Disqus for ومضات إيمانية

الأحد، 22 أبريل 2012

زينة المقرّبين




زينة المقرَّبين
وإذا أردت أن ترتقى إلى أكثر من ذلك عليك أن ترى أخلاق الحبيب المحبوب التى رَبَّاه عليها حضرة علام الغيوب لأن هذا هو المطلوب وهي من سرِّ ونور قوله تعالى {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} إذ لما نزلت سأل الحبيب جبريل قال: ما معنى ذلك يا جبريل؟ قال: حتى أسأل العليم فذهب ثم عاد وقال: يقول لك ربك {صِلْ مَنْ قَطَعَكَ وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ وَاعْفُ عَمَّنْ ظَلَمَكَ}[1] إذاً أيهما أشدُّ على النفس هل صلاة ألف ركعة فى الليل أم كظم الغيظ عن إنسان يسبُّك مع أنك تستطيع أن تنتقم منه؟الأشد بالطبع كظم الغيظ وهو المقام الأعلى والأغلى لأنها انفعالات نفسية وتوترات عصبية تستلزم من الإنسان أن يكون قوي النيَّة صادق العزيمة مع ربِّ البرية لكى يتخلص من هذه الخصلة التى نهى عنها الله والتى نوَّه بقبحها سيدنا رسول الله ولذلك كان النبي يمشي على ذلك مع الأكابر من أصحابه فقد ذكر أنَّ {أبا بكر كان عند النبي ورجل من المنافقين يسبه وأبو بكر لم يجبه ورسول الله ساكت يبتسم فأجابه أبو بكر فقام النبي وذهب فقام إليه أبو بكر فقال: يا رسول الله ما دام يسبني كنت جالساً فلما أجبته قمت فقال: إن الملك كان يجيبه عنك فلما أجبته ذهب الملك وجاء الشيطان وأنا لا أجلس في مجلس يكون فيه الشيطان فنزل قول الله [فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۚ][2]وقد قال صلى الله عليه وسلم فى ذلك {الْمُسْتَبَّانِ شَيْطَانَان}[3] والمؤمن لا يرضى أبداً أن تُمسخ صورته الربانية ويصبح فى صورة شيطان إذ يجب أن يكون فى صورة ملك – فى صورة روحانية عالية – فى صورة قرآنية – فى صورة فيها وراثة للحضرة المحمدية وإذا أراد ذلك عليه أن يحفظ نفسه من هذه الصفات الجاهلية وهذا يا إخوانى جهاد الأفراد الذين هم أكبر مراتب الأولياء والصالحين إذ يجاهدون فى التخلق بأخلاق القرآن والتخلص من هذه الأوصاف التى نهى عنها النبي العدنان أما باب العبادات فإن رسول الله كان يجلس مع أصحابه يتذاكرون إخوانهم وأحبابهم واسمعوا لسيدنا أنس بن مالك إذ قال {كان في عهد رسول الله رجل يعجبنا تعبده واجتهاده فذكرنا لرسول الله اسمه فلم يعرفه فوصفناه بصفته فلم يعرفه فبينا نحن نذكره إذ طلع الرجل فقلنا: هو هذا يا رسول الله إنكم لتخبروني عن رجل إن على وجهه لسفعة من الشيطان قال: فأقبل حتى وقف على المجلس- وفى رواية: فلم يسلِّم - فقال له رسول الله: أنشدك الله هل قلت حين وقفت على المجلس: ما في القوم أحد أفضل مني أو خير مني؟ فقال: اللهم نعم ثم دخل يصلي أو:ولَّى ثم دخل المسجد يصلى – فى رواية}[4] وهذا يا إخوانى هو مرض الكبر والغرور وإذا أصيب الإنسان بمرض الغرور فأعماله كلها عند الله بور وبالكاد جلس الرجل فترة بسيطة ثم ترك مجلس حضرة النبي والنبى جالسٌ مع أصحابه يفقِّههم ويعلِّمهم ترك هذا المجلس ليتنفَّل ويصلى مع أنه لو كنت بالصلاة ونادانى النبى أثنائها لوجب علىَّ أن أترك الصلاة وأذهب إليه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ} وقد نادى سيدنا رسول الله يوماً على سيدنا أبى سعيد بن المعلى وهو يصلى فى المسجد فقد ورد عنه {كنتُ أُصلِّي فمرَّ بي رسولُ الله فدَعاني فلم آتِه حتى صلَّيتُ ثم أتَيتُه فقال: ما منَعَكَ أن تأتيني؟ ألم يَقلِ اللَّه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا}[5] فإذا دعاك رسول الله وأنت فى الصلاة عليك أن تُسلم وتذهب إليه وذلك لأن الرجل كان يصلى نفلاً وإجابة رسول الله فرض والفرض مقدم على النفل بل وكذلك الأب والأم – وهذا لا يعلمه أكثرنا - فإذا نادى علىَّ أبى أو أمي وأنا فى صلاة النفل فى المنزل عليَّ فوراً أن أسلم وأجيبهما أوأرفع صوتى لأعلمهما أنى فى الصلاة فإذا صمتا ولم يكررا النداء فبها ونعمت أما إذا كررا النداء وجب علىَّ أن أسلم وأجيب لأن صلاة النفل سنة وإجابة الوالدين فرض والفرض مقدم على السنة أما مجلس رسول الله فهو أمر عالٍ فقد قال فيه حضرة الله {وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} أي لا يخرج أحد إلا بإذن من رسول الله وذلك لأن مجلس رسول الله أرقى من أى عبادة فقد يتعلَّم فيه شيئاً أفضل من كلِّ العبادات التى يعبدها لله أو يتعلَّم فيه ما تصلح به العبادة لله ثم قال سبحانه له {فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ} وأمَّا من أذنت لهم فهؤلاء {وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ} لماذا؟ لأنه سيفوتهم خيٌر كثيٌر بتركهم مجلس رسول الله ونعود لقصة الرجل هذا الذى ترك مجلس رسول الله وذهب إلى المسجد ليصلِّى كما يبدو من القصة ثم ولَّى فدخل المسجد فقال رسول الله : من يقتل الرجل؟ فقال أبو بكر: أنا يا رسول الله فدخل المسجد فوجده يصلِّي فقال أبو بكر: وجدته يصلي وقد نهيتنا عن ضرب المصلين فقال من يقتل الرجل؟ فقال عمر : أنا يا رسول الله فدخل المسجد فوجده ساجدا فقال: أقتل رجلا يصلي وقد نهانا عن ضرب المصلين فجاء فقال له النبي: مه يا عمر قال وجدته ساجدا وقد نهيتنا عن ضرب المصلين – وفى رواية : قال عمر أبوبكر أفضل منى- ، ثم قال : من يقتل الرجل؟ فقال علي كرم الله وجهه: أنا فقال: أنت تقتله إن وجدته فذهب علي فجاء فقال له النبي : مه يا علي قال:وجدته قد خرج فقال: أما إنك لو قتلته لكان أولهم وآخرهم وما اختلف من أمتي اثنان} وفى رواية {لوقتل هذا ما اختلف اثنان في أمتي إلى يوم القيامة}[6] وكان هذا الرجل[7] بداية الخوارج الذين انتشروا وملأوا الدنيا إلى يومنا هذا ولو كان الأصل قُتل واجْتُثَّ وقتها لما جاء الفرع إذاً فالباب الأعظم فى العبادات والذي كان عليه الصالحون والصالحات والسادات أن ينظر الإنسان فى نفسه ويغيِّر أوصافه التى لا تليق بما جاء فى كتاب الله ولا تناسب ما كان عليه حبيب الله ومصطفاه وهذا هو الجهاد الأعظم جهاد الصالحين وجهاد العارفين :
هذب النفس إن رمت الوصول --------- غير هذا عندنا علم الفضول
تهذيب النفس وجهاد النفس ليس فى العبادات ولكن فى تغيير العادات وتغيير الأخلاق غير المناسبة لكتاب بارئ الأرض والسموات وبعد ذلك كما قال حضرة النبي كما روى سيدنا عَبْدِ الله بنِ بُسْرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً قَالَ {يا رَسُولَ الله إنَّ شَرَائِعَ الإسْلاَمِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ فأخبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ قالَ: لا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْباً مِنْ ذِكْرِ الله}[8] اختصر النبى الأمر وقال إن أهم شيء أن تكون مشغولاً بذكر الله وأنت تسير فى الطريق وأنت نائم وفى كل الأحوال لتدخل فى قول الله {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ} 


[1] مسند الإمام أحمد عن عقبة بن عامر [2] تفسير السمرقندى [3] مسند الإمام أحمد عن عياض بن حماد [4] عن أنس فى تعظيم قدر الصلاة لمحمد بن نصر النروزي وورد بمصنف الصنعاني عن يزيد الرقاشي وفيه قصة طويلة [5] أبي سعيدِ بن المعلى رضي الله عنه صحيح البخاري ومسلم وسنن النسائى [6] مصنف الصنعاني عن يزيد الرقاشى [7] أنه يدعى ذو الخويصرة أو ذو الثدية، وفى الإصابة فى تمييز الصحابة: الذي قتله علي ذو الثدية ولقصته طرق كثيرة جدا استوعبها محمد بن قدامة في كتاب الخوارج وأصح ما ورد فيها ما أخرجه مسلم في صحيحه وأبو داود من طريق محمد بن سيرين أن عليا ذكر أهل النهروان فقال: فيهم رجل مودن اليد أو مجدع اليد، لولا أن تنظروا لنبأتكم ما وعد الله الذين يقتلونهم على لسان محمد، فسأل: أنت سمعته قال إي ورب الكعبة، وقال أبو الربيع الزهراني: أن عليا لما فرغ من أهل النهروان قال التسموا المجدع فطلبوه ثم جاءوا فقالوا لم نجده، قال ارجعوا ثلاثا كل ذلك لا يجدونه، فقال علي والله ما كذبت ولا كذبت، قال فوجدوه تحت القتلى في طين فكأني أنظر إليه حبشي عليه مربطة إحدى ثدييه مثل ثدي المرأة عليها شعيرات مثل الذي على ذنب اليربوع، أخرجه أبو داود. [8] سنن الترمذي عن عبد الله بن بسر قال أبو عيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حسن غَرِيبٌ مِنَ هَذَا الْوَجْهِ، وأخرجه الإمام أحمد فى مسنده وأخرجه كثير غيره.




السبت، 21 أبريل 2012

شفرة القرأن والعلاج بالقرآن




ادخل وشاهد الفيديو
استعمال الأوانى الفضية والذهبية
العقل والغيب / كفارة النذر
استخدام القرآن فى العلاج / شفرة القرآن
الأعجاز العددى فى القرآن / علم الجمل
القرآن منهج حياة / الرقية الشرعية / الحسد
تحضير الجن ( القرين والمارد ) متى يلازم الجن الانسان ؟ تحضير الأرواح
الرجل والمرأة فى القرآن ( الحقوق والواجبات )
 ( القوامة والمعاملات )
تنقية التصوف من البدع والجهالات
 ( رئيسة الديوان / أقطاب الكون )
التوبة / الزواج الصحيح / الزواج العرفى 
/ نكاح المتعة/ زواج المسيار / زواج الهبة 
ليلة النصف من شعبان
http://www.youtube.com/watch?v=ppN_WtTVhzc&feature=youtu.be

الجمعة، 20 أبريل 2012

جهاد المقربين




جهاد المقربين 
لماذا نرى فى عصرنا قوماً كل همهم تقصير الثياب وإطالة اللحية واستخدام السواك والإطالة فى الصلاة فى الركوع والسجود والتلاوة ويَدَّعَون أنهم على الحق ويعاملون الخلق بفظاظة وغلظة حتى يردوهم إلى هذا المنهج ويعتقدون أن هذا المنهج هو الحق والصواب وأن غيره يخالف الحق ولمثل هؤلاء نقول تعالوا معنا إلى سنة رسول الله وأصحابه الكرام عندما قالوا له:يا رسول الله فلانة تقوم الليل وتصوم النهار ولكنها تؤذى جيرانها بلسانها – مجرد أنها طويلة اللسان (كما نقول) وحسب فهى لا تسرق ولا تقتل ولا تُشرك ولا تُكفِّر ولا حتى تكتب شكاوى كيديه كالموجود فى هذه الأيام بكثرة فما حكم الذي لا ينطق عن الهوى فى ذلك؟{قِيلَ لِلنَّبي:إِنَّ فُلاَنَةً تَقُوم اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ وَتَفْعَلُ الْخَيْرَاتِ وَتَتَصَّدَّقُ وَتُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: لاَ خَيْرَ فِيهَا هِيَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَفُلاَنَةٌ تُصَلي المَكْتُوبَةَ وَتَصَّدَّقُ بِالأَثْوَارِ مِنَ الأُقْطِ، وَلاَ تُؤْذِي أَحَداً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ:هِيَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ }[1] أرأيتم المقابلة النبوية والمفاضلة المحمدية بين كثيرة العبادة بالليل والنهار وهى تؤذى جيرانها والأخرى التى تصلى المكتوبة وتتصدق بأقل القليل ولكنها حفظت نفسها عن إيذاء الخلق أرايتم الفارق الشاهق ماذا تختارون بالله عليكم وجاء لرجل آخر وهو يجلس مع أصحابه وقال {يدخل عليكم الآن رجل من أهل الجنة} فدخل سيدنا عبدالله بن سلام وبعض الروايات لم تحدد الاسم وبعضها قال سعداً ولكننا اجتهدنا حتى عرفنا الإسم فوجدناه سيدنا عبدالله بن سلام جلس الرجل فترة ثم قام فقال النبى {قام عنكم الآن رجل من أهل الجنة} وتكرر ذلك فى ثلاثة أيام متتالية فما كان من سيدنا عبدالله بن عمرو بن العاص وفى رواية أخرى أنه سيدنا عبدالله بن عمر والإثنان كانا يقومان الليل كله ويصومان الدهر ويقرآن القرآن كل عدة أيام مرة إلا أنه ذهب ليرى كيف وصل هذا الرجل إلى تلك المنزلة؟فذهب على أن هناك خلافاً بينه وبين أبيه وعليه غادر بيته ويريد من سيدنا عبدالله بن سلام أن يستضيفه فاستضافه الرجل وفى أول ليلة نام الرجل ولم يستقيظ إلا قبل الفجر بقليل فتوضأ وأحسن الوضوء وقال: هيا بنا كي نصلي مع رسول الله فتعجب الرجل لأنه نفسه يقوم الليل كله وهذه الأولى أما الثانية ففى الصباح جاء عبدالله بن سلام للرجل بالطعام فسأله ألست بصائم؟ قال: لا - فقال فى نفسه: من الجائز أن يكون الرجل كان متعباً فى البارحة أو مريضاً فلن يستطيع الصيام ولكن الأمر تكرر فى الليلة الثانية بل وفى الثالثة ولم يكن يزيد سيدنا عبدالله بن سلام عن الفرائض فقال له الرجل{ يَا عَبْدَ اللهِ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ وَالِدِي غَضَبٌ وَلاَ هَجْرَةٌ وَلَكِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ لَكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فِي ثَلاَثِ مَجَالِسَ: يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَطَلَعْتَ أَنْتَ تِلْكَ الثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَأَرَدْتُ آوِي إِلَيْكَ، فَأَنْظُرَ عَمَلَكَ، فَلَمْ أَرَكَ تَعْمَلُ كَبِيرَ عَمَلٍ، فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللهِ ؟ - ماذا تزيد عني؟ فأنا أقوم الليل كله وأصوم الدهر كله وأقرأ القرآن كل أيام مرة - قَالَ: مَا هُوَ إِلاَّ مَا رَأَيْتَ، فَانْصَرَفْتُ عَنْهُ، فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي، فَقَالَ: مَا هُوَ إِلاَّ مَا رَأَيْتَ، غَيْرَ أَنِّي لاَ أَجِدُ فِي نَفْسِي غِلاًّ لأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلاَ أَحْسُدُهُ عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللهُ إِيَّاهُ، قَالَ عَبْدُ اللهِ بْن عَمْرو: هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ، وَهِيَ الَّتِي لاَ نُطِيقُ}[2] وبعد أن سمع ذلك ذهب سيدنا عمرو بن العاص إلى سيدنا رسول الله وفى قلبه وعقله مافيه من هذا الدرس العظيم وإذا بسيدنا رسول الله يعظ سيدنا أنس ويقول فى حديث طويل فيه جماع ماكان من سرِّ تلك الحادثة أو الواقعة من فضل وبركة وثواب ترك الغلِّ والغشِّ وإشاعة السلام والمحبة والوئام بين الأنام {وَيَا بُنَيَّ إِذَا خَرَجْتَ من بَيْتِكَ فَلاَ يَقَعَنَّ عَيْنَكَ عَلَى أَحَدٍ منْ أَهْلِ القِبْلَةِ إِلاَّ سَلَّمْتَ عَلَيْهِ فَإنَّكَ تَرْجِعُ مَغْفُوراً لَكَ، وَيَا بَنيَّ إِذَا دَخَلْتَ مَنْزِلَكَ فَسَلمْ يَكُنْ بَرَكَةٌ عَلَى نَفْسِكَ وَعَلَى أَهْلِكَ، إِنِ ٱسْتَطَعْتَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِيَ وَلَيْسَ فِي قَلْبِكَ غِشٌّ لأَحَدٍ فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكَ فِي الْحِسَابِ، وَيَا بَنيَّ إنِ اتَّبَعْتَ وَصِيَّتِي فَلاَ يَكُونُ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنَ الْمَوْتِ يَا بُنَيَّ إِنَّ ذٰلِكَ مِنْ سُنَّتِي وَمَنْ أَحْيَا سُنَّتِي فَقَدْ أَحَبَّنِي وَمَنْ أَحَبَّنِي كَانَ مَعِي فِي دَرَجَتِي فِي الْجَنَّةِ }[3] هل وعينا الدرس هل رأينا ما يبلغ بالعبد إلى أعلى الرتب عند الله وعند حبيبه ومصطفاه وهل عرفنا يقيناً أين تقع نوافل العبادات إلى جانب نوافل القربات والمقامات فمن إذاً يريد أن يكون مع رسول الله؟من يريد عليه أن يدخل من هذا الباب وهو الباب الأكرم والأعظم الذي يستلزم جهاد شديد وعتيد، هذا الباب يقول فيه الإمام علي{ ليست الكرامة أن تطير فى الهواء فإن الطيور تفعل ذلك، ولا أن تمشي على الماء فإن الأسماك تفعل ذلك وليست الكرامة أن تقطع ما بين المشرق والمغرب فى لحظة لأن الشيطان يفعل ذلك ولكن الكرامة أن تُغير خلقاً سيئاً فيك بخلق حسن} وهذا هو جهاد الأبطال وجهاد الرجال وجهاد الكمل جهاد العارفين جهاد المقربين جهاد الصالحين جهادهم أن ينظر الواحد منهم فى مرآة نفسه ويزن نفسه بأخلاق أصحاب رسول الله ويرى أين يكون منهم؟أو يزن نفسه فى مرحلة أرقى بعد أن ينتهى من الأولى بكتاب الله ويرى الأخلاق التى مدح بها الله الأصفياء والأتقياء والأنقياء من عباد الله وأين يكون منها؟ فيجد على سبيل المثال: "عباد الرحمن" والترتيب فى القرآن لسرٍّ يعلمه الرحمن ويكون بحسب الأولوية قال تعالى {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً}أول صفة من صفاتهم هى التواضع لكل الخلق ولذلك فإن أول شيء يعالجوه منه أن ادخل المصحة النبوية وعالج مرض الكبر لأنه لو بقى ذرة واحدة من مرض الكبر فلا وصول لأصل الأصول وأيضاً ليست هناك له جنة بماذا؟ لأنه الحبيب قال {نظرت إلى باب الجنة فوجدت مكتوباً لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ }[4] ليس ذرة وحسب ولكن بعض ذرة أى أقل من الذرة: ألا من يكن فى قلبه بعض ذرة ------ من الكبر والأحقاد ما هو ذائق فهولا يتذوَّق أى شيء لأنه مريض إذا أعطوه العسل يجده مرَّاً فهل المرارة فى العسل أم عنده؟ عنده ولكن لأنه مريضٌ بمرض الكبر يرى أنه الوحيد الكامل وبقية الناس لا تعرف شيئاً والمفروض أن يكونوا مثله ويتبعوه ويسمعوا توجيهاته ونصائحه وهذا يا إخوانى هو أكبر مرض يتعرض له الإنسان فيحرمه من عطاء الرحمن {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً} والمرتبة الثانية {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً} أي أمسك قوة الغضب لديه وهذبها ورِبَّاها وأصبح حليماً {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ} درَّب نفسه وأدخلها فصل{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} كلما سمعت شيئاً يغضبها تكظم الغيظ وقد قال حضرة النبي{مَنْ كَظَمَ غَيْظاً وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إِنْفَاذِهِ مَلأَهُ اللَّهُ أَمْناً وإِيماناً وَمَنْ تَرَكَ لُبْسَ ثَوْبِ جَمَالٍ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ تَوَاضُعاً كَسَاهُ اللَّهُ حُلَّةَ الْكَرَامَةِ وَمَنْ زَوَّجَ لِلَّهِ تَوَّجَهُ اللَّهُ تَاجَ الْمُلْكِ }[5] والكلام لنا جميعاً فى نفع الخلق كظم الغيظ والتواضع والتراحم والتكافل حتى بتزويج الضعفاء والفقراء فإذا ذكرنا كظم الغيظ فالرجل منَّا الذي يمسك زوجته ويضربها كيف يكون رجلاً ورسولنا يقول {خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ مَا أَكْرَمَ النَّسَاءَ إِلاَّ كَرِيمٌ وَلاَ أَهَانَهُنَّ إِلاَّ لَئِيمٌ}[6] فهل تُنَصِّبْ نفسك خالد بن الوليد على المسكينة زوجتك التى لا تملك إلا لسان ماذا تفعل معها إذاً؟{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} وإذا اجتزت هذا الفصل عليك أن تدخل من باب {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} لأن الذي كظم غيظه فقد كظمه فى نفسه وفقط لكن الأعلى من ذلك أن تعفو عمن أساء إليك وتسامحه وإذا نجحت النفس فى هذا الباب نرقيها للمرحلة الأعلى {وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} هذا لكى تعلموا أن كلام ربنا بميزان لأنها رتبة بعد رتبة بعد رتبة من هؤلاء؟ الذين قال فيهم حضرة النبي { وَأَحْسِنْ إِلى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ تَكُنْ مُسْلِمَاً } [7] 
[1] للبيهقى فى شعب الإيمان والطبرانى عن أبى هريرة [2] أخرجه أحمد والنَّسَائِي في"عمل اليوم والليلة"، المسند الجامع [3] لأبى يعلى فى مسنده وأَبو الْحسن الْقَطَّان في المطوالاتِ والطبرانى فى الصغير عن سعيد بن المسيب عن أَنَسٍ رضيَ اللَّهُ عنهُ. [4] صحيح مسلم عن عبدالله [5] رواه الطبراني وابن عساكر عن سهل بن معاذ [6] ابن عساكر عن على. [7] ابن النجار عن على.


الأربعاء، 18 أبريل 2012

الإصلاح بين المسلمين




الإصلاح بين المسلمين

ونأخذ باباً ثالثاً وهو باب هام فى هذه الأيام كذلك رأى سيدنا رسول الله أصحابه منشغلين بالطاعات والعبادات فقال لهم أولاً {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِعَمَلٍ – أي إياكم وأن تعتمدوا على العمل – قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: وَلاَ أَنَا إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ برحمته} وفى رواية {إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ وَفَضْلٍ}[1] وإياك أن تظن أن العمل وحده هو الذي يدخلك وإنما الذي يدخلك هو فضل الله ورحمة الله وإكرام الله وعطف الله وحنان الله لأنه سبحانه لو حاسبك على العمل فماذا يفعل العمل إذ لو حاسبك فقط بالإخلاص فماذا يبقى من العمل؟ ثم عاد أخرى وقال {أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَل مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاَةِ وَالصَّدَقَةِ»؟ - يقصد النوافل منها – قَالُوا: بَلَى. قَالَ: إصْلاَحُ ذَاتِ الْبَيْنِ فَإنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ لا أَقُولُ: تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ أَقُولُ: تَحْلِقُ الدِّينَ}[2] وقد رأينا ذلك واضحاً جلياً فى هذه الأيام فما الذي رقق الدين وجعل الدين ضعيفاً فى نفوس المسلمين؟فساد ذات البين وفساد النفوس والقلوب والمشاكل التى لا منتهى لها ولا حصر بين المسلمين والمسلمات ومعظمها من أجل المادة الفانية التى سنتركها جميعاً ونسافر إلى الله إذاً فالعبادة الأعلى هنا هى الصلح فإذا عرفت أن أخاك المسلم الذي بجوارك يخاصم فلاناً فقد أصبح فرضاً عليك التدخل فى الإصلاح بينهما – فمن منا الآن يشعر أن إصلاح ذات البين فريضة عليه؟ لا أحد فالكل يقول: لا شأن لي بينما يجب عليك فى ذلك أن تبذل كل ما فى وسعك وإن صدقت فسيُصلح الله شأنهما على يديك ثق بذلك فعندما أرسل سيدنا عمر رجلين من أهل الزوجين وذهبا ثم عادا ولم يصلحا قال لهما: إن نيتكما غير سليمة لأن الله يقول {إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا} أصلحا النيَّة واذهبا مرة أخرى فلما أصلحا النية تمَّ الصلح بينهما وصدق الله تعالى ولو تدخلت وحدك بعد أن تأخذ العون من الله وتطلب التوفيق من الله فإنك ستحل مشكلة بين عائلتين ربما فشل فى حلها الكثيرون قبلك لأنه من الجائز أن يكون لمن سبقوك مآرب أو مصالح فقد يتدخل واحد منهم من أجل أنه سيرشح نفسه فى الإنتخابات ويريد تأييد هؤلاء وعائلاتهم وهنا لا تكون النية خالصة لله أما إذا تدخل الإنسان لله فلا بد أن يتحقق الصلح بأمر الله جل فى علاه ونحن كمسلمين لو عرف كل واحد منا أن أي مشكلة تعرض عليه وجب عليه أن يتدخل فوراً لحلها وإن لم يستطع بنفسه يستعين بنفر من إخوانه إذا عرفنا ذلك وفعلناه هل يكون قضايا ومشاكل فى المحاكم أو خصام فى المجتمعات؟ أبداً ياإخوانى فهذه فريضة نستطيع أن نسميها فريضة غائبة فى هذه الأيام ولو جلس واحد ليلة أو ساعة للإصلاح بين متخاصمين إلى أن تمَّ الصلح وآخر قضى هذه الليلة فى جوار البيت الحرام وصلى لله ألف ركعة من الأفضل عملاً منهم؟ أجيبونى الذي أصلح بين المتخاصمين هو الأفضل عملاً بل وحذَّر النبى فى النهاية كل من يقدر على نفع إخوانه ولايفعل ولا يهتم إلا بنفسه ولا يعرف غير المصلحة مقابل المصلحة ولا عمل لله أو من يستطيع ويمسك ويبخل فقال منبِّهاً ومحذِّراً {وَمَا مِنْ عَبْدٍ يَدَعُ الْمَشْيَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ قُضِيَتْ أَوْ لَمْ تُقْضَ إلاَّ ابْتُلِيَ بِمَعُونَةِ مَنْ يَأْثَمُ عَلَيْهِ، وَلاَ يُؤْجَرُ فِيهِ}[3] وهذه يا إخوانى بعض الأبواب التى توصل الإنسان لوراثة الكتاب والتى يدخل بها فى قول العلى الوهاب {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} من هم؟ هم من تكلمنا عنهم وقاموا بهذه الأدوار وهذا ما جعل مجتمع المدينة المنورة وغيرها من المجتمعات الإسلامية مجتمعات تقيَّة نقيَّه ليس فيها حزازيَّة ولا عصبيَّة ولا جدال ولا سبٌّ ولا شتمٌ ولا فيها خيانة ولا سرقة لماذا؟ ذلك لأن هَمَّهم كلَّه كان إصلاح أحوال إخوانهم المسلمين
[1] رواه أحمد وإسناده حسن عن أبى سعيد الخدري. [2] رواه أحمد والترمذي وأبى داوود عن أبى الدرداء. [3] رُوِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، الترغيب والترهيب



الثلاثاء، 17 أبريل 2012

قضاء الحوائج





قضاء حوائج الناس

الباب الثاني فى العبادات الخاصة الذي كان يقصده الخواص من أصحاب رسول الله هو قضاء حوائج المؤمنين والسعى فى مصالح المسلمين ابتغاء وجه الله والناس فى هذا الزمان لا تعتبر هذا العمل عبادة وإنما تعتبره خدمة مقابل خدمة أو رشوة مقابل آداء الخدمة وهذا هو الذي صَعَّب حياة المسلمين وجعلها حياة مملوءةً بالمشقة والتعب والعناء أما سيدنا رسول الله فقد علم الرعيل الأول السعى فى هذا العمل منهم سيدنا أبو بكر الصديق الذي كان يمشي فى طرقات المدينة ليتحسس أحوال المسلمين ويبحث عن المسكين الذي لا عائل له ولا أنيس له ولا مصدر دخل له ليقوم به ويمده طلباً لمرضاة الله وكم فى الأمة من مسكين ليس له ناصر ولا معين ولا عائل ولا دخل وانشغل المسلمين بأمورهم الشخصية وشهواتهم البطنية عن هذه الأحاسيس الإيمانية التى نبه عليها خير البرية بقوله {لَيْسَ بِالْمُؤْمِنِ الَّذِي يَبِيتُ شَبْعَاناً وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ}[1] وقد يبيت المرء فى الصلاة أو فى قراءة القرآن لكن جاره جوعاناً ولا يملك شيئاً فهل تجزئ هذه الصلاة؟ هل تنفعه هذه الطاعة عند الله وتمنعه من المسائلة يوم لقاء الله ذلك مع قول الله فى حديثه القدسي يوم القيامة {يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي. قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ؟وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ:أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلاَناً مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي قَالَ:يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ؟وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ:أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلاَنٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذٰلِكَ عِنْدِي؟ يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي. قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ؟وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ:اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلاَنٌ فَلَمْ تَسْقِهِ أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذٰلِكَ عِنْدِي}[2] ماذا يقول؟ هل يقول: كنت أصلي؟لمَ لا تتحسس أحوال إخوانك المسلمين؟وقد كان سيدنا أبوبكر يتحسس وكذلك سيدنا عمر كان يتحسس لا يتجسس فإننا الآن نتجسس لكنهم كانوا يتحسسون والفرق نقطة بين التحسس والتجسس لكن هذه النقطة تجعل الفرق بينهما كما بين المشرق والمغرب فهذا من عمل أهل الجنة وذاك من عمل أهل النار وقد رأى سيدنا أبوبكر مسكينةً لا عائل ولا زائر لها فكان يذهب لهذه المرأة العجوز ليقضى لها كل مصالحها فيكنس البيت ويرشُّه ويملأ لها الماء ويأتى لها بالطعام ويصنعه لها ثم يذهب وكان سيدنا عمر كذلك وكان تنافسهم فى هذا المجال {خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} وليس التنافس فى الحطام كما يحدث في هذه الأيام وعندما كان يبحث سيدنا عمر عن أمثال هؤلاء المنقطعين عثر على هذه العجوز لكنه كلما ذهب إليها وجد جميع مصالحها مقضيَّة فسألها عمن يقوم لك بذلك؟ قالت:هناك رجل يأتيني كل يوم لكنى لا أعرفه قال: متى يأتى؟ قالت: قبل الفجر بساعة قال: أنتظر قبل الفجر بساعتين لأرى من يكون هذا الرجل وعندما فعل وجد أن الذي يذهب للمرأة هو سيدنا أبوبكر فعاتب نفسه شديداً وقال: تباً لك يا عمر أتتبع أسرار أبى بكر هذا حال الأولين وكان على ذلك التابعون بل كنا نسمع سلفنا الصالح بعد ختام الصلاة يقرأون الفواتح ومن ضمنها الفاتحة للمنقطعين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين لا زائر لهم ولا أنيس فكان أقل ما يحرصون عليه نحوهم الدعاء لهم أى أنهم يتذكرونهم ويذكرون الناس بهم ولكن كيف صار الحال اليوم أصبحنا نسمع فى هذه الأيام فى الكثير من بلاد المسلمين أن الجيران اشتموا رائحة كريهة ولما أبلغوا الشرطة وأتت وفتحت الباب يجدون شيخاً كبيراً أو أمَّاً كبيرة قد ماتت وتحلل الجسم وأنتشرت الرائحة وقبلك لم يشعر بها أحد هل يصح أن يحدث هذا فى مجتمع المسلمين والمؤمنين؟ كيف؟ نفترض أنه ليس لها ابن ولا أخ ولا أخت ولاقريب أليس لها جيران؟ للأسف أصبح الجيران كلٌ مشغولاً بنفسه ولا يريد أن يلقى السلام على جاره إلا إذا قبض ثمنا دنيوياً وهذا من الأمراض التى استشرت الآن فى الأمة المحمدية لأنهم ظنوا أن العبادات التى يريدها منهم ربُّ البرية هى الصلاة والصيام والزكاة والحج والشكليات وتلاوة القرآن ونسوا الواجبات نحو المسلمين والمسلمات وهو أعظم الواجبات والنوافل والقربات فى حق المسلمين والمسلمات كما أخبر بذلك وعلمنا سيد السادات عندما يأتى للواحد منا خيرٌ يفرح له الجيران؟ كذلك لو حصل على منصب كبير يفرح الجيران لأن جميع مصالحهم ستقضى لكن حدث العكس عندما تولى سيدنا أبوبكر خلافة المسلمين فقد فوجئ بأن جيرانه غير سعداء بذلك فسألهم عن السبب؟ فقالوا: أنت الذي كنت تحلب لنا الإبل والشياه والماعز أما وقد أصبحت الخليفة فإننا لن نجد من يحلب لنا فقال: سأظل على عهدى معكم فكان يفعل ذلك من أجل دوام المحبة ففى ابن عساكر عن أبى هريرة عن النبى{تهادُوا تَحَابُّوا} فكان يهديهم وقته وجهده حتى بعد أن صار حاكماً وهكذا أمر الحبيب ومن يجلس فى خلوة فى بيته ولا ينزل منه إلا لصلاة الجمعة ويقول: أنا مشغول بالله وأصلى وأصوم وأتلو القرآن هل يستوى هذا مع من يرعى مصالح الجيران؟ لا فإذا كان هناك لمسلم حاجة وأنا أستطيع ابلاغها فإن حضرة النبي قال فى ذلك{أَبْلِغُوا حَاجَةَ مَنْ لاَ يَسْتَطِيعُ إِبْلاَغَ حَاجَتَهُ فَمَنْ أَبْلَغَ سُلْطَاناً حَاجَةَ مَنْ لاَ يَسْتَطِيع إِبْلاَغَهَا ثَبَّتَ الله قَدَمَيْهِ عَلَىٰ الصِّرَاطِ}[3] لماذا يا رسول الله؟ قال{مَنْ مَشَىٰ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ وَبَلَغَ فِيهَا كَانَ خَيْراً مِنِ اعْتِكَافِ عِشْرِينَ سَنَةٍ، وَمَنِ اعْتَكَفَ يَوْماً ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ ثَلاَثَةَ خَنَادِقَ، أَبْعَدُهَا بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ}[4] أيَّة مصلحة فإن كان جارى لا يستطيع شراء الخبز وأنا أستطيع واشتريته له فإنه يُكتب لى فى كل يوم عبادة ستين سنة كذلك إن كانت جارتى مريضة وليس عندها ماء وأنا عندي وملأت لها يومياً فإنى كذلك آخذ كل يوم عبادة ستين سنة وإذا لم يكن عندها كبريت وأعطيتها عود كبريت فإنى كذلك آخذ أجر عبادة ستين سنة وكذلك فى كل شيء إن كان صغيراً أو كبيراً لكن للأسف امتنع الناس عن هذه الأشياء الآن وصدق قول الحكيم العليم {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}أى المعونة فلماذا تحرمون أنفسكم هذا الأجر وليس هذا وحسب لكن سيدنا رسول الله قال{من قضى لأخيه حاجة كنت واقفاً عند ميزانه فإن رجح وإلاّ شفعت له}[5] فأين العبادة التى تُحَصِّل ذلك؟ هذه العبادة لو كانت موجودة بيننا جماعة المسلمين فمن الذي يحتار من الموحدين؟أما الآن فقد أصبحت المصالح معلقة بالمصالح مع أن قضاء المصالح عبادة الصالحين وعبادة من يريدون أن يكونوا ورثة لسيد الأولين والآخرين لذلك أراد رسول الله أن يُعّرف أصحابه روَّاد مسجده المبارك الذين كان معظمهم قائماً للَّيل منهم من يصلى ومنهم من يقرأ القرآن العبادة الأهم فقال بعد صلاة الفجر واستمع لأبى هريرة يروى قال{قالَ رَسُولُ اللّهِ مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِماً؟ قالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا. فَقَالَ: مَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِيناً؟، قالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، قالَ: مَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضاً؟، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا فَقَالَ: مَنْ تَبعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَاَزَةً؟، قالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ: مَا ٱجْتَمَعَتْ هٰذِهِ الْخِصَالُ قَطُّ في رَجُلٍ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ}[6] وأراد الحبيب أن يعطيهم درساً عملياً أن العبادة الأعلى والأرقى والأعظم التى تتعلق بالمسلمين كتشييع الجنازة وعيادة المريض وقضاء المصالح وقد جمعها صلى الله عليه وسلم فى قوله الشريف {ما عبد الله بشيء أفضل من جبر الخاطر}[7] وذلك لأنك عندما تزور المريض فإنك تجبر خاطره وعندما تشيع جنازة فإنك تجبر خاطر أهل المتوفى وعندما تقضى مصلحة المؤمن فإنك تجبر خاطره وهى عبادة المؤمنين التى قال فيها حضرة النبي {تَرَىٰ الْمُؤْمِنِينَ - هل قال فى صلاتهم أو فى صيامهم؟ لا ولكنه قال - فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَىٰ عُضْوٌ مِنْهُ تَدَاعَىٰ لَه سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّىٰ }[8] إذاً فالعبادة الأعلى هى العبادة التى فيها توادٌّ وتراحمٌ والتى فيها تعاطف للمؤمنين والمؤمنات وبين المومنين والمؤمنات 

[1] المستدرك للحاكم عن عائشة [2] صحيح مسلم عن أبى هريرة. [3] الطبراني وأبو الشيخ من حديث أبى الدرداء. [4] للطبرانى فى الأوسط والحاكم فى مستدركه والبيهقى فى شعب الإيمان عن ابن عباس. [5] لأبى نعيم الحافظ فى الحلية بإسناده من حديث مالك بن أنس والعمري عن نافع عن ابن عمر، وفى التذكرة في أحوال الموتى، و فى الدر المنثور. [6] رواه ابن خزيمة في صحيحه عن أبى هريرة. [7] مراقى العبودية لإبن تيمية، وفى كشف الخفاء [8] رواه البخارى عن النعمان بن بشير.




العلم عبادة الأنبياء والمرسلين





العلم عبادة الأنبياء والمرسلين

ما عبادة الأنبياء والمرسلين؟ عبادتهم هى التى قال الله له فيها
{وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً} العلم: يتعلَّم هو من العليم سبحانه ويعلِّم الجهلاء كي يتفقهوا فى دين الله ولذلك ورد عن الصالحين أنه كان يأتيهم المريد يبول على نفسه – أى لا يعرف كيفية الاستنجاء ولا كيفية التَّطهُّر – فيمكث عندهم ثلاثة أيام فيخرج عالماً بالله هل ذلك أفضل أم صلاة ألف ركعة فى كل ليلة؟ يقول الحبيب {لأنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلاً واحِداً خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ}[1] وفى رواية{لأنْ يَهْدِيَ الله عَلى يَدَيْكَ رَجُلاً خَيْرٌ لَكَ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرَبَتْ}[2] إذاً كانت عبادة رسول الله طلب العلم من الله بالزيادة ثم تعليم خلق الله ونشر دين الله وشرع الله جلَّ فى علاه وهى أعلى وظيفة وكان على ذلك أعلى المقربين والصالحين والوارثين لسيد الأولين والآخرين الذين ورثوا هذا الشأن أى الذي يعلِّم نفسه ثم يعلِّم غيره ولا يوجد فى الأمة رجل يتعلَّم فقط لقول الحبيب {بَلغُوا عَني وَلَوْ آيَةً}[3] فلو عرفت مسألة واحدة عليك أن تُعَلِّمها لزوجك ولأولادك ولجيرانك ثم لرفقائك فى العمل بحسب مقتضى الحال واجعل حديثك دائماً مع إخوانك المسلمين فى مسائل الدين لكن ليس للجدال ولكن للتعليم كي تدخل فى هذه الوراثة الكاملة للنبي الرءوف الرحيم التى يقول فيها{إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَاراً وَلاَ دِرْهَماًإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ[4] من ميراث رسول الله وكما لا يوجد في الأمة متعلم فقط كذلك لا يوجد فيها معلم فقط لأنه قال عز شأنه{وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} إذ يسعى المرء لطلب العلم ممن فوقه ويعلِّم من دونه وهذه هي وظيفة كلِّ رجل فى هذه الأمة {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}لماذا يا رب؟{تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} وإذا فعلتم ذلك {وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} هنا يصح الإيمان بعد الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وهذا للأمة كلها {كُنتُمْ} أى جميعاً وذلك لأنك عندما تأمر بالمعروف فإنك ستأمر نفسك وتنهى نفسك فإن استجابت! لك تدعو زوجك فإن استجابت ستدعو أولادك فإن استجابوا ستدعو أهلك فإن استجابوا ستدعو جيرانك إذاً يجب على كل مسلم أن يكون فى هذا الباب وينافس فيه ليفوز بنصيبه الوافر مع الأحباب من النبي فى العلم الذي ورثَّه الله له فى الكتاب ولذلك فإن النبي يقول واسمعوا هذا الحديث وعوه {مَنْ غَدا إِلى المسْجِدِ لا يُرِيدُ إِلا أَنْ يتَعلَّمَ خَيْراً أَو يُعَلِّمَهُ كان له أجْرُ حاجٍّ تاماً حجَّتَهُ}[5] وقال أيضاً {مَنْ جاءَ مَسْجِدَنا هذا يَتَعَلَّمُ خَيْراً وَيُعَلِّمُهُ فَهو كالْمجَاهِدِ في سَبيلِ الله}[6] أى الذي يأتى إلى المسجد كي يتعلم يكتب له أجر حجة تامة كاملة كم ينفق الواحد منا ليحظى بهذا الأجر عندما يحج؟ وكم يبذل من التعب والعناء ليحظى بأجر الحج ؟ كل ذلك وهو لا يعلم إن كانت حجته بعد هذا تامة وكاملة أم ناقصة ولكن من جاء المسجد للعلم فقد حظى بهذا الأجر بفضل الله تاما غير منقوص من غير تعب ولا عناء ولا شقاء ولا مصاريف ولا فلوس ومن يأتى المسجد كي يُعلّم كذلك يكتب له خيرٌ من عبادة ستين سنة وهنا إشارة لماذا ذكر النبى الاثنين؟لأنه كما قلنا فإنك تعلم وتتعلم فلا يوجد معلم وفقط فسيدنا موسى عندما قال له بنو اسرائيل: من أعلم الناس يا موسى؟ قال: أنا عاتبه الله على ذلك لأنه لم ينسب العلم إلى العليم ومع أنه نبي وكليم إلا أن الله أمره أن يذهب إلى عبد متواضع متوارٍ كالذين يقول فيهم الرءوف الرحيم {أَلاَ أُخْبِرُكَ عَنْ مُلُوكِ الْجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَىٰ قَالَ: رَجُلٌ ضَعِيفٌ مُسْتَضْعَفٌ ذُو طِمْرَيْنِ لاَ يُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ}[7] وكان العبد على هذا المثال وقد مشى سيدنا موسى إليه وعندما سارا معا رأيا عصفوراً نقر نقرتين فى البحر فقال العبد لموسى كما جاء {مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللّهِ إِلاَّ مِثْلَ مَا نَقَصَ هذَا الْعُصْفُورُ مِنَ الْبَحْرِ}[8]{وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} كذلك سيدنا سليمان عندما كان يجلس مع خاصته وقال {عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ} وعندما ذهب ليتفقد الطير قال{مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ} بعد ذلك جاء الهدهد فسأله أين كنت؟ قال: أحطت بما لم تحط به وانظر إلى إعجاز الله وتعليم الله وتأديبه لأنبياءه ورسله فأين نذهب نحن يا إخوانى عندما نسمع واحداً منا وهو يقول: أنا العالم فلان وإذا قلنا له:هيا نحضر مجلس علم لفلان يقول: ماذا سيقول أكثر مما عندي وماذا تملك يا مسكين من العلم فالعلم كله فى العالم كله من الذي يستطيع أن يجمع العلم كله؟ وقد جمع الإمام جلال الدين السيوطى مائة ألف حديث لرسول الله بأسانيدهم فلان عن فلان عن فلان ثم جاءه رسول الله فى المنام كي يُشَرِّفه وقال له كي يبشِّره: اقرأ علىَّ يا شيخ الحديث وقرأ على رسول الله بعض أحاديثه فى المنام ، ومع أنه صلى الله عليه وسلم أعطاه مرتبة شيخ الحديث إلا أنه قال: "جمعت مائة ألف حديث عن رسول الله ولا أظن أنى جمعت حديث رسول الله كله لماذا؟ لأن أصحاب رسول الله تفرقوا فى البلاد وكان مع كل رجل منهم أحاديث سمعتها أذناه ووعاها قلبه لم يسمعها غيره من رسول الله ولذا فإنى أعجب عندما يأتى رجلٌ ويقول: هذا الحديث لم يرد؟ من الذي أدراك؟ وكل ما عليك أن تقوله هو أن هذا الحديث لم يمر علىَّ أو أنى لم أسمعه ولم أطلع عليه فهل يوجد ياأيها القراء الكرام على ظهر البسيطة من عصر حضرة النبي إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها من جمع كل تراث النبي من الحديث؟ إن كان فأين هو؟ وذلك لأن كل كلمة كان يقولها رسول الله كانت حديثاً سواءاً كان يقولها لواحد أو لإثنين أولثلاثة فهى حديث وقد كانت عبادة رسول الله طوال النهار تعليماً ثلاثة وعشرون سنة كلام وعمل من الذي يستطيع أن يجمعها وأين السجلات التى تدونها وتستوعبها وأين الشرائط التى تسجلها إذاً من الأدب مع حضرة النبي ألا يقول أحدٌ أن هذا الحديث لم يرد بل يقول: لم أقرأه أو لم أطلع عليه أو لم أسمعه لأنه من الجائز أن يكون قد سمعه غيره أو جمعه أو حفظه ومن حفظ حجة على من لم يحفظ وبذلك فإن أول عبادة خاصة يتقرب بها المتقربون لينالوا محبة الله أن يتفقهوا فى الدين ليعملوا به أولاً فى أنفسهم ثم يعلِّمون غيرهم من عباد الله المسلمين وأكرر بوضوح لا يتعلم ليُعَلِّم لا ولكن يتعلم أولاً ليعمل فإذا عمل به وانفعل قلبه بنور عمله يبلِّغ بعد ذلك عن ربه أو عن نبيه فلا يتعلم ليقال عالم وإلا كان هذا أجره {فَقَدْ قِيلَ}[9] ولا يتعلم ليجادل لأن ديننا ينهى عن الجدال الذي يقول فيه نبينا {أَنَا الزَعِيمُ -الضامن- بِبَيْتٍ فِي رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلاَهَا، وَبِبَيْتٍ فِي أَسْفَلِهَا لِمَنْ تَرَكَ الْجِدَالَ وَهُوَ مُحِقٌّ، وَتَرَكَ الْكَذِبَ وَهُوَ لاَعِبٌ، وَحَسُنَ خُلُقُهُ لِلنَّاسِ }[10] وذلك لأن الجدال يُوَرِّث الضغائن فى النفوس والأحقاد فى القلوب ويدفع للكذب فى الحجج ويدفع للتبجح والتعنف ولذلك أمر المسلمين بمنع الجدال بالكلية من الذي يجادل يا رسول الله؟ قال {مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلاَّ أُوتُوا الْجَدَلَ}[11] إذاً فالجدل دليلٌ على غضب الله هل معنى ذلك ألا نتناقش فى العلم؟ لا ليس ذلك ولكن هناك ما يسمى بالمناظرة أنا أدلي برأيي والثانى يدلي برأيه لكن أخضع لصاحب الحجة الأقوى بلا تعنت أما المجادل فهو المصرُّ على رأيه ويريد أن يفرضه على الآخرين ولو كان خطأً وهذا ما نهى عنه نبي الإسلام وهذه الآداب ذكرها رسول الله فى الحديث الشريف حيث يقول{مَنْ تَعَلَّـمَ الْعِلْـمَ لِـيُبَـاهِيَ بِهِ الْعُلَـمَاءَ أَوْ يُـمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ يَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَـيْهِ أَدْخَـلَهُ الله جَهَنَّـمَ }[12] إذاً علينا أن نطلب العلم أولاً للعمل به ثم بعد ذلك نعلِّم غيرنا طلباً لمرضاة الله ورغبة بإخلاص وصدق فى نشر دين الله لا للتمشيخ على عباد الله ولا لإكتساب المنزلة بين خلق الله فإن كل ذلك فانٍ يوم لقاء الله وذلك مثل إمام العلماء بعد سيد الرسل والأنبياء علمه الله فقال كما قال عنه مولاه فى كتابه{إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً} لماذا؟ لأن الجزاء الوافى عند رب العالمين 


[1] صحيح البخارى ومسلم عن سهل بن سعد. [2] من حديث أبى رافع فى جامع بيان العلم وفضله لأبن أبى بر [3] رواه البخارى وأحمد والترمذي عن ابن عمرو [4] رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي عن أبى الدرداء [5] عن أَبي أُمامةَ ، رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون كلهم. [6] عن أبي هريرة المستدرك على الصحيحين [7] سنن ابن ماجة عن معاذ بن جبل. [8] البخارى ومسلم عن ابن عباس [9] من حديث "فعلت ليُقال" رواه مسلم عن أبي هريرة. [10] رواه الطبراني عن ابن عباس. [11] رواه أحمد والترمذي وابن ماجة عن أبى أمامة [12] رواه الطبراني فى الأوسط والبزار عن أنس بن مالك.



الاثنين، 16 أبريل 2012

مقامات المقربين



مقامات المقربين
قلوبنا تهفو إلى مقامات المقربين وتشتاق إلى منازل الصالحين وتحرص على أن يكون لها هذا الفضل فتلحق فى الدنيا بمعية الصالحين ويكون لها حظ وافر من ميراث سيد الأولين والآخرين لذلك نريد أن نعرف الطريق السهل الميسور الذي يوصلنا إلى ذلك؟ كلنا يذكر الحديث القدسي الذي يقول فيه رب العزة 
{وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ،
وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإذَا أَحْبَبْتُهُ
كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا،
 وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأعْطِيَنَّهُ، وَإِنِ اسْتَعَاذَنِي لأعِيذَنَّهُ}[1]
 وقد اعتقد جمٌّ غفير من المسلمين السابقين واللاحقين
أن التقرب إلى الله بالنوافل هو سرُّ حبِّ الله وسبب ولاية الله
 وهو السبب المباشر لكل عطاءات الله لأولياء الله رضوان الله عليهم أجمعين فماذا فعلوا؟ تسابقوا فى النوافل اللواحق (أى النوافل القبلية والبعدية لكل صلاة ) وزادوا على ذلك بالنوافل التى حرص عليها حبيب الله ومصطفاه كقيام الليل وصلاة الضحى وصيام الأيام المتنوعة ولكن يا إخوانى هناك أمر غاب عن الأذهان هل هذه نوافل نظر المحققون من الصالحين ياإخوانى إلى هذه النوافل على أن الأليق بها أن تكون كالفرائض بالنسبة لنا وليست نوافل، ولمَ؟ لأنه لا يوجد بيننا من يؤدي فريضة كاملة لله وقد قال الحبيب 
{إنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَلاَتُهُ فَإِنْ وُجِدَتْ تَامَّةً كُتِبَتْ تَامَّةً وَإِنْ كَانَ انْتَقَصَ مِنْهَا شَيْءٌ قَالَ: انْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ لَهُ مِنْ تَطَوُّعٍ يُكَمِّلُ لَهُ مَا ضَيَّعَ مِنْ فَرِيضَةٍ مِنْ تَطَوُّعِهِ ثُمَّ سَائِرُ الأَعْمَالِ تَجْرِي عَلَى حَسَبِ ذٰلِكَ}[2]
إذاً فالتطوع يُكْمل الصلاة وبالتالى فإن الصلوات اللواحق بالنسبة للضعفاء أمثالنا فى الحضور بين يديَّ الله وفى الخشوع لعظيم جلال الله تُكْمل الفرائض فربما تكمل الفريضة اللواحق القبلية والبعدية وربما لا تكفى لإكمال الفريضة فَيُؤتى لها بختام الصلاة وربما لا تكتمل الفريضة بذلك أيضاً فيؤتى لها بالصلوات النفلية كقيام الليل وصلاة الضحى وغيرها لقوله عليه أفضل الصلاة وأتم السلام 
{إنَّ الرجُلَ لـيُصَلِّـي الصلاةَ ما لَهُ مِنْهَا إلاَّ عُشْرُهَا تُسْعُهُا ثُمْنُهَا سُبْعُهُا سُدْسُهَا خُمْسُهَا رُبُعُهَا ثُلُثُهَا نِصْفُهَا}[3] وروى أيضاً { لا يكتب للمرء من صلاته إلا ماعقل منها} إذاً فالنوافل وظيفتها إكمال الفرائض ولذلك جاء بها النبى لإكمال الفرائض وتصير كاملة عند الله هذا فى نوافل الصلاة وكذلك فى نوافل الصيام وشأن الصلاة قال فيه سيدنا عمر على المنبر {إنّ الرجل ليشيب عارضاه – أى لحيته – في الإسلام وما أكمل لله تعالى صلاة قيل: وكيف ذلك؟ قال: لا يتم خشوعها وتواضعها وإقباله على الله عزَّ وجلَّ فيها}[4]
 ألم يرَ النبي رجلاً صلَّى ثم جاء يسلم عليه فقال له
{ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ حتى فعل ذلك ثلاث مراتٍ فقال الرجل:
والذي بعثك بالحق ما أحسن غير هذا فعلمني وقال النبى في آخره للرجل بعد أن علَّمه الصلاة:فإذا فعلت هذا فقد تمَّت صلاتك وما انتقصت من هذا فإنما انتقصْتَه من صلاتك} [5] ويقول فى ذلك أيضاً الأئمة الأعلام 
{إن المرء ليصوم شهر رمضان ولا يكتب له صيام يوم واحد كامل عند الله}
لأنه ظنَّ أن الذي يبطل الصيام الطعام والشراب والجماع
ونسي قول الحبيب فى الحديث الشريف{خَمْسٌ يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ وَيَنْقُضْنَ الْوُضُوءَ: الْكَذِبُ، وَالْغِيبَةُ، وَالنَّمِيمَةُ، وَالنَّظَرُ بِالشَّهْوَةِ وَالْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ}[6] ومن الذي يسلم من هؤلاء؟ لا يسلم إلا أقل القليل لكنه قد يقع فى واحدة أو اثنتين أو أكثر ويعتقد أن صيامه صحيح لأنه يحكم عليه بالأمر الجامع أى بالطعام والشراب والجماع ونسي قول الحبيب المصيب صلوات الله وتسليماته عليه إذاً ما النوافل المحققة التى يزيدها من يريد رتبة الصلاح والولاية عند الله غير ما ذكرناه؟ فالذي يريد ولاية الله عليه أن يؤدي النوافل التى ذكرناها ولا يُقصِّر فيها بل يكون أكثر الناس مسارعة إليها لكنه يعلم علم اليقين أنها ليست هى النوافل التى توجب له محبة الله لأنها فى نظره وعلى الحقيقة تُكْمل الفرائض التى عليه لله كل هذا الذي ذكرناه أعمالٌ صالحةٌ يعملها العبد لنفسه فإذا صلَّى فإنه يصلى لنفسه ألم يقل الله
{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ}
 فالمصلى يصلى لنفسه والصائم يصوم لنفسه والمزكى يزكى لنفسه والحاج يحُج لنفسه لكن النوافل العظام التى لها شأن عند الملك العلام والوهاب العظيم والنبي الرؤوف الرحيم التى يستن فيها الإنسان برسل الله وأنبياء الله والثلة المباركة من أصحاب سيدنا رسول الله هى ما نسميها بالعبادة الخاصة كيف ذلك؟ يجب أن يكون لكل واحد عبادة خاصة يتميز بها خلاف العبادات العامة التى نشترك فيها جميعاً يؤديها خصوصية له إلى ربه هذه العبادات الخاصة أعلاها شأناً وأرفعها درجة عند الله ما كان نفعها يتعلق بخلق الله لا بذاته هو 
نوافل المقربين 
[1] رواه البخارى عن أبى هريرة [2] سنن النسائي الصغرى عن أبى هريرة [3] صحيح ابن حبان وسنن البيهقى الكبرى عن عبدالله بن عنمة [4] إحياء علوم الدين، المستطرف فى كل فن مستظرف وغيرها [5] أخرجه أبو داوود والترمذى والنسائى عن أبى هريرة [6] رواه اليلمى عن أنس، جامع المسانيد والمراسيل، وكنز العمال.

الأحد، 15 أبريل 2012

عبادات الصالحين




فقه العبادات
الكثير من محبى الصالحين وممن لديهم أشواق عالية إلى روضات القرب من ربِّ العالمين يظنون أن الوصول إلى تلك الروضات والمقامات بالنوافل العبادية فقط التى يُسرف فيها الإنسان أو يزيد فيها رغبة فى رضاء الله أى أنه يقوم الليل ويصوم الدهر ويقبل على قراءة القرآن ليل نهار ويظنُّ كثيرٌ أن هذا هو الطريق لولاية الله أو أنه السبيل الموصل لفتح الله لا هذا طريق العابدين أما طريق العارفين فغير ذلك وليس معنى ذلك أننا نقلِّل من قيمة النوافل العبادية لا فنوافل العبادات لابد منها لكن إذا كان هناك ما هو أولى منها فنقدمه على هذه النوافل أما إذا كان ليس عندى شئ يشغلنى فعلىَّ بالنوافل على سبيل المثال: - خُيِّرتُ هذه الليلة بين الصلح بين اثنين وبين قيام الليل راكعاً ساجداً لله ما الأَوْلى؟ الصلح بين الإثنين وإذا أصلحت بين اثنين فلا أجلس معهما متململاً ولا متضايقاً أو أن أشعرهم أنهم منعونى من قيام الليل أجرك فى الصلح بين الإثنين أعلى من قيام الليل أما إذا كان فى هذه الليلة ليس عندى عمل من أعمال البر للغير ولا عمل من أعمال الخير لنفسى ولا لأهلى كأن أذهب بابنى المريض للطبيب وغير ذلك فلابد أن أجعل لنفسى فى هذه الليلة قياماً لله - كذا لو استفتحت فى كتاب الله ثم سمعتهم ينبهون عن جار لك توفى أيهما أولى أن تشيع الجنازة أم تتلو القرآن؟ تشيع الجنازة - أو سمعت أن جارك مريض فأيهما أولى أن تعود المريض أم تقرأ القرآن؟ أعود المريض - أو جار لى له مصلحة وأنا لى مقدرة على إنجازها له فأيهما أولى قراءة القرآن أم قضاء مصلحة جارى؟ قضاء المصلحة أجره أكثر من أجر عبادة ستين سنة قال الحبيب{مَنْ مَشَىٰ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ وَبَلَغَ فِيهَا كَانَ خَيْراً مِنِ اعْتِكَافِ عِشْرِينَ سَنَةٍ وَمَنِ اعْتَكَفَ يَوْماً ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ ثَلاَثَةَ خَنَادِقَ أَبْعَدُهَا بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ[1] ومن الجائز أن يدعو لك دعوة صالحة تجعلك ترتفع فى المقامات أكثر من رفعتك بالعبادات ستة آلاف سنة أو أكثر أو أقل لأنك تعرضت لدعوة صالحة من رجل بائس فقير مسكين ذللت له أمره وسهلته له إذاً نحن لا نقلل من النوافل ولكن هناك أولويات مصالح الأفراد ومصالح المجتمعات أفضل من العبادات النفلية إذا كنت مستطيعاً القيام بها رغبة فى وجه ربِّ البرية أما إذا استطعت أن تجمع بين الإثنين فأنت من الرجال الكُمَّل مثل ما كان يعمل سيدنا عمر بن الخطاب حيث يقول {إذا نمتُ نهاراً ضيَّعتُ رعيَّتِى وإذا نمتُ ليلاً ضيَّعت أمرى فجعلتُ النهارَ لرعيَّتِى وجعلتُ الليلَ لنفسى][2]ومثله ورد من خبر سعيد بن عامر لما استعمله عمر بن الخطاب أميراً على حمص فهؤلاء هم كُمَّل الرجال وهم قلة لكننا نتكلم فى مجالنا اليوم فتقاس الأمور بهذا المقياس والفقيه هو الذى يزن الأمور بهذه الموازين العبادة الأعلى والأرقى عند الله هى التى تتعلق بأحد من خلق الله اسمع إلى سيدنا رسول الله فى الحديث الشريف المنيف الجامع يقول
{مَنْ أَدْخَلَ على مُؤْمِنٍ سُروراً إمّا أَنْ أَطْعَمَهُ مِنْ جُوعٍ، وَإِمّا قَضَى عَنْهُ دَيْناً، وَإِمّا يُنَفِّسُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيا نَفـَّسَ الله عَنْهُ كُرَبَ الآخِرَةِ وَمَنْ أَنْظَرَ مُوسَراً أَوْ تَجاوَزَ عَن مُعْسِرٍ أظَلَّهُ الله يَوْمَ الْقِيامَةِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلـُّهُ وَمَنْ مَشى مَع أَخِيهِ في ناحِيَةِ الْقَرْيَةِ لتَثْبُتَ حاجَتُهُ ثَبَّتَ الله قَدَمَهُ يَوْمَ تَزولُ الأَقْدامِ وَلأَنْ يَمْشِي أَحَدُكُمْ مَعَ أَخِيهِ في قَضاءِ حاجَتِهِ أَفْضَلُ مِنْ أَنْ يَعْتَكِفَ في مَسْجِدِي هذا شَهْرَيْنِ، وأشار بأصبعه: أَلا أُخْبِرُكُمْ بِشِرارِكُمْ؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الّذِي يَنْزِلُ وَحْدَهُ وَيَمْنَعُ رِفْدَهُ وَيَجْلِدُ عَبْدَهُ ِ}[3] حتى نعرف الأمور التى مشى فيها الصالحون إدخال السرور على المؤمنين وإنظار المعسرين وقضاء حوائج المزمنين( المرضى طويلاً) والسعى معهم لدى أهل الجاه والتمكين والشفاعة لدى المسؤلين وغيرها وغيرها كانت هذه عبادة الصالحين فى كل مكان وزمان أو حين وهاكم أمثلة : أحد الصالحين كانت عبادته مثل عبادة أبى بكر وعمر اللذين كانا يجوبان طرقات المدينة يبحثان عن المساكين الذين لا عائل لهم ولا أنيس لهم ليقضيا لهم حوائجهم فكان هو كذلك حيث كان يبحث عن الزمنى وهم المرضى بأمراض مستعصية ليس لها شفاء والذين تفرُّ الناس منهم فى هذه الأيام حتى أولادهم حيث نسمع ونقرأ فى هذه الأيام عن آباء يموتون ولا يشعر بهم أحد حتى تفوح رائحتهم لأن أبنائهم لا يسألون عنهم هل ذلك من الإسلام؟ لا وكان رجل أخر يكثر من التردِّد على الولاة والحكام للشفاعات للناس حتى قلَّت منزلته عند الحكام لكثرة تردِّده عليهم بسبب ذلك وفى عصرنا أيضاً كمثال كان رجل مصرى يسمى الشيخ محمود وكان من الصالحين كانت عبادته الأساسية السفر من بلدته بنى عامر كلَّ يوم إلى الزقازيق والتردِّد على الدواوين والمصالح الحكومية لماذا؟ لقضاء مصالح الخلق والمحتاجين ولكننا – ولقصور فهمنا- ظننَّا أن الإسلام هو الصلاة وشهر رمضان والحج والعمرة ونسينا أن أساس الإسلام هو العلاقات الاجتماعية والغرب يا إخوانى يعرف ذلك ويعيه الآن جيداً فالغرب لا يحتاج اليوم إلى مال ولا إلى خيرات ولا شئ من هذا القبيل ولكنه يحتاج إلى العلاقات الإجتماعية الإسلامية تنتقل عنده لذلك أذكر أن الجالية الإسلامية فى فرنسا أقامت منذ سنوات احتفالاً كبيراً بالمسجد الكبير بباريس وأثناء الإحتفال أتت امرأة فرنسية ومعها ابنها الصغير وطلبت منهم أن يلقِّنوه الإسلام فسألوها: هل أنت مسلمة قالت: لا فقالوا: لِمَ تريدين أن نلقِّنه الإسلام؟ قالت: حتى يصنع معى ما يصنع أولاد المغاربة – معظم المسلمين فى فرنسا من المغرب العربى -بآبائهم وأمهاتهم عند الكبر ولا يصنع معى ما يصنع أبناء الفرنسيين مع آبائهم وأمهاتهم عند الكبر وفى المقابل يُصَدِّر الغرب لنا الآن فى هذه الأيام أشياء غريبة كدار المسنين حيث يلقى الإبن أباه فى هذه الدار ويدفع له مصاريف إقامته ولا يسأل عنه إلا قليلاً فالغرب يحتاج إلى العلاقات الإجتماعية الإسلامية وخذوا مثالاً آخر من ألمانيا فقد خصصت إذاعة من عشر سنين تدعو إلى إقامة علاقات إجتماعية بين الأُسر الألمانية على الطريقة الإسلامية ولكن للأسف بدأ المسلمون يحسبون هذه العلاقات حسبة مادية فتجد الإنسان لا يعرف اسم جاره ولا عمله لأنه لا يحتاج إليه فالحسبة أصبحت حسبة مادية للأسف ولكنها يجب أن تكون حسبة إسلامية لا حسبة غربية ولا علمانية والحسبة الإسلامية تعنى أن يكون بينك وبين المسلمين تواصلٌ وتوادٌ وتراحمٌ وتعاطفٌ فى كل المُلمَّات جعل الله للمسلم حقَّاً على المسلم وإذا لم يقم بهذا الحقِّ حاسبه عليه الله يوم القيامة، كم تبلغ هذه الحقوق؟ حقوق كثيرة أوصلها الإمام أبو طالب المكى فى كتابه(قوت القلوب) إلى حوالى أربعة عشر حقاً بحسب ما جمع من الأحاديث فيذكر منها للمسلم على المسلم أن يُسلِّم عليه إذا لقيه وأن يشمِّته إذا عطس وأن يعوده إذا مرض وأن يشيِّع جنازته إذا مات وأن يهنِّأه إذا فرح وأن يعزِّيه إذا حدث له مكروه وأن يعينه إذا احتاج حوالى أربعة عشر حقَّاً للمسلم على المسلم، هذه الحقوق لو قصَّر فيها المسلم يُسَائل من الله يوم القيامة اسمعوا لله تعالى حيث ورد فى الحديث القدسى: قَالَ رَسُولُ اللّهِ {إِنَّ اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ؟ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلاَناً مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟ يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي. قَالَ: يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ؟ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلاَنٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذٰلِكَ عِنْدِي؟ يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي. قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ؟وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ:اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلاَنٌ فَلَمْ تَسْقِهِ أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذلِكَ عِنْدِي } إذاً الذى يؤاخذ الإنسان هو الله على حقوق المسلمين وهذا هو الأساس الأول فى دين الله والذى وطَّد به وعليه سيدنا رسول الله العلاقات بين المؤمنين المهاجرين والأنصار وغيرهم فكان نتاج ذلك كان المجتمع الذى يقول فيه الله [مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ] ثم بعد التوادد والتراحم بينهم تأتى[تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً ] لكن قبل الركوع والسجود لابد من التوادد والتعاطف والتراحم والبشاشة بين المسلمين والمسلمات وهذا أساس صلاح المجتمعات لكن عندما جاءتنا فكرة أنه لا علاقات إلا بالمصالح جائتنا الأوضاع التى نهى عنها الإسلام ونحن اعتقدنا بجهلنا بتعاليم الإسلام أنها أوضاع صحيحة وتفشت فى مجتمعاتنا للأسف فانتشرت الغلظة والقسوة والفظاظة فى المعاملة والأنانية والسرقة والنهب والقتل لماذا؟لأن [رُحَمَاء بَيْنَهُمْ] لم تعد موجودة [رُحَمَاء بَيْنَهُم] لن تأتى من الصلاة ولكنها تأتى من العلاقات الإجتماعية لم تعد المحبَّة موجودة لأنه لا توجد علاقات اجتماعية فهذا هو الأساس فى أعمال الصالحين فى كل زمان ومكان ولذلك يجب ألا تعتقد أن الوصول إلى الله بالنوافل العبادية فقط لكن قبل ذلك التواصل مع كل أجزاء الأُمة المحمدية. 

السبت، 14 أبريل 2012

عبادة المقربين



عبادة المقربين
قال حبيبى وقرَّة عينى وإنشراح صدرى فى الحديث الجامع المانع الذى يتكون من ثلاث كلمات فقط قدرها فوق موازين الجبال {كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقة}[1] تعالوْ معى ننظر إلى حكمة هذا النبى الأُمى الذى جعله مولاه معجزة للعلماء والمتعلمين من بدء الدنيا إلى يوم الدين؛ تلا على أصحابه - وهو يعلم مقدار شغفهم بحب الله ومبلغ تعلقهم بالقرب من حضرة الله - خطاب الله فى الحديث القدسى الذى يبين فيه الله الطريق المستقيم السوى لكل تقى يريد أن ينال محبة الله جلَّ فى علاه هذا الخطاب يقول فيه الله لأولى الألباب{ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لأعْطِيَنَّهُ وَإِنِ اسْتَعَاذَنِي لأعِيذَنَّهُ}[2] سمع الأصحاب هذا الخطاب - وهم كما ذكرت يريدون أن ينالوا محبة العلىّ الوهاب فسارعوا فى نوافل العبادات منهم من سارع فى قيام الليل، ومنهم من ابتدر صيام الأيام المتتالية من النهار ومنهم من واصل تلاوة القرآن ليل نهار حتى كان بعضهم يختمه فى ثلاث وبعضهم يختمه فى كل يوم وليلة مرة وبعضهم سارع فى الأذكار فنظر النبى بعين بصيرته النورانية الربانية ورأى أن عملهم هذا دعوة إلى الرهبانية وليست هذه هى الدعوة الإسلامية فى حقيقتها فلفت أنظارهم ووجَّه أبصارهم وقال لهم فيما روته كتب السنة {لَيْسَ مِنْ نَفْسِ ابْنِ آدَمَ إِلاَّ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ فِي كُل يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمِنْ أَيْنَ لَنَا صَدَقَةٌ ؟فَقَالَ: إِنَّ أَبْوَابَ الْخَيْرِ لَكَثِيرَةٌ التَّسْبِيحُ وَالتَّحْمِيدُ وَالتَّكْبِيرُ وَالتَّهْلِيلُ وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُمِيطُ الأَذَىٰ عَنِ الطَّرِيقِ وَتُسْمِعُ الأَصَمَّ وَتَهْدِي الأَعْمَىٰ، وَتَدُلُّ الْمُسْتَدِلَّ عَلَى حَاجَتِهِ، وَتَسْعَىٰ بِشِدَّةِ سَاقَيْكَ مَعَ اللَّهْفَانِ الْمُسْتَغِيثِ، وَتَحْمِلُ بِشِدَّةِ ذِرَاعَيْكَ مَعَ الضَّعِيفِ فَهَذَا كُلـُّهُ صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ وَتَبَسـُّمَكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ وَإمَاطَتُكَ الْحَجَرَ وَالشـَّوْكَةَ وَالْعَظْمَ عَنْ طَرِيقِ النـَّاسِ صَدَقَةٌ، وَهَدْيُكَ الرَّجُلَ فِي أَرْضِ الضـَّالَّة صَدَقَةٌ}[3] فعدَّد أبواب العبادات للمؤمنين بل جعل كل أعمال المؤمنين إن كان لأنفسهم أو كان لغيرهم إذا سبقتها نيَّة طيِّبة لله فهى عبادة يتقرب بها المرء إلى مولاه حتى من خرج فى كل صباح يسعى ليُحصِّل قوته وقوت أولاده يقول فيه صلوات ربى وتسليماته عليه {أَيُّمَا رَجُلٍ كَسَبَ مالاً مِن حلالٍ فأَطْعَمَ نفسَهُ أو كَسَاهَا فمَنْ دونَه مِنْ خَلْقِ اللَّهِ، فإنَّ لَهُ بها زكاةً}[4] وقال فى حديث آخر{إذَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةٌ}[5] فنفقته على نفسه صدقة وكذا على أهله وهى واجبة عليه لا مفر ولكنه إذا إحتسبها عند الله وأداها بنفس طيبة كانت صدقة إذا رفع الأذى من طريق المسلمين فتلكمُ عبادة وإذا أرشد ضالاً ولو إلى أين الطريق أى لو كان يريد أن يصل إلى عنوان ولا يعلم الشارع الموصِّل إليه فأرشده فهذا له عبادة وإذا قاد أعمى واسمع للأجر يقول فيه {مَن قادَ أعمىً أربعينَ خَطوةً وَجَبَتْ لَهُ الجنَّةُ}[6] بل أوجب على المسلم أن يتعلَّم اللغات وتكون له عبادات فقال{إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُؤْجَرُ فِي هِدَايَتِهِ السَّبِيلَ وَفِي تَعْبِيرِهِ بِلِسَانِهِ عَنِ الأَعْجَمِي}[7] من ترجم الكلام من العربية – والعكس- لأى لغة أعجمية (أى أجنبية بلغتنا اليوم) كانت هذه الترجمة له صدقة فما بالك لو علَّمه العربية لغة كتاب الله جلَّ فى علاه بل زاد النبى فى الأُلفة بين المسلمين فجعل حركاتك وكلماتك لإخوانك المسلمين عبادة وكلما نظرت فى وجه مؤمن فتبسمت فى وجهه {تَبَسُّمُكَ في وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ}[8] وإذا لم تتبسم فلا تكشِّر فى وجهه أو تعبس عند لقائة، قال {إِنَّ الْعَبْدَ لَيُقَطبُ فِي وَجْهِ أَخِيهِ فَتَلْعَنُهُ الْمَلاَئِكَةُ}[9] فإذا كلمته بكلمة طيبة عندما تلقاه أو تراه فانظر للأجر{ الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ}[10] فإذا زدت قليلاً ومدَّدت يدك لتصافحه يقول {إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا لَقِيَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ اخَذَ بِيَدِهِ تَحَاتـَّتْ عَنْهُمَا ذُنُوبَهُمَا كَمَا يَتَحَاتُّ الوَرَقُ عَنِ الشـَّجَرَةِ الْيَابِسَةِ فِيْ يَوْمِ رِيْحٍ عَاصِفٍ وَإِلاَّ غُفِرَ لَهُمَا وَلَوْ كَانَتْ ذُنُوْبَهُمَا مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ}[11] فجعل أعظم العبادات وأكبر النوافل التى يتقرب بها العبد إلى رب البريات هى النوافل التى تتعلق بعباد الله المسلمين وأرجو أن تدققوا الفهم هنا ليست نوافل العبادات ولكنها النوافل التى تنفع المؤمنين والمؤمنات النوافل التى تصلح المجتمعات النوافل التى تيسر الأمور للفقراء والمساكين والبائسين هل اتضح الأمر ؟ مَن الذى يريد أن يكون مع رسول الله فى الجنة فى منزلته ودرجته؟ وما العمل الموصل إلى ذلك؟ ويقول لنا فى ذلك {السَّاعي على الأَرْمَلَةِ والمِسْكِينِ كالمُجَاهِدِ في سَبِيلِ الله أَوْ كَالَّذِي يَصْومُ الْنـَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ ويكون معي في الجنة}[12] أرأيتم هذه العبادة من يسعى على أرملة أو مسكين تكون أيامه كلها مكتوبة عند الله صياماً ولياليه كلها عند الله محتسبة قياماً ياألله بل ونهاره وليله كالمجاهد فى سبيل الله على الدوام هل هذا فقط ؟ لا بل ثم فى الآخرة يُرزق برفقة وصحبة النبى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام فى الجنة ماذا نريد بعد بل ويؤكد هذا المعنى مرة أخرى للنساء لمن تقف نفسها على أولادها فيقول {أنا وامْرَأَةٌ سَفْعَاءُ الخَدَّيْنِ كهاتَيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}[13] وجمع بين أصبعيه السبابة والوسطى – أى لا تضع زينة على وجهها – امرأة تأيمت على أولادها ولم تتزوج لتربى أولادها فهى مع النبى فى الجنة ويضرب لأصحابه مثالاً عملياً فى ذلك فقد كانوا سائرين للجهاد فى سبيل الله فى إحدى الغزوات وكان بعض الجند صائمين وبعضهم مفطرين وكان من هديهم وحسن أدبهم ألا يعيب الصائم على المفطر ولا يرى أنه خير منه بصيامه ولا يعيب المفطر على الصائم ولا يرى أنه خير منه بعمله أوجهده ولكنهم كانوا ينظر كل رجل منهم إلى أخيه على أنه أفضل منه وكان يوماً شديد الحرارة ونزلوا بأرض وأمر النبى بإقامة معسكر الجيش فى هذا المكان فذهب الصائمون إلى ركن ركين بحجة أنهم صائمين ومرهقين وقعدوا واستظلوا وقام المفطرون بدقِّ الأوتاد ونصب الخيام وطهى الطعام واحضار الماء وكل ما يحتاج إليه المعسكر من خدمات فقال {ذَهبَ المُفْطِرونَ اليَوْمَ بالأَجْرِ}[14] لأنهم سعوا فى خدمة إخوانهم الَّذين سعوا فى خدمة أنفسهم فالنوافل نوافل البر والقربات منها ما تكون للإنسان فى نفسه وهى التى يقول الله عزَّ شأنه فيها {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} ومنها ما هو أغلى وأعلى وهى خير النوافل والقربات التى ترفع العبد عند مولاه هى التى فيها نفعٌ للمسلمين وفيها إصلاحٌ لأحوال المؤمنين وفيها رفعةٌ لشأن المجتمعات الإسلامية وإصلاحٌ لشئونها ولذلك قال الحبيب فيمن يسعى للصلح بين المسلمين {أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصيَامِ وَالصَّلاَةِ وَالصَّدَقَةِ: إِصْلاَحُ ذَاتِ الْبَيْنِ }[15] الإصلاح بين المسلمين أعظم عند الله فى ميزان النوافل من قيام الليل ومن صيام النهار لماذا؟ لأن هذا العمل عملٌ يحتاجه مجتمع أهل الإيمان مجتمع الذين يقول فيهم النبى العدنان { تَرَىٰ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَىٰ عُضْوٌ مِنْهُ تَدَاعَىٰ لَه سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّىٰ}[16] وعن أبى هريرة قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {كلُّ سَلامى مِنَ النـَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ الشَّمْسُ قال: تَعْدِلُ بَيْنَ الاثْنَيْنِ صَدَقَةً، وتُعِينُ الرَّجُلَ عَلى دَابَّتِهِ تَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَرْفَعُ لَهُ مَتَاعَهُ عَلَيْهَا صَدَقَة وقال: الكَلمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ وقال: كُلُّ خطوةٍ يَمْشيها إلى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ وَتُمِيطُ الأذى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ }[17] ولأن دين الإسلام دين حياة فقد جعل الله بفضله ومَنِّه وجوده وكرمه كل أعمال الإنسان إذا سبقها نيَّةٌ صالحةٌ لحضرة الرحمن طاعةً عظمى للديان طاعةً لا تساويها نوافل العبادات ولا الشكليات التى يتمسك بها من ينتسبون للدين والصلاح فى هذا الزمان إن ديننا هو دين العمل الإجتماعى وهو دين التواصل بين المؤمنين ودين المودة والتعاطف بين الموحدين دين يُدخل الرجل الجنة بشهادة المؤمنين له كيف؟ ورد فى الحديث الشريف أنه{مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرَاً. فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ : وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ، وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرًّا. فَقَالَ: نَبِيُّ اللَّهِ : وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ قَالَ عُمَرُ: فِدَى لَكَ أَبي وأُمّي مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرًّا فَقُلْتُ: وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ. ومُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرًّا فَقُلْتُ: وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : مَنْ أُثْنِيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْراً وَجَبَتْ لَهُ الْجَنـَّةُ وَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا وَجَبَتْ لَهُ النـَّارُ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الاٌّرْضِ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الاٌّرْضِ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الاٌّرْضِ} [18] إذا شهدنا لرجل بخير دخل الجنة فمَن الذى نشهد له يا رسول الله؟ قال {إِذَا رَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَعْتَادُ المَسْجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بالإِيْمَانِ}[19] وفى رواية { فاشهدوا له بالصلاح} وقوله "يعتاد المسجد" أى يواظب على الصلاة بالمسجد فإذا شهدنا له فإن الله يوم العرض والحساب يُحضر ملفات أعماله وقد تكون كلها أو بها قبائح لا تعدُّ ولا تحدُّ فيُحضر الله الشهود الذين شهدوا له بالإيمان ويُطلعهم على عمله وملفه فيسألهم سبحانه وهو أعلم بهم: لِمَ تشهدون لعبدى وهذا عمله؟ فيقولون كما جاء بالخبر: يارب أنت الذى علَّمتنا ذلك فيقول ربُّ العزة وأين ذلك؟ فيقولون: قلت لنا فى القرآن {وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ} شهدنا لأننا رأيناه يدخل المسجد ولم تأمرنا أن ننقِّب عن القلوب أو نفتِّش على الأحوال أو نَطَّلع فى صحائف الأعمال لأن ذلك أمر خاص بالواحد المتعال ولذلك حذَّر النبى من كل مَن يصف المسلم بوصف غير تقى كأن يقول: أنت منافق أو يامنافق أو يقول عنه فى غيبته إنه منافق أو يقول له: أنت نصرانى أو أنت يهودى أو كما استسهل الناس فى زماننا بقول "ياكافر أو هو كافر" سواء فى حضوره أو فى غيبته، قال فيه {إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لأَخِيهِ: يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا إِنْ كَانَ الَّذِي قِيلَ لَهُ كَافِرَاً فَهُوَ كَافِرٌ وَإِلاَّ رَجَعَتْ إِلَى مَنْ قَالَ }[20] يصيب نفسه بهذا السب وهذا الشتم وهذا اللعن الذى خصَّ به أخاه لأنه لا يطَّلع على القلوب إلا حضرة الله جلَّ فى علاه ولا يليق بمسلم مهما كان شأنه أن يصف مؤمناً بالنفاق أو يصف مؤمناً بغير ما وصفه به الله من الإسلام والإيمان وإنما الأمر كما علَّمنا النبى العدنان صلوات ربى وتسليماته عليه {إِني لَمْ أُؤْمَرْ أَنْ أُنَقـِّبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلاَ أَشـُقَّ بُطُونَهُمْ}[21] لم يأمرنا أن نفتِّش على السرائر أو ننقِّب فى الضمائر وإنما أمرنا أن نحكم على الناس بحسب الظاهر ونشهد لهم بحسب الظاهر فإذا شهد المؤمنون لرجل بالإيمان وجبت له الجنة بل إنه قال فى الحديث الآخر والذى يفتح باب عموم فعل الخير على مصراعيه {إِذَا مَاتَ الْعَبْدُ وَاللّهُ يَعْلَمُ مِنْهُ شَرَّاً وَيَقُولُ النـَّاسُ خَيْراً قالَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَلاَئِكَتِهِ قَد قَبِلْتُ شَهَادَةَ عِبَادَي عَلى عَبْدِي وَغَفَرْتُ لَهُ عِلْمِي فِيهِ}[22] فيدخل العبد الجنة بشهادة المؤمنين والمؤمنات أو الناس أو جيرانه كما ورد فى الأحاديث الصحيحة ولذا أمر الله المؤمنين أن يتعارفوا وأن يتآلفوا وأن يتكاتفوا وأن تكون بينهم صلات وقربات على كتاب الله وعلى سُنة رسول الله وعلى منهج أصحاب رسول الله أجمعين وها نحن نصلى فى مساجدنا ببلادنا لكن جُلُّنا أو معظمنا لا يعرف الآخر لماذا ؟ لماذا ياإخوانى؟ مع أننا أخوة فى الإيمان؟ وقد قال الحبيب {إِذَا آخَا الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَلْيَسْأَلْهُ عَنْ اسْمِهِ وَاسْم أَبِيِه وَمِمَّنْ هُوَ؟ فَإِنَّهُ أَوْصَلُ لِلْمَوَدَّةِ }[23] ما دمنا فى محلة واحدة ونجتمع فى بيت الله لابد أن ننفذ قول الله {إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}لابد أن نتعارف قد يكون حجة البعض لِمَ أتعارف وأنا عندى سكنى وعندى أموالى وعندى ما أحتاج إليه ولا أحتاج إلى أحد إن لم تحتج إليه فى الدنيا فأنت فى أمَّس الحاجة إليه فى الدار الآخرة ولو كان فقيراً مسكيناً تحتاج إلى شهادته لتدخل الجنة ربما تحتاج إلى شفاعته ولذلك قال الحبيب فى صحيح سُنته {اسْتَكْثِرُوا مِنَ الإخْوَانِ فَإنَّ لِكُل مُؤْمِنٍ شَفَاعَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ }[24]ربما تحتاج إلى أخيك فى شفاعة يوم القيامة فإن للعالِم سبعين شفاعة يشفعها فى سبعين رجلاً كلهم قد استوجب النار وكل مؤمن له شفاعة وكذا وكذا من أنواع الشفاعات والمكرمات بل إن من إكرام الله لنا جماعة المؤمنين أنه ربما أتعرف على رجل ذو وجاهة ومنزلة عند الله وأنا بعملى القاصر لا أبلغ منزلته ولكنى تعرفت عليه وتآخيت معه فى بيت الله وكما نعلم كلنا أنه من ضمن السبعة الذين يُظلُّهم الله بظلِّ عرشه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه "رجلان تآخيا فى الله اجتمعا على الله وافترقا عليه" فعند القيامة وكما ورد بالخبر{قيل: إن أحد الأخوين في الله تعالى يقال له: ادخل الجنة فيسأل عن منزل أخيه فإن كان دونه لم يدخل الجنة حتى يعطى أخوه مثل منزله فإن قيل له: لم يكن يعمل مثل عملك فيقول: إني كنت أعمل لي وله فيعطى جميع ما يسأل لأخيه ويرفع أخوه إلى درجته}[25] وكنت أعمل لى وله أى خذ عملى وأجرى واقسمه بينى وبينه ولذلك قال صاحب الإحياء مؤكداً هذا المعنى ومحببا فى التآخى فى الله {ويقالُ إنَّ الأخوين في الله إذا كانَ أحدُهمَا أعلَى مَقَامَاً منَ الآخر رُفِعَ الآخرُ معهُ إلى مقامه وإنه يلتحق به كما تلتحق الذرية بالأبوين والأهل بعضهم ببعض لأن الأخوة إذا اكتسبت في الله لم تكن دون أخوة الولادة قال تعالى[ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شيءٍ}[26] وفى الخبر{ماتحَابَّ اثنَان فى الله إلا رَفَعَ اللهُ أقَلـَّهٌمَا مقَاماً إلى مَقَام صَاحِبِهِ وَ إنْ كَانَ دُونَهُ فى الْعَمَل} لأن أُخوة الإسلام هى الرابطة التى حرص عليها المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام وهى التى حلَّت مشاكل المسلمين عندما هاجر الفقراء المهاجرون إلى الأنصار أصحاب المدينة الأفضل حالاً أو الموثرين فحُلت مشاكلهم بالأُخُوة بينهم بفعل سيد الأولين والآخرين ونحن كذلك لن تُحلَّ مشاكلنا إلا إذا تآخينا فيما بيننا وتواصلنا فى بيت ربنا وفى شوارعنا ومع جيراننا ومع سكان شوارعنا ووضعنا أيدينا فى أيدى بعض وقد قال الحبيب {لاَ يَزَالُ اللَّهُ فِي حَاجَةِ العَبْدِ مَا دَامَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ}[27] وأجاب النبى السائل له: أى الأعمال أفضل؟ فقال له {إِدخَالُكَ السُّرُورَ عَلَى مُؤْمِنٍ أَشْبَعْتَ جَوْعَتَهُ أَوْ سَتَرْتَ عَوْرَتَهُ أَوْ قَضَيْتَ لَهُ حَاجَتَهُ}[28] وروى عن حضرته{إِنَّ أَحَبَّ أَلاعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تعَالَى بَعْدَ الفَرَائِضِ إِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَى المُسْلِمِ}[29]

[1] أخرجه البخارى عن جابر ومسلم عن حذيفة [2] رواه البخارى عن أبى هريرة. [3] عن أبى ذر رواه البيهقى كما رواه أحمد وابن حبان والبيهقى أيضا مختصرا حتى"نفسك". [4] رواه أبو يعلى وابن حبان والحاكم فى المستدرك [5] رواه البخارى ومسلم عن أبن مسعود [6] رواه الطبرانى فى الكبير وأبويعلى عم ابن عمر. [7] أخرجه الطبرانى فى الأوسط [8] رواه الترمذي عن أبي ذر. [9] الْخطيب في المتفق والمفترق عن أَنَسٍ رضيَ اللَّهُ عنهُ، جامع المسانيد والمراسيل [10] رواه أحمد وابن حبان عن أبى هريرة. [11] رواه الطبرانى عن سلمان. [12] صحيح البخارى ومسلم عن أبى هريرة. [13] مسند الإمام أحمد عن عوف بن مالك. [14] عن أنس بن مالك، صحيح بن حبان وصحيح مسلم وغيرها. [15] رواه أحمد والترمذي وأبى داوود عن أبى الدرداء. [16] رواه البخارى عن النعمان بن بشير. [17] رواه البخارى ومسلم [18] عَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ صحيح البخارى ومسلم [19] رواه الترمذي عن أبى سعيد. [20] ابن ماجه عن ابن عُمَرَ رضيَ اللَّهُ عنهُمَا. جامع المسانيد والمراسيل. [21] عن أبى سعيد أخرجه إبن جرير، جامع المسانيد والمراسيل [22] عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنهُ رواه البزار [23] سنن الترمذي عن يزيد بن نعامة الضبِي [24] ابن النجار فى تاريخه عن أنس. [25] تعريف الأحياء بفضائل الإحياء، الجزء: 1. [26] إحياء علوم الدين، ج2، والتحاق الذرية بالأبوين ثابت بالكتاب والسنة. [27] رواه الطبرانى [28] وعن عمر مرفوعاً رواه الطبرانى [29] وعن ابن عباس رضى الله عنهما رواه الطبرانى



الجمعة، 13 أبريل 2012

الموجز الأنفس فى تزكية الأنفس




الموجز الأنفس فى تزكية الأنفس
إخوانى الأحباب الكرام...
نحن فى الحقيقة تحدثنا كثيراً وكثيراً عن جهاد النفس وتزكيتها وطريقة التزكية وميادين الجهاد، حتى بحمد الله نستطيع أن نقول: فصلنَّا هذا الموضوع تفصيلاً وبسّطناه بسطاً لم يُبسط من قبل فى كُتب الصالحين بحسب العصر.لكن أحد الأحباب بعد ذلك كله قال لى: نريد أن تعطينا موجزاً مختصراً بسيطاً فى تزكية النفس، فقلت له قد تحدّثنا فى هذا الموضوع مراراً وتكراراً ... فهناك كتاب: (المجاهدة للصفاء والمشاهدة) وكتاب: (النفس .. وصفها وتزكيتها)وهناك كتب لا عدّ لها ولا حدّ لها، قال: أنا أريد أن تختصر لنا الموضوع كله فى محاضرة واحدةٍ بسيطة، ولذا فسنحاول هنا أن نُقرّب الحقيقة ونبين ونعيد، ولكن يمكن أن يكون هذا آخر حديث لنا فى هذا الباب لأن الأحباب تشبعوا بهذا الباب، ونريد أن ننتقل إلى الأبواب الأعلى فى طريق الله .
 تعريف النفس
النفْس هى جوهرةٌ نورانيّة ربانيّة من أمر الله، عليها إدارة وتيسير هذا الجسد، تنظر فى طلباته من مأكل ومشرب ومن شهوة ومن غضب .... فكل طلبات هذا الجسد المُتولى سياستها وتدبير أمورها هى النفس، ولذلك النفس - وهذا ما يجعل كثيراً من الناس يتشكك فيما يسمعه عنها - قابلة للتفاوت وللتنويع، فمن الممكن أن تكون النفس مَلكاً وأعلى بأوصافها وبعُلو الهمّة وبالرقُىّ فى الأخلاق والأعمال والأحوال! فتنطبع عليها أحوال الملائكة وأعمالهم فتصير نفساً ملكوتيّة!، ومن الممكن أن تصبح النفس شيطاناً وأدنى، إذا اتصفت بأوصاف الشياطين كالخِسّة والدناءة والمكر والدهاء .... وما شابه ذلك من الأوصاف الإبليسيّة التى تجعل الإنسان كما قال الرحمن :
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِيْنَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوْحِيْ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوْرًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوْهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُوْنَ. (سورة الأنعام أية 112وربما تكون النفس حيواناً وأضّل إذا كان همّها كله فى الشهوات الحيوانيّة من مأكلٍ وملبسٍ ومشربٍ ومنكحٍ، وليس لها همٌ غير ذلك .. فبذلك تدخل فى قول الله (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [179 الأعراف]
والإمام أبو العزائم له فى ذلك المقام قصيدةٌ بسيطةٌ فى الألفاظ، راقيةً فى المعانى يقول فيها:
بهجة النفس بالجمــال العلـــىّ =لا بمُلكٍ يفنى وحظٍّ دنـــىّ
وابتهاج الشيطان حسد وكبر =بفساد وفُرقة وبغى
وابتهاج الشيطان أكل وشرب =ونكاح وذلك قصد القصى
وابتهاج النفوس بعد زكاها = رغبة الفوز بالمقام الهنى
هى نفسٌ إن طهُرت وتزّكت =تتهنّى بحُظوةٍ بالولىّ
وهى إبليس إن أبت وتعالت =وتعامت عن سرّها الآدمىّ
وهى حيوانٌ بل أضّل سبيلاً = إن تسلتّ عن حُسنها بالدنىّ
بين تلك النفوس بونٌ بعيــدٌ =فى خفاءٍ عن مدرك الألمعىّ

هذه القصيدة موجودة فى كتاب معارج المُقربين للإمام أبى العزائم وأرضاه ، وهى تُبيّن أن النفوس تتفاوت، فمن الجائز أن يكون إنساناً؛
لكنّ صورته الباطنة المُهيمنة والمُسيطرة عليه ملّكٌ وأعلى لأنه دخل فى قول الله:ومن الجائز أن يكون إنساناً يتصف بأوصاف الشياطين أو طباع البهائم، فينزل عن درجته التى أكرمه بها الكريم:
﴿ {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ ..﴾ [70 الإسراء]
إلى درجة دنيّة إن كانت حيوانيّة أو إبليسيّة، ويراه الناس فى صورة إنسان، لكن أهل البصائر يرونه فى صورة حيوان أو فى صورة شيطان والعياذ بالله !!.. فالنفس قابلة للتنوّع وللتفاوت بحسب أوصافها وأحوالها وأعمالها.
 طرق تزكية النفس
كيف تكون تزكية النفس؟
بإختصارٍ شديد تزكية النفس أو مراقى النفس لها أنواع، فمن الممكن لكل واحدٍ أن يدخل فى نوعٍ من هذه الأنواع ويكتفى به، وإما أن يترقى - وهذا للأفراد - فى هذه الأنواع كلها، وهى أربعة أنواع.
تزكية النفس يكون إما عن طريق الصُحبة، أى صُحبة العارفين والصالحين والمُتقين والروحانيين، وهذا النوع من أسرع الطُرق فى تزكية النفس، لأن الإنسان سريع النقل ممن يجالسه .. حتى أن الإنسان إذا داوم الجلوس مع بعض الناس أو مع إنسان آخر تجده بعد مُدّة ـ طالت أو قصُرت ـ يتشبّه بهم فى الأقوال والأفعال حتى الحركات لأن العدوى تُصيبه وهو لا يشعر!! ولذلك أسرع طريق لتزكية النفس هو صُحبة الصالحين، وهذا هو ما قال الله فى كتابه(119التوبة):( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ )
هل يستطيع الإنسان أن يُزّكى نفسه بنفسه ؟
لا يستطيع أى إنسان بنفسه أن يُجاهد نفسه، لأنه لا يعلم وسائل الجهاد ولا طُرق وميادين الجهاد، ولا عقبات الجهاد، ولا المراقى التى يترّقى فيها أثناء الجهاد، إن كانت معارك سيرقى فيها، أو مدارج والعياذ بالله سيهوى فيها، لا يعلمها إلاّ خبير علمّه البشير النذير وسلَّمه إذنٌ من العلىّ الكبير .
فالميدان الأول فى تزكية النفس أو تطهيرها يكون بصّحبة الصالحين والمُتقين، أو بالسماع، كسماع القرآن الكريم من صوتٍ خاشعٍ، أو سماع العلم والمواعظ والخُطب من عالمٍ عامل مُتمكن أقامه الله ورسوله فى ذلك، ويساعد على ذلك قراءة سيَّر الأنبياء والمرسلين
والوارثين والصالحين ... فهذا أيضاً يساعد على تزكية النفس لكن لا يُزكى بمفرده، أو سماع المواجيد النظميّة لأنها تهُزّ أرجاء النفس وتُبين لها اللبس والمعانى الكمالية والأكملية التى تحث النفس المُطّهرة القُدسيّة على الوصول إليها فى هذه الأطوار الكونيّة وفى حياتها السلّوكيّة.
ولذلك تجد المريد الذى يريد تزكية نفسه مشغولٌ بهؤلاء، إمّا فى صحبة شيخه، وإمّا فى سماع القرآن، وإمّا فى سماع مواعظ ودروس علمٍ توضّح له الطريق وتُقرّبه إلى الرحمن، وإمّا فى مطالعةٍ لسيَّر الصالحين والمتقين والنبيين والمرسلين.الإمام الجُنيد وأرضاه كان يقولحكايات الصالحين تُثبّت المريدين، وتُقّوى جهاد السالكين)، فقالوا: وهل عندك من دليل؟ قال: نعم اقرأ معى قول الله عندما أمر رسوله وقصّ عليه القصص:( وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ۚ وَجَاءَكَ فِي هَٰذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ [120 هود] فقصّ الله على الحبيب قصص الأنبياء والمرسلين لتثبيت الفؤاد، وكذلك للمريدين يكون التثبيت أقوى }وهذا باب فى تزكية النفس، وكل هذا الباب شحذ للعزيمة وتكسير للذات، ووضع الخُطّة لتزكية النفس وإصلاحها. فإذا ألمَّ المريد بذلك يدخل بعزيمة صادقة على جهاد النفس، فى أى شئ يجاهد النفس؟ جهاد النفس فى قهرها على ترك الشهوات التى تطالب المرء بها فى كل الأوقات، فهى تحتاج إلى القهر، فلا ينفع معها اللين ولا ينفع معها السياسة، لابد من قهرها، لأن الشهوات هى التى تحرم الإنسان من سلوك طريق القرب إلى الله ومن متابعة سيد السادات .. فكيف يقهرها؟ لابد أن يمنعها من حظوظها وشهواتها، وسيَّر الصالحين مليئةٌ بالجهاد:
وخالف النفس والشيطان واعصهما **وإن هما محضّاك النُصح فاتهما
إذا كان حظّ النفس فى الأغانى .. أمنعها بالكليّة عن سماع الأغانى، أو شهوتها فى مشاهدة المُسلسلات .. أمنعها بالكلية من مشاهدة ومتابعة ذلك ، أو شهوتها فى الحديث فى الغيبة والنميمة وكثرة الكلام .. لابد أن أمنعها منعاً باتّاً من شهوة الكلام ـ وسيَّر الصالحين مليئة بالجهاد فى هذا المضمار.وكذلك لو شهوتها فى الظهور، فتحب فى أى مجلس تجلس فيه أن يقول الناس : فلان هذا عمل كذا وكذا .. لابد أن أعرّفها مكانتها وأجعلها فى عُبُوديتها لله ترضى بأمر الله لأن: (من كان يُحب الظهور فهو عبدٌ للظهور، ومن كان يُحب الخفاء فهو عبدٌ للخفاء، ومن كان عبداً لله فسواءٌ عليه أظهره أم أخفاه).
واستعان الصالحون فى قهر النفس بالتقليل من الطعام، والتقليل من الكلام، والتقليل من المنام، والتقليل من مخالطة الأنام.فإذا قهرها عن شهواتها وحظوظها واستسلمت، يبدأ فى تقليل بعض المباحات التى يبيحها الشرع له:فالشرع أباح له فى غير رمضان الفطر ... فلا بد أن يكون له بعض الأيام فى الصيام، الشرع أباح له النوم ليلاً ... لابد أن يوقظها فى جوف الليل الآخر والناس نيام، الشرع أباح له اللهو أحياناً ... فيجعل لهوه على ما كان عليه الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام .... إذاً يقلل من بعض المباحات التى أباحها له الشرع إلى أن يصل إلى درجة يكتفى بالضرورات، وهذا حال الصالحين، ويُسمّى هذا الطور بالجهاد، فلابد من الجهاد وكما قلنا:
( كل مريد لا يريد أن يجاهد نفسه فلا يطمع أن يجد ولو شمّة فى طريق الله حتى ولو كان شيخه قُطب الوقت ) 
االموقع الرسمى لفضيلة الشيخ فوزى محمد أبوزيد

تقرير بمشاركة سيئة