إن التوسل إلى الله بالأعمال الصالحة مما لا خلاف فيه؛ وأما التوسل إلى الله بالأشخاص الصالحين من أنبياء وأولياء ففيه تفصيل، فإن كان الصالحون المتوسل بهم أحياء فيجوز التوسل بدعائهم بأن نطلب منهم الدعاء لنا وهذا لا خلاف فيه، وأما التوسل بذوات الصالحين أحياء وأمواتا، بمعنى أن يقول المكلف في دعائه: اللهم أسألك بنبيك، أو يقول اللهم إني أتوسل إليك بنبيك، أو يقول أسألك بجاه النبيين، أو بحقهم أو بجاه الصالحين؛ فهذا حدث فيه خلاف؛ حيث أجازه جماهير العلماء ومنهم الإمام أحمد والشوكاني وغيرهم كثير([1])، وذهب العز ابن عبد السلام إلى جواز التوسل بذات النبي خاصة دون غيره[2].
وخالف في ذلك ابن تيمية([3]) وأتباعه فقالوا لا يشرع التوسل بذوات الأنبياء وبالصالحين وجاههم أمواتا أو أحياء، ونسبوا هذا القول لأبي حنيفة وأصحابه[4]، ثم اختلفوا (أي السلفية) في حكم التوسل بالأموات، فبعضهم قال بدعة محرمة وهذا قول ابن باز والألباني ومن تبعهما([5])، وغلا بعضهم فجعله شركا[6]، وذهب ابن عبد الوهاب أنه مكروه ولا يُنكر على فاعله لأنه من مسائل الاجتهاد([7]).
إذن السلفية ينازعون في صورتين من صور التوسل؛ الأول: هو التوسل بذوات الصالحين وبجاههم سواء كانوا أحياء أو أمواتا، والثاني: أن يُطلب من ميت الدعاء. وبعض السلفية يعدّ الصورة الثانية ليست من قبيل التوسل المختلف فيه بل هو من صور الاستغاثة التي هي شرك عنده أو ذريعة إليه[8].
الفرع الثالث: الأدلة وفيه مرصدان
المرصد الأول: أدلة الجمهور
استدل الجمهور على جواز التوسل المتنازع فيه بأدلة عديدة، أشهرها ما أخرجه الترمذي عن عثمان بن......انتظره
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
([1]) ومنهم مالك والسبكي والكرماني والنووي والقسطلاني والسمهودي وابن الحاج وابن الجزري، انظر: إرشاد الساري للقسطلاني 8 / 304 ، والمجموع للنووي 8 / 274 ، والمواهب اللدنية 8 / 303 - 305 ، ووفاء الوفا 3 / 1371 ، 1372 ، 1376 ، والمدخل لابن الحاج 2 / 249 ، والحصن الحصين وجلاء العينين 1 / 436 . انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية - (4 / 24)
[2] فقد قال ابن عبد السلام بعد أن روى حديث الأعمى الآتى: وهذا الحديث إن صح فينبغي أن يكون مقصوراً على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لأنه سيد ولد آدم، وأن لا يقسم على الله تعالى بغيره من الأنبياء والملائكة والأولياء لأنهم ليسوا في درجته، وأن يكون هذا مما خُص به تنبيهاً على علو درجته ومرتبته. انظر: فتاوى العز بن عبد السلام ص126، تعليق عبد الرحمن عبد الفتاح، توزيع دار الباز.
([3]) والواقع أن ابن تيمية لم يستقر على قول واحد في هذه المسألة، فمرة حكى أن للناس فيها قولان: الجواز والمنع، ولم يرجح أحدهما، وإنْ يُشم من كلامه الميل إلى المنع. انظر: مجموع الفتاوى - (1 / 106)، ومرة قال في مجموع الفتاوى - (3 / 276) بعد أن روى حديث الأعمى الذي سيأتي: " فهذا التوسل به حسن"، إلا أن المعلق على الفتاوى وهو ناصر الفهد قال: هنا أجمل الشيخ رحمه الله الكلام في التوسل ، وقد فصله في آخر المجلد الأول في التوسل والوسيلة. اهـ وفي مرات كثيرة نفى ابن تيمية مشروعية التوسل بالذوات وتأول حديث الأعمى، فهو يقول مثلا في مجموع الفتاوى - (1 / 347): والذين يتوسلون بذاته لقبول الدعاء عدلوا عما أمروا به وشرع لهم - وهو من أنفع الأمور لهم - إلى ما ليس كذلك.اهـ ولكنه مع ذلك أقر بأن جماعات من السلف كالإمام أحمد وغيره كانوا يدْعون الله بحديث الأعمى ويتوسلون بالنبي بعد موته. انظر: مجموع الفتاوى (1 / 264، 337).
[4] مجموع الفتاوى - (1 / 347)
([5]) جاء في التوصل إلى حقيقة التوسل، للنسيب الرفاعي (1 / 143): ولم يكن التوسل بالذوات من مفاهيم المسلمين إذ ذاك بل هو من البدع المحدثة.اهـ
[6] يقول ابو بكر الجزائري في كتابه عقيدة المؤمن ص144 : ((إن دعاء الصالحين والتوسل بجاههم لم يكن في دين الله تعالى قربة ولا عملاً صالحاً فيتوسل به ابداً وإنما كان شركاً في عبادة الله محرماً يخرج فاعله من الدين ويوجب له الخلود في النار)).
([7]) حيث ذكر محمد بن عبدالوهاب أن التوسل بالصالحين وإن كان مكروها إلا أننا: لا ننكر على من فعله؛ ولا إنكار في مسائل الاجتهاد. انظر كتابه: الفتاوى ومسائل ص68، دراسة وتحقيق: صالح الأطرم، محمد الدويش، نشر جامعة بن سعود.
[8] انظر: مفاهيم يجب أن تصحح للعلوي المالكي ص117.
وخالف في ذلك ابن تيمية([3]) وأتباعه فقالوا لا يشرع التوسل بذوات الأنبياء وبالصالحين وجاههم أمواتا أو أحياء، ونسبوا هذا القول لأبي حنيفة وأصحابه[4]، ثم اختلفوا (أي السلفية) في حكم التوسل بالأموات، فبعضهم قال بدعة محرمة وهذا قول ابن باز والألباني ومن تبعهما([5])، وغلا بعضهم فجعله شركا[6]، وذهب ابن عبد الوهاب أنه مكروه ولا يُنكر على فاعله لأنه من مسائل الاجتهاد([7]).
إذن السلفية ينازعون في صورتين من صور التوسل؛ الأول: هو التوسل بذوات الصالحين وبجاههم سواء كانوا أحياء أو أمواتا، والثاني: أن يُطلب من ميت الدعاء. وبعض السلفية يعدّ الصورة الثانية ليست من قبيل التوسل المختلف فيه بل هو من صور الاستغاثة التي هي شرك عنده أو ذريعة إليه[8].
الفرع الثالث: الأدلة وفيه مرصدان
المرصد الأول: أدلة الجمهور
استدل الجمهور على جواز التوسل المتنازع فيه بأدلة عديدة، أشهرها ما أخرجه الترمذي عن عثمان بن......انتظره
ــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) ومنهم مالك والسبكي والكرماني والنووي والقسطلاني والسمهودي وابن الحاج وابن الجزري، انظر: إرشاد الساري للقسطلاني 8 / 304 ، والمجموع للنووي 8 / 274 ، والمواهب اللدنية 8 / 303 - 305 ، ووفاء الوفا 3 / 1371 ، 1372 ، 1376 ، والمدخل لابن الحاج 2 / 249 ، والحصن الحصين وجلاء العينين 1 / 436 . انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية - (4 / 24)
[2] فقد قال ابن عبد السلام بعد أن روى حديث الأعمى الآتى: وهذا الحديث إن صح فينبغي أن يكون مقصوراً على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لأنه سيد ولد آدم، وأن لا يقسم على الله تعالى بغيره من الأنبياء والملائكة والأولياء لأنهم ليسوا في درجته، وأن يكون هذا مما خُص به تنبيهاً على علو درجته ومرتبته. انظر: فتاوى العز بن عبد السلام ص126، تعليق عبد الرحمن عبد الفتاح، توزيع دار الباز.
([3]) والواقع أن ابن تيمية لم يستقر على قول واحد في هذه المسألة، فمرة حكى أن للناس فيها قولان: الجواز والمنع، ولم يرجح أحدهما، وإنْ يُشم من كلامه الميل إلى المنع. انظر: مجموع الفتاوى - (1 / 106)، ومرة قال في مجموع الفتاوى - (3 / 276) بعد أن روى حديث الأعمى الذي سيأتي: " فهذا التوسل به حسن"، إلا أن المعلق على الفتاوى وهو ناصر الفهد قال: هنا أجمل الشيخ رحمه الله الكلام في التوسل ، وقد فصله في آخر المجلد الأول في التوسل والوسيلة. اهـ وفي مرات كثيرة نفى ابن تيمية مشروعية التوسل بالذوات وتأول حديث الأعمى، فهو يقول مثلا في مجموع الفتاوى - (1 / 347): والذين يتوسلون بذاته لقبول الدعاء عدلوا عما أمروا به وشرع لهم - وهو من أنفع الأمور لهم - إلى ما ليس كذلك.اهـ ولكنه مع ذلك أقر بأن جماعات من السلف كالإمام أحمد وغيره كانوا يدْعون الله بحديث الأعمى ويتوسلون بالنبي بعد موته. انظر: مجموع الفتاوى (1 / 264، 337).
[4] مجموع الفتاوى - (1 / 347)
([5]) جاء في التوصل إلى حقيقة التوسل، للنسيب الرفاعي (1 / 143): ولم يكن التوسل بالذوات من مفاهيم المسلمين إذ ذاك بل هو من البدع المحدثة.اهـ
[6] يقول ابو بكر الجزائري في كتابه عقيدة المؤمن ص144 : ((إن دعاء الصالحين والتوسل بجاههم لم يكن في دين الله تعالى قربة ولا عملاً صالحاً فيتوسل به ابداً وإنما كان شركاً في عبادة الله محرماً يخرج فاعله من الدين ويوجب له الخلود في النار)).
([7]) حيث ذكر محمد بن عبدالوهاب أن التوسل بالصالحين وإن كان مكروها إلا أننا: لا ننكر على من فعله؛ ولا إنكار في مسائل الاجتهاد. انظر كتابه: الفتاوى ومسائل ص68، دراسة وتحقيق: صالح الأطرم، محمد الدويش، نشر جامعة بن سعود.
[8] انظر: مفاهيم يجب أن تصحح للعلوي المالكي ص117.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق