{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً}
الأحزاب72
في أصل خلقته كان ظالماً وجاهلاً ماذا يفعل؟ يغير الظلم ويغير الجهل ، كان ظلوماً جهولاً إذا لم يحافظ على الأمانة كما طلب الله وكما أراد الله ، وحملها الإنسان أي حملها باختياره ولم يقل حملناها وإنما هو الذي حملها وهو الذي طلب ، وما دام طلب حملها فإذا لم يقدر أن يقوم بها يصير جاهلاً ما الأمانة؟ أعظم أمانة أنت وأنا حملناها هى {لا إله إلا الله محمد رسول الله} أخذناها رغماً عنَّا أم باختيارنا؟ باختيارنا ، أنا قلتها إذاً لابد أن أقوم بحقها ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {مَنْ قَالَ: لاَ إِلهَ إِلاَّ الله مُخْلِصَاً دَخَلَ الجنَّة ، قِيلَ: وَمَا إِخْلاَصُها؟ قال: أَنْ تَحْجزَهُ عَنْ مَحَارِمِ الله}{1} ما معنى هذا ؟ أي أن يحرم ما حرمه الله ويعمل بما أمره الله به فأنت عندما اخترت لا إله إلا الله واخترت الإسلام لم يعد لك عذر في أن تترك خردلة من تعاليم الإسلام ولم يعد لك عذر في أن تقع في أي بند من بنود المحرمات التي حرمها الإسلام ، بعد نطق هذه الكلمة لست حراً ولذا هذه قائمة بالمحرمات وهذه قائمة ثانية بالمستحبات وهذه قائمة ثالثة بالفرائض التي إن لم تفعلها نسجنك أنت اخترت لا إله إلا الله محمد رسول الله انتهى الأمر فالإنسان من أي صفات يا ربَّ خلقته ، يقول عز وجل: {وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} الكهف54 أي يحب أن يجادل دائماً وماذا يفعل يا رب؟ مع المؤمنين لا جدال ومع الآخرين يكون بالحسنى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} العنكبوت46 لا بالشدة ولا بالسيف وإنما بالتي هي أحسن ، الحجة بالحجة ، افرض مع الشدة قال لا إله إلا الله ، هل يريد الله هذا الإيمان؟ لا ، إنه قال {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} البقرة256 إن لم يدخل عن اقتناع فالله لا يريده ، والاقتناع يكون الحجة بالحجة ، أما المؤمنون فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {أَنَا الزَّعِيمُ بِبَيْتٍ فِي رِيَاضِ الْجَنَّةِ ، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلاَهَا ، وَبِبَيْتٍ فِي أَسْفَلِهَا لِمَنْ تَرَكَ الْجِدَالَ وَهُوَ مُحِقٌّ ، وَتَرَكَ الْكَذِبَ وَهُوَ لاَعِبٌ ، وَحَسُنَ خُلُقُهُ لِلنَّاسِ}{2} إذاً لماذا نهى الله عن الجدال؟ قال صلى الله عليه وسلم {مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلاَّ أُوتُوا الْجَدَلَ}{3} فالجدل دليل على غضب الله ولذا فالمؤمنون لا يتجادلون أبداً وإنما يتناقشون ويتناظرون والمناظرة التي يقول فيها سيدنا الإمام الشافعي رضي الله عنه: {ما ناظرت أحداً وأحببت أن يخطئ بل أن يوفق ويسدد ويعان ويكون عليه من اللّه رعاية وحفظ وما كلمت أحداً قط وأنا أبالي أن يظهر الحق على لساني أو لسانه}{4} تريد أن تصل للحق لكن المجادل يريد أن يكون هو الذي غلب بالباطل أو الحق ، وهذا الأمر لا ينفع لأننا سوف نخرج أعداء لذلك نهى الله عن الجدال ، وطلب أن يتخلص المؤمن من الجدال: {وَكَانَ الإنسَانُ قَتُوراً} الإسراء100 قتوراً يعني بخيلاً وربنا اسمه الكريم ، إذاً يهاجر فوراً من البخيل إلى الكريم إذاً الهجرة الثالثة كيف يهاجر العبد فيها؟ يترك أخلاقه ويتخلق بأخلاق الله قال صلى الله عليه وسلم: {إن الله يحب من خَلقه من كان على خُلقه}{5} فهذا يحبه وهو غير الذي يكافئه على الطاعات والصالحات فيعطي لهم مكافئة وهي قصور وحور في الجنة ، لكن الذي يحبه له وضع آخر إذا من الذي يحبه؟ الذي يتخلق بأخلاقه ، وما المراد بأخلاقه؟ ، قال صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ لله تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْماً مائَةً غَير وَاحِدٍ مَنْ أَحْصَاها دَخَلَ الْجَنَّةَ}{6} فأنت إذا هاجرت الهجرة العالية الكبيرة فالله تعالى يبدل صفاتك بصفات من عنده وأخلاقك بأخلاق من لدنه والذي يصير على هذه الشاكلة ماذا له من مكافأة عند الله؟ لهم مكافأة يقول فيها الله: {أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلاَ خَطَرَ عَلَىٰ قَلْبِ بَشْرٍ}{7} للجماعة المؤمنين الذين يأخذون المكافأة على عملهم الصالح لكن الجماعة المقربون لهم عند ربهم: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ{22} إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ{23} القيامة فهؤلاء لا يجالسون إلا ملك الملوك وهناك فرق كبير بين الذي يجلس مع جارية أو خدم أو حشم أو فى النعيم الذى أنت تريده وبين الذي هو جالس مع الملك نفسه ، فرق كبير بين الذي ينزل ضيفاً على رئيس الجمهورية فيقول أنزلوه قصر الطاهرة وانظروا ماذا يريد من طعام وشراب ، لكن أنا ليس عندي وقت لكي أقابله فهل يتلذذ هذا بأكل أو شرب؟ لكن الثاني يقول أنا أقابله الساعة كذا ، أو الثالث يقول أنا لا أستغنى عنه اجعلوه معي ليلاً ونهاراً ، فالذي يدخل الجنة ويتمتع بالحور والقصور والولدان لكنه لا يحظى ولا يتمكن من رؤية الحنَّان المنَّان يبقى في عذاب كأنه عذاب أهل النار ، عذاب اسمه عذاب الحجاب وعذاب الصدود وعذاب الإعراض: {وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} آل عمران77 فهو نوع من أنواع العذاب المعنوي ، إذاً فالذي لا ينظر الله إليه في نوع من أنواع العذاب ، فلذلك الجماعة المؤمنون يأتون لهم بالحور والمتع فيقولون لا نريد هذا ماذا تريدون؟ والذي يكلمهم الله من علياءه مع تنزهه عن المكان والزمان والحيطة والإمكان فيقولون تركناها أحوج ما نكون إليها في الدنيا ، أي كنا نريد الطعام والشراب في الدنيا ولماذا كنا نصوم ولماذا كنا نزهد؟ فيقول لهم وماذا تريدون؟ يقولون وعزتك وجلالك لا نريد إلا وجهك ، أنت متعتنا وأنت مسرتنا وأنت هناؤنا وأنت حبورنا لأن هؤلاء الجماعة الذي هاجروا من أخلاقهم إلى أخلاق الله فكانوا متصفين بصفات الله على قدرهم وليس بصفات الله على قدر كمالات الله وعلى قدر جمال الله ولكن على قدرهم وعلى قدر اتساع ما عونهم وعلى قدر معرفتهم بأخلاق الله فلذلك عندما ننظر المقام العالي الذي مدح الله به النبي صلى الله عليه وسلم نجده قال له مخاطبا: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} القلم4 أي أنت على خلق الله لأن العظيم هو الله وأنت على خلقه {1} رواه الطبراني من حديث زيد بن أرقم {2} الطبرانى فى الكبيرعن ابنِ عبَّاسٍ رضي اللَّهُ عنهما {3} أخرجه الترمذي وابن ماجة عن حديث أبي أمامة رضي الله عنه {4} فيض القدير للمناوى {5} رواه الطبراني عن أنس رضي الله عنه {6} رواه البخاري مسلم والترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة {7} أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حكاه عن ربه عز وجل | ||
Islam is religion of peace
الأربعاء، 10 ديسمبر 2014
ظلم الإنسان وجهله قبل حمل الأمانة
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق