إذا تدبرنا مَليِّاً نجد كل ما يدُور في عصرنا من مشكلات في بلادنا أو في مجتمعنا أو في بيوتنا أو في نفوسنا أو في العالم أجمع كان منتشراً وبصورة أشرّ وأضرّ قبل ظهوره صلوات الله وسلامه عليه فقد كان القوي يأكل الضعيف ويفتخر بذلك ، وكانت المرأة قطعة أثاث مهملة في المنزل ويرثها الابن الأكبر بعدوفاة أبيه ، بل كان الرجلُ هو الذي يسعى بزوجته إلى الزنا فيختار رجلاً يُعْجبه شكله ولونه ، ويقول له: يا فلان سأرسل لك زوجتي لتُضاجعها فنحصل على سُلالة ممتازة منك ويتباهى بذلك
كان الظُلمُ دَيْدنهم والغشّ طبعهم والسفاهة خُلقهم ، وفساد الأخلاق دَأْبهم ، هذا الظلم كان كثيراً ومنتشراً في كل بقاع الأرض حتى كان الرجل يدفن ابنته وهي حيّة خوفاً من السُّبَّة والعار
كيف قضى على كل هذه الأمراض رسول الله صلى الله وسلامه عليه؟ وكيف طهرَّ البشرية كلَّها منها؟ فلم يطهر منها أهل مكة وأهل المدينة وأهل الجزيرة العربية فقط ، بل طهر منها مجتمعات كان لها الصَّوْلة والصّوْلجان في العالم وقتئذ ، مجتمع الفرس والروم وما أدراك ما الفرس والروم؟ كان القرار العالمي يصدر عنهم أو بمعرفتهم في ذلك الوقت
ولكن حكمة المُصطفى والأشْفية التي أنزلها الله عليه عالجت كل هذه الأمور وقضت على كل هذه المشكلات ، فقد جعلت الإنسان يمشي وحيداً من حضر موت أو صنعاء إلى بلاد الشام ، لا يجد من يعترضه في طريقه فيسرقه أو يسلبه أو يُروْعه بل المرأة كانت تمشي بمفردها كما قال صلى الله عليه وسلم: {يا عدي بن حاتم سيبلغ بك الأمر أن ترى الظغينة (المرأة) تمشي من صنعاء إلى بلاد الشام لا تخاف إلا الله}{1}
فلا تخاف من رجل يغتصبها أو يعاكسها أو يخادعها مع أنها تمشي في صحراء جرداء ليس فيها قانون ولا شرطة ولا مخابرات
ولكن شريعة الله التي طبقها رسول الله صلى الله عليه وسلم كفلت الحماية لجميع عباد الله مسلمين وغير مسلمين ، حتى كان التاجر وهو واقف في متجره إذا سمع الآذان ترك ماله وتجارته على حالته ، وكل ما هنالك أن يضع ستارة تشير إلى أنه غير موجود ويذهب ليؤدي الصلاة ثم يرجع ليجد كل شئ في مكانه ، مع أنه لم تكن هناك خزن حديدية يحفظ ماله ونفائسه فيها ولم تكن ظهرت أجزة الإنذار ، لكن الجميع أنذره المنذر الأكبر صلى الله عليه وسلم من غضب الله ومقت الله وحساب الله فراقبوا الله في السر والعلانية ، وأصبحوا غير محتاجين لرقيب عليهم بعد مراقبة الله ولسان حالهم يقول:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل على رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ســـاعة ولا أن ما تخفى عليـه يغيب
كان الرجل منهم لا يذهب إلى أخيه ليطالبه بحقه بل إن أخاه كان هو الذي يذهب إليه بنفسه ليعطيه ماله ويستسمحه في التأخير ، وقد روى أن رجلاً منهم ذهب إلى أخ له في الله يطلب منه قرضاً ويرده له عند الميسرة ، فبكى الرجل بكاءاً شديداً ، فسأله الطالب: ما الذي يبكيك؟ إذا كان المطلوب غير متوافر معك الآن فلا يهم ، فقال الرجل: ليس لهذا السبب أبكي ولكن الذي أبكاني أني انتظرت حتى أتيت لتطلب مني ولم أشعر بحاجتك ، وهذا معناه أن إيماني به خلل لأني لم أشعر بأخي المؤمن وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لَيْسَ بِالْمُؤْمِنِ الّذي يَبيتُ شَبْعاناً وَجَارُهُ جائِعٌ إِلى جَنْبِهِ}{2}
فكل المشكلات الإنسانية أوجد لها المُصطفى صلى الله عليه وسلم الأدوية القرآنية ، والتي ليس لها مثيل في دنيا الناس
{1} أخرجه مسند الحميدي عن عدي بن حاتم بلفظ: {كيف بك إذا أقبلت الظغينة من أقصى اليمن إلى قصور الحيرة لا تخاف إلا الله}
{2} رواه البيهقى عن ابن عباس والمستدرك للحاكم عن عائشة رضي الله عنها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق