعور وكل فكر، والتطلع إلى عطفه ورضاه، وكذلك يربط القلب باليوم الآخر، ثم هو دائم التذكير بأن هذه الشهوات ليست غاية في ذاتها، يستغرق الإنسان في طلبها والانكباب عليها، وإنما هي وسائل إلى غايات أخرى أرفع منها وأولى بالالتفات، وخذوا أمثلة على ذلك ....
فالطعام وسيلة لحفظ الأود:
{ ما ملأ آدمي وعاء شرًا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه } [33]
والجنس وسيلة لانتشار النوع:
} يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء { [1 النساء].
ووسيلة كذلك للسكن والراحة لا للسعار والفتنة:
}وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً { [21- الروم].
والمال وسيلة لإقامة الجماعة:
}وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً{ [5- النساء].
وطاقة القتال لجهاد الشَّرِّ في الأرض:
} يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ { [73- التوبة].
ولضمان الحياة ضد الإعتداء:
} وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ { [179- البقرة].
وهو يبعث النشاط الحيوي في إتجاهات شتى، تشمل كل كيان الإنسان، فلا تتدفق الطاقة الحيوية كلها في جانب واحد، جانب الجنس أو المال أو الطعام ... إلخ، بل يبعث النشاط في العلم والعمل، والتجارة والصناعة والزراعة، والفتح والغزو، وعمارة الأرض وإقامة الدولة وتنظيمها، وسياستها ومراقبة الأمور في المجتمع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي كلها أمور تستغرق النشاط الإنساني وتوزعه، وتوسع مساحته، فلا يتكتل في بقعة واحدة ويترك بقية الجوانب خواء.
وسائل إعداد الفرد بدنياً
والوسائل التي وضعها الإسلام لجعل الفرد صحيح البدن، بعيداً عن الأسقام والعلل، والتي يجب على المربي أن يأخذ بها في التربية تتلخص فيما يلي:
- الرعاية الصحية:
فيحرص على نظافة البدن والثوب والمكان، إذ أن النظافة ركن من أركان الصحة ودعامة من دعائمها، وأبلغ دليل على ذلك أن العبادات الإسلامية تقوم على الطهارة والنظافة وتجعل الطهارة شرطاً لصحة الدخول في العبادة وتفسد عند عدمها.وقد مرَّ بك أن الإسلام راعى هذه الناحية في الجنين قبل أن يولد، ونبَّه إلى خطر إرضاع الطفل الغيل - وهو لبن الحامل - لتأثيره السيئ على صحته.
والعناية بنظافة الطفل من أهم ما يساعد على حفظ صحته من الأمراض، وعلى تقوية جسمه، وقد ورد عن عائشة أنها قالت:
{ أمرني رسول الله rمرة أن أَغْسِلَ وجه أسامة بن زيد وهو صغير، وما ولدت ولا أعرف كيف أغسل وجه الصبيان، فأخذته فغسلته غسلاً ليس بذاك، فأخذه رسول الله صل الله عليه وسلم فغسل وجهه، وقال له: لو كُنْتَ جارية لحلَّيْتُكَ وأعطيتك وكسوتك} ( روى الشعراني في كشف الغمة عن عائشة).
والنبي صل الله عليه وسلم نَهَى عن ترك الصبيان يسيرون في الأماكن الموحشة، والأوقات التي يظن فيه الخطر عليهم، فقدقال:
{ إذا كان جنح الليل أو أمسيتم فكفوا صبيانكم، فإن الشيطان ينتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من الليل فخلوهم }[34]
وأمر الإسلام بتحصين الأطفال بالأمصال المعروفة لوقايتهم من الأمراض المعدية، نزولاً على عموم قوله تعالى:
} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ { [71- النساء]. وقوله:
} وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ { [195- البقرة].
وكما أمر الإسلام بتحصين الأطفال، أمر بعلاجهم من الأمراض التي تصيبهم بالطرق الصحيحة المعروفة لأهل الطب والخبرة، والتي يقرها الدين، وحذر من التهاون في العلاج أو من عدم المبادرة إليه، وذلك في قوله r:} وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ { [195- البقرة].
{ يا عباد الله تداووا فإن الله لم ينزل داءاً إلاَّ أنزل له شفاءاً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَه، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَه }[35]
وحذر الإسلام كذلك من الإلتجاء إلى الطرق غير الصحيحة وغير المشروعة، التي تقوم غالباً على الخرافات والشعوذة، وذلك كتعليق التمائم والأحجبة غير المشروعة والودع. وفي ذلك يقول صل الله عليه وسلم :
{ مَنْ عَلَّقَ تميمة فلا أتم الله له، ومن عَلَّقَ ودعة فلا أودع الله له } ، وفي رواية عائشة:.
{ من علق تميمة فقد أشرك }[36]
أما الإلتجاء إلى الله عزوجل بالدعاء، أو التوسل إليه سبحانه بالقرآن وما أُثِرَ عن النبي صل الله عليه وسلم ، وبالعمل الصالح، والجمع بينه بين العلاج المادي، فهذا أقرب للشفاء، فقد ورد في الصحيحين عن عائشة:{ من علق تميمة فقد أشرك }[36]
} أمر النَّبيُّ r أن نسترقي من العين)، وفى الحديث:
{ سََمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ لَدَغَتْ رَجُلاً مِنَّا عَقْرَبٌ. وَنَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ رَسُولِ اللّهِ . فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَرْقِي؟ قَالَ: مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ }[37]
وورد في الصحيحين حكاية عن سيِّدِ الحيِّ الذي لُدغ ورقاه المسلمون بفاتحة الكتاب، وأخذوا على ذلك أجرًا، وأقرهم النبي صل الله عليه وسلم عليه .{ سََمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ لَدَغَتْ رَجُلاً مِنَّا عَقْرَبٌ. وَنَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ رَسُولِ اللّهِ . فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَرْقِي؟ قَالَ: مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ }[37]
وقد أورد ابن القيم ]في زاد المعاد جـ3 ص118[:
أنَّ جبريل رَقَى النَّبِيَّ صل الله عليه وسلم فقال: (باسم الله أرقيك من كل داء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، باسم الله أرقيك).
ومن الرُّقَى المشروعة: الإكثار من قراءة المعوذتين وفاتحة الكتاب وآية الكرسي، وما أثر عن الرسول صل الله عليه وسلم . مثل:
(أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة)، ومثل: (أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بَرٌّ ولا فاجر، من شرِّ ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شرِّ ما ينزل من السماء ومن شرِّ ما يعرج فيها، ومن شرِّ ما ذرأ في الأرض ومن شرِّ ما يخرج منها، ومن شرِّ فتن الليل والنهار، ومن شرِّ طوارق الليل والنهار إلا طارقاً يطرق بخيرٍ يا رحمن).
وقد قال ابن حجر عن الرقية ]في فتح الباري[: أجمع العلماء على جواز الرقية عند اجتماع ثلاثة شروط: أن تكون بكلام الله أو بأسمائه أو بصفاته، وباللسان العربي، أو بما يعرف معناه من غيره، وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بتقدير الله عزوجل .
- أكل الطيبات:
أمر الإسلام برعاية الأبناء، ورغَّب الآباء في الإنفاق عليهم، وجعل فَضْلَ الإنفاق كبيراً، وثوابه عظيماً، وذلك في قول النبي r:
{ دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك،
أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك }[38]
وقد حذر الإسلام من إهمال هذه الرعاية في قوله r:أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك }[38]
(وإن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته)[39]. ويقول:
(كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت)[40]، وراه مسلم بلفظ: (كفى بالمرء إثمًا أن يحبس عمن يملك قوته).
ويقول شوقي:(كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت)[40]، وراه مسلم بلفظ: (كفى بالمرء إثمًا أن يحبس عمن يملك قوته).
ليس اليتيم من انتهى أبواه من هذي الحياة وخلَّفاه ذليلاً
إن اليتيم هو الذي تلقى لــه أمًّا تَخَلَّتْ أَوْ أَباً مَشْغُولاً
وقد حرص الإسلام في ذلك أن يُعَوِّدَ الأبُ الطفلَ الأكلَ من الطيبات التي تُغَذِي البدن وتقويه، مع البعد عن المحرمات، وكذلك الإسراف، اللذان يضران الجسم ويعرضانه لكثير من الأمراض، وذلك في قوله تعالى:
} وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ { [31- الأعراف].
ويرشدنا الغزالي إلى ذلك بقوله ]في إحياء علوم الدين ج 3 ص72[:
(وأول ما يغلب عليه من الصفات شَرَهُ الطعام، فينبغي أن يؤدَّب فيه، مثل أن لا يأخذ الطعام إلا بيمينه، وأن يقول: (بسم الله) عند أخذه، وأن يأكل مما يليه، وأن لا يسرع في الأكل، وأن يجيد المضغ، وأن لا يوالي بين اللقم، ولا يلطخ يده ولا ثوبه)، وقد فصلنا ذلك الموضوع في كتابنا: ]مائدة المسلم بين الدين والعلم[.
- الرياضة البدنية:
وقد أولاها الإسلام عناية كبيرة، لأنه يريد للنشء أن يكون قويًا في جسمه كما يكون قويًا في عقله وخلقه وروحه، ففي الحديث الشريف:
(المؤمن القوي خير وأحب إلي الله من المؤمن الضعيف)[41].
وقد ذكر ابن القيم ]في (زاد المعاد)[ بعض فوائد الرياضة فقال:(إن الحركة هي عماد الرياضة، وهي تخلص الجسم من الرواسب والفضلات بشكل طبيعي،
وتعوِّد البدن الخفة والنشاط، وتجعله قابلاً للغذاء، وتصلب المفاصل،
وتقوي الأوتار والرباطات، وتؤمن جميع الأمراض المادية وأكثر الأمراض المزاجية،
إذا استعمل القدر المعتدل منها في دقة، وكان يأتي التدبير صواباً).
ولا ننسى في هذا المقام حاجة الولد إلى اللعب والترويح عن النفس،
حتى لا يحدث عنده ملل ولا ضجر ولا تبرم، وقد ورد في الأثر:
(رَوِّحُوا عَنْ النِّفُوسِ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَة، فَإِنَّ النَّفْسَ إذا كَلَّتْ مَلَّتْ، وإذا مَلَّتْ عَمِيَتْ).
ولنستمع إلى الإمام الغزالي وهو يوصي المربين بذلك ]في إحيائه[ فيقول:(ينبغي أن يؤذن للصبي بعد الانصراف من الكُتَّاب أن يلعب لعباً جميلاً يستريح فيه من تعب المكتب،
بحيث لا يتعب في اللعب، فإن منع الصبي من اللعب وإرهاقه بالتعلم دائمًا ضارٌّ بمستقبله
ويُبْطِلُ زكاؤه، ويمغِّص عليه العيش حتى يطلب الحيله في الخلاص من الكُتاب رأساً).
وما أشار إليه الغزالي بالكُتاب هو ما يساوي المدرسة في عصرنا.
ومما يدل على عناية الإسلام الشديدة بالرياضة ما جاء في مسند الإمام أحمد
أن النبي صل الله عليه وسلم ، كان يَصُفُّ الأطفال الذين يأنسون به ويقول:
( من سبق فله كذا فيستبقون إليه فيقعون على صدره، فيلتزمهم ويقبِّلهم )، وما رواه البخاري:
{ أن النبي صل الله عليه وسلم مرَّ على نفر من (أسلم) ينتضلون بالسوق – أي: يتعلمون الرمي -
فقال صل الله عليه وسلم : ارموا بني اسماعيل فإن أباكم كان راميًا، ارموا وأن مع بني فلان.
فأمسك أحد الفريقين عن الرمي!! فقال رسول الله صل الله عليه وسلم : ما لكم لا ترمون؟
فقالو كيف نرمي وأنت معهم؟ فقال صل الله عليه وسلم : ارموا وأنا معكم جميعاً }
وعنه صل الله عليه وسلم فيما رواه الطبراني:
{ كل شئ ليس من ذكر الله فهو لهو أو سهو إلا عن أربع خصال:
مشي الرجل بين الغرضين - الجري - وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، وتعليمه السباحة}
لذلك كتب عمر بن الخطاب إلى الولاة:مشي الرجل بين الغرضين - الجري - وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، وتعليمه السباحة}
(أما بعد، فعلِّموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل).
وقد روى أحمد وأبو داود:
(أن النبي r سابق عائشة فسبقته، ثم سابقها بعد ذلك فسبقها، فقال: هذه بتلك)،
وورد:
{ من مشى بين الغرضين كان له بكل خطوة حسنة }[42]
والغرضان علامتان يحدُّ بهما مجال السباق. كذلك ورد أنه صل الله عليه وسلم سابق بين الخيل، وسابق بين الجمال.وورد:
{ من مشى بين الغرضين كان له بكل خطوة حسنة }[42]
وقد صارع النبي صل الله عليه وسلم ، ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب، وكان بمكة ويحسن الصراع، ويأتيه الناس من البلاد فيصرعهم - فصرعه صل الله عليه وسلم ثلات مرات حتى وقف ركانة معجبًا وقال: (إن شأنك لعجيب، وأسلم عقبها.[43]، وكذلك صارع صل الله عليه وسلم أبا الأسود الجمحي فصرعه، وكان رجلاً شديداً بلغت قوته أنه كان يقف على جلد بقرة فيشد الجلد عشرة لينزعوه من تحته فيتفرى الجلد ولا يتزحزح عنه.
والتكاليف الإسلامية نفسها يشتمل كثير منها على رياضات للأعضاء، إلى جانب إفادتها قوة الروح واستقامة السلوك، فالصلاة بما فيها من طهارة وحركات لمعظم أعضاء الجسم، والحج ومناسكه، والزيارات والرحلات والجهاد والمشي إلى المساجد، وأنواع النشاط الإجتماعي، كلها تمرين لأعضاء الجسم وتقوية له، ما دامت في الحد المعقول.
على أننا يجب أن نؤصل في نفس الطفل أن الارتباط الرياضي لا يكون على حساب واجبات أخرى يكلف بها، فلكل وقته، والاعتدال والوسطية وإيجاد التوازن مع سائر الواجبات من الأمور المطالب بها، فعليه أن يتعلم التعادل على يد المربي، استلهاماً من قوله صل الله عليه وسلم لسيدنا أبى الدرداء:
(يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ إِنَّ لِرَبكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلأهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقَ حَقَّهُ ).[44]
هذا مع الإشارة إلى أن الإسلام لا يرضى أن نمارس الرياضة بشكل يؤذي الناس كاللعب في الشوارع الضيقة، وكذلك لا يرضى بالتحزب الممقوت لفريق أو لشخص، ويحرم المرهنات على النتائج، كما لا يبيح اشتراك الذكور مع الإناث في لعبة واحدة جماعية، ولا يرضى عن كشف العورات بصورة تثير الشهوات باسم الرياضة، ولا يسمح بإطلاق الكلمات النابية، والتعليقات اللازعة أثناء المباريات أو بعدها وذلك للقاعدة الشرعية الإسلامية: (لا ضرر ولا ضرار).