Disqus for ومضات إيمانية

الثلاثاء، 28 أبريل 2015

حقيقة سكرات الموت


الاثنين، 27 أبريل 2015

الجهاد الأعظم جهاد العلم




الآن في العالم الذي نعرفه - حتى الآن - نرى قدرات مذهلة لله عزَّ وجلَّ، ولأنها فوق طاقات البشر، فلابد أن تكون هناك قوى عظمى لله عزَّ وجلَّ أوجدت هذه الطاقات، فعندما يأتي الإنسان الآن ويرى بالأجهزة الحديثة الكلام الذي قاله القرآن - وكان قد نزل على رجل أميّ، لم يكن عنده أجهزة ولا بحوث علمية ولا قوانين كونية - فإن ذلك يعطي مؤشراً أن هذا الكلام من الله، وأن هذا الرجل جاء به من عند الله، وأن هذا الدين هو الدين الحق.

هذه الأشياء التي يجب أن نلتفت إليها، ونبينها لإخواننا المسلمين، لأن الملحدين يشككون في هذه الأشياء، فمثلاً قصة الإسراء والمعراج: كل المستشرقين في الفترة السابقة كانوا يشككون فيها، ولما جاء عصرنا أصبح العصر نفسه شاهداً على إسراء ومعراج الرسول صلى الله عليه وسلَّم، لأن العصر نفسه اكتشف أن هناك سرعة إسمها سرعة الضوء، وهي ثلاثمائة ألف كيلومتراً في الثانية، وعندما حسبها العلماء وجدوها السرعة المذكورة في كتاب الله عزَّ وجلَّ:
{وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} 47 الحج

فالحقائق العلمية تشرح وتوضح الآيات القرآنية، وعصرنا الآن هو عصر العلم، قال صلى الله عليه وسلَّم لأصحابه:{إِنَّكمْ قَدْ أَصبَحْتُمْ في زمانٍ، كثيرٍ فقهاؤُهُ، قليلٍ خُطَباؤُهُ، كثيرٍ مُعْطُوهُ، قليلٍ سُؤَّالُهُ، العَملُ فيهِ خيرٌ مِنَ العِلْمِ، وسيأتي زمانٌ - وهو الذي نحن فيه الآن - قليلٌ فقهاؤُهُ، كثيرٌ خطباؤُهُ، وكثيرٌ سُؤَّالُهُ، قليلٌ مُعطوهُ، العلمُ فيهِ خَيرٌ مِنَ العَملِ}{1}

العلم فيه خير من العمل، لأنني عندما أرد مسلماً عن شكوكه التي في عقله نحو مسألة من مسائل الدين أو العقيدة، هل هذا أفضل للمسلمين أم صلاة النافلة التي قد أشعر فيها بنفسي فامتلأ غروراً وتكبراً؟، عندما أردُّ هذا المسلم إلى الحق، وأبيِّن له الطريق المستقيم؛ فهذا عمل أفضل، لأن نفعه تعدَّاني إلى غيري، وهذا العمل داخل في قول الله عزَّ وجلَّ:{رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} 8آل عمران

فمن الذي يردُّ الناس من الزيغ ؟، العلماء العاملون والصالحون الذين كل همُّهم تثبيت اليقين في قلوب المؤمنين، وزيادة الإيمان في قلوب الموحدين، ونمو الإحسان في قلوب المحسنين، وصفاء القلوب لصفاء المشاهدة في أرواح المؤمنين. فالجهاد الأعظم في هذا العصر هو جهاد العلم، ولكن هناك ضابطان:

الضابط الأول: ألا أحضر شيئاً علمياً ثم أضعه على كتاب الله أو سنة رسوله، أي أحضر نظرية لعالم افترضها، ولم تثبت علمياً بعد، وألوى الآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية لتأكيدها، وإنما القوانين العلمية التي أصبحت ثابتة ويقينية هي التي لا تتعارض إطلاقاً مع الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وهذا ما يجعل كل يوم علماء - لا حصر لهم ولا عدَّ لهم - من دول الشرق والغرب يدخلون في دين الله.

لأنه بعد أن يصل إلى العلم اليقيني يذكر له شخص مسلم آية قرآنية واحدة يكون هو قد وصل إلى نتائجها بعد التجارب العلمية والأبحاث والاكتشافات والمجاهدات، وقد ذكرها الله في القرآن في آية بسيطة، أو في كلمة واحدة، وهذه الكلمة لا يستطيع أن يغيِّرها أو يبدلها أو يجئ بكلمة أخرى تحل محلها، من أين هذا الكلام؟.

يعرف عندئذ أن هذا الكلام من عند الله عزَّ وجلَّ، وأنه تنزيل من الحميد المجيد، وأن هذا هو الصدق الذي جاء به النبي الكريم صلى الله عليه وسلَّم، وهكذا فالقوانين العلمية اليقينية هي التي قد نؤيد بها حقائقنا الدينية. فلا يجوز الآن في عصرنا أن نركزَّ في حديثنا لشخص تارك للصلاة على عذاب القبر الذي يتعرض له فقط، ونعتقد أن هذا وحده هو الذي يجعله يلتزم بالصلاة، لكن لابد أن أوضح له: ماذا تفيد الصلاة بالنسبة للمخ والجوارح؟، وكيف تفيده نفسه؟، لأنه يريد أن يعرف هذه الأشياء التي تفيده؟، والقرآن بيان لهذه الأشياء في هذا الزمان.

وهذا لا يعني أننا نلغي كلام السابقين، ولكن لكل زمان دولة ورجال، وهذا هو النهج الصحيح للعلماء الذين سبقونا، والذين كانوا على نهج الرسول صلى الله عليه وسلَّم. فالإمام الشافعي في بغداد عمل مذهباً فقهياً، ولما جاء إلى مصر وجد أن أهل مصر لهم أحوال وأعراف تختلف عن أهل بغداد، فترك مذهبه السابق وهو فقه مقنن ومقيد، وعمل مذهباً جديداً يتلاءم ويتواكب مع أهل مصر.

وغنى عن التعريف ما حدث له مع ابنة سيدي أحمد بن حنبل، عندما تركوا له الماء ووجدوا في الصباح الماء كما هو، وسألها أبوها: ما رأيك في الشافعي؟، فقالت له: فيه ثلاث خصال ليست في الصالحين؛ لم يقم الليل، وصلى الفجر بدون وضوء، وملأ بطنه من الطعام، قال لها والدها : إذا عُرف السبب بطل العجب، وعلينا أن نسأل الإمام الشافعي في ذلك، فقال لهم عندما سألوه:

في هذه الليلة أكرمني الله عزَّ وجلَّ وحللت مائة مسألة كلها- تهم المسلمين، فهل حل المائة مسألة أفضل؟ أم صلاة ألف ركعة؟، قال: والفجر صليته بدون وضوء، لأني منذ صليت العشاء وأنا متوضأ، ولم أنم. فقيامه: أن يجلس بين يدي المتفضل يطلب العلم والفضل من الله ويستمطر كنوز المعرفة من الله هذا قيامه.

وهذا كان نظام الأئمة الأعلام رضِيَ الله عنه وأرضاهم ولكل زمان دولته ورجاله. فالثوب واحد ، ولكن حُلّة هذه السنة وموديلها غير السنة السابقة أو اللاحقة ، وإن كان هو نفس القماش، ولكن على العالم أن يفصِّل القماش على قدر الزمان، ولا يصح لعالم من أهل اليقين أن يقف على المنبر ويفصِّل للناس جلباباً كان موجوداً في القرن الثاني أو الثالث


{1} عن حِزام بن حيكمٍ بن حِزام عن أَبيهِ فى مجمع الزوائد ، وفى ومسند الشاميين عن عبد الله بن سعد ، كما رواه جلال الدين الشيوطى فى جامع المسانيد و المراسيل عن عبد الله بن سعيد الأنصارى.

الأحد، 26 أبريل 2015

نصيب المؤمن من الإسراء والمعراج




ورد أن أبا سفيان عندما ذهب عند هرقل وسأله عن رسول الله؟، فأحب أن يضع شيئاً عليه صلى الله عليه وسلَّم يفقدهم الثقة فيه، فقال: إنه يزعم ويدَّعى أنه جاء عندكم وزار بيت المقدس ورجع، وكان بالمجلس أحد الرهبان الذين يعملون في بيت المقدس، فقال أنا أعرف هذه الليلة – هو يريد أن يضعها {أى أبو سفيان} وشاية، فجعلها الله عزَّ وجلَّ دليلاً- قال الراهب: أليست ليلة كذا؟

قال: نعم، قال: وكيف عرفت؟، قال: أنا كل ليلة لا أنام إلا عندما يطمأن الخدم على غلق أبواب المسجد، وفي هذه الليلة كان هناك بابٌ لم يستطيعوا إغلاقه، فأحضرت النجار، وحاول غلقه فلم يستطع، فقلت له: اتركه حتى الصباح. فبات هذا الباب مفتوحاً - وهو الباب الذي دخل منه رسول الله صلى الله عليه وسلَّم - فلما جاء الصباح! لم يحتج الباب إلي نجار.

وعندما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي المؤمنين بالمدينة، وهم يعرفون الجنَّة والنَّار، وسدرة المنتهى، والعرش، والكرسي، والملائكة، فأخبرهم عن المعراج، ليبين الدلائل للذين يريدون أن يعرجوا بعده بأرواحهم إلى الله، فقال لهم: تعالوَا أعطِ لكم العلامات التي وضعها المرور النبوي على الطريق، حتى يأخذوا بالهم من المطبات والعثرات والأماكن التي تمنعهم من الوصول إلى الله، فيبيَّن لهم العلامات الخاصة بهم فالعلامة الأولى هي الدنيا، وهكذا وهذا للجماعة الثابتين الذين يريدون السير إلى الله.

أما الواصلون؛ فقد وصف لهم كيفية اجتماعه بالأنبياء في بيت المقدس، ثم مشاهدتهم له في السماوات العلا، وعندما يذهب إلى النبي، والنبي يسأل سيدنا جبريل من؟، فيقول: جبريل، ومن معك؟، فيقول: محمد، فيقول: أو قد بعث؟، فالذي يسأل آدم وعيسى ويحي وهارون ويوسف، وكل واحد منهم يسأل بالكيفية التي أوردناها، وقد صلُّوا وراءه صلى الله عليه وسلَّم، بل أن سيدنا موسى سلَّم عليه في القبر، ورجع صلَّى وراءه، ثم قابله في السماء السادسة.

إذن فهو هنا يعلِّمهم الأحوال العليَّة، والهيئات النورانيَّة التي تتشكل فيها العوالم الروحانيَّة، وهذه علوم خاصة وأسرار خاصة، لا تتكشف إلا لخاصة الخاصة، فكلُّ جماعة لهم علم، ولهم حال، ولهم أسرار في رسالة الإسراء والمعراج.

الذي أريد أن أقوله: أننا الآن لسنا في عصر الرواية، فعصر الرواية قد انتهى، وعصر القصص والروايات قد انتهى، وماذا يلائم عصرنا من حديث الإسراء؟ أن نبيَّن الحكم والأسرار التي أظهرها العصر، وأظهرتها علوم العصر في كتاب الله، وفي سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، لأن الله وعد بهذا حيث قال: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ} 53 فصلت

ولم يقل : " سنريكم "، لأنكم آمنتم والحمد لله وسلمتم، بل قال: {سَنُرِيهِمْ}، أي: الكافرين والمشركين والجاحدين، ولم يقل:" نريهم "، بل قال: {سَنُرِيهِمْ}، يعني في المستقبل، فالسين للمستقبل، {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ}، وفي الأنفس، لماذا؟

حتى يتبين لهم أنه الحق، أي حتى يعرفوا أن هذا الكلام هو الحق، وأن الله هو الملك الحق، وأن سيدنا محمد هو النبي الحق صلى الله عليه وسلَّم. فكيف بيَّنهــا لهم؟ هم يرونها الآن، ولكني أريد أنا وأنت أن نربطها لهم بالآيات القرآنية والأحاديث المحمديَّة، لأنه لا يعرف آيات القرآن، ولكن من أين يعرفها؟ منك أنت.

فالرجل العالم الكندي "كينيث مور"، الذي ألفَّ أكبر مرجع في علم الأجنَّة {سبع مجلدات} - وهذا هو المرجع المعتمد في كل كليات الطب في العالم - عندما تقابل مع عالم مسلم في يوم من الأيام، ودار بينهما حوار، وقال (العالم المسلم) له: هذا الكلام الذي قلته يوجد عندنا في آية واحدة، فقال له: أين؟، فتلى عليه قول الله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} 12-14 المؤمنون.

ترجم له معانيها بالإنجليزية - مع أن كلمات القرآن مستحيل أن تترجم، لكن الله يمنُّ على الناس الصادقين، ويضع في الترجمة {ما دام فيها صدق} شيئاً من إشراقات أنوار اليقين - وأول ما قرأ الآية، قال الرجل: هذا الكلام هو الذي أفنيت عمري أدرس فيه، وقد ذكر كل هذه الحقائق بالتفصيل.

فهؤلاء الناس يريدون منَّا أن نتابعهم ونوجههم ونربط بين الآيات القرآنية والأحاديث المحمدية وبين الأشياء العلمية، هذا هو البيان الملائم للعصر. لا يحتاج مني أن أحكي القصة، لأن الناس حفظتها، ولكن استلهم العبر من الأشياء التي في القصة مثل: لماذا بدأ الله الآية بـ " سبحان "{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} 1الإسراء؟

لأن هذا شئ فوق طاقة البشر، فالسابقون سمعوها هكذا وسلَّموا، لكن نحن الآن وبهذه المعجزة نزيد إيمان ويقين البشر، فالبشر الآن لما أراد الله أن يبيَّن كتابه؛ ألهمهم صنع التليسكوبات الفلكية الهائلة، وألهمهم صنع مركبات الفضاء، وألهمهم صنع أنواع الوقود التي لا عدَّ لها ولا حصر لها، ومنها الوقود النووي، لينطلقوا في الأكوان، لماذا؟ {قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} 101يونس
لينظروا قدرة الله، فيخروا ساجدين لكلام الله عزَّ وجلَّ.

ولذلك أنتم جميعاً تذكرون أن أول رائد فضاء أمريكي أسلم في القاهرة عندما سمع الآذان، وقال: ما هذا؟، قالوا له: هذا آذان المسلمين، فقال: هذا الذي سمعته على القمر، مع أن العلم يقول أنه على سطح القمر لا يوجد هواء ينقل الصوت ولا يوجد شئ يشير إلى الحياة، كماء أو زرع، إذاً الله أرسله إلى القمر ليؤمن هنا في القاهرة، فكان هذا سبب الهداية، فالحمد لله العلم هو الذي هداه للإيمان.

الخميس، 23 أبريل 2015

روايات الإسراء والمعراج

معجزة الإسراءمعجزة الإسراء
رحلة الإسراء انفردت بصفات ونعوت غريبة وعجيبة، فهي معجزة .. والمعجزة هي الأمر الخارق للعادة الذي يأتي على غير السنن المرعية والقوانين الإلهيةالتي تنظم الحياة الكونية، والمعجزات تفضل الله عزَّ وجلَّ بها على كل الأنبياء والمرسلين، فما من نبي أو رسول إلا وأيده الله بمعجزات من عنده.

وحكمة المعجزة؛ كأن الله يقول للمشاهد لها، والمبّلغين بها: هذا عبدي ورسولي، وصدق فيما بلغكم عني، فاتبعوه. ... أي أنها دليل على صـدقه، وتأييد من الذيأرسله عزَّ وجلَّ. لكن لو نظرنا إلي معجزات السابقين، نجد أن المعجزة لمن هم حاضرون وقتها؛ يعني حتى الناس المعاصرون لهذا الزمن - ولكن في مكان آخر - لا يرونها.

أما معجزة الإسراء فنجدها تختلف عن كل المعجزات، فهي معجزة للسابقين، ومعجزة للاحقين، وفي كل زمان يظهر إعجازها لأهل هذا الزمان، مع أن الزمنالذي حدثت فيه انتهى، لكن في كل زمان تنكشف أسرار من هذه المعجزة الباقيـة، وليس هذا فقط، بل إنها معجزة للبشر جميعاً.

فهي معجزة للمؤمنين، كما أنها معجزة للكافرين، ومعجزة للإنس، والجن، وللملائكة على كافة أصنافهم وأنواعهم وأشكالهم، وكل واحـد منهم له نصيب معلوم، وقدر صرفه له الحي القيوم - في هذه المعجزة الباقية الخالدة، وتظل بعد ذلك تلك المعجزة على هيئتها وعلى حالتها، وكل يبيِّن على قدره، ولكن قدر هذه المعجزة لا يعلمه إلا الذي قال في شأنها: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} 1الإسراء
وكلمة ( سُبْحَانَ ): تعني التنزيه الكامل لله عزَّ وجلَّ.

فكل الأفكار التي وردت في عقول العلماء، وكل الأسرار التي أذاعها الحكماء عن رحلة الإسراء والمعراج، لم تصل إلي الغاية أو إلي القدر الذي شاهده رسول اللهصلى الله عليه وسلَّم، فكل من رأى، أو بيّن، أو خطر على باله، أو ألهم من الله عزَّ وجلَّ بشئ في شأنها، عليه أن يعتقد - في نفسه وفي قلبه - أنه ما أوتى منالعلم في هذه المعجزة إلا أقل القليل من الله عزَّ وجلَّ.

وهذا حتى لا يأتي أحد ويقول: الذي عرفته في شأن هذه المعجزة لا يوجد غيره، أو يأتي أحد ويقول: تفسير فلان لهذه المعجزة لا يوجد غيره، أو الحكم التياكتشفها ووضحها الشيخ فلان لا يوجد غيرها. لأن فيها كنوز ليس لها حدّ، وأسرار ليس لها عدّ، وإمداد من الله عزَّ وجلَّ، والله عزَّ وجلَّ لا نفاذ لقدرته، ولا نهاية لكلماته عزَّ وجلَّ.

ومن العجب أن الإسراء - المعجزة الخالدة - تكشَّف بعض منها في هذا العصر، وما زالت البقية تأتي ، لأننا نعتقد أن هذا العصر هو عصر القرآن ؛ أي عصر بيان القرآن: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} 19القيامة
أي نحن نبيِّنه، فأنت تقوله وتردده، ونحن نبيِّنه. كيف نبيِّنه؟

كل زمان على حسب علماء الزمان، وأحوال الزمان، وعقول أهل هذا الزمان، فيبين الله عزَّ وجلَّ إلهاماً على لسان العلماء في هذا الزمان شيئاً من أسرار هذه المعجزة الكريمة، ولذلك فأنا أهمس في أذن إخواني من العلماء بارك الله فيهم؛ أننا يجب أن نمشي على روح هذا العصر.

فالعلماء السابقون لم يكن عندهم سوى الروايات التي سمعوها، وهذه الروايات - لأن العصر كان عصر قصص وحكايات وروايات - دخل فيها كثير من الإسرائيليات، وكثير من الخيالات، مثل قصة الإسراء والمعراج التي ينسبونها لعبد الله بن عباس رضِيَ الله عنه - وهو منها برئ - ولذا فعلينا أن نمحص هذه الروايات، ونتحقق من هدفها، وخاصة أننا نجد القصة الصحيحة مذكورة في البخاري ومسلم وكتب السنن، وقد جمع الإمام السيوطي رضِيَ الله عنه وأرضاه معظم هذه الروايات (67رواية) للإسراء والمعراج عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.
معجزة الإسراءمعجزة الإسراء

الأربعاء، 22 أبريل 2015

مراتب السير والسلوك إلى ملك الملوك


السماءالسماء

إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا أَحَبَّ عَبْداً دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ: إِني أُحِبُّ فُلاَنَاً فَأَحِبَّهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ فُلاَنَاً فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الأَرْضِ{1}
وأهل السماء هم الذين يريدون أن يسموا بإيمانهم، ويرتفعوا بأرواحهم؛ ليكونوا مقربين عند الله عزَّ وجلَّ.
يُحِبـُّــــهُ كلُّ قلبٍ مطهَّرٍ لِي صلَّى له الملائكُ تَسْجُد سِجُودُهَا لِى قَبْلاً
فكل الناس تحبُّه من أجل السرابيل الروحانية التي جمَّله بها الله عزَّ وجلَّ، ويراه أهل الوداد نور الهدى يتجلَّى؛ فيرون أن هذا نور من عند الله، نزل ليكشف لهم مراتب القرب من الله عزَّ وجلَّ، فيجالسوه، ويتوددوا إليه، لأنهم يرونه نوراً نازلاً من الله عزَّ وجلَّ.
وجمال النور ليس جمالاً جسمانياً، ولكنه روحاني كالذي كان مجملاً به سيدنا يوسف عليه السلام، وبعد هذا الجمال الروحاني والتشريف الرباني؛ يتفضل الله عزَّ وجلَّ عليه بالحكمة الروحانية، وسيدنا هارون عليه السلام كان يسمى هارون الحكيم؛ لأنه كان حكيماً في تصرفاته، حكيماً في أقواله وأفعاله وخصاله، وفي كل منازلاته: {يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} 269البقرة
وبعد أن يأخذ الحكمة، ويصبح رجلاً حكيماً في كل تصرفاته وسكناته وفعاله وخصاله، يقرِّبه الله إلي حضرته، ويناجيه، فيكون مفترشاً التراب، ولكنه يناجي اللهعزَّ وجلَّ، مثل سيدنا موسى كليم الله: فقد كان يتكلم مع الله، ولا يشعر به من يجاوره
ولقد جعلتك في الفؤاد محدّثي وأبحت جسمي من أراد جلوسي
فالجسم منّى للخليل مؤانس وحبيبي قلبي في الفؤاد أنيسى

وقد سألوا سيدنا عليًّا رضِيَ الله عنه وقالوا له: كيف حالك مع الله؟، فقال: {عبدٌ إذا سكتُّ ؛ إفتتحنى بالكلام، وإذا دعوت ؛ لبَّاني، وإذا سألت؛ أعطاني.} حتى أنه وصل به الأمر ذات يوم أن قال لهم: {سلوني قبل أن تفقدوني، فو الله لو سألتموني عن شئ في السموات أو في الأرض، لأخبرتكم به}.
وهذا مقامٌ يكون صاحبه مع الله .. ما نطق به لسانه، وتحركت به شفتاه، بسرِّ قوله عزَّ وجلَّ فى الحديث القدسى: {أَنَا مَعَ عَبْدِي مَا ذَكَرَنِي وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ}{2}
وفيه يقول الإمام أبو العزائم رضِيَ الله عنه:
يا لساني ذكرت من تهواه ما تقول؟ فقال قلت الله
يا فؤادي شهدت من تهواه ما رأيت؟ فقال نور سناه 

وقد يسأل بعضنا: هل أمثال هؤلاء الناس موجودون؟ نعم، موجودون في كل زمان ومكان، إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها، لكن الناس الذين شغلتهم الأمور المادية لا يرون هؤلاء الناس. فإذا أزاح الإنسان ستارة المادة، ورأى بعين البصيرة، يجدهم موجودين في كل زمان ومكان، إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ولا تظنوا أن هؤلاء الناس موجودون في مصر فقط، ولكن هناك في أمريكا، وجنوب أفريقيا، والسنغال، والنيجر، وأوروبا، وروسيا، وفرنسا، فكل مكان فيالعالم - وصله نور الإسلام - يوجد فيه هذه الأصناف؛ لأن هذه حكمة الله، ونور الله المنتشر في الأكوان، ولا ينطفئ مدى الزمان أو المكان، بل يزيد.
شمس الحبيب الهادي أنوارهــــا في ازدياد
فكلمَّا تزيد ظلمة الكفر؛ تزيد أنوار الهداية لتواجه ظلمة الكفر. والآن نرى قوة الكفر، وحبائل المسيخ الدجال معهم، إلا أن نور الإيمان ساطع، ونور الإسلام ظاهر، لأن الأنوار الموجودة توسِّع القلوب، وتُمدُّها وتُهيِّئها، ولكنا لا نراهم، لأنهم يعملون من وراء حجاب الأسباب، وهم قائمون مدى الزمان والمكان، إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وعندما يصل الإنسان إلي مقام المكالمة يصل إلي حال يذكر الله فيه ليس باللسان فقط، ولكن بكل حقيقة من الحقائق الظاهرة والباطنة، فالعين تذكر، والأذن تذكر، والأنف يذكر، وكل شعرة تذكر، وكل ظفر يذكر، وكل حقيقة من الحقائق الظاهرة والباطنة تذكر الله، وليس بلسان الحال، ولكن بلسان فصيح. هنا تحولك محبة اللهإلي مقام الخليل.
تخّللت موضع السّر منّى وبذا سُمِّي الخليل خليلاً
فالخليل هو من أصبحت محبَّة الله في كل ذرة من ذراته، وفي كل حقيقة من حقائقه؛ حتى أن رجلاً منهم كان نازلاً بغداد وآخر قذفه بحجر فجاء في رأسه، فنزل الدم من رأسه، وكتب: الله الله
بعد أن يرقى إلي هذا المقام الكريم - مقام الخلَّة - يكون خليلاً لله عزَّ وجلَّ ؛ فيعمِّر الله عزَّ وجلَّ حقائقه العالية والدانية بأنواره العالية الروحانية، ويلقى عليه اللهعزَّ وجلَّ نَفْسَاً قدسيَّة من لدنه، تكون بمثابة الرفرف الأعلى الذي يعرج به إلي قاب قوسين أو أدنى، ولذلك فالأفراد الروحانيون المجاذيب العيسويون، نهايتهم سدرة المنتهى.
ولكن يطلع بعد ذلك الأفراد - الذين أفردهم الله عزَّ وجلَّ لحضرته، ولم يكن في قلوبهم ذرَّة من غيره ذكره سبحانه وتعالى ومشافهته، وهؤلاء يعطيهم الله روحاً من عنده خاصة بهم، يعرجون عليها إلي مقامات السرِّ التي لا يطلع عليها ملك مقرَّب، ولا نبيٌّ مرسل، وإنما كما قال عزَّ وجلَّ: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى}10النجم
هذه باختصار مراتب السير والسلوك إلي الله عزَّ وجلَّ .
والعبد الذي يرتقي في هذه المراتب تعرض عليه الجنة، ومنازل القرب، وخزائن فضل الله، وخزائن كرم الله، وجمالات الروحانيين من ملائكة الله، فإذا كان يريد شيئاً من هذه الأشياء يقف عندها، لكن الرجل المفرد لله بالقصد، كلما أراد أن يقف عند حقيقة نادته هواتف الحقيقة: {لا تقف، إنما نحن فتنة، والمطلوب أمامك}
وفي هذا رُوىَ عن الشيخ أبي اليزيد البسطامي ما رآه في المعراج، وقد روى ذلك أحد تلاميذه: أنه خرج وراءه بعد صلاة العشاء - دون أن يدرى به - فدخل خلوته، ووقف على قدم واحدة يناجى الله عزَّ وجلَّ - حتى قرب مطلع الفجر - ثم صلَّى، وأكمـل ركعتين خفيفتين، فالتفت فرآه، فقال له: منذ متى أنت هنا؟ قال: منذ صلاة العشاء، قال: وماذا تريد؟. قال : أريد أن تبين لي شيئاً مما رأيته في هذه الليلة، فقال له: لن تستطيع تحمل ذلك، فأخذ يتوسَّل إليه، فقال له: سأظهر لك شيئاً تستطيع تحمله
لمَّا وقفت بين يديه عزَّ وجلَّ: أخذني وطاف بي عوالم الملك والملكوت كلها، حتى وصلت إلي سدرة المنتهى، وكلما وصلت إلي عالم من العوالم، قلت له : مرادي غير هذا، ثم كاشفني بعوالم السماوات، وأنا أقول: مرادي غير هذا، ثم أدخلني الجنَّة وكاشفني بما أعدَّه فيها للمقربين والصديقين والشهداء والصالحين، وأنا أقول له: مرادي غير هذا، ثم كاشفني بعوالم اللوح والكرسي والعرش؛ كل هذا وأنا أقول له: مرادي غير هذا
فأوقفني بين يديه، وقال لي: ماذا تريد؟، فقلت: أريد ألا أريد، فقال: أنت عبدي حقاً، وأنت وليى صدقاً. لماذا؟ لأنه لم يلفته شئ - من زهرة الدنيا، ولا من أنوار الآخرة، ولا من الجمالات الروحانية - عن مطلبه الأعلى، وهو الوصول والاتصال بالله عزَّ وجلَّ . والوصول ليس بالمفهوم الحسي، ولكن كما قال الإمام أبو العزائم رضِيَ الله عنه:
بلا كمّ ولا كيف ولكن بأنوار تعالت معنوية
لأن هذه أشياء فوق العقول، وفوق الأرواح، بفيض من فضل الكريم الفتاح عزَّ وجلَّ على عباده المؤمنين. وقد أحببت أن ألفت نظركم إلي هذه الفصوص من الحكمة الإلهية؛ التي لو خرج منها فصٌ واحدٌ إلي هذه الدنيا؛ لكفى كلَّ العلماء والحكماء إلي ما شاء الله عزَّ وجلَّ، لكن لهذه الحكم الروحانية أنوار قدسيَّة، لا تفاض إلا لمن أخلوا قلوبهم عن الشهوات والحظوظ والأهواء، وكانوا خالصين لله عزَّ وجلَّ:
عبيد أخلصوا لله ذاتــــاً وقاموا صــادقين بحُسن نيَّة
فلم تشغلهم دنيا وأخرى عن الإخلاص للذات العليَّة

{1} جامع المسانيد و المراسيل عن أبى هريرة رضِيَ الله عنه، وتمامه: (وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدَاً دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ: إِني أُبْغِضُ فُلاَناً فَأَبْغِضْهُ، فَيَبْغِضُهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلاَناً فَأَبْغِضُوهُ، فَيُبْغِضُونَهُ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْبغْضَاءُ فِي الأَرْضِ)، ورواه ابن أبى شيبة وأحمد و الطبرانى عن أبى أمامة رضِيَ الله عنه.
{2} سنن ابن ماجة و صحيح ابن حبان و صحيح البخارى و مسند الإمام أحمد عن أبى هريرة رضي الله عنه 
السماءالسماء

الشيخ المربّي صفاته وعلاماته وعلومه

صفات الشيخ الكامل
هو الرجل العالم العامل الذى وهبه الله عز وجل النور الكاشف للظلومات والشبهات ومنحه الفقه فى دين الله وتأويل المتشابهات وفك رموز الخفيات من آيات القراءن وحديث رسول الله وهو الفرد الذى تتنزل عليه الفيوضات من العلوم الوهبيه زياده على ما حصله من العلوم الكسبية والاجتهادية وهو العبد الذى اتاه الله رحمه فى قلبه بعباد الله حتي قام يبزل كل ما لديه بإخراج الناس من الظلومات الى النور ويبين لهم معاني الدين الحنيف يجدد أثار السنه المطهرة ويعيد الى الاذهان ما خفي من هدي الائمه ومن درس من آداب وأحول وسلوك السلف الصالح رضى الله عنهم وللمرشد صفات كثيره يتعرف بها عليه اشار اليها الله عز وجل فى قوله ( فوجد عبد من عبادنا اتيناه رحمه من عندنا وعلمناه من لدنا علما ) فهو رجل يبين للناس كلام الله عزوجل وحديث رسول الله بما يناسب عقولهم مع الرحمة بهم بالحكمة الرشيدة  والبصيرة النافذة قول سبحانه ( قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ) بلغ به الكمال إتباعه لسيدنا رسول الله مقاما لايقدر ان يلتفت عن رسول الله طرفه عين ولا اقل ولا ان يخالفه فى اى شىء مهما كان صغيرا علمه الله علما من لدنه سبحانه وتعالى وهذا العلم ينفع الله به الناس فى زمانه وانه علم قريب العهد بالله قد أكرم به من حضره الله عز وجل وهذا العلم يقوم به الحجة على المعاندين والمجادلين وتتضح به الطريقة والمحجه للمؤمنين والمسترشدين ورث عن رسول الله علوم الشريعة وعلوم الطريقة وعلوم الحقيقة جعله الله خبيرا بمعاني تجليات الحق تبارك وتعالى وعليما بأسراره القدسية وجعله الله حفيظا على هذه الاسرار فلا يبيح منها شيئا الا لأهلها بقدر طاقاتهم وحسب حاجاتهم قال تعالى ( الرحمن فاسأل به خبيرا ) قائما لله بالحق لا يتزحزح عنه وان خالفه الناس أجمعين قلبه مع الله ورسوله وان كان جسمه مشغولا بالإعمال الكونية أو بهداية الناس إلى الله فهو مع الحق بسره ومع الخلق بجسمه رجلا أذل نفسه للمؤمنين والمؤمنات واعزها على أهل الكفر أجمعين هذا الرجل هو بغيه كل مؤمن ومقصد كل محسن وأمل كل فرد من أهل الصفاء والإخلاص وان الكل يبحث عنه ويسعي فى طلبه
    اخلاقه
أما الأخلاق فهي أخلاق الله عز وجل وأخلاق الرسول الأعظم ان يكون حكيما رحيما على النفوس معتقدا عند الناس مشهودا بأتباع السنة والعمل يهما متباعدا عما ينفر القلوب من كل الأعمال والأحول والأخلاق وان يكون متمكنا من أصول التوحيد طبيبا حاذقا بأمراض النفوس خبيرا بمداراه الناس فاهما منزله كل إنسان له معرفه بسيمات الناس التي تدل على خفى طباعهم وغرائزهم ومكنون أخلاقهم يؤلف الناس ويتحمل أذاهم حتي يألفوه ويرغبهم فى الأخلاق الكريمة يجاهد نفسه ليعمل أولا بعلمه ثم يدعوا الناس إلى ذلك لا يفرق بين الناس بسبب الفقر أو الغني أو الجاه أو النسب فى الإقبال عليهم والبشاشة لهم لا يستحي إذا كان لا يعلم ان يقول لا أعلم لا يستحي ان يطلب العلم من من فوقه دون التعصب لشيخه بذل ما فى اليد للناس تأليفا لهم وعدم التطلع إلي مافى أيديهم ترك الجدال مره واحده إلا ما كان لبيان حكمه من الإحكام الشرعية مختلفا فيه ويكون بالتي هي أحسن الصبر على جفوه من يدعوهم والإحسان إلى المسيء وصله القاطع وتأليف النافع تباعد بالكلية عن تنفير الخلق أو نيه السوء أو قصد الشر أو التكلم بما لا يليق من قبيح الكلام فى غيبه الناس أو في مواجهتهم والتباعد عن سماع الشر فى حق الناس والمسارعة الى فعل الواجبات والفضائل والمكرمات والشفقة والاجتهاد فى دفع المصائب وتخفيف الآلام والغضب لله والرضي لله والحب فى الله والبغض لله دعوه الخلق على قدر عقولهم مداراه الناس والتحصين بحصون الشريعة
علومه ومعارفه ...

لابد للشيخ ان يكون عارفا بالعلوم التي يحتاج إليها الناس ويزوق أسرار الأحوال والمقامات ومن علومه علم الآيات ويقصد بها العلامات الدالة على قدره الله عز وجل فى الكون وفى الإنسان وهي المشار إليها إلى قول الله عز وجل ( سنريهم آياتنا فى الأفاق وفى أنفسهم حتي يتبين لهم انه الحق ) وفى ذلك يقول سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ( تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما فى السماء طائر يطير بجناحيه الا ذكر لنا عنه علما ..
1- علم تذكيه النفوس وهو العلم الذي تصفو به النفس من شوائب الرياء وعلائق الحق وأضرار الحسد وبواعث الحظ والهوى حتي تنال مقام الإخلاص ولا تحقق العبادة الغاية منها الا بعد تزكيه النفوس وتصفيتها لقول الله عز وجل ( قد افلح من تزكي و ذكر اسم ربه فصلى ) وهذا هو الطور الهام الذى جاهد فيه رسول الله الأصحاب حتى فطرت على الصفاء والوفاء وذلك لمده اثنا عشر سنه حتي تأهلت النفوس لعباده حضره الله فبدأ نزول العبادات بالصلاة وغيرها ...

2- علم الكتاب وهو علم الأحكام الشرعية فى العبادات والمعاملات والأخلاق والأسر والمجتمعات والسلم والحرب وهو ما يسمي الآن بعلم الفقه

3- علم الحكمه وهول العلم الذى يهبه الله عز وجل للإنسان فيكون حكيما فى تصرفاته بليغا فى أحواله وهيئاته مسددا فى أقواله وتحركاته حتي يكاد الناس غير الحاسدين الحاقدين لا يرون فيه عيبا فى أحواله وأفعاله هذا نتيجه التوفيق فقد اخبر الله عز وجل إن صاحب الحكمة قد أعطاه الله البر والفضل الكبير فى قوله تعالى يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤتي الحكمة فقد أؤتي خيرا كثيرا ..

4- العلم الوهبى وهو ما ينتج عن الإخلاص فى تنفيذ الأعمال والصدق فى المتابعة لسيدنا رسول الله حيث يفاض على صاحب هذا القلب علوم وهببيه وأسرار من باب قول الله عز وجل (واتقوا الله وليعلمكم الله) قول الرسول عليه الصلاة والسلام ( من عمل بما علم ورثه الله بما لايكن يعلم ) وهذا العلم حقائق صادقه فى صدور العارفين فينقلوها الى خاصة المحبين  ولما كان العلماء ورثه الأنبياء ائمه اهل الطريق لأنهم الذين يقومون بتربيه مريديهم وتهذيب سلوكهم وتجميل اخلاقهم وهذا دأب الصالحين فى كل زمان ومكان ..

 أوصاف الداعى الحكيم

أوصاف الداعي الحكيم
للداعي الحكيم أوصافٌ وعلاماتٌ كثيرة يُعرف بها، أشار إلى بعضها الإمام الغزالي رضى الله عنه في إحياء علوم الدين فقال: ( وقيل: خَمْسٌُ من الأخلاق، هي من علامات علماء الآخرة - مفهومة من خمس آيات من كتاب الله عزَّ وجلََّ : "الخشية، والخشوع، والتواضع، وحسن الخلق، وإيثار الآخرة على الدنيا - وهو الزهد". 
فأما الخشية فمن قوله تعالى: ] إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء [(28-فاطر)، وأما الخشوع فمن قوله: ]خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً [(199-آل عمران)، وأما التواضع فمن قوله: ] وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ [(88-الحجر)، وأما حسن الخلق فمن قوله تعالى: ] فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ [(159-آل عمران)، وأما الزهد فمن قوله عزَّ وجلََّ: ]وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا[(80-القصص)).

ويمكن إجمال أوصاف الداعي الحكيم فيما يلي:
أولاً: التواضع لله تعالى في كل حال، وخصوصاً عند رواية العلم أو بيانه بالكتابة أو الدراسة. فالتواضع أكمل علامة للعلماء، لأنها تدل على حقيقة الخشية من الله تعالى، وقد حصر الله تعالى خشيته في العلماء، لأن شأن العالم العارف لنفسه بنفسه الممتلئ من معرفة ربه، المتحلي بواردات قدسه ألا يرى لنفسه حالاً ولا مقالاً، بل يرى نفسه أقل من كل شئ، وهذا هو النظر التام، كما قيل:
إذا زاد علم المرء زاد تواضعاً
وإذا زاد جهل المرء زاد ترفُّعاً
وفي الغصن من حمل الثمار مثاله
فإن يعزُّْ عن حمل الثمار تمنّعاً
ثانياً: الحلم والأناة، لأنهما خصلتان يحبهما الله تعالى، وإذا تجرد منهما العالم هلك، لأنه يتصف بالحماقة والعجلة، فالعجلة توقعه في الخطأ، والحماقة تنفر منه الخلق والحقّ، فيكون ضاراً، وقد يُبْتلى - إذا لم يتصف بالحلم والأناة - بالإعجاب برأيه والتعصب له، فيجادل من خالفه ويؤيّد رأيه بالحجج - ولو كان باطلاً.
ثالثاً: من أكمل صفات العلماء أن يُعلِّموا كل فريق من الناس ما لابد لهم منه، ويخفوا الحكمة إلا عن أهلها، كما قيل:{ لا تمنعوا الحكمة أهلها فتظلموهم، ولا تعلموها غير أهلها فتظلموها }، ومن علّم الحكمة لغير أهلها فتح على نفسه باباً من الشرّ، وعلى المسلمين باباً من الفتنة. فالعالم الربانيُّ يُعلِّمُ الناس على قدر عقولهم ويداريهم كما قال صلى الله عليه وسلم: { كلَّموا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون!، أتريدون أن يكذَّب الله ورسوله؟ } (رواه البخاري موقوفاً على الإمام عليٍّ كرَّم الله وجهه، ورفعه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من طريق أبي النعيم).
.رابعاً: السكينة والرحمة، فإن السكينة دليل على التمكين، وبرهان على الرسوخ في العلم، والرحمة من أخص صفات العلماء، بحكم الوراثة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجمل صفاته صلوات الله وسلامه عليه ما أثبتها الله تعالى له بقوله:]حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [ (128-التوبة). وقدَّم الله عزَّ شأنه الرحمة في الإيتاء على العلم للعالم الرباني فقال سبحانه وتعالى:] آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا [ (65-الكهف).
خامساً: من أجلّ علامة العلماء الربانيين، العمل بالعلم في السر والجهر؛ خشية من الله تعالى، والأخذ بالعزائم - ولو كان في ذلك ما تكرهه نفوسهم، أو تتألم منه أبدانهم - إرضاء لله تعالى، ولا يأخذون بالرخص من غير أسبابها، وذلك لكمال اقتدائهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان - فيما يروى عنه صلوات الله وسلامهعليه - يأخذ نفسه بالأشد، ويأمر غيره بالأيسر، ولذلك كان كُمَّل أصحابه رضوان الله عليهم يقتدون بفعاله قبل أقواله، لأن الإقتداء بأفعاله عزيمة.
سادساً: التحفظ من أن يرى رأياً فيحكم به من غير أن يتثبت من أنه حكم الله تعالى، وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم ، أو أنه مأخوذ بالاستنباط من الكتاب والسنة، أو من عمل أئمة السلف، أو له نظير أو شبيه من أعمال السلف رضوان الله عليهم.
سابعاً: الاجتهاد في سدّ باب الذرائع والفتن، وإراحة أفكار المسلمين من الاشتغال بما يضرُّ ولا ينفع، الأمر الذي سبَّبَ فرقة المسلمين، ووقوع العداوة والشحناء بينهم، وجعل غير المسلمين يظنّون أن الدين الإسلامي مؤسس على التعصب لأشياء لا حقائق لها. ومثال ذلك فتح باب التفاضل بين الصحابة والعلماء، أو في الآراء والمذاهب والاعتقادات.
وكذلك فتح باب الفتن بالتكلم فيما سكت الله عنه، وسكت عنه رسوله رحمة بالمسلمين، فلم يحرّمها، فيقوم هؤلاء الذين تحصَّلوا على قشور من أحكام الشريعة المطهرة، وينصبُّوا بكليتهم على فتح أبواب الشُّبَه، وشغل المسلمين بما يضر ولا ينفع!!
ناهيك عن الفظاظة في الأخلاق، والغلظة في الطباع، والسخف في القول عند الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر!! متذرعين بحجة أن هذا من الدين، وأن هذه نصيحة، وأن هذه الطريقة الشرعية التي أمر الله بها.
ويجهلون أنهم بذلك وقعوا في كبائر لا تحصى؛ منها مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أخلاقه، ومخالفة سنته في الدعوة، وتنفير عباد الله ووقوعهم في بغض الدين وبغض أهله، وظنوا أنهم أحسنوا!!! وربما كان الذي يدعون إليه من الأمور المرغّب فيها خلاف الأولى، أو كان الذي ينهون عنه أيضاً خلاف الأولى. وذلك في مثل نهيهم عن الاجتماع على ذكر الله، أو قراءة سورة الكهف في المساجد يوم الجمعة، وما شابه ذلك.
ثامناً: أن يكون أكثر بحثه عن علم الأعمال، وعما يفسدها ويشوش القلب، ويهيج الوسواس، ويثير الشرّ، فإن أصل الدين التوقي من الشر ولذلك قيل:
عرفت الشَّرَّ لا للشَّرِّ لكن لتوقِّيه ومن لا يعرف الشَّرَّ من الناس يقع فيه
ولأن الأعمال الفعلية قريبة، وأعلاها المواظبة على ذكر الله تعالى بالقلب واللسان، وإنما الشأن في معرفة ما يفسدها ويشوشها، وهذا مما تكثر شعبه ويطول تفريعه، وكل ذلك مما يغلب مسيس الحاجة إليه، وتعم به البلوى في سلوك طريق الآخرة، 
ولقد كان الحسن البصري رحمه الله أشبه الناس كلاماً بكلام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأقربهم هدياً من الصحابة رضي الله عنهم، وكان أكثر كلامه في خواطر القلب، وفساد الأعمال، ووساوس النفس، والصفات الخفيَّة الغامضة من شهوات النفس. وقد قيل له: (يا أبا سعيد إنك تتكلم بكلام لا يسمع من غيرك!! فمن أين أخذته؟ قال: من حذيفة بن اليمان رضى الله عنه).
وقيل لحذيفة: نراك تتكلم بكلام لا يسمع من غيرك من الصحابة!! فمن أين أخذته؟ قال:{ خصَّني به رسول اللهصلى الله عليه وسلم: كان الناس يسألونه عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه، وعلمت أن الخير لا يسبقني علمه }، وقال مرة: { فعلمت أن مَنْ لا يعرف الشرَّ لا يعرف الخير }، وفي لفظ آخر: { كان يقولون: يا رسول الله، ما لمن عمل كذا وكذا؟ يسألونه عن فضائل الأعمال، وكنت أقول: يا رسول الله، ما يُفسد كذا وكذا؟ فلما رآني أسأله عن آفات الأعمال خصَّني بهذا العلم } (أخرجه البخاري ومسلم).
وكان حذيفة رضى الله عنه أيضاً- قد خُص بعلم المنافقين، وأُفرد بمعرفة علم النفاق وأسبابه، ودقائق الفتن، فكان عمر وعثمان وأكابر الصحابة رضى الله عنهم يسألونه عن الفتن العامة والخاصة. وكان عمر رضى الله عنهإذا دُعى إلى جنازة ليصلي عليها نظر، فإن حضر حذيفة صلَّى، وإلا ترك. وكان يُسَمَّى: صاحب السر.
فالعناية بمقامات القلب وأحواله دأب علماء الآخرة، لأن القلب هو الساعي إلى قرب الله تعالى، فيهتمون بمعرفة صفات القلب وتطهيره عن الأخلاق المذمومة.
تاسعاً: أن يكون اعتماده في علومه - بعد تحصيل ما يلزم، كما أشرنا آنفاً - على حكمته وبصيرته وإدراكه بصفاء قلبه، لا على الصحف والكتب، ولا على تقليد ما يسمعه من غيره. وكان سيدي أبو الحسن الشاذلي رضى الله عنه يقول لأتباعه - مادحاً أهل علوم الإلهام رضى الله عنهم أجمعين: ( حدثونا بما فتح الله عليكم، لا بما نقلتموه عن غيركم ).
فإذا قلَّد صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم فيما أمر به وقاله، فينبغي أن يكون حريصاً على فهم أسراره، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعله إلا لسرٍّ فيه، ولا يكون عالماً إلا إذا كان شديد البحث عن أسرار الأعمال والأقوال، فإن اكتفى بحفظ ما يُقال كان وعاءاً للعلم، ولا يكون عالماً.
عاشراً: أن يكون شديد التوقي من محدثات الأمور، وإن اتفق عليها الجمهور، فلا يغرنَّه إطباق الخلق على ما أحدث بعض الصحابة رضى الله عنهم، وليكن حريصاً على التفتيش عن أحوال الصحابة وسيرتهم وأعمالهم، وما كان فيه أكثر هَمُّهم، فقد كان ذلك في الخوف والحزن، والتفكر والمجاهدة، ومراقبة الظاهر والباطن، واجتناب دقيق الإثم وجليله، والحرص على إدراك خفايا شهوات النفس ومكايد الشيطان، إلى غير ذلك من علوم الباطن.
واعلم تحقيقاً أن أعلم أهل الزمان وأقربهم إلى الحقِّ أشبههم بالصحابة، وأعرفهم بطريق السلف، فمنهم أُخذ الدين. ولذلك قال الإمام علي رضى الله عنه لَمَّا قيل له: خالفت فلاناً!، قال كرم الله وجهه: { خيرنا أتبعنا لهذا الدين }.
وما أجمل حديث التستري رضى الله عنه عن العلماء العاملين، والأولياء المحققين، ومكانتهم، حيث يقول: {قال الله لآدم: يا آدم إني أنا الله لا إله إلا أنا، فمن رجا غير فضلي وخاف غير عدلي لم يعرفني. يا آدم: إن لي صفوة وضنائن وخيرة من عبادي أسكنتهم صلبك، بعيني من بين خلقي، أعزهم بعزي، وأقربهم من وصلي، وأمنحهم كرامتي، وأبيح لهم فضلي، وأجعل قلوبهم خزائن كتبي، وأسترهم برحمتي، وأجعلهم أماناً بين ظهراني عبادي، فبهم أمطر السماء، وبهم أنبت الأرض، وبهم أصرف البلاء.
هم أوليائي وأحبائي، درجاتهم عالية، ومقاماتهم رفيعة، وهِمَمُهُم بي متعلقة. صحَّتْ عزائمهم، ودامتْ في ملكوت غيبي فكرتُهم، فارتَهنتْ قلوبُهم بذكري، فسقيتهم بكأس الأنس صرف محبتي، فطال شوقهم إلى لقائي، وإنِّي إليهم أشد شوقاً.
يا آدم من طلبني من خلقي وجدني، ومن طلب غيري لم يجدني، فطوبى يا آدم لهم ثم طوبى، ثم طوبى لهم وحسن مآب. يا آدم هم الذين إذا نظرت إليهم هان عليَّ غفران ذنوب المذنبين لكرامتهم عليَّ } ( حلية الأولياء، عن سهل بن عبدالله).
وقال أيضاً: إن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام: { يا داود: إذا رأيت لي طالباً فَكُنْ له خادماً }فكان داودعليه السلاميقول في مزاميره{ وَاهًا لهم! يا ليتني عاينتهم!!، يا ليت خدّي موطأ نعلهم!! }.
قال سهل بن عبد الله ذلك، ثم اصفرَّ لونُهُ وجعل يقول: ( جعل الله نبيَّه وخليفته خادماً لمن طلبه لو عقلت - وما أظنَّك تعقل - قدر أولياء الله وطلابه!! ولو عرفت قدرهم لاستغنمتَ قربهم ومجالستهم، وبرَّهم وخدمتهم وتعاهدهم ) (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني ج 10 ص 193، 194).
.
***************
وَصِـيَّة[1]
((هذه الوصية نقلناها بتصرف من كتاب مذكرة المرشدين والمسترشدين
للإمام أبي العزائم رضى الله عنه لشمولها وأهميتها))
أخي الداعي: يا مَنْ وهبه الله تعالى العلم والحكمة وجمال الأخلاق، وأعانه على صرف الأوقات في عمل القربات والطاعات.
أخي: أعلم - حفظني الله وإياك من حبِّ الدنيا والرغبة فيما فيها - أن تلك الإقامة التي أنت مقيم فيها، هي: وظيفة العلماء الربانيين، والأمناء الروحانيين ورثة رسل الله عليهم الصلاة والسلام وأبدال الصديقين والشهداء؛ فمن أقامه الله تعالى مقام رسله جعل له علامات، هي الحجج المؤيدة لصدق إقامته، والبراهين التي في قوة تصديق الله أنه سبحانه قد منَّ عليه بميراث الرسل عليهم الصلاة والسلام وتلك العلامات هي:
الحرص على عباد الله من أن يقع أحدهم فيما يُغضب الله بسببهم، والرأفة والرحمة بالمؤمنين، ولين الجانب، والخلق العظيم، والصبر على جفوة مَنْ يَدْعُونهم، ودعوة الخلق كلُّ على قدر عقله، ومداراة الناس، والغضب في الله، والإحسان إلى المسئ، وصلة القاطع، وتأليف النافر، وترك الجدال مرة واحدة - إلا ما كان لبيان حكم من الأحكام الشرعية مختلف فيه، ويكون بالتي هي أحسن، والتباعد بالكلية عن تنفير الخلق، أو عن نية السوء، أو قصد الشرِّ أو العزم عليه، أو التكلم بما لا يليق من قبيح الكلام في غيبة الناس أو في مواجهتهم، والتباعد عن سماع الشرِّ في حق الناس، والزُّهد فيما في أيديهم، وبذل ما في اليد لهم تألّفاً لهم، والمسارعة إلى فعل الواجبات والفضائل والمكرمات، ومنافستهم في ذلك حتى يقلِّدوا الداعي.
والشفقة عليهم، والاجتهاد في دفع المصائب عنهم، وتخفيف آلامهم، ومشاركتهم في مهماتهم - مشاركة عملية بالمال والنفس، وذكر محاسنهم، وستر عيوبهم في غيبتهم، والاجتهاد في تنبيههم لترك المعاصي التي يقع فيها بعضهم، وعمل الفضائل التي تركها بعضهم - بطريق محفوظ من أن يتوهم أحدهم أنه مقصود بالذات، خشية من التنفير، بل يكون بتنبيه عام يبين فيه قبح المعصية وسوء عاقبتها، ويبين حسن الفضيلة وجميل مآلها. 
فهذه الأخلاق هي التي يجب أن يكون عليها المتصف بصفات الداعي إلى الله، أو النائب عنه لأنها من أخص صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخادم إذا ناب عن سيده يلزمه أن لا يخالفه، فإن خالفه هلك أو أهلك. فمن أقامه الله بدلاً عن الصديقين والشهداء، ونائباً عن العلماء الربانيين، ثم غلبته نفسه فغضب أو شتم آخر أو سبَّه، أو كرهه بقلبه، أو ظن في أخيه سوءاً، أو قطع أخاً له لغرض من أغراض الدنيا أو لِعِلَّةٍ من عِلَلِ الحظوظ، أو تهاون بواجب، أو ترك المنافسة في عمل الخيرات ونافس في عمل الشرور. 
من كان هكذا، فكأنه يريد أن لا يقبل فضل الله ونعمته، لأن هذا الفضل العظيم يمنح بالفضل من الله تعالى، ويدوم ذلك الفضل بمراعاة تلك المعاني، ونعوذ بالله من حال عَبْدٍ يتفضل الله عليه فيأبى فضل الله، وينعم الله عليه فيرد نعمة الله.
أيها العالم الرباني: بِمَ صرت عالماً؟ قل معي:]هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي [(40-النمل). نعم! فعليك أن تشكر ربكجلَّ جلاله بمجاهدة نفسك، حتى تتصف بصفات أهل الفضل. احذر أن تمنح الفضل بالفضل، وتنسى المتفضِّل وفضله، فيسلب - والعياذ بالله - الفضل بالعدل، واستعذ بالله - أيها الداعي - من السلب بعد العطاء.
توددّ إلى الأباعد، وأحسن إلى الأقارب، وغض بصرك عن عيوب إخوانك المؤمنين، واستر زلَلَهم، واعف عن مسيئهم، واصفح عن ظالمهم، واشكر الله الذي جعلك من أهل الفضل عِلْماً وخُلقاً وحالاً وعملاً.
وتحقق أن أجمل نعمة ينعم الله بها على عبده، ويدوم بها الفضل العظيم، ويبقى في ذريته بعده: هي أن ينعم الله عليك بجميل الأخلاق، وأن يملكك نفسك فلا تخرج بك عن طاعة الله، ولا توقعك في معاصي الله. وبذلك يحبُّك الله، وملائكة الله، ورسل الله، ويحبك الناس أجمعون، إلا مَنْ كرهك لأنك على الحقِّ وهو على الباطل في الاعتقاد والرأي والعمل، فلا يكرهك أحدٌ من الخلق لحماقة لأنك حليم، ولا يكرهك لعمل سوء لأنك رحيم، ولا يكرهك لجفاء وقوة لأنك رءوف، ولا يكرهك لبخل لأنك كريم، ولا يكرهك لنفور منك لأنك صفوح عفو، ولا يكرهك لطمع منك لما في أيديهم لأن الله أغناك عن شرار خلقه وجعل غناك في قلبك، ولا يكرهك لترك واجب لمسارعتك لعمل الواجب والمندوب، ولا يكرهك لسوء أدب لخشيتك من الله.
وتحقق أن بغض الناس - خصوصاً الأقارب، وبالأخص الوالدين والأولاد - دليل على أنك من أهل الكبائر القلبية أو البدنية. فبادر بسرعة وتُبْ إلى الله، وجاهد نفسك متخلقاً بأخلاق العلماء الربانيين، والعارفين الروحانيين، ليدوم لك الفضل العظيم في الدنيا، وفي البرزخ، وفي الآخرة، وتدبر قوله تعالى: ) إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ [ (11-الرعد). أسأل الله تعالى الحفظ والسلامة، والنعم والإحسان، والفضل العظيم، والمعونة على الشكر إنه مجيب الدعاء. 
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الموقع الرسمى لفضيلة الشيخ فوزي محمد أبوزيد
http://www.fawzyabuzeid.com/

الصفحات الرسمية للشيخ فوزي محمد أبوزيد


الاثنين، 20 أبريل 2015

حياة الأرواح


أين الإيمان والحكمة؟

أصحاب السنن يروون: أنهم أتوا للرسول صلى الله عليه وسلم فى الإسراء بطست مملوءٍ إيمان وحكمة، ولكن هل الإيمان والحكمة شئ حسِّيٌّ أم معنوي؟، شئ معنويٌ طبعاً، وهل الشئ المعنوي يوضع في طست؟، لا، ولكن الله يريد أن يعرّفنا حقيقة غالية: {أن المعاني في المعاني مباني}

فالأرواح معاني ولكن مع بعضها تكون مباني، وكل روح متميزة عن الأخرى، يكلمون بعضاً لأن هناك فوارق بينهم، فالملائكة عالم كله معاني، ولكن مع بعضهم يكونون مثلنا، يتحدثون مع بعض، وكل واحد مكلف بتكليف خاص به من الله عزَّ وجلَّ، أو من رئيسه المباشر من كبار الملائكة عليهم السلام.

لكن الإيمان والحكمة، فيهما إشارة عالية: هي أن من يريد أن يسير إلى الله؛ لابد أن يأخذ علم الإيمان والحكمة من رجل أخذ هذه الأشياء من سماء فضل الله عزَّ وجلَّ، ولا يأخذهم من الكتب أو من الجماعة الذين ليس عندهم إشراقات روحانية ولا شفافية نورانية، فالكلام يحيي القلوب طالما أنه صادر من قلب حيٍّ، أما إذا صدر من قلب ميِّت، فلا يؤثر في المرء، وقد قال في ذلك الإمام أبو العزائم رضِيَ الله عنه في حِكَمِهِ :

{كما أن كل ماء لا ينزل من السماء لا ينفع - في سقي الزرع (الماء الراكد مثلاً)، كذلك كل علم لا ينزل من سماء رسول الله صلى الله عليه وسلَّم لا يرفع القلوب إلى مقام القرب من علام الغيوب عزَّ وجلَّ}.
إذن العلم الرافع: هو العلم النافع النازل من سماء فضل الله عزَّ وجلَّ في الحال على العباد الذين اجتباهم الله واختارهم الله عزَّ وجلَّ .

هذا هو العلم الذي اعترض عليه الشيخ عز الدين بن عبد السلام - وكان شيخ الإسلام في زمانه - ولما دخل وقابل الشيخ أبا الحسن الشاذلي ، وكانوا جالسين في الخيمة في المنصورة في معركة لويس التاسع، والعلماء كل واحد منهم أخذ يدلي برأيه في مسألة من المسائل، والشيخ ساكت، وفي الآخر قالوا للشيخ: نريد أن نسمع رأيك في هذه المسألة؟ فأفاض عليهم ما ألهمه به الله عزَّ وجلَّ ، فخرج ابن عبد السلام كطفل صغير، وأخذ ينادي على باب الخيمة: هلموا .. فاستمعوا إلى هذا العلم الحديث عهد بالله عزَّ وجلَّ ، أي استمعوا إلى هذا العلم النازل طازجاً من الله عزَّ وجلَّ. هذا العلم الذي يحرِّك القلوب ويطهِّرها، ويصفِّيها ويقرِّبها إلى معاني حضرة علام الغيوب عزَّ وجلَّ.

يمحو الكيان بعاليه و سافله علمٌ من الله بالإلهام في الوصل

فالذي يستطيع أن يمحو الكيان، ويجعله ينساق إلى الله عزَّ وجلَّ، هو علم الإلهام، لأن له جاذبيَّـة غريبة وعجيبة في قلوب المشتاقين والمحبين بل وقلوب المؤمنين أجمعين. وما علامته؟، قالوا: {إذا كان الكلام عن النور يحدث لسامعيه السرور} أي فذلك دليل على أنه وارد من عالم البرزخ.

ولو فتح الله للبعض عيون البصائر، لرأوا القلوب الجالس أهلها في هذه المجالس، وكأنها مشدودة بخيط رفيع من النور لله عزَّ وجلَّ، فلا تستطيع أن تقوم، ولا أن تتحرك يميناً ولا يساراً لأنها مشدودة، ومن الذي شدّها؟ هو الله، كي يضع فيها العلم النافع النازل من سماء الله عزَّ وجلَّ. وإذا امتلأ القلب بهذا العلم الإلهامي تنفعل له الجوارح، ويصير الإنسان بعد ذلك في عالم الناس، وحاله كما قال الله عزَّ وجلَّ: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} 122الأنعام

هل من يسير بهذا النور يكون مثل أي شخص آخر؟ سأضرب لكم مثلاً لتعرفوا الفرق بين الاثنين؛ أحياناً نرى رجلاً أخذ الدكتوراة في العلوم الفقهية والشرعية والحديث، ومع ذلك نراه يرتكب المعاصي، إذن أين علمه؟ لماذا لم يمنعه؟ وتارة نرى رجلاً أميَّـاً لا يقرأ ولا يكتب، ولكن عنده وازع في باطنه يمنعه من المعاصي، حتى أنه قد يتعرض لأمور وفتن شديدة ومضايقات، بل واضطهاد، ولكنه يرفض أن يفعل المعصية

لأن النور الذي ينزل مع علوم العارفين، والذي يقولون فيه: {تسبق أنوارهم أقوالهم ؛ فتجذب القلوب وتهيأها لسماع الغيوب}، هذا النور: هو الذي يمنع الإنسان عن معصية الله عزَّ وجلَّ: وعندما يأتي في دنيا الناس؛ يرى المعاصي مثلما رآها رسول الله، ويرى الطاعات مثلما رآها رسول الله - ولكن طبعاً صورة على قدره، وليس الصورة كلها - فيرى المعاصي لو تهيأت له على أنها جهنم، وعلى أنه سينزل فيها، إذن هل يفعلها؟ لا، وهذا ما يقول فيه الله سبحانه وتعالى: {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} [5-6التكاثر]