Disqus for ومضات إيمانية

الأربعاء، 12 أكتوبر 2011

نسمات القرب

نسمات التوبة!
العقبات والعوائق التى تعطل السالك
فى طريق الله
إخوانى وأحبابى بارك الله  فيكم أجمعين ... نريد أن نتناول جانباً آخر لم نتعرض له من قبل فى أحوال الصالحين والسالكين والناهجين على منهج الحق فى كل وقت وحين، يتضح هذا المنهج فى إمام من أئمته وهو سيدنا أبو حذيفة ، فقد كان يقول:
{ إِنَّ أَصْحَابَ النَّبِي كَانُوا يَسْأَلُونَ عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُ عَنِ الشَّر مَخَافَةَ أَنْ أُدْرِكَهُ }
ترك سنة الستر الجميل والنصح بالمعروف
فلما علم رسول الله منه ذلك وحرصه عليه، خصه بعلم ديوان المنافقين، بأسمائهم وأوصافهم ونعوتهم، وأوصاه بكتمان هذا السر فلا يبح منه لأحد حتى ولو كان من خاصة الملازمين لسيدنا رسول الله .
وحذره بألا يبيح بإسم رجل منهم قبل موته حتى لا يؤذيه فى حياته، وحتى لا يؤلب عليه الخلق لأن ديننا دين الستر وأمرنا بالستر الجميل، وفيه يقول الأستاذ النبيل :
{ مَنْ سَتَرَ أَخَاهُ المُسْلِمَ، سَتَرَهُ اللَّهُ في الدُّنْيَا والآخِرَةِ }
انظر، ما العمل الذى تستوجب به أن يسترك الله فى الدنيا ويسترك فى الآخرة؟ .... لا هو طاعات ولا عبادات ولا جهاد ولا تكليفات!!
وإنما مراعاة مشاعر المسلمين، وتستر على من رأيته على خطيئة من المسلمين فلا تفضحه أمام الخلق، وإذا أردت أن توجه له نصحاً فليكن همساً وفى أذنه بحيث لا يسمع غيره حتى لا تفضحه وتسبب له حرجاً أمام الخلق، وليكن بأسلوب حكيم حتى لا ينفر منك، تبتدأ بأن تمدحه بخير ما فيه فيلين لك وينصت لك، فإذا مدحته بخير ما فيه نوهت برفق ولين إلى الذى تريد أن تنوه عليه مما لا ترضاه من قوله أو فعله أو حاله، وهنا تكون الإستجابة محققة لك لأن هذا هو المنهج الذى يقول فيه الله [125 النحل]:
 ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين 
وأراد أصحاب رسول الله  بعد أن نزل قول الله  فى المنافقين:
 وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ [84 التوبة]
فأرادوا الإلتزام بتحقيق هذه الآية بألا يصلوا على المنافقين، فطلبوا وألحوا مراراً وتكراراً على كاتم السر وصاحب السر أبوحذيفة ليخبرهم ولكنه لم يكن يبيح بسر رسول الله  أبداً.
حتى أن عمر  بعد أن ألح عليه - قال: يا أمير المؤمنين لا تكثر علىَّ فلن أخبر وأفشى سر رسول الله  أبداً، فاضطر إلى أن يسلك مسلكاً إذا رأى أبا حذيفة فى المصلين على الجنازة دخل وصلى!وإذا لم يره اعتذر بأى عذر جميل عن الصلاة على هذا الإنسان.
وهذه رحمة من النبى العدنان حتى بمن تظاهروا بالإيمان وأضمروا الكفر والشقاق والنفاق لأنه رحمة مهداة ونعمة مسداة للخلق أجمعين .
وسأله عمر: يا أباحذيفة أفىَّ نفاق؟ قال: يا أمير المؤمنين لا أفشى سر رسول الله، ويذهب عمر وبعد أيام تطول أو تقصر يسأله: يا أباحذيفة أفىَّ نفاق؟ ... فيقول: يا أمير المؤمنين لا أفشى سر رسول الله، حتى طعن عمر بالخنجر وهو ذاهب لصلاة الصبح ونزل منه الدم وقال: يا أباحذيفة أفىَّ نفاق؟ قال: يا أمير المؤمنين لا أفشى سر رسول الله، فلما خرج الدم من بطنه واتضح له أن عمر لا شك ملاقياً ربه، قال يا أباحذيفة أفىَّ نفاق؟
قال: لا يا أمير المؤمنين ولا تسألنى عن شئ بعدها ولا أبيح سراً لرسول الله بعدك أبداً - أى لم يخبره إلا وهو خارج للقاء ربه  حرصاً على كتمان سر رسول الله  -
فكان أبوحذيفة يسأل رسول الله  عن الشر لكى يتجنبه.
والسالك الذى يريد أن يطوى ما بينه وبين مولاه من بعد، ويكون من أهل الود والقرب لابد أن يبدأ أولاً بالتعرف على العوائق التى تعوقه عن السير إلى مولاه وعن المهلكات التى تجعله يضيع سعيه وجده واجتهاده وطاعته فى زعمه لمولاه.
ولذلك ركز الصالحون على هذه الحقائق من البداية، السالكون يركزون على ما يعملون، الخير الذى يعملونه والبر الذى يؤدونه والأوراد التى يقومون بها، لكن المخلصون يحرصون على معرفة العوائق والأخطار التى تعوقهم عن السير إلى الواحد القهار .
المهلكات الثلاث
وأهم هذه العوائق، نأخذ منها حديثاً صحيحاً يقول فيه :
{ ثَلاَثٌ مُهْلِكَاتٌ: شُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوَىً مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِرَأْيِهِ }
هذه هى أساسيات العارفين، فنحن قد بدأنا بهؤلاء على خلاف الكثيرين من أهل الطريق ولكن لأجل أن نكون من أهل:
{ اخْلِصْ دِينَكَ يَكْفِكَ الْعَمَلُ الْقليلُ }
وانظر إلى الحبيب عندما يقول "ثلاث مهلكات" أى تهلك الإنسان أى تضيع عمله ولا يتحقق أمله طالما فيه خصلة من هذه الخصال، أى لابد أن يتطهر أولاً من هذه الخصال ثم يعمل عمل البر أو يعمل النوافل والقربات لله  لأن الفرائض لا يتخلى عنها الإنسان على أى حال وفى أى زمان كان.
أولاً: شح مطاع
الأولى شح مطاع: طبيعة النفس البشرية الشح، وفيها يقول الله : وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (128)
فطبيعة النفس طبعت على الشح وعلى الأثرة وعلى الأنانية وعلى حب التملك وإن كان هذا المرض زاد وزادت حدته فى زماننا الآن، حتى تلمسه مع الصغار فى بداية الأطوار، فكل طفل حريص على التملك ونسوا الإيثار ونسوا خُلق الكرم الذى يحبه الكريم الغفار .
فطبيعة النفس الحرص والإمساك والشح، والله  مدح الأنصار فى قوله عز شأنه فى [9 الحشر]:
 وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
أى لا فلاح إلا بعد أن يتخلص الإنسان من خلق الشح، ولذلك يقول سيدى عبدالوهاب الشعرانى : "أقبح القبيح صوفى شحيح" إذا كان الشح يجوز أحياناً عند بعض الأفراد إلا أنه لا يجوز عند أهل القرب وعند العُبَّاد وعند الزهاد وعند العاملين الراغبين فى الوداد من الله ، ويقول  موضحاً حقيقة الإسلام:
{إنَّ الله اسْتَخْلَصَ هذا الدِّينَ لنَفْسِهِ، فَلا يَصْلُحُ لدينِكُمْ إلاَّ السَّخَاءُ وحُسْنُ الخُلقِ، ألا فزيِّنُوا دِينُكُمْ بِهما}
وأنتم تعلمون جميعاً أن مجتمعات المسلمين الأولى كانت مجتمعات نموذجية كل مشكلاتها حلت بخلق الإيثار والكرم والإنفاق طلباً لإرضاء الكريم الرزاق ، ومعظم المشاكل الإجتماعية المعاصرة لن تُحل إلا إذا تحلى الأغنياء بخلق الإنفاق وتطهروا من شح النفس وعملوا على إسعاد إخوانهم، لا القوانين تستطيع أن تسوقهم إلى ذلك ولا المجتمعات تستطيع أن تدفعهم رغماً عنهم إلى ذلك، ولكن الذى يسوقهم إلى ذلك الإيمان والرغبة فيما عند الرحمن ، ولن يحل مشاكلنا إلا هذا الخُلق الكريم الذى ربى عليه رسول الله  أصحابه الكرام.
وجعل رسول الله  الرتبة العليا فى منازل العناية والولاية عند الله لمن تطهر من الشح، حتى أن الله جعل الحكمة الأولى من الزكاة فى كتاب الله واضحة جلية فى قول الله [103 التوبة]:
 خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
تطهرهم من الشح والبخل والإمساك والتقتير:
 قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا  [100 الإسراء]
وإذا تطهر الإنسان من هذه الأوصاف فقد زكت نفسه وأصبح إنسان زاكياً وزكياً عند الله ، حتى قالوا فى أصحابه الكرام: جعل الله الدنيا والمال فى أيديهم ولم يجعلها فى قلوبهم، فكانت الدنيا هينة لينة عندهم، لا يستغلون أوقات الأزمات للثراء الفاحش ولكن يستغلونها لينالوا المناصب العالية فى القرب من الله.
انظر إلى عثمان بن عفان ، بعد هجرتهم إلى المدينة وجد أن الماء الذى يشربه المسلمون فى المدينة من بئر يسيطر عليها رجل يهودى ويبيع لهم الماء، وأراد أن يحرر المسلمين من هذا ففاوض الرجل على أن يشترى البئر منه فرفض الرجل، فأخذ يفاوضه حتى ارتضى أن يشاركه ويكون لكل رجل منهم النصف، وبعد أن اشترى نصف البئر بإثنى عشر ألف درهم اتفق معه على أن يكون لكل رجل منهما يوم، وأذاع بين المسلمين أن يشربوا ويملأوا آنيتهم فى يومه فلا يحتاجون أن يذهبوا إلى البئر فى يوم اليهودى، فأصيب اليهودى بالكساد لأنه فى يومه لا يجد من يشترى منه الماء، فذهب إلى عثمان وعرض عليه أن يشترى النصف الآخر من البئر ولكنه رفض، فظل يساومه حتى اشترى نصف البئر الآخر بأربعة آلاف درهم مع أنه اشترى النصف الأول بإثنى عشر ألفاً! لماذا؟ ... نزلت قيمته لأنه جعله لله  ولإخوانه المسلمين، لم يستغل حاجتهم إلى الماء ورفع سعره بل جعله صدقة جارية، ولذلك قال فيه :"من يشترى بئر روما وله الجنة" فقام عثمان بهذا العمل، فقال : "لا على عثمان شيئاً بعد هذا اليوم"
ومع ذلك لم يكتفِ بذلك فقد حدث قحط فى المدينة ولم يكن عند التجار ولا فى البيوت حفنة من الدقيق، وفى هذه الأثناء وفد إلى المدينة ألف جمل محملة بالدقيق من بلاد الشام تجارة لعثمان، وذهب تجار المدينة إليه يعرضون عليه أن يدفعون له ضعف ثمنها فرفض، فعرضوا عليه الضعفين فرفض وقال: جاءنى من يشترى بأكثر من هذا، فنظروا إلى بعضهم وقالوا: ومن الذى جاءك ونحن تجار المدينة كلها؟ قال:
أشهدكم أنى جعلتها صدقة على فقراء المسلمين وبعتها بعشر أمثالها لرب العالمين .
لن تفك مشاكل هذا الزمان إلا بأناس من هذا الصنف من الرجال، الذين يرجون ما عند الله، ويطلبون رضا الله والدار الآخرة، فبهم تحل هذه المشكلات وتنتهى هذه الأزمات، ولذلك يقول فيهم  مبيناً مقامهم:
{إِنَّ بُدَلاَءَ أُمَّتِي لَمْ يَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِكَثْرَةِ صَوْمٍ وَلاَ صَلاَةٍ، وَلكِنْ دَخَلُوهَا بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَسَلاَمَةِ الصَّدْرِ، وَسَخَاوَةِ الأَنْفُسِ، وَالرَّحْمَةِ لِجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ}
http://www.fawzyabuzeid.com/table_books.php?name=_nasamaat_Al_Korb&id=47&cat=6

كتاب : نسمات القرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق