Disqus for ومضات إيمانية

الجمعة، 31 أغسطس 2012

الكلمة الطيبة



{وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ} أي لا يخرج منك إلا الكلام الطيب الذي يريح الإنسان المتعب والذي يشجع الإنسان الخائف ويرفع الروح المعنوية للمحتاج لذلك كمن يذاكر دروسه أو يشكو من قضية أو لمن سيعمل عملية جراحية وخائف منها والذي يهدى به الضال أو نصلح به بين الناس أو نطلب به الحقوق أو ..أو من صنوف الكلام الطيب والنطق الحسن هكذا يكون المؤمنون والمؤمنات ولذلك فإن رسول الله علم أصحابه الذوق الرفيع العالي في آداب الكلام من النداء والخطاب والتحية والسلام والنقاش وطلب الحقوق وكل ما ينطق باللسان وهذا ما نحتاجه في هذا الزمان وتعالوا نستعرض معا في عجالة بعض الأوجه الهامة من الآداب التي يجب التمسك بها أو الآفات التي يجب أن ننتهي عنها حتى نعرف كيف نسلم من آفاتها ونتخلق بآدابها وأنا أعلم أنكم كلكم قد سمعتم ما فيه الكفاية في هذا الموضوع ولا توجد مسلمة تحتاج إلى زيادة في هذا الأمر ويكفينا في ذلك قول النبي {إِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ فَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا وَعَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فإن الصدق يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا}[1]وكلكم تعرفون أن قول الزور يغمس صاحبه في النار وأنه من أكبر الكبائر ومن الآداب الإسلامية أيضاً فقد النبي كان يكنى أصحابه رجالا ونساءاً
فلم يكن ينادي على مسلم أو مسلمة إلا باسم ابنه الأكبر أو ابنها الأكبر أو البنت الكبرى ومن لم يكن عنده ولد أو ذرية كان حضرة النبي يقول للرجل منهم "يا أبا يحي" وبذلك يبشره بأن الله سيعطيه كما أعطى زكريا الذي كان لا ينجب وقد أنجب "يحي" بعد ثمانين عاماً وكان حضرة النبي يقول ذلك لمن لا ينجب لكي يعطيه الأمل في الله وكان يقول لزوجته عائشة التي لم تنجب عندما ينادي عليها يا أم عبد الله ليبشرها ويكرمها ففي الحديث عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ{كَنَّانِي النَّبِيُّ أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ وَلَمْ يَكُنْ وَلَدٌ لِي قَطُّ }[2] وقد يرى البعض أنه من العيب أن ينادى الإنسان على أخيه باسم ابنته الكبرى مع أن ذلك ليس بعيب فقد كان عمر بن الخطاب كثير الأولاد ومن أبناءه المشهورين عبد الله لكن كانت البنت المخيرة عنده هي السيدة حفصة وكان سيدنا رسول الله ينادى عليه يا أبا حفص أي يناديه باسم ابنته إذاً ليس بشرط أن ينادي المسلم أخاه باسم الابن فقط لكن يجوز أن ينادى عليه أو عليها باسم الابنة وقد علمنا رسول الله وعلم أصحابه ألا يخاطب المؤمنون أحداً بلفظ يطلق على حيوان أو على شيء لا يحبه الإنسان كأن يعمل الولد شيئا فنقول له: اسكت يا كلب
فهل هو كلب أو بني آدم؟ فنهى رسول الله أن نسمي أو نقول لأي ولد أو بنت اسم من أسماء الحيوانات أو الأسماء المكروهات المبغوضات حتى أن سيدنا عيسى والحواريون كانوا يجلسون معه في يوم ومر عليهم خنزير فقال له عليه السلام{مُرَّ بِسَلامٍ فَقِيلَ : يَا رُوحَ اللَّهِ لِهَذَا الْخِنْزِيرِ تَقُولُ ؟قَالَ : أَكْرَهُ أَنْ أُعَوِّدَ لِسَانِي الشَّرِّ}[3]فلم يرضَ أن تخرج من فيه كلمة خنزير وذلك لكي يعود لسانه على حسن الكلام وسلامة النطق للأنام والكلام هو عنوان السعادة فسعادة الإنسان من حسن اللسان فاللسان هو ما يقول هذه وتلك لكن الكلمة الطيبة وقعها طيب ومحمود والكلمة السيئة وقعها وأثرها كما تعلمون بغض في النفس وكراهية في القلب والإسلام حريص على سلامة الصدور إذاً علمنا رسول الله ألا نقول لأحد صفة من صفات الحيوانات فلا نقول: يا حمار ولا يا جاموسة فهذه الأسماء لا تليق أن نقولها لأي إنسان حتى ولو كان غير مسلم ماذا نفعل إذاً في وقت الضيق؟بدلاً من أن ندعو عليه ندعو له مثلاً بدلاً من أن نقول له: ربنا يأخذك نقول له: ربنا يهديك فيجب علينا أن نتعود على ذلك ونعدل قاموس الألفاظ التي ورثناها ونجعله على منهج الإسلام وعلى منهج نبي الإسلام وقد كان النبي دائماً يختار الاسم الجميل اللطيف وحتى كان يغير الاسم إلى الأحسن إذا كان الاسم لا يصح في ميزان الاعتدال جاءت له امرأة وسألها عن اسمها فقالت: دميمة قال لها: لا اسمك جميلة يجب عل كل مسلم ومسلمة أن يعلم لسانه ألا يسب ولا يشتم أحداًَ من المسلمين حاضراً أو غائباً وكذلك لا يلعن أحداً من المسلمين حاضراً
أو غائباً فإنه عندما يلعن أحد من المسلمين أخاه أو أخته قائلاً لعنة الله عليك فإن هذه اللعنة تصعد إلى السماء فتردها السماء وترجع مرة أخرى فإذا كان من لعنته أهلاً لهذه اللعنة تنزل عليه هذه اللعنة ولا يوجد من هو أهل للعنة إلا إذا كان غير مسلم وإذا كان من لعنته ليس أهلاً لهذه اللعنة ترجع اللعنة على من قالها إذاً على المسلم ألا يسب أو يشتم وكذلك لا يلعن وقد وضح ذلك رسول الله في حديث آخر وقال{لَيْسَ المؤمِنُ بالطَّعانِ ولا اللَّعانِ ولا الفاحِشِ ولا البَذِيءِ}[4]وقد كان واحد من أصحاب سيدنا رسول الله يتكلم مع سيدنا بلال وكان سيدنا بلال حبشي أسود وعندما احتدمت المناقشة بينهما قال لبلال: يا ابن السوداء فعلم الرسول بذلك فغضب غضباً شديداً وقال لهذا الصحابي «أتعيره بأمه؟ يَا أَبَا ذَرٍّ! إنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ»[5]فما بالكم بالكلام الذي نسمعه من أولادنا الآن يا ابن كذا يا ابن كذا وكذا وهذا كلام لا يليق بين المسلمين والمسلمات بل يجب عليهم أن يثنوا على بعضهم البعض فبدلاً من أن يقول يا ابن الذين كذا وكذا عليه أن يقول: يا ابن الذين آمنوا ويعود اللسان على ذلك فيتعود أن يقول يا ابن الطيبين أو يا ابن المهديين بذلك يتعود المسلم على المدح والثناء بدلاً من السب والشتم لأن الإسلام نهى نهياً تاماً عن السب والشتم وعن اللعن لجميع المسلمين والمسلمات هذا المنهج صعب التطبيق ويلزمه جهاد شديد لنكون من المسلمين الذين يسعدهم الله يوم لقائه وعلمنا رسول الله أيضاً أن نبدأ المجالس كلها واللقاءات بالسلام قبل الكلام ويختموها بذلك عند القيام معلما أصحابه بأن الأولى- أي السلام عند الدخول - ليست بأحق من الآخرة - أي السلام عند الخروج فإذا كان الإنسان سيدخل بيتاً فعليه قبل أن يدخل إلقاء السلام وكذلك عندما يخرج وليس في قاموس المسلمين -صباح الخير أو صباح النور- إلا بعد "السلام عليكم" 
لأنها تحية الإسلام وإذا أراد الإنسان أن يقول أي تحية أخرى فلا بأس بعد أن يبدأ بتحية الإسلام لنفرض أن أحدكم يدخل منزله ولا أحد فيه هنا عليه أن يقول كما علمنا حضرة النبي "السلام من الله علىَّ وعلى عباد الله الصالحين"{فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} وإذا دخلت المسجد تقول: السلام عليكم وإذا لم يكن أحد به تقول:السلام من الله علىَّ وعلى عباد الله الصالحين أو السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين وهذا السلام في الدخول والخروج لكل أهل البيت لنعلم أولادنا وبناتنا حتى الصغار منهم وكان النبي إذا مر على الصبيان في الشارع سلم عليهم ليعلمهم ويغرز فيهم الآداب منذ الصغر وحتى المزاح ولذلك سيدنا رسول الله لما كان يداعب أصحابه ساعات على سبيل المزاح وفي ذات مرة أتته عجوز من الأنصار فقالت: يا رسول الله ادع الله أن يدخلني الجنة فقال النبي الله{ إِنَّ الجَنَّةَ لا تَدْخُلُهَا عَجُوزٌ}[6] فجرت وبكت فقال لهم: أخبروها أنه لا أحد يدخلها في سن الشيخوخة بل الكل يدخلها شبابا يعني سترجعين شباباً مرة ثانية وهذا ما عناه بقوله {إِني لأَمْزَحُ وَلاَ أَقُولُ إِلاَّ حَقّاً }[7] وقد نهانا أيضاً سيدنا رسول الله أن نعيِّب أحد بصفة في جسمه كأن نعيب واحدة بعينيها أو بأنفها أو بشفتيها أو بطولها أو بقصرها فما ذنبها في ذلك؟فمن تعيب إنسانة بسبب شيء في جسمها فإنها بذلك تعيب على الصانع الذي صنعها وهو الله متى نعيِّب عليه أو عليها؟إذا كان هناك عيب في الخُلق كأن كانت مثلاً امرأة يدها خفيفة أي تسرق أو لسانها طويل ولا يسلم منها أحد لكن العيوب الخِلقية نهى عن المعايرة بها رسول الله لأنه من يفعل ذلك فإنه يعيب على الصانع عز وجل وكان النبي يتكلم أمام زوجة له عن بعض نسائه الأخريات وكان يثنى على السيدة صفية فقالت الأخرى التي يتكلم أمامها: وماذا يعجبك فيها إنها قصيرة هل ذلك في نظرنا الآن سباب خاصة أنها كانت قصيرة بالفعل ومع ذلك غضب النبي وقال {لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَ بِهَا الْبَحْرُ لَمَزَجَتْهُ }[8] وقد قال ذلك ليعودهم على سلامة النطق وحسن الألفاظ في التعامل فإن الذي يأتي بالمشاكل ويجعل الناس تكره بعضها وتحقد على بعضها هي الألفاظ البذيئة والعبارات المشينة التي يتعامل بها الناس لكن لو تعودنا على المنطق الطيب والكلام الحسن وعودنا أولادنا على ذلك لاقتلعنا البغض والشحناء من الصدور 

[1] سُنَنُ أَبِي دَاوُدَ ْ عَبْدِ اللَّه[2]الْمُعْجَمُ الْكَبِيرُ لِلطَّبَرَانِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ ،وفيه رواية أخرى نوردها لنري لقطة من خلق رسول الله فى معاملته لزوجاته وفيه نصحية للمرأة المسلمة أنها إذا أرادت شيئا من زوجها فلتحدثه حديثا لبقا وبوقت مناسب ولا تترك الأمر يزيد فى نفسها وهى منه متضررة الحدبث أَنَّهَا قَالَتْ :يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلا تُكَنِّينِي فَكُلُّ نِسَائِكَ لَهَا كُنْيَةٌ سواى ؟ قَالَ : " بَلَى، اكْتَنِي بِابْنِكِ عَبْدِ اللَّهِ "، فَكَانَتْ تُكَنَّى أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ [3]الصَّمْتُ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا عن مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ [4] رواه البزار) عن عبدِ الله [5]عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ: مَرَرْنَا بِأَبِي ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، وَعَلَيْهِ بُرْدٌ وَعَلَىٰ غُلاَمِهِ مِثْلُهُ، فَقُلْنَا: يَا أَبَا ذَرٍّ! لَوْ جَمَعْتَ بَيْنَهُمَا كَانَتْ حُلَّةً، فَقَالَ: إنَّهُ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنْ إخْوَانِي كَلاَمٌ، وَكَانَتْ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّةً، فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، فَشَكَانِي إلَى النَّبِيِّ، فَلَقِيتُ النَّبِيَّ، فَقَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ! إنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَنْ سَبَّ الرِّجَالَ سَبُّوا أَبَاهُ وَأُمَّهُ، قَالَ: «يَا أَبَا ذَرَ إنَّكَ امْرؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، هُمْ إخْوَانُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ، وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ» صحيح البخارى ومسلم [6]عن عائشة رواه الطبراني في الأوسط[7] الطبرانى عن ابن عمر والخطيب فى التاريخ عن أنسٍ جامع الأحاديث [8] سنن أبي داوود عن عائشة
منقول من كتاب [المؤمنات القانتات]
المؤمنات القانتات 

السبت، 18 أغسطس 2012

فتوحات رمضان



هناك سؤال يجول بخاطر كثير منا لماذا كانت الانتصارات الإسلامية الكبرى في شهر رمضان بالذات؟ مثل غزوة بدر وفتح مكة ودخول الأندلس ومعركة عين جالوت ومعركة العاشر من رمضان؟إن سر انتصار المسلمين في أي معركة وضع الله له مفاتيحاً في كتابه أولها: جعل النصر ليس بالقوة ولا بالعدد ولا بالخُطط ولا بالتكتيكات فقط وإنما كما قال{وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ}فالنصر في البداية والنهاية من الله ولذلك ورد في أخبار غزوة بدر أن رسول الله أخذ بيده حفنة من التراب ورمى بها في وجوه الأعداء قائلاً شاهت الوجوه فأصابت كل مشرك فما السر في ذلك ؟ السر في ذلك في قوله تعالى {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى}ولذا قال للمسلمين لاحقاً لما أخذت بعضهم نشوة النصر فافتخر بقتله لصناديد أهل الكفر قال تعالى لهم مُعلّماً ومُؤدبّاً {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ}فأنتم أمسكتم بالسيوف وضربتم ولكن الله هو الذي أمدّكم بالقوة وأوصلها إلى رقاب الأعداء فقتلتهم فالنصر بداية من الله ولكن هذا لا ينافى قول الله لنا {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ } فكل ما في إمكاناتكم من قوة جهّزوها وتدربوا عليها واستعدوا لها لكن لابد مع القوة من استمداد النصر من عند الله لأن لله أسلحة في القتال تحقق النصر لا يعطيها إلا لعباده المؤمنين وقد أشار إليها مُجْملاً سيدنا عمر بن الخطاب في كتابه الذي أرسله إلى سيدنا سعد بن أبي وقاص في غزوه لبلاد فارس وكان مما قاله له فيه { مُرْ الجند بطاعة الله فإنا لا ننتصر بعدد ولا عُدد وإنما ننتصر بالمدد من الله والله يمدّ بمدده من أطاعه ونصر شرعه أما إذا عصى الجند الله فإنهم يتساوون مع أعدائهم وهم أكثر منّا عَدَاً وعُدداً فتكون النصرة لهم } وهذا هو المفتاح الكريم الثاني للنصر فإذا أقمنا حدود الله وطبقنا شرائعه جاءنا النصر من عند الله ومن أول ما يأتي به النصر من الله قذف الرعب في قلوب الأعداء وهذا سلاح قال فيه النبي{نصرت بالرعب مسيرة شهر} [1] فعندما علم النبي أن ملك الروم جهّز أكثر من خمسمائة ألف وأعلن أنه سيتوجه لمحق هذا النبي جهّز النبي ثلاثين ألفاً وخرج من المدينة في وقت صيف كان شديد الحرارة وبمجرد خروجه من المدينة طارت الأنباء إلى قيصر الروم بخروجه وبينهما ما يزيد عن الألف كيلومتر فما كان من قيصر الروم إلا أن ترك بلاد الشام كلها وذهب إلى عاصمة ملكه في القسطنطينية رعباً وفزعاً من رسول الله فسار النبي حتى بلغ تبوك في شمال الجزيرة قلم يجد من الروم جنداً ولا جيشاً ولا أحداً في مقابلته فالسلاح الأعظم الذي نصر الله به المسلمين في كل حروبهم في شهر رمضان {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} ولماذا كان النصر حليف أهل الإيمان في شهر رمضان بالذات؟ لأن شهر رمضان شهر الصبر فقد قال النبي{الصَّوْمُ نِصْفُ الصَّبْرِ}[2]و{الصَّبْرُ نِصْفُ الإِيمَانِ}[3] فما شأن الصبر بالنصر؟ يقول الله{إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً}وبفحص هذه الظاهرة علمياً نجد الحق ركب طاقات أعضاء الإنسان جميعاً على أن يقوم جزء يسير منها بالعمل في الحياة الطبيعية، وادخر باقي الطاقات حتى تتفجر للمؤمن الصابر في الوقت المناسب فالعضلات جميعاً تعمل ببعض طاقاتها وعند الاستثارة تعمل بكل طاقاتها فتقوى عشرة أمثال طاقاتها الأولى وكذا طاقات الجهاز العصبي تعمل عملها الطبيعي وحتى خلايا الكلية والكبد تعمل بعشر طاقاتها وعند الطوارئ تراها وقد زاد إنتاجها إلى عشرة أمثالها فترى المؤمن الصابر عند الطوارئ النفسية فرحاً مستبشراً لأنه بصبره تزداد طاقة إنتاجه والنتيجة {إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ}وقد تم في السنين الأخيرة اكتشاف مادة الأندروفين وهى مادة كيميائية تفرزها خلايا المخ خاصة القشرة العليا من فصي المخ وهى مادة تزداد في دم الإنسان كلما زاد صبره على الآلام المختلفة وكلما زادت إرادته في إنجاز عمل خاص وهى التي تعين الإنسان على وقف الألم وعلى زيادة التحمل وعلى استقرار طاقاته وهو يواجه الصعوبات والمخاطر ولذا فالمؤمن تكون قوته في وقت الشدة عشرة أضعاف قوته العادية لأنه تدّرع بدرع الصبر ودرع الصبر لا يكون إلا لأهل الإيمان وهذا حالهم الجلي في شهر الصبر شهر رمضان ونحن نحتفي هذه الأيام بذكرى غزوة بدر في اليوم السابع عشر من شهر رمضان وفتح مكة في العشرين من رمضان فهما من الليالي التي اختصها الله بالفضل ولذلك فقد حرص سلفنا الصالح على إحيائها في طاعة الله لأنها من الليالي النصر والفرح بالنصر والفرح بإعزاز الحق وكذلك لأنهما من الليالي التي تجلى فيها الله لحبيبه ومصطفاه ولأصحابه من المهاجرين والأنصار فأعزهم وأيدهم وأمدهم ووفقهم فأهل التوفيق يحيون هذه الليالي ليحظوا بمدد من التوفيق الإلهي الذي حظي به أصحاب رسول الله لأن الله أمدهم عندما استغاثوا بهم فانتصروا على أعدائهم ونحن كذلك أيها المؤمنون والمؤمنات معنا عدو ملازم لنا يقول فيه رسول الله {أَعْدَىٰ الأَعْدَاءِ لَكَ نَفْسُكَ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْكَ}[4] ومن أجل أن ينتصر الإنسان على هذا العدو يحتاج إلى إمداد ومعونة من الله فإن لم يمدنا الله بمعونة من عنده أو مدد من لدنه ما استطعنا أن نتغلب على أنفسنا بل ربما قهرتنا أنفسنا وفي ذلك هلاكنا والعياذ بالله فأهل الله السابقون وأئمة المتقون يحيون هذه الليلة ضارعين إلى رب العالمين أن يرزقهم التوفيق وأن يمدهم من بحار النبوة ومن أسرار الفتوة ومن أنوار الإلوهية ما به يستطيعون أن ينتصروا في هذه الحياة على أنفسهم بفضل الله وتوفيق الله ففي ليلة بدر كان أصحاب رسول الله وقد وصلوا إلى ميدان المعركة - وكانوا خارجين لمقابلة التجارة التي كان فيها أبو سفيان وعمرو بن العاص وأربعون رجلاً من قريش وكانت هذه التجارة في طريقها من بلاد الشام وبها مكاسب ومغانم كثيرة فنزل سيدنا جبريل وأخبر رسول الله وأعلمه أن أبا سفيان وعمرو بن العاص آتين من بلاد الشام ومعهم أربعون رجلاً ومعهم مال وفير فاخرجوا فربما يعوضكم الله ويغنمكم هذا المال مقابل المال الذي اغتصبوه منكم في مكة فخرج الرسول ومعه عدد قليل حوالي ثلاث مائة وثلاث عشرة رجلاً ولم يعرفوا أنهم خرجوا من أجل الحرب ولذلك كانت الأسلحة التي معهم قليلة ومعهم ثلاثة من الخيول ومن الجمال سبعون جملاً ولذلك كان كل ثلاثة يتناوبون على جمل واحد حتى رسول الله نفسه كان يتناوب مع اثنين من أصحابه وعندما قالوا له يا رسول الله عليك أن تركب ونحن أقوى على المشي فقال {أعلم أنكم تكفونني ذلك ولكنني لا غنى لي عن الأجر} يعني أريد الأجر مثلكم فضرب لنا المثل في القدوة وعلمنا كيف يكون قائد الجيش نفسه شريكاً لجنده ورغم أن الأسلحة كانت قليلة والعدد كان قليلاً إلا أنه شاءت إرادة الله أن يكون القتال مع أن جلَّ الذي خرج لا يريد إلا الغنيمة والأموال والأرباح والمكاسب التي بالتجارة وعندما علم أبو سفيان بخروج المسلمين غيَّر الطريق ونجا بكل من معه ولكنه كان قد أرسل رسولاً إلى أهل مكة يعلمهم بأن تجارتهم معرضة لسوء ليخرجوا إليه فخرجوا فيتسعمائة وخمسون فارساً ومعهم مائة فرس ومعهم من الجمال عدد كثير وأموال كثيرة وأسلحة وفير وخرجوا واستعدوا لحماية تجارتهم وفي نفس الوقت كانوا موتورين لأن الرسول خرج من بينهم ولم يستطيعوا أن يصنعوا معه شيئاً مع أنهم كانوا قد دبروا خطة محكمة لقتله فخرج بإذن الله من بينهم فكانوا يريدون الانتقام فالتقى الجيشان عند ماء بدر وصل الكفار أولاً عند ماء بدر وسمي بدر لأن هناك بئر يسمى بدر ومياهه عذبة فعندما نزل الكفار أولاً نزلوا بجوار البئر وجعلوه خلفهم وحموه حتى لا يشرب منه المسلمون ولا يغتسلون ولا يحصلون منه على ماء وعندما وصل الرسول وأصحابه وكانوا قد قطعوا أربعة أيام في الطريق سيراً على الأقدام وكان الجو حاراً والطريق في الصحراء ونتيجة للتعب الشديد حدثت آيات عظيمة من آيات الله من أجل أن تثبتهم في هذه الليلة كانوا متعبين ونتيجة للتعب والكفار بجوارهم قسمهم الرسول إلى ثلاث مجموعات مجموعة تنام الثلث الأول من الليل ومجموعة تنام الثلث الثاني من الليل ومجموعة تنام الثلث الأخير من الليل وبعدما قسم الجيش وقفت المجموعة التي تتولى حراسة الجيش وأقاموا له خيمة صغيرة في مؤخرة الجيش أخذ يصلي فيها لله وشاءت إرادة الله للجميع أن يناموا من شدة التعب ومن طول السفر والسير على الأقدام حتى الذين كانوا موكلين بالحراسة ناموا ومعهم سيوفهم وهم واقفون في أماكن حراستهم ولم يقعوا على الأرض بقدرة الله حتى أن سيدنا رسول الله نام في سجوده فغشّاهم الله بالنُّعاس جميعاً وحرستهم ملائكة السماء من عيون الكفار ومن دوريات الكفار وهذه كانت أول آية من آيات الله التي ذكرت في سورة الأنفال {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ}وفي الصباح وعادة عندما يكون الإنسان متعباً أو ينام في جو بارد يحتلم فأصبح كثير منهم وقد أصابته جنابة فوسوس لهم الشيطان وقال كيف تكونوا أولياء لله وفيكم رسول الله وتحسبون أنكم على الحق ولا تستطيعون الوضوء أو الصلاة؟وكيف تقابلون أعدائكم بهذه الكيفية والمياه كما قلنا قبل ذلك مع الكفار فحدثت الآية العظيمة الثانية من آيات الله{وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ} فنزل الماء من أجل هذه الأمور الثلاثة: أولاً: ليتطهروا به فاغتسلوا وتوضأوا وأخذوا منه في قربهم وقاموا ببناء أحواض فامتلأت بالماء وأصبح عندهم ماءٌ أكثر مما عند الكفار ثانياً: ليذهب عنكم رجس الشيطان وهي الوسوسة التي وسوس بها الشيطان في نفوسهم والتي ربما كانت تتسبب في ضعف عزيمتهم فذهبت وقوى الإيمان لأنهم علموا أن الله معهم.
وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالمخاوف كلهن أمـــان
فطالما معهم عناية الله يطمئنوا، ثالثاً: أن الأرض كانت رملية والأقدام كانت تغوص في الرمال فنزل المطر وجعل الأرض مُلبّدة لا تغوص فيها الأقدام وهذه كانت آية من آيات الله في المكان الذي فيه المسلمون أما المكان الذي فيه الكفار فقد نزل فيه مطر كثير فأصبحت الأرض طيناً (وَحْلاً) لا يستطيع الواحد منهم أن يتحرك فيها وتغوص أقدامه في الطين وهذه عناية الله للمؤمنين وبدأت المعركة في الصباح وقبل المعركة تفقد رسول الله ميدان القتال ومعه كبار قادة الجيش وحدد بيده الشريفة الأماكن التي يُقْتل فيها صناديد الكفر فيقول هنا سيقتل أبو جهل هنا سيقتل أمية بن خلف هنا سيقتل فلان وفلان فحدد الأماكن التي يقتل فيها الكفار وقد كان من عظيم قدرة الله بعد المعركة أن كل مكان حدده رسول الله لقتل رجل وجدوه في نفس المكان كما قال رسول الله وعندما اصطفت الصفوف قال رسول الله لسيدنا علي (أعطني حفنة من الحصى من الأرض) فوضعه في كفه ورمى به الكافرين ماذا تفعل هذه الحفنة من الحصى في هذا العدد الكبير؟ لكن الحصى غطّى التسعمائة والخمسين جميعاً وأصابهم في أعينهم من أجل أن يثبت الله المؤمنين وفي ذلك يقول{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى}وبدأت المعركة وفي أثنائها توالت المعجزات النبوية فسيدنا عكاشة وكان من أصحاب رسول الله ظل يحارب حتى كسر سيفه فذهب إلى رسول الله ولم يكن معه احتياطي لأن كل واحد معه سيف فقط ماذا فعل الرسول؟ أحضر عوداً من الحطب وأعطاه له وقال له اضرب بهذا العود فتعجب سيدنا عكاشة وحرك عود الحطب بشدة فوجده سيفاً عظيماً مصقولاً لامعاً وكأنه خارج من المصنع وظل يحارب بهذا السيف طوال عمره حتى مات ومُعاذ بن عفراء وهو رجل من الأنصار وهو يحارب ضربه عكرمة بن أبي جهل بالسيف على كتفه فقطع ذراعه فذهب إلى رسول الله فأخذ من ريقه الشريف ووضعه على مكان الجُرْح وأعاد الذراع إلى مكانه فشفى في الحال بإذن الله وكأنه لم يصبه ضرر سبحان الله العظيم لم يحتج رسول الله إلى خياطة ولا بنج ولا أدوية ولا طبيب تخدير ولا طبيب جراح ولا غير ذلك مع أن العظم تكسّر وتقطعت الشرايين والأوردة ولكنه تأييد الله لأهل بدر لأنها كانت معركة فاصلة وقد عبر عن ذلك رسول الله في بداية المعركة حيث قال{اللهم إن هذه قريش قد أتت بخيلها وخُيلائها تحادك وتكذب رسولك اللهم نصرك الذي وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تُعْبد في الأرض بعد اليوم}أي إنه إذا انهزم هؤلاء المؤمنون فسوف ينتهي هذا الدين فكان لابد من النصر والتأييد لهم وظهرت آيات لا حد لها ولا حصر لها ومن ضمنها أن المسلمين رأوا المشركين عدداً صغيراً جداً مع أنهم تسعمائة وخمسون ويحكي عن ذلك سيدنا عبد الله بن مسعود فيقول: كنت أقول لمن بجواري هل هؤلاء سبعون رجلاً؟ قال: لا بل إنهم مائة وذلك حتى تكون بينهم الثقة واليقين وكذلك الكفار رأوا أصحاب رسول الله عدد صغير من أجل أن يغتروا وإذا جاء الغرور جاءت الهزيمة وكانت هذه آية من آيات الله {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ}حتى يثبت المسلمون ويغتر الكافرون وهذه أيضاً من أسباب النصر وكذلك من إمدادات الله في المعركة نزول الملائكة لماذا أرسل الله الملائكة؟ لأن في هذه المعركة قام الشيطان بتجنيد كل أعوانه حتى أنه جاء قبل المعركة من أجل تشجيع الكفار في صورة رجل من عظماء العرب اسمه سراقة بن مالك وكان زعيم قبيلة كبيرة وقال للمشركين أنا معكم وجميع قبيلتي معكم فعندما رأوا سراقة قالوا لقد جاءت لنا إمدادات من العرب والمسلمون رأوا أن أناساً جاءوا إلي الكفار لمعاونتهم فقالوا لا نقدر طالما أن العرب جاءوا لمساعدة المشركين فأرسل الله الملائكة لتمنع الشيطان وأعوانه ولذلك عندما نزلت الملائكة تروي كتب التاريخ أن الشيطان كان موجوداً ويده في يد رجل من زعماء الكفار وكان يتحدث معه وبمجرد نزول الملائكة جرى مسرعاً بعيداً فناداه هذا الرجل فقال له إبليس اللعين { إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ }ولكنه خاف من الملائكة حتى لا تحرقه فكان نزول الملائكة حماية للمؤمنين من الشيطان وأعوانه هذا أولاً وثانياً اطمئناناً للمسلمين أي بشرى لهم يبشروهم بنصر الله وبمعونة الله وبتوفيق الله لعباده المؤمنين:{إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} فأبرز مقومات النصر في كتاب الله لجند الله؟ أولاً: عدم الغرور وذلك لقول الله {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ} ثانياً: الخطة الواضحة في قوله جل شأنه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} فهذه الخطة أساس النصر بالنسبة للمسلمين مبنية على خمسة أسس: الثبات وعدم الغفلة عن ذكر الله ولذلك شرع الله صلاة الخوف أثناء القتال حتى لا يترك الصلاة قبل المعركة أو أثناءها ورسول الله سن لنا في هذه المعركة سلاح الدعاء فكان هناك من يحارب بالسلاح وهناك من يحارب بالدعاء وجلس رسول الله يدعو حتى نزلت ملابسه من على أكتافه ويقول له سيدنا أبو بكر يا رسول الله كفاك مناشدتك ربك فإن الله منجز لك ما وعدك فقال له أبشر يا أبا بكر فإني أرى جبريل ومعه الملائكة وإني أرى مصارع القوم وكذلك كان المسلمون بعد ذلك في أي معركة من المعارك المهمة فالمجاهدون يحاربون والذين يجلسون في المدينة يدعون الله وكان للأزهر دور كبير في هذا المجال وكان في أي معركة من المعارك يجتمع العلماء في الأزهر يقرءون القرآن وصحيح البخاري من أجل نصر المجاهدين وعندما يصل القائد يقول لهم لقد انتصرنا بدعائكم وليس بأسلحتنا وقوتنا والثالث هو طاعة الله ورسوله وإقامة شرعه والرابعة هي اجتماع الكلمة و عدم النزاع والخامسة هي الصبر كما سبق و بينا سرَّه فهذه هي الخطة المحكمة والتي كانت بدرٌ مسرحاً متكاملاً لتنفيذها وظهورها 
[1] متفق عليه من حديث أبي هريرة[2] رواه أحمد في مسنده والدارمي في سننه والسيوطي في الفتح الكبير عن رجل من بني سليم[3] جامع المسانيد والمراسيل، عن ابن مسعود[4] الْعسكري عن سعيد بن أَبي هلال
منقول من كتاب [الخطب الإلهامية رمضان وعيد الفطر]
للتحميل والمطالعة مجانا اضغط على الرابط :

الخطب الإلهامية ج5 شهر رمضان وعيد الفطر 
هناك سؤال يجول بخاطر كثير منا لماذا كانت الانتصارات الإسلامية[/CENTER]







منح ليلة القدر



منح ليلة القدر
منح إلهية وعطايا ربانية تعجز الكلمات في اللسان عن عد بعض ما أمر به لنا حضرة الرحمن ناهيك عن ليلة القدر والإنسان فينا إذا أحيا العشر الأواخر بصلاة الفجر والعشاء في جماعة كُتبت له عبادة ألف شهر لله غير ما تتنزل به الملائكة الكرام وأمين الوحي جبريل عليه السلام وأنواع المنح والعطايا الإلهية التي تتنزل للقائمين والراكعين والساجدين بين يدي الله في هذه الليالي المباركة والمنحة الإلهية في آخر الشهر إذا كان آخر الشهر يقول الله للملائكة الكرام {مَا جَزَاءُ الأَجِيرِ إذَا عَمِلَ عَمَلَهُ؟ قَالَ: فَتَقُولُ الْمَلاَئِكَةُ: إلهَنَا وَسَيِّدَنَا جَزَاؤُهُ أَنْ تُوَفِّيَهُ أَجْرَهُ قَالَ: فَيَقُولُ: فَإنِّي أُشْهِدُكُمْ يَا مَلاَئِكَتِي أَنِّي قَدْ جَعَلْتُ ثَوَابَهُمْ مِنْ صِيَامِهِمْ شَهْرَ رَمَضَانَ وَقِيَامِهِمْ رِضَايَ وَمَغْفِرَتِي} [1] وقال صلى الله عليه وسلم{ أَتَاكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ شَهْرُ بَرَكَةٍ فِيهِ خَيْرٌ يُغَشيكُمُ اللَّهُ فَيُنْزِلُ الرَّحْمَةَ وَيَحُطُّ فِيهِ الْخَطَايَا وَيَسْتَجِيبُ فِيهِ الدُّعَاءَ يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى تَنَافُسِكُمْ وَيُبَاهِي بِكُمْ مَلاَئِكَتَهُ فَأَرُوا اللَّهَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ خَيْرَاً فَإنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ فِيهِ رَحْمَةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ }[2] أما أجر الصائم في الآخرة فنذكر ترويحاً للقلوب شيئاً منه لنستشعر رحمة الله بنا أجمعين فإن الصائم في يوم مقداره خمسون ألف سنة تشتد فيه الحرارة حتى يتصبب الناس عرقاً وتنزل الألسنة لهثاً من شدة العطش الوحيد الذي لا يعطش في هذا المقام الصائم من أمة الحبيب المصطفي عليه أفضل الصلاة وأتم السلام فقد جهز الله للصائمين حوضاً اسمه حوض الكوثر يقول فيه النبي{حَوْضِي كَمَا بَيْنَ عَدَنَ وَعَمَّان أبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ وأَحْلَى مِنَ العَسْلِ وَأَطْيَبُ رِيحاً مِنْ المِسْكِ أَكْوَابُهُ مِثْلُ نُجُومِ السَّمَاءِ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةَ لَمْ يَظْمَأ بَعْدَهَا أَبَداً}[3] فالصائمون إذا قاموا للعرض يوم الحساب أول ما يُبدأ لهم {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً}تحمل الملائكة لكل واحد منهم شربة بعضهم يسقيه الملائكة وبعضهم يسقيه جبريل عليه السلام وبعضهم يسقيه السيد الأعظم المصطفي صلى الله عليه وسلم المهم من شرب شربة لا يظمأ بعدها أبداً وتكون أفواههم في الموقف رائحتها كرائحة المسك ليعلم الناس منزلتهم وقدرهم عند رب العباد فإذا حضرت الخلائق خصهم الله بباب من أبواب الجنة يُسمي باب الريان وينادي مناد الرحمن أين الصائمون؟ فيقومون فيأمر بإدخالهم الجنة من باب الريان فإذا دخلوا غُلِّق فلم يدخل منه أحد فأول من يدخل الجنة هم الصائمون من باب خاص لمنزلتهم عند الله ومن رحمة الله بعباده الصائمين وقد عَلِم أن { كلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاء وَخيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ}[4] عَلِم أننا لا نسلم في صيامنا من لغو أو رفث أو خطأ ففرض علينا الحبيب زكاة الفطر تجبر صيام المسلم وتستر عثراته وهفواته قال فيها سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما{فَرَضَ رَسُولُ الله زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصِّائمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً للْمَسَاكِينِ مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاَةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاَةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ }[5] وقد أباح العلماء أن تخرج هذه الصدقة من أول يوم في شهر رمضان حتى تكون أنفع للفقير ويُخرج الإنسان عن كل من يعوله عن زوجته وعن أولاده وعن خادمه إن كان عنده خادم والطفل الذي يولد في رمضان حتى ولو في ليلة العيد نُخرج عنه زكاة الفطر وأيضاً الذين يأخذون الزكاة يجب عليهم إخراج الزكاة مما يأخذون من عباد الله ليتمرنوا علي الإنفاق لقول رسول الله{أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ صَدَقَةٌ فِي رَمَضَان}[6] الصدقة في رمضان خير أنواع البر والإحسان وهي غير زكاة الفطر فتنافسوا في البر وتنافسوا في الخير وتنافسوا في الصالحات واعلموا أن هذا الشهر الكريم كله خير وبر ونفحات فلا تُضيعوا أوقاته في الغفلات ولا تجلسوا أمام الفضائيات والمسليات والتلفزيونات لتضييع الأوقات بل اقطعوه في العبادة وفي تلاوة القرآن وفي ذكر الله وفي الاستغفار لله وفي صلة الأرحام وفي المسح علي رءوس الأيتام وفي إزالة الضر والبؤس عن الفقراء والمساكين وفي مســـح الألم عن المرضي والبائســين اجعلوه شهر خير تكونوا فيه من السعداء يوم الدين

[1] رواه الشيخ ابن حبان في كتاب الثواب، والبيهقى واللفظ له
[2] (الطبراني وابن النجار) عن عبادة بن الصَّامِتِ
[3] مسند الإمام أحمد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما
[4] سنن الترمذي عن أَنَسٍ
[5] سنن أبي داوود عن ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما
[6] سنن البيهقي الكبرى عن أنس 

منقول من كتاب [الصيام شريعة وحقيقة]
http://www.fawzyabuzeid.com/table_books.php?name=الصيام شريعة وحقيقة&id=82&cat=2




بشريات فى وداع رمضان



ونحن في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان وقد صحبناه كل هذه الأيام ماذا وجدنا في صحبته؟ وماذا وجدنا في جواره؟وماذا وجدنا في ظله؟لم نجد إلا كل خير وبر نجد أنفسنا وقد أقبلت على الطاعات بعد طول جفاء وأجسامنا وقد صحت من الأمراض والأسقام بإتباع تعاليم الإسلام وأحكام الصيام ونجد الجوارح وقد بعدت فيه عن الآثام ونجد الوقت كله فيه في طاعة الملك العلام فإذا نمت في رمضان فنومك عبادة وإذا سكت فيه فسكوتك تسبيح وإذا دعوت فيه فدعاؤك مستجاب وإذا عملت فيه عملاً من أعمال البر والخير فعملك مضاعف الأجر والثواب وإذا وفدت فيه على أهلك وأنفقت عليهم من الخيرات وأنواع المطعومات والمشروبات فإن المال الذي تنفقه عليهم له من الأجر كأجر المال الذي ينفق في سبيل الله كما قال رسول الله{نفقة الصائم على أهله كالنفقة في سبيل الله الدرهم بمائة ألف درهم }[1] وورد أَنَّ عُمَرَ قَالَ{إِذَا حَضَرَ شَهْرُ رَمَضَانَ فَالنَّفَقَةُ فِيهِ عَلَيْكَ وَعَلى مَنْ تَعُولُ كَالنَّفَقَةِ في سَبِيل اللَّهِ تَعَالى، يَعْنِي الدرْهَمَ بِسَبْعِمَائَةٍ }[2] إن الإنسان منا لو صاحب رجلاً ولو في مدة سفر ووجد منه حلاوة العشرة وطيب الصحبة وخيرة الرفقة يحزن على فراقه بل ربما يبكي على فصاله لأنه وجد شخصاً عزيزاً اجتمعت فيه خصال الخير وجرى له على يديه منه أبواب البر فيحزن عليه لأن الزمان لا يجود بالخيرين إلا بالقليل وأقل من القليل فما بالكم وهذا الذي صحبناه شهراً كاملاً لم نجد منه إلا الخير ولم نر منه إلا البر جمعنا حتى على موائد الطعام بعد تفرقة فبعد أن كان هذا يأكل في الصباح وآخر في المساء وواحد في الظهيرة جمع الجميع بل جمع جميع المسلمين شرقاً وغرباً وجعلهم جميعاً يمتنعون عن الطعام في وقت واحد ويأكلون جميعاً في وقت واحد إطاعة للواحد وكأنه يقول لهم كما جمعتكم على الطعام فاجتمعوا على طاعة الملك العلام كما جمعتكم على مائدة الخير والبركات فاجمعوا أنفسكم على مأدبة الله في أرضه وهي كلام الله وتنزيل الله وكتاب الله بدَّل النوايا فجعل الإنسان منا يخرج الأضغان والأحقاد والأحساد من قلبه ويملأ فؤاده ولبه بالحب لجميع المسلمين والرغبة الأكيدة في سعادة جميع المؤمنين يريد أن يصنع الخير ويريد أن يعمل المعروف ويريد أن يقوم بالبر لأنه في شهر البر والبر ثوابه الجنة زهَّد النفوس في المعاصي وأمسك منها بالنواصي وجعلها لا تتحرك إلا في طاعة رب العالمين وأرحم الراحمين حتى لو أرادت النفس أن تخرج عن سجيتها وفطرتها وتتجاوز حدودها في التعامل مع الآخرين بأن تصل إلى درجة الإيذاء أو السبِّ أو الشتم أو اللعن يسرع بتذكيرها بقول نبيها {إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ. إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ}[3] فتح شهية المؤمنين على البر والخير الذي كانوا عنه معرضين فتجد الإنسان في غير رمضان لا يحن لسماع كتاب الله ولا يفكر في المداومة على تلاوته بل ويعلق المصحف في بيته أو في سيارته أو في محلة عمله للزينة والبركة فقط ويهجر تلاوته مع أن الرسول أخبرنا فيما أنزل عليه الله أن هذا القرآن يشكو الهاجرين له يوم لقاء الله {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً}فإذا جاء شهركم الكريم انشرحت الصدور لتلاوة هذه السطور المكتوبة بأحرف النور لتنال في النهاية مغفرة الغفور وتبدلت النفوس بدلاً من أن تحن إلى الغي والقبيح تجدها ترغب في فعل كل شئ جميل ومليح فتريد أن تصل أرحامها وأن تخرج زكاة مالها وزرعها وأن تبر فقراءها وأن تحسن إلى جيرانها وأن تراقب ربها في كل أمر صغير أو كبير جليل أو حقير وكل هذا ببركة شهركم هذا الكريم فما أعظمه من شهر وما أحسنه من صاحب يبكي لفراقه المؤمنين ويحزن لانصرامه الموحدين ويحن إليه المحسنون ويتمنى الموقنون أن يكون في العام كله كما قال النبي {لَوْ يَعْلَمُ العِبَادُ مَا فِي رَمضانَ لتمنَّتْ أُمَّتِي أَنْ تَكونَ السَّنَةُ كُلُّها رمضانَ} [4] ثم هذا الصاحب الذي لا نستطيع أن نعدَّ فضائله ولا أن نحصي مزاياه لا يتركنا يوم لقاء الله فإذا جاء الموقف الأليم وخرجنا من القبور إلى ساحة النشور وجدناه في انتظارنا يضع المسك على أفواهنا فنمشي في أرض القيامة وقد علت رءوسنا وفاحت رائحة المسك من أفواهنا حتى تعم أهل الموقف جميعاً فيتساءلون يتساءل الملائكة الكروبيون ويتساءل النبيون والمرسلون ما هذه الرائحة العطرة؟ فيقول الله: هذه رائحة أفواه عبادي الصائمين لشهر رمضان من أمة حبيبي محمد فإذا صرنا إلى أرض الموقف وأخذنا فيه مواقعنا والموقف يطول ويطول {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ }يوم واحد ولكن طوله قدر خمسين ألف سنة مما نعد وفي هذا اليوم لا توجد بحار ولا أنهار ولا تنزل السماء أمطار لأن السماء قد كورت وذهب الليل والنهار ولا يوجد نور لأن الشمس انمحقت والقمر قد استدار وألقيا بهما في النار يبحث الإنسان عن شربة واحدة فلا يجدها ويبحث عن مكان يأوي إليه من حر ها اليوم وحرارته فلا يجده لا أشجار ولا أسقف ولا منازل بل الساحة واسعة أرضها من فضة وسماءها صحو مكشوفة وليس فيها ظل إلا مكان واحد ظليل هو ظل عرش الرحمن ماذا يفعل عندها رمضان لأحبابه؟وكيف يكشف الضر عن أصحابه؟يسقي الصائمين من حوض الكوثر الذي جهزه الله لسيد الأولين والآخرين وقال فيه {حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ زَوَايَاهُ سَوَاءٌ أَكْوَازُهُ عَدَدُ نُجُومِ السَّمَاءِ مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ الثَّلْجِ وَأَحْلَىٰ مِنَ الْعَسَلِ وَأَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهَا أَبَداً}[5] من الذي يشرب منه؟ الذي حجز له في شهر رمضان كوزاً من حوض النبي العدنان وسجل عليه اسمه ووكل به ملكاً يحفظه إلى يوم القيامة يوم الوقت المعلوم فإذا قامت الأرواح تلبية لنداء الحي القيوم ونفخ في الصور فإذا هم قيام ينظرون جاء الملك الموكل بك ومعه الكوز أو الكوب المكتوب عليه اسمك وهنأك بسلامة الوصول وسقاك هذا الماء الذي هو علامة القبول فشربت شربة لا تظمأ بعدها ولا تعطش مع طول الموقف العظيم إكراماً من شهر الخير وشهر الصبر والصبر ثوابه الجنة فالذين لا يعطشون ولا يظمئون هم أنتم وحدكم جماعة الصائمين أما المفطرون والجاحدون والمنكرون والمشركون والكافرون كما ورد في الأثر إن ألسنتهم تلهث من شدة العطش كما يلهث الكلب حتى يبلغ طول اللسان من شدة اللهث أن يصل إلى الأرض ويطأه صاحبه بقدمه ولا مغيث ولا مجير لأنه لم يستجب في دنياه للعلي القدير ثم بعد ذلك لا يتركك الصيام ولا شهر رمضان عند هذا الحد بل يأخذ بيدك ويذهب إلى حضرة الله ويقول {أيْ رَبِّ مَنَعتُه الطَّعَامَ والشَّهْوَةَ فَشَفِّعْنِي فِيهِ}[6] يطلب أن يشفع فيك من الله ويجيبه الله ويأذن له في الشفاعة فإذا شفع فيك الصيام أخذ بيدك من الموقف وأجلسك تحت ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله فتجلس على الأرائك كما يقول الله {عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} تجلس على الأرائك أي على المقاعد اللينة الوثيرة والملائكة يطوفون عليك بالروح والريحان وقد فتحوا لك باباً من الجنان يأتي إليك منه الروح والريحان فلا تحس بطول الموقف ولا تحس بعناء الموقف بل يمر عليك كما قال النبي {يمر يوم القيامة على المؤمن كصلاة ركعتين خفيفتين}[7] ما أعظم بركة هذا الشهر ما أعظم بركة الصيام وهذا الذي جعل سلفنا الصالح يقضون الأيام الباقية منه في الحنين والأنين والتوحش على انتهاء الشهر الكريم شهر تتفتح فيه بركات الأرض وتنزل فيه خيرات السماء تنزل فيه الملائكة من السماء إلى الأرض معهم الخيرات ومعهم البركات ومعهم المنشورات بسعادة المؤمنين وتوفيق الموحدين شهر ينظر الله فيه إلى عباده فيرحم ضعفهم ويشفي أمراضهم ويعتق معظمهم من النيران ويبدل حالهم إلى أحسن حال شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار وحتى لا يفوتنا بركة هذا الشهر ونحن لا يسلم حالنا من الذنوب والعيوب أوصانا النبي أن نفعل شيئاً يسيراً يطهر الله به صيامنا من العيوب ويجعل عملنا مقبولاً عند حضرة علام الغيوب ما هذا الشئ الذي يمحو عيوب الصائمين؟ويمسح أثقال الصائمين وينقي صومهم كأنه غربال يغربل الأعمال فيخرج منه الغث ولا يبقى إلا الخير لأن الله لا يقبل إلا الخير { إِنَّ الله طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إلاَّ طَيِّباً }[8] هو زكاة الفطر تخرج الزكاة فتطهر صومنا من اللغو ومن الرفث ومن الذنوب والعيوب وتهيئ العمل وتزين العمل وتسد ما فيه من خلل وتجعله مملوءاً بالخشوع والانكسار لله والوجل حتى يباهي الله بهذا العمل ملائكته {يَقُولُ اللَّهُ تَعَالى لِلْمَلاَئِكَةِ: يَا مَلاَئِكَتي مَا جِزَاءُ الأَجِيرِ إِذَا عَمِلَ عَمَلَهُ؟ فَيَقُولُونَ: جَزَاؤُهُ أَنْ يُوَفَّى أَجْرَهُ فَيَقُولُ: فَإِني أُشْهِدُكُمْ أَني جَعَلْتُ ثَوَابَهُمْ مِنْ صِيَامِهِمْ شَهْرَ رَمَضَانَ وَقِيَامِهِمْ رِضَائي وَمَغْفِرَتي}[9] ما أسهل هذا العمل وهي زكاة الفطر في مقابل هذا الجزاء العظيم من الرب العظيم الكريم وتخرج عن الجميع حتى الذي يولد ليلة الفطر تخرج عنه هذه الزكاة وميعاد هذه الزكاة يمتد من وقتنا هذا إلى صلاة العيد ولابد أن تخرجها قبل صلاة العيد لقول الحميد المجيد {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} والصلاة هنا هي صلاة العيد فالسماء تستعد لليلة الجائزة ويستعد ملائكة السماء وهم الآن في شغل شاغل يجهزون الأوسمة والنياشين وشهادات التقدير للعلماء العاملين والأولياء والصالحين والمقربين والطائعين من أمة الحبيب فإذا كان حفل توزيع الجوائز على المتفوقين يأمر رب العالمين جميع المؤمنين أن يحضروا هذا الحفل حتى النساء وحتى الأطفال ليشهدوا فرح الله بعبيده وفرح عبيد الله بنعم وعطايا إلههم وفرح ملائكة الله بطاعة المؤمنين لربهم وفرح الأرض بطاعة المؤمنين على ظهرها وفرح السموات بالأعمال الصالحات التي ترفع إلى أبوابها وفرح الجنان بالأعمال الصالحات التي وصلت إلى قصورها وحورها الكل يفرح بك يا أيها المؤمن في يوم الفرح العظيم يوم العيد والذي يذهب للقاء الحميد المجيد يغسل ويغتسل ويلبس أبهى ما عنده من الثياب ويضع الطيب والعطر لأنه ذاهب لمقابلة الكريم الوهاب ويصلح شأنه قبل ذلك يأخذ من شعره ويأخذ من أظافره حتى يظهر في أبهى زينة يحبها الكريم فإذا أصبح يوم العيد تقف ملائكة الرحمة على أبواب الطرق تنادي عليكم ويقولون { يَا أُمَّةَ أَحْمَدَ اخْرُجُوا إِلى رَبَ كَرِيمٍ يُعْطِي الْجَزِيلَ وَيَغْفِرُ الْعَظِيمَ}[10] ويجلس جماعة آخرين من الملائكة على أبواب المساجد معهم أقلام من ذهب وصحف من فضة يسجلون الآتين للقاء رب العالمين يسجلون الداخلين إلى حرم الله وإلى بيت الله زوار الله {إن بيوتي في الأرض المساجد وزواري فيها عمارها} يسجلون الزائرين الأول فالأول فإذا دخل الإمام طووا صحفهم وصلوا مع المؤمنين وجلسوا يستمعون الخطبة مع المصلين فإذا انتهى الخطيب أصغى كل مقرب وحبيب إلى حضرة الرقيب وهو يقول{يَا عِبَادِي سَلُوني فَوَعِزَّتي وَجَلاَلِي لاَ تَسْأَلُونِي الْيَوْمَ شَيْئاً فِي جَمْعِكُمْ لاخِرَتِكُمْ إِلاَّ أَعْطَيْتُكُمْ وَلاَ لِدُنْيَاكُمْ إِلاَّ نَظَرْتُ لَكُمْ وَعِزَّتي لأَسْتُرَنَّ عَلَيْكُمْ عَثَرَاتِكُمْ مَا رَاقَبْتُمُونِي وَعِزَّتي لاَ أُخْزِيكُمْ وَلاَ أَفْضَحُكُمْ بَيْنَ يَدَيْ أَصْحَابِ الْحُدُودِ انْصَرِفُوا مَغْفُوراً لَكُمْ قَدْ أَرْضَيْتُمُوني وَرَضَيْتُ عَنْكُمْ}[11] فيخرجون وقد نالوا المغفرة من الغفار فيهنئون بعضهم بالمغفرة ويصافحون بعضهم مهنئين بغفران الذنوب وبستر العيوب وقبول الأعمال من الله ولذا دخل بعض المؤمنين على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في يوم العيد فوجده يأكل خبز الشعير الجاف فقال يا أمير المؤمنين حتى في يوم العيد تأكل خبز الشعير قال وما العيد؟اليوم عيد من تقبل صومه وشكر سعيه وغفر ذنبه اليوم لنا عيد وغداً لنا عيد وبعد غد لنا عيد وكل يوم لا نعصي الله فيه فهو لنا عيد هذا هو عيد المؤمنين عيد المغفرة وعيد العتق من النيران وعيد الجود والكرم من الحنان المنان وعيد استجابة الدعاء من خالق الأرض والسماء يهنئون بعضهم بهذا العيد ويطلبون المزيد تلو المزيد من كرم الحميد المجيد ويسألون الله أن يعيد عليهم أيام رمضان بخيرها وبرها وفتحها ونصرها وطاعاتها وقرباتها لأنها أيام فلاح ونجاح لجميع المؤمنين ودعوا شهركم بالطاعة ولا تغفلوا عن تلك البضاعة فإنما الأعمال بخواتيمها لا تودعوها باللهو والغفلة فتختموا ملفكم بعمل غير مقبول بل أغلقوا دوسيه رمضان وملف الصيام بعمل مقبول حتى يتنزل الله لكم بالقبول التام والنور العام والجزاء الذي لا يعرف مداه إلا الله فإنه يطلع بنفسه على ملفات الصائمين ويحدد الأجر بنفسه على حسب تقوى المؤمنين ويقول سبحانه{كُلٌ عَمَلِ ابنِ آدَم لَهُ إلاَّ الصيامَ فَإنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ}[12]هو الذي يضع لكل صائم جزاءه وهو الذي يحدد له مكافآته وهو الذي يتحفه بوسام من الأوسمة الإلهية على حسب تقواه وطاعته لله في شهر رمضان 
[1] رواه ابن سعد وذكره في الفتح الكبير عن حمزة[2] عن ثور بن يزيد سليم الرازي في عَوَالِيه[3] رواه ابن حبان عن أبي هريرة[4] رواه أبو يعلى والطبراني في الكبير وابن خزيمة في صحيحه والبيهقي من طريقه عن أبي مسعود الغفاري[5] الطبراني عن ابن عبَّاسٍ[6] رواه البيهقي في شعب الإيمان وأحمد في مسنده والطبراني في الكبير عن عبد الله بن عمر[7] رواه أحمد في مسنده وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه والبيهقي في كتاب البعث والنشور عن أبي سعيد الخدري[8] رواه الترمذي في سننه وأحمد في مسنده والدارمي في سننه ومسلم في صحيحه عن أبي هريرة[9] رواه الأصبهاني في الترغيب والترهيب عن أبي هريرة[10] رواه ابن حبان في كتاب الثواب والبيهقي عن ابن عباس[11] البيهقى فى شعب الإيمان عن ابن عباس[12] متفق عليه.

منقول من كتاب [الخطب الإلهامية رمضان وعيد الفطر]
للتحميل والمطالعة مجانا اضغط على الرابط :

الخطب الإلهامية ج5 شهر رمضان وعيد الفطر [
ونحن في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان وقد صحبناه كل

دورة التقوى الرمضانية



ونحن على وشك الانتهاء من هذه الدورة الإيمانية التي عقدها لنا ربُّ البرية هذه الدورة التي ليس لها مثيل في دنيا الناس فلا يوجد في العالم كله دورة يشترك فيها ما يزيد عن الألف مليون من البشر رجالاً ونساءاً شيوخاً وشباناً أطفالاً وبالغين الكل يشتركون بأمر ربِّ العالمين في هذه الدورة الإيمانية السنوية لمدة شهر كامل وهم في بيوتهم وهم في بلدانهم وهم في أماكن عملهم يشتركون بأرواحهم وقلوبهم في هذه الدورة التي نظمها لهم المولى فنريد أن نتلمس بعض البواعث التي من أجلها فرض علينا الله هذه الدورة الإيمانية إن كل ما وقف عنده الحكماء والأطباء أن هذه الدورة الغرض منها تنقية المعدة وإصلاح شأنها ثم بعد ذلك إصلاح الجسد الحامل لها وهذا شئ عظيم وأمر كريم ولكنه ليس الهدف الأساسي كما بيّن الله في قرار التخصيص فقد قال في قرار إنشاء هذه الدورة {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} فكان الهدف من هذه الدورة أن يصل المؤمن إلى مقام التقوى وأن يتعلق بحبل التقوى وأن ينضم إلى كتيبة الأتقياء وإلى صفوف الأنقياء وأن يكون فرداً في جيش سيد الأنبياء يحارب جحافل الظلام ويحارب كتائب الشيطان ويحارب الضلال في أي مكان ويحارب الرذيلة أينما توجهت وينشر الفضيلة أينما حلّ أو ذهب يسعى بين الناس بالأخلاق ويزيل من بينهم النفور والخلاف والشقاق يمشي بعد هذه الدورة في دنيا الناس طبيباً ربانياً معه الأدوية المحمدية والأشفية الربانية يعالج الناس بها من أمراض النفوس ولو بحثنا في الكون ما وجدنا مصحات لعلاج النفوس من أمراض الأخلاق نعم نجد مستشفيات لعلاج الأجسام وما أكثرها وما أوسعها وما أكثر العاملين بها أو للعلاج من الأمراض النفسية التي يدسها الأطباء مثل الفصام والرهاب وغيرها لكن علاج النفوس من أمراض الأخلاق وسوء الطباع من الغضب ومن الغيظ ومن الحقد ومن الحسد ومن الحرص ومن الطمع ومن الغيرة ومن النفور ومن الشقاق أروني في العالم كله مصحة نفسية تعالج الناس من هذه الأمراض الأخلاقية مع أنها سبب ما نحن فيه من مشكلات وكل ما نحن فيه من خلافات ومنازعات إن ما بيننا وما يحدث في مجتمعنا من قضايا النصب والاحتيال ومن السرقة والرشوة وغيرها من أنواع المشكلات إنما سببها فساد الأخلاق وسوء الطباع وعدم اهتدائنا بهدى النبي المختار وشمائل أصحابه الأبرار ولا يوجد مصحة في عالم البشر تعالج هذه الفِطَر إلا المصحة الإيمانية التي خلقها وأوجبها علينا فاطر البشر وخالق القدر وأوجب علينا جميعاً أن ندخلها بالاحتساب وصدق الإيمان ونتنبّه إلى ما فيها من طوابير أخلاقية بيّنها لنا النبي العدنان وهذه هي الغاية الكبرى من هذه الدورة أن نأتي بنفوسنا وندخلها في ورشة الإصلاح الربانية لتنصلح أخلاقها ليذهب شرها وليكمل خيرها وليظهر برها حتى إذا خرجت من هذه الدورة سارت النفس طوال العام على هدى من كتاب الله وعلى هدى من سنة رسول الله وعلى هدى من أخلاق السلف الصالح إن النفس في غيبتها عن التقى وغيبتها عن مراقبة الرقيب تفعل أعاجيب الشرور تسطو على الضعيف وتسرق القوي وتضرب بيد من حديد على الضعفاء والمساكين لخلوها من نوازع الرحمة التي تأتي من مراقبة رب العالمين ولذلك نجد كل يوم صفحات المجلات والجرائد تأتي لنا بالأخبار التي لا تصدق والأحوال الغريبة التي عندما نقرأها نتذكر أننا في غابة من الغابات ولسنا في مجتمع إسلامي أو مجتمع إيماني لأن ما يحدث في هذه المنازعات هو أدنى من أحوال الحيوانات بل إن الحيوانات بعضها عنده فضائل تغلب على بني الإنسان فالكلب مثلاً لا يأكل لحم أخيه الكلب الميت أبداً يأكل لحم الميتة ويأكل الجيف ويأكل القاذورات لكنه لو وجد أخاه مُلقاً على مزبلة لا يقرب منه ولا يقترب من لحمه ولا يمضغه بأسنانه فما بالك بالإنسان الذي يأكل لحم أخيه ميتاً يجلس مع أخيه على نهش لحم أخيه وعلى الكلام في عرض أخيه وعلى الحديث بما يسوء أخاه وعلى محاولة جلب الشر لأخيه وعلى محاولة العمل على إفساد شأن أخيه أليس هو في هذا الخلق يتدنى عن مرتبة الكلب مرتبة آدمية لكنها في الحقيقة أخلاق حيوانية إن هذا هو ما يعالجه الصيام يجعل النفوس تطهر لحضرة القدوس وتراقب الله وتصل إلى مقام مراقبة الله وإلى مقام يعتقد صاحبه أن الله مطلع عليه ويراه وأنه يراقبه في الخلوات كما يراقبه في الجلوات وأنه يعلم منه خفيات الصدور وحركات العيون ويعلم منه حتى الخواطر القلبية التي لم تخرج إلى حيز التنفيذ فإذا علم أن الله مطلع عليه ويراه فإنه يتجه بالعمل إلى الله يعامل الله في الخلق ويعامل الخلق في الله فيقوم مراقباً لله يعمل لأن الله يراه ولا ينتظر الأجر في عمله إلا من الله إذا صنع معروفاً فإنما يصنعه من أجل الله ولا ينتظر الأجر عليه إلا من الله وإذا امتنع عن شر فلمعرفته لأن الله يراه وهو لا يريد أن يسوء نفسه أو يشوه صورته أمام خالقه وباريه فإنه إذا اطلع عليه وهو في المعصية غضب عليه وإذا غضب عليه حلّ به عذابه وسخطه وهو لا يريد أن يخرج من هذه الحياة إلا بقول الله {رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} إنما عقدت هذه الدورة الإيمانية لإصلاح أخلاق الأمة المحمدية فإذا خرجنا من هذه الدورة وقد أتممناها بنجاح وجاء العيد قد عدنا بفضل الله وبركات هذه الدورة الإيمانية عُدْنا إلى سيرتنا الأولى وعُدْنا إلى حالتنا الأولى التي كنّا فيها عند الله عندما خلقنا قبل هذه الحياة وأجلسنا على بساط الصفاء وخاطبنا بما أخبر به بكلامه{أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} فيخرج الإنسان من هذا الشهر وقد زال ما في جعبته من الحقد على فلان أو الكره لفلان أو البغض لفلان أو حُبّ الشر لفلان أو الرغبة في الانتقام من فلان أو الحب لغش فلان وفلان يُفْرغ ما في جعبته [ما في جعبة النفس] والنفس هي التي فيها هذه الجعبة القذرة تملؤها بالشرور وتغمرها بالآثام وتلقي إليك بما فيها آناء الليل وأطراف النهار عن طريق الوساوس الشيطانية والإذاعة النفسانية كيف ذلك؟إنك عندما تختلي بنفسك تجدها توسوس لك بما أحدثه لك فلان وبما فعله معك فلان وما الذي تفعله معه؟ كيف ترد شرفك وكرامتك؟وكيف تنتقم لشخصك؟وكيف تعامله بالمثل؟كل هذا من بضاعة النفس التي تخزنها في مخازنها وفي هذا الشهر الكريم يقوم المولى العظيم إذا ألقيت نفسك في ورشة القرآن الكريم بإفراغ ما في النفس من هذه الأوحال ومن هذه الخصال ويملؤها بخصال الخير وبصفات البر يملؤها بالحب لكل مسلم ويملؤها بالرحمة لكل مؤمن ويملؤها بالرغبة في صلة الأرحام ويملؤها بالرغبة في بر الوالدين ويملؤها بالرغبة في حبور عباد الله وإدخال السرور على الفقراء والمساكين منهم في شتى بقاع الأرض فتخرج النفس وقد امتلأت بحب الخير وقد امتلأت خزانتها على مصراعيها بصنوف البر فيخرج الإنسان من هذا الشهر الكريم وقد امتلأ من رأسه إلى أخمص قدميه بتقوى الله وبمراقبة الله وبالرغبة في العمل لما يرضي الله ولما ينال به لشرف بعدما يخرج من هذه الحياة هذا هو الغرض الأساسي من مدرسة التقوى التي يقول فيها رسول الله مبيناً لنا المنهاج فيها {إذا صمت ليصم سمعك وبصرك ولسانك ويدك}[1] وتقوم المدرسة الإيمانية بالتدريب العملي على هذه الأعمال التقية النقية لمدة شهر كامل تأمرك فيه تعاليم المدرسة ألا تغضب إذا استغضبت وألا ترد إذا شتمت حتى إذا شتمت تقول لك لا ترد بالمثل بل قل {إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ}[2]أي إني طالب في هذه المدرسة الإيمانية ومشترك في هذه الدورة الروحانية ومن مواد دراستي التي ألتزم بها وبتطبيقها أنني صائم عن الخطايا وصائم عن الدنايا وصائم عن الأخلاق الفاسدة بالإضافة بالطبع إلى صيام المعدة عن الطعام والشراب فإذا خرجت من هذا الشهر وقد طبقت هذا البرنامج التدريبي شهراً كاملاً كنت كذلك إذا خاطبك إنسان بالقبيح انصرفت عنه ولم تقابله إلا بكل خير ومليح وكنت كما قال ربُّ العالمين { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً } ولذا دعونا ننظر إلى رجل واحد من الذين تخرجوا من هذه المدرسة والذي فيه الأسوة لنا أجمعين نأخذ مثالاً واحداً من الصف الأول الذين تخرجوا من هذه المدرسة، والذين نجد أوسمتهم معلقة في صدور الملكوت الأعلى لمن خلفهم وهو الإمام علي يأتي إليه رجل ويأخذ يسبّه ويشتمه ويزيد عليه وهو لا يلتفت إليه ولا يكلمه حتى إذا وصل إلى الشارع الذي به نزله التفت إليه وقال : يا أخا الإسلام إن كان عندك شئ آخر فأت به قبل أن يراك أحد من الأولاد فيؤذيك فتعجب إنسان كان يراقب الموقف من بعيد وقال يا أمير المؤمنين إلى هذا الحد قال وأكثر من هذا:
يخاطبني السفيه بكل قبح فأكره أن أكون له مُجيباً
يزيد سفاهة وأزيد حلماً كعود زاده الإحراق طيباً

إنه تعلم في مدرسة الصوم {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } انظروا إلى العالم أجمع من يعلِّم هذه التعاليم؟ من يُدرّب عملياً أبنائه وطلابه على هذه الأخلاق العلية وعلى هذه التعاليم الربانية إلا ربّ البرية ونبيه المصطفى خير البرية في شهر التقوى والدورة الإيمانية ثم انظروا إلى موقف آخر في تقواه حتى مع عدو من أعداء الله هذا كان موقف مع رجل من أهل الإيمان وهذا موقف مع رجل من أعداء الرحمن التقى مع فارس من فرسان الكفار في معركة حربية وحدث بينهما مبارزة فتقاتلا حتى وقع فرسهما ثم نزلا وتقاتلا بالسيف حتى تكسر سيفيهما ثم دخلا في مصارعة وانتهت بأن حمله الإمام علي وأوقعه على ظهره وبرك فوقه وأخرج خنجره ليقتله بعد هذه المعركة الشرسة وإذا الرجل يتْفل في وجهه (يبصق) ماذا فعل الإمام علي؟ قام وترك الرجل فتعجب الرجل وقال كيف تركتني بعد أن تمكنت مني؟اسمعوا إلى خريج مدرسة الإيمان والتقوى ماذا يقول؟ قال: كنت أقاتلك لله فلما تفلت في وجهي خفتُ أن أقتلك انتقاماً لنفسي فأحرم الأجر من ربي فقال: وهل تراقبون الله في هذه المواطن؟ قال: وفي أدّق منها خرجوا من مدرسة التقوى ومعهم الرقيب ومعهم قول الرجل الصالح:
إذا ما خلوْتَ الدّهرَ يوْماً فلا تَقُلْ خَلَوْتُ ولكِنْ قُلْ عَليّ رَقيبُ
ولا تَحسبَنّ اللّهَ يُغْفِلُ ما مضَى وَلا أنّ ما يَخفَى عَلَيهِ يَغيبُ
فَيا لَيتَ أنّ اللّهَ يَغفِرُ ما مضَى ويأذَنُ في تَوْباتِنَا، فنَتُوبُ
فأحْسِنْ جَزاءً ما اجْتَهَدتَ فإنّما بقَرْضِكَ تُجزَى والقُرُوضُ ضُرُوبُ

ولذا أكرمهم الله وجعل لهم حفل تكريم إلهي في يوم الجائزة وهو يوم الفطر فيستعدون للتكريم ويجلسون بين يدي المولى بالخشوع والتعظيم فيحضر معهم الملائكة الكرام ويحفّونهم بأجنحتهم ويوقظونهم من بيوتهم ويخرجون في صبيحة هذا اليوم ويقفون على أبواب الطرقات ويقولون يا أمة محمد أخرجوا إلى رب كريم يعطي الأجر الجزيل ويغفر الذنب العظيم وآخرون يجلسون على أبواب المساجد ومعهم سجلات التشريفات الإلهية يسجلون فيها كل من حضر إلى ديوان رب البرية ليسجل اسمه في القصر الإلهي في بيت الله وبيت الله هو المسجد وزواره هم ضيوف الله وهم عمار المساجد يسجلون أسمائهم في ديوان التشريفات فإذا دخل الإمام غلقت الصحف وطويت وجفت الأقلام وجلسوا معهم يصلون معهم صلاة الشكر لله وهي صلاة العيد فما هي إلا شكر لله على نعمة التوفيق للصيام وعلى نعمة التوفيق للقيام وعلى نعمة المغفرة للذنوب وعلى نعمة رفع المقامات عند الحبيب المحبوب فيشكرونه فإذا شكروه استمعوا إلى الواعظ وهو يذكرهم بفضله عليهم وبنعمه السابغة عليهم فإذا انتهوا من هذا المقام وشكروا الله على ما أولاهم وعظموه على ما أعطاهم استمعوا إليه وهو يقول {يَا عِبَادِي سَلُونِي فَوَعِزَّتِي وَجَلاَلِي لاَ تَسْأَلُونِي الْيَوْمَ شَيْئاً فِي جَمْعِكُمْ لآِخِرَتِكُمْ إلاَّ أَعْطَيْتُكُمْ وَلاَ لِدُنْيَاكُمْ إلاَّ نَظَرْتُ لَكُمْ انصرفوا مغفوراً لكم لقد أرضيتموني ورضيت عنكم}[3] فهنيئاً لكم بصيام هذا الشهر الكريم وأبشروا بالأجر العظيم من المولى الكريم فإنه قد فتح لكم جميع خزائن فضله وجميع أبواب كرمه ليغدق عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ويدعوكم للتكريم في يوم التكريم ولذا أمركم النبي الكريم بأن تدخلوا إلى الله وأن تذهبوا للقاء الله بما يليق بعظمة هذا الموقف الكريم فصلاة العيد حفل تكريم للمؤمنين يشهده ربُّ العالمين ويشهده الملائكة المقربون ويشهده جميع عباد الله الصالحون في ملك الله وملكوته فإذا دُعيت لهذا الحفل فأحيي ليلة العيد لقول النبي {مَنْ أَحْيَا ليلةَ الفِطرِ وليلةَ الأضحى لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يومَ تَمُوتُ القُلُوبُ}[4] لا تحييها بجوار التليفزيون أو تحييها بالانهماك في الملذات ولكن أحييها بالاستغفار على ما فات وأحييها بالشكر على ما هو آت فأنت مقبل على حفل تكريم الله على ما صنعت في هذا الشهر الكريم وأنت في هذا الشهر الكريم ربما قصرت وربما هفوت وربما أذنبت فتقضي هذه الليلة في التوبة إلى الله والاستغفار بين يدي الله على ما حدث منك من ذنوب وسيئات في هذا الشهر فإذا أصبح الصباح اغتسلت ولبست أحسن ما عندك من الثياب وتطيبت وخرجت من بيتك وأنت تلبي نداء الله وتكرر ما أخبرك به رسول الله تخرج من البيت وأنت تعظم الله وتقول{الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً} وتكرر هذا الكلام في بيتك وفي طريقك حتى تصل إلى بيت الله فتجد إخوانك في انتظارك يكررون هذا الكلام ولذا يكون حال المسلمين في تلك الساعة في بيوتهم و في شوارعهم و في مساجدهم الكل يلهجون بالتكبير للعلي الكبير وقبل أن تخرج لأداء هذه الصلاة تتأكد من إخراج الزكاة لأنها حق الفقراء والمساكين وبها يطيب عملك ويُرْفع ديوانك إلى رب العالمين فلا تخرج من بيتك إلا وقد تأكدت بأنك قد وفيتها حقها وأخرجتها إلى مستحقها فإذا صليت مع المسلمين فاجلس لسماع الوعظ من العلماء العاملين فتلك سنة خير المرسلين وبعد هذه السنة الحميدة تذهب إلى إخوانك المسلمين تصافحهم وتسلّم عليهم وعبادة هذا اليوم المخصوصة هي المصافحة ليست قراءة القرآن وليست الصلوات النّفلية وليست أي أنواع أخرى من العبادات عبادة يوم العيد هي مصافحة المسلمين وتهنئتهم بهذه المناسبة الكريمة والمصافحة نفسها ما أجرها؟يقول فيها النبى{إنَّ المُسْلِمَ إذَا صَافَحَ أَخَاهُ تَحَاتَّتْ خَطَايَاهُمَا[أي نزلت ذنوبهما]كَمَا يَتَحَاتُّ وَرَقُ الشَّجَرِ }[5] أي كما ينزل ورق الشجر والعبادة الثانية هي النظر إذا نظر المسلم في وجه أخيه نظرة حب وصفاء ومودة كم في هذه من الأجر استمع إلى الرسول الكريم وهو يقول {نظرة في وجه أخ في الله على شوق خير من اعتكاف في مسجدي هذا عاماً ً}[6] فعبادتكم في ذلك اليوم النظر في وجوه المسلمين بالبشاشة وبالمحبة والسرور بالبشر والترحاب ومصافحة المؤمنين والتواد بين المؤمنين وصلة الأرحام والعطف على الفقراء والمساكين والأيتام تلك هي عبادتكم طوال هذا اليوم الكريم فإذا رجعت إلى بيتك ترجع إليه من طريق غير الطريق الذي ذهبت منه إلى المسجد لأداء صلاة العيد تلك هي سنن العيد نجملها فيما يلي: إحياء ليلة العيد في طاعة الله الحلق والتقصير تقليم الأظافر الاغتسال ليلة العيد أو في صبيحة العيد التطيب يعني وضع الرائحة العطرة التكبير من بعد صلاة الفجر إلى حين رقي الإمام إلى المنبر مصافحة المسلمين والتوادد والتحابب بين المؤمنين العطف على الفقراء والمساكين كسنة خير المرسلين فإنه مرّ في يوم العيد فوجد غلاماً منتبذاً[وحيداً]لا يلعب مع بقية الصبيان فقال له:يا غلام لم لا تلعب مع الصبيان؟ قال: لأني يتيم ليس لي أب ولا أم فأخذه وربَّت عليه قائلاً: أما ترضى أن أكون لك أباً وعائشة لك أماً وفاطمة لك أختاً فأخذه وأبدله بالسرور والحبور وجعله يحس ببهجة العيد وبمعنى العيد كما يحس به جموع المؤمنين ثم يرجع إلى بيته من طريق آخر تلك هي سنة العيد فحافظوا عليها وقوموا بها

[1] عن جابر في مصنف ابن أبي شيبة[2] عن أبي هريرة في مسند أبي يعلى[3] عن ابن عباس، رواه الشيخ ابن حبان في كتاب الثواب والبيهقي[4] عن أبي الدرداء. رواه البيهقي في السنن الكبرى[5] عن البراء بن عازب، رواه أبو داود في السنن والبيهقي[6] عن ابن عمرو، رواه السيوطي.
منقول من كتاب [الخطب الإلهامية رمضان وعيد الفطر]
منقول من كتاب [الخطب الإلهامية رمضان وعيد الفطر]
للتحميل والمطالعة مجانا اضغط على الرابط :

الخطب الإلهامية ج5 شهر رمضان وعيد الفطر [
ونحن على وشك الانتهاء من هذه الدورة الإيمانية التي عقدها







الأعمال الرافعة فى رمضان



صدقة الفطر
هي ما يخرجه المسلم من ماله للمحتاجين طهره لنفسه وجبراً لخلل الصوم وهي واجبة لسد حاجة الفقراء والتوسعة عليهم وإدخال السرور على قلوبهم ورد في الحديث {فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ}[1] ومقدارها : صاع عن كل فرد من غالب قوت البلد = 2,5كجم تقريباً تجوز الزيادة ولا يجوز النقص وأجاز بعض الأئمة إخراجها قيمة قاله الحنفية وجماعة من التابعين ورواية مخرجة عن الإمام أحمد والإمام الرملي من الشافعية والباحثون الشرعيون بجامعة الأزهر بمصر (الفقه) ومجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ودار الإفتاء المصرية وغيرهم ويخرجها من يملك قوت نفسه وقوت من يعول ليلة عيد الفطر ويومه فهي تلزم المسلم عن نفسه وعمن تلزمه شرعاً نفقته من زوجة وأولاد وغيرهم وهي على الصائم وغير الصائم الصحيح والمريض المقيم والمسافر الكبير والصغير الحر والعبد البالغ وغيره وتجب عن الجنين إذا ولد حياً قبل صلاة عيد الفطر ولا تجب على من مات قبل غروب شمس آخر يوم من رمضان وتجوز فيها الوكالة والنيابة لأمين فرد أو هيئة وتجب بدخول فجر يوم عيد الفطر عند الحنفية وبغروب شمس آخر يوم من رمضان عند الشافعية والحنابلة وأجاز المالكية والحنابلة إخراجها قبل وقتها بيوم أو يومين وأجاز الشافعية إخراجها من أول دخول رمضان لأنها تجب بسببين: بصوم رمضان والفطر منه فإذا وجد أحدهما جاز تقديمه على الآخر ولعل هذا هو المناسب لعصرنا الآن وتخرج للفقراء والمساكين وكذلك باقي الأصناف الثمانية التي ذكرها الله تعالى في آية مصارف الزكاة {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }ولقول النبي{ أَغْنُوهُمْ عَنْ طَوَافِ هَذَا الْيَوْمِ }[2] 

العمرة في رمضان
العمرة هي زيارة بيت الله الحرام بمكة المكرمة لأداء المناسك وهذه العمرة لها ثواب كبير ويضاعف أجرها إذا وقعت في شهر رمضان ففي الحديث {عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ كَحَجَّةٍ مَعِي}[3] وخاطب الرسول بعض النساء فقال { إِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ حَجَّةٌ}[4] أي كحجة في الثواب وإذا كانت العمرة في رمضان له ثواب مثل ثواب الحج إلا أنها لا تُسقط الحج عمن عليه الفريضة
صلاة العيد
للمسلمين عيدان مرتبطان بعبادتين من أهم العبادات في الإسلام وهما: عيد الفطر وعيد الأضحى قال أنس{قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فَقَالَ: مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟ قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ}[5] سُمي العيد عيداً لأنه يعيد الله إلى عباده به الفرح والسرور في يوم عيدهم وقيل: إنما سُمي عيداً لأن فيه عوائد الإحسان من الله وفوائد الامتنان منه للعبد وقيل لأنه يعود العبد فيه إلى التضرع والبكاء ويعود الرب فيه إلى الهبة والعطاء وقيل إنهم عادوا إلى مثل ما كانوا عليه من الطهارة وقيل: معناه عادوا من طاعة الله إلى طاعة الرسول من الفريضة إلى السُنَّة ومن صوم رمضان إلى صوم ستة أيام من شوال وقيل: إنما سُمي عيداً لأنه يقال للمؤمنين فيه: عودوا إلى منازلكم مغفوراً لكم ويُسن إحياء لياليهما: بطاعة الله وتلاوة القرآن وغير ذلك من العبادات للحديث{مَنْ قَامَ لَيْلَتَيِ الْعِيدَيْنِ مُحْتَسِبًا لِلَّهِ لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ }[6] ويحصل الإحياء بمعظم الليل وقيل بساعة منه وعن ابن عباس {بصلاة العشاء جماعة والعزم على صلاة الصبح جماعة} والدعاء فيهما ويستحب الغسل والطيب للعيدين، من خرج للصلاة ومن لم يخرج لها ويستحب لبس الحسن من الثياب للقاعد والخارج ففي حديث ابن عباس{كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ الأَضْحَى }[7] وروى عن الحسن بن عليّ قال{أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ فِي الْعِيدَيْنِ أَنْ نَلْبَسَ أَجْوَدَ مَا نَجِدُ، وَأَنْ نَتَطَيَّبَ بِأَجْوَدَ مَا نَجِدُ}[8] ويستحب أن يتزين الرجل ويتنظف ويحلق شعره ويستحب أن يستاك وفي عيد الفطر يُسن أكل شيء حلو قبل الخروج للصلاة أما في عيد الأضحى فيؤخر الأكل إلى ما بعد الصلاة ويسنُّ أن يخرج إلى المـُصَلَّى ماشياً وعند العودة إلى داره ماشياً من طريق آخر وأن يُكَبِّر في الطريق إلى المـُصلَّى وفي المـُصلَّى والتكبير إلى صلاة العيدين والتهنئة بالعيدين سُنَّة ومن الصيغ المشهورة في كتب العلم (يتقبل الله منا ومنكم) وحث الشرع على إحياء ليلتي العيدين بالذكر والتكبير ويبدأ التكبير في عيد الفطر من رؤية الهلال ليلة العيد حتى يغدو الناس إلى المـُصلَّى وحتى يصعد الإمام على المنبر أما في عيد الأضحى فيبدأ التكبير من صبح يوم عرفة إلى عصر اليوم الرابع من أيام العيد لقوله تعالى {وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ} ويستحب التكبير سواء في المسجد أو في الطريق أو في المجالس قبل الصلاة أو بعدها في أيام التشريق وصلاة العيدين ركعتان بلا آذان ولا إقامة وهي واجبة عند أبي حنيفة وفرض كفاية عند أحمد وسنَّة مؤكدة عند الشافعي ومالك على من تجب عليه صلاة الجمعة وتصح فرادى وجماعات ووقتها يبدأ عند ارتفاع الشمس قدر رمح وهو الوقت الذي تحل فيه النافلة (وقدره عشرون دقيقة تقريبا) ويمتد وقتها إلى زوال الشمس عن وسط السماء ويُسن قضاؤها إن فاتت ويستحسن أداؤها في الصحراء في غير مكة وذلك بخلاف الشافعية فإنهم قالوا: إن أدائها بالمسجد أفضل لشرفه إلا لعذر فتسن في الصحراء وصلاة العيد ركعتان تجزئ إقامتهما كصفة سائر الصلوات وسننها وهيئاتها- كغيرها من الصلوات – وينوي بها صلاة العيد هذا أقلها أما الأكمل في صفتها فأن يُكَبِّر في الأولى سبع تكبيرات سوى تكبيرة الإحرام وتكبيرة الركوع وفي الثانية خمساً سوى تكبيرة القيام والركوع والتكبيرات قبل القراءة لما روي أن رسول الله{كَبَّرَ فِي الْعِيدَيْنِ يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ الأَضْحَى سَبْعًا وَخَمْسًا، فِي الأُولَى سَبْعًا وَفِي الآخِرَةِ خَمْسًا سِوَى تَكْبِيرَةِ الصَّلاةِ }[9] والسُنَّة أن تصلي جماعة وأن يرفع يديه مع كل تكبيرة ويستحب أن يقف بين كل تكبيرتين بقدر آية يذكر الله والسُنَّة أن يقرأ بعد الفاتحة بـ (الأعلى) في الأولى و (الغاشية) في الثانية، أو بـ (ق) في الأولى و (اقتربت) في الثانية والسُنة أن يجهر فيهما بالقراءة والسُنَّة إذا فرغ من الصلاة أن يخطب على المنبر خطبتين يفصل بينهما بجلسة والمستحب أن يستفتح الخطبة الأولى بتسع تكبيرات، والثانية بسبع لو جاء العيد في يوم الجمعة وجب أداء كل صلاة منهما في وقتها المشروع عند الأئمة الثلاثة أما الإمام أحمد فقد ذهب إلى عدم وجوب الجمعة فإذا لم تُصَلَّ وجب الظهر فعن أبي هريرة قال رسول الله{قَدِ اجْتَمَعَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ فَمَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ مِنَ الْجُمُعَةِ وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى}[10] وعليه فالأمر في ذلك واسع ما دامت المسألة خلافية ولا يعترض بمذهب على مذهب فتقام الجمعة في المساجد عملاً بالأصل والأحوط ومن كان يشق عليه حضور الجمعة أو أراد الأخذ بالرخصة تقليداً لقول من أسقط وجوبها بأداء صلاة العيد فله ذلك بشرط أن يُصلي الظهر عوضاً عنها من غير أن ينكر على من حضر الجمعة أو ينكر على من أقامها في المساجد أو يثير فتنة في أمر وسَّع سلفنا الخلاف فيه ومن السنن المستحبة في العيد : التوسعة على الأهل في العيد بأي شيء كان وتبادل التهاني والتزاور بين المسلمين والتأكيد على الصلة للأرحام والجيران وغيرهم والعطف على الفقراء والمساكين وأرباب الحاجات ليستغنوا عن السؤال في هذا اليوم والترويح عن النفس فيباح فيه الغناء المباح واللعب والسفر والتنزه لورود الأخبار والآثار الصحيحة في ذلك كخبر عائشة{ دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الأَنْصَارِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتْ الأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثَ قَالَتْ: وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا}[11]وحديث السيدة عائشة رضي الله عنها أيضاً{ إن النَّبِيُّ يَرْفَعُنِي فَأَنْظُرُ إِلَى لَعِبِ الْحَبَشَةِ }[12] 
فضل صيام ست من شوال

ومن الأعمال الصالحة المستحبة المتعلقة بشهر رمضان صيام ستة أيام من شوال لقول النبي{مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ}[13] ووجه الدلالة: أن الحسنة بعشر أمثالها لقول الله {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} فصيام شهر يساوي عشرة أشهر وصيام ستة أيام يساوي شهرين (ستين يوماً) فيكون من صام رمضان وست من شوال أصاب أجر صيام سَنَة وإن دام على ذلك كان كصيام الدهر كله قال النبي{جَعَلَ اللَّهُ الْحَسَنَةَ بِعَشْرٍ فَشَهْرٌ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَسِتَّةُ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ تَمَامُ السَّنَةِ}[14] والأَوْلى صيامها متتابعة عقب عيد الفطر وإن صامها متفرقة خلال شهر شوال فلا بأس هل يجوز الجمع بين القضاء من رمضان وثواب الست من شوال في عمل واحد؟ ذهب الشافعية إلى أن من يقضي رمضان في الست من شوال تبرأ ذمته بقضاء هذه الأيام من رمضان ويحصل له أجر الصوم في شوال ولكن مع التأكيد على أنه لا ينوي صيام الست من شوال وإنما ينوي صيام ما فاته من رمضان فقط وبوقوع هذا الصوم في أيام الست يحصل له الأجر، فإن فضل الله واسع وقد أفتى بذلك العلامة الرملي الشافعي رحمه الله في إجابة سؤال عن شخص عليه صوم من رمضان وقضاه في شوال هل يحصل له قضاء رمضان وثواب ستة أيام من شوال؟وهل في ذلك نقل؟ فأجاب فضيلته{بأنه يحصل بصومه قضاء رمضان وإن نوى به غيره ويحصل له ثواب ستة من شوال وقد ذكر المسألة جماعة من المتأخرين}[15]وبناء عليه فإنه يجوز للمرأة المسلمة أن تقضي ما فاتها من صوم رمضان في شهر شوال وبذلك تكتفي بصيام قضاء ما فاتها من رمضان عن صيام الأيام الستة ويحصل لها ثوابها لكون هذا الصوم قد وقع في شهر شوال وذلك لما ذكر وقياساً على من دخل المسجد فصلَّى ركعتين قبل أن يجلس، بنية صلاة الفرض أو سُنَّة راتبة فيحصل له ثواب ركعتي تحية المسجد
[1] أخرجه أبو داود وابن ماجة[2] سنن الدارقطني والسنن الكبرى للبيهقي[3] المعجم الكبير للطبراني[4] أخرجه البخاري[5] رواه أبو داود[6] أخرجه ابن ماجة والطبراني في المعجم الأوسط والبيهقي[7] أخرجه ابن ماجة في سننه والبيهقي في السنن الكبرى[8] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير والحاكم في المستدرك[9] أخرجه الدارقطني في سننه والبيهقي سننه[10] رواه أبو داود وابن ماجة والحاكم[11] أخرجه البخاري ومسلم[12] أخرجه ابن حبان[13] أخرجه مسلم وأبو داود وأحمد في مسنده[14] أخرجه النسائي في السنن الكبرى[15] فتاوى الرملي جـ2 ص66

منقول من كتاب [الصيام شريعة وحقيقة]
للتحميل أو المطالعة مجانا أضغط :
الصيام شريعة وحقيقة

صدقة الفطر هي ما يخرجه المسلم من ماله للمحتاجين طهره
[/CENTER]






قربات رمضان



قربات رمضان
أولاً: صلاة التراويح
وهي صلاة القيام في ليالي شهر رمضان والتراويح في اللغة: جمع ترويحه وهي المرة الواحدة من الراحة وسميت الترويحة بهذا الاسم في شهر رمضان لاستراحة القوم بعد كل أربع ركعات ولقد اتفق المسلمون على سُنِّية قيام ليالي رمضان عملاً بقول النبي{مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)[1]وخاصة الليالي العشر الأخيرة طلباً لليلة القدر فقال{اطْلُبُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ}[2] وكان رسول الله {إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ}[3] وهي سُنَّة مؤكدة للرجال والنساء وليست واجبة فمن تركها حُرِمَ أجراً عظيماً ومن زاد عليها فلا حرج عليه ومن نقص عنها فلا حرج عليه وتكون بعد صلاة ركعتي سُنَّة العشاء البعدية ويستمر وقتها إلى طلوع الفجر يُسن أن تكون في جماعة ويُسن أن يوتر بعدها وقد صلاها رسول الله ثماني ركعات كما ورد في الموطأ وصلاها إحدى وعشرون كما قال الحافظ في الفتح وصلاها سيدنا عمر بن الخطاب عشرين ركعة وهذا الأخير هو ما عليه عمل المسلمون سلفاً وخلفاً في اجتماعهم لهذه الصلاة وهو معتمد المذاهب الفقهية الأربعة أنَّ صلاة التراويح عشرون ركعة من غير الوتر وثلاث وعشرون ركعة بالوتر، وهذا بإجماع الصحابة من عهد عمر ويُستحب ختم القرآن في صلاة التراويح خلال شهر رمضان قال العلامة الدردير في الشرح الصغير{وندب الختم فيها: أي التراويح بأن يقرأ كل ليلة جزءاً يفرِّقه على العشرين ركعة} وجرت عادة الناس في عصرنا على تخصيص عدد من الركعات في آخر ساعات الليل غير صلاة التراويح سموها صلاة التهجد وذلك في الليالي العشر الأخيرة من رمضان وهو أمر محمود لما فيه من الالتماس لبركة هذا الوقت وللأحاديث الواردة في فضل قيامه وإجابة دعاء السائلين فيه وتحرِّياً لليلة القدر التي أمرنا أن نتحراها لفضلها والدليل على ذلك قوله تعالى {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً }
ثانياً: ختم القرآن
كان للسلف عادات مختلفة في قدر ما يختمون فيه فمنهم من كان يختم القرآن في اليوم والليلة مرَّة وبعضهم مرتين وانتهى بعضهم إلى ثلاث ومنهم من كان يختم في الشهر مرة ويُسن الدعاء عقب ختم القرآن لما رُوى عن النبي أنه قال{مَنْ خَتَمَ الْقُرْآنَ فَلَهُ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ}[4]قال النووي{قال السلف:يستجاب الدعاء عند الختم وتنزل الرحمة واستحبوا الدعاء بعد الختم استحباباً متأكداً وجاء فيه آثارٌ كثيرة ويلح في الدعاء ويدعو بالمهمات ويكثر من ذلك في صلاح المسلمين وصلاح ولاة أمورهم ويختار الدعوات الجامعة}[5] ويستحب حضور مجلس ختم القرآن استحباباً متأكداً فقد ثبت في الصحيحين أن النبي قال{لِتَخْرُجْ الْعَوَاتِقُ ذَوَاتُ الْخُدُورِ - أَوِ الْعَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الْخُدُورِ - وَالْحُيَّضُ فَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ}[6] ورُوي عن أنس{أنه كان إذا ختم القرآن جمع ولده وأهل بيته فدعا لهم }[7] ويُسن إذا فرغ من الختمة أن يشرع في أخرى عقب الختم لما رُوي عن ابن عباس أنه روى عن النبي{ قال رجل: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ قَالَ: وَمَا الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ؟ قَالَ: فَتْحَ الْقُرْآنَ وَخَتَمَهُ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ، وَمِنْ آخِرِهِ إِلَى أَوَّلِهِ، كُلَّمَا حَلَّ ارْتَحَلَ }[8]
ثالثاً: الاعتكاف

وهو : الإقامة الكاملة في المسجد وعدم الخروج في مدة معينة على نية التقرب إلى الله ومقصده وروحه إنما هو عكوف القلب على الله وجمعيته عليه والفكر في تحصيل مرضاته وما يقرب منه حتى لا يصير أُنسه إلا بالله واختُصَّ الاعتكاف بالمسجد لئلا تُترك به الجمعة والجماعة فإن الخلوة القاطعة عنها لا خير فيها ومن ثم سُئل ابن عباس عمن يصوم النهار ويقوم الليل ولا يشهد جمعة ولا جماعة فقال {هذا في النار}[9] والاعتكاف ثابت بالقرآن والسُنَّة والإجماع أما القرآن فقد قال الله تعالى {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}ومن السُنَّة عن عائشة قالت{ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ } [10] وعنها أيضاً قالت{ كَانَ النَّبِيَّ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ}[11] والاعتكاف مستحب في كل وقت سواء أكان في رمضان أم في غيره وهو في العشر الأواخر من رمضان أفضل منه في غيره لطلب ليلة القدر بالصلاة والقراءة وكثرة الدعاء فإنها أفضل ليالي السنة وليس للاعتكاف وقت محدد وأقله الزيادة على قدر الطمأنينة ولا حدَّ لأكثره واتفق العلماء على أنه يستحب لداخل المسجد أن ينوي الاعتكاف ولو كان مكثه يسيراً وشروط صحته : الإسلام والعقـــل والخلوُّ من الحدث الأكبر وأركانه : اللبث في المسجد -- النيَّـة – المعتَكِف - المعتَكَفُ فيه (وهو المسجد) ويجوز في جميع المساجد وأجاز بعضهم للمرأة أن تعتكف في مسجد بيتها ويستحب للمعتكف أن يذكر الله، ويسبحه ويستغفره ويُصلِّي على النبي ويتلو القرآن ويذاكر العلم ولا يشغل نفسه بما لا يعنيه ويُكره له الصمت عن الكلام ويُستحب له الخروج لقضاء حاجته وأن يتطيب ويحلق رأسه ويُقلم أظفاره وينظف بدنه ويلبس أحسن الثياب ولو خرج بغير عذر مباح فسد اعتكافه.
رابعاً: ليلة القدر

وتنزل فيها مقادير الخلائق إلى السماء الدنيا ويستجيب الله فيها الدعاء وهي الليلة التي نزل فيها القرآن العظيم وسميت ليلة القدر بذلك لأنه يقدر فيها ما يكون في تلك السَنَة لقوله تعالى{فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}وقيل: سميت به لعظم قدرها عند الله وقيل: لضيق الأرض عن الملائكة التي تنزل فيها وقيل: لأن للطاعات فيها قدر ويستحب طلبها في جميع ليالي رمضان وفي العشر الأواخر آكَد وفي ليالي الوتر منه آكَد، فقد قال النبي { تََحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنَ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ}[12] وعن عائشة قالت{ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ بِمَ أَدْعُو؟ قَالَ: تَقُولِينَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي }[13] ويستحب أن يجتهد المسلم فيها بطاعة الله وذكره والدعاء قال ابن قدامة في المغني{ قال بعض أهل العلم: أبهم الله تعالى هذه الليلة على الأمة ليجتهدوا في طلبها ويجِدُّوا في العبادة في الشهر كله طمعاً في إدراكها كما أخفى ساعة الإجابة في يوم الجمعة ليكثروا من الدعاء في اليوم كله وأخفى اسمه الأعظم في الأسماء ورضاه في الطاعات ليجتهدوا في جميعها وأخفى الأجل وقيام الساعة ليجِدَّ الناس في العمل حذراً منهما} وقد ورد في الحديث الشريف أنه من علامات ليلة القدر:أن تطلع الشمس لا شعاع لها فقد ورد عن أبي كعب في ذكر علامة ليلة القدر كما أخبر النبي أصحابه أن أمارتها{ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِهَا بَيْضَاءَ لا شُعَاعَ لَهَا}[14] وفي بعض الأحاديث{كَأَنَّهَا طَسْتٌ}[15] ورُوي عن النبي أنه قال{وَهِيَ طَلْقَةٌ[16] بَلْجَةٌ[17] لا حَارَّةٌ وَلا بَارِدَةٌ كَأَنَّ فِيهَا قَمَرًا يَفْضَحُ كَوَاكِبَهَا لا يَخْرُجُ شَيْطَانُهَا حَتَّى يَخْرُجَ فَجْرُهَا}[18] وقيل: إن المـُطَّلع على ليلة القدر يرى كل شيء ساجداً وقيل: يرى الأنوار ساطعة في كل مكان حتى في المواضع المظلمة وقيل: يسمع سلاماً أو خطاباً من الملائكة وقيل: من علاماتها استجابة دعاء من وفق لها ولا ينبغي أن يُعتقد أن ليلة القدر لا ينالها إلا من رأى الخوارق بل فضل الله تعالى واسع ورُبَّ قائم تلك الليلة لم يحصل منها إلا على العبادة من غير رؤية خوارق وآخر رأى الخوارق من غير عبادة والذي حصل على العبادة أفضل والعبرة إنما هي بالاستقامة بخلاف الخارقة فإنها قد تقع كرامة وقد تقع فتنة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله{مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ }[19]

[1] أخرجه البخاري ومسلم[2] أخرجه أحمد في مسنده والطبراني في المعجم الكبير[3] أخرجه البخاري ومسلم[4] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير[5] المجموع شرح المهذب[6] أخرجه البخاري والإمام أحمد في مسنده[7] أخرجه الدارمي[8] أخرجه الدارمي في سننه[9] اتحاف أهل الإسلام للهيثمي[10] أخرجه البخاري ومسلم[11] أخرجه البخاري ومسلم[12] أخرجه البخاري[13] أخرجه أحمد في مسنده[14] أخرجه مسلم[15] أخرجه أحمد في مسنده – والمعنى كأنها طست من نحاس أبيض[16] طيبة لا حرَّ فيها ولا برد[17] مشرقة[18] أخرجه ابن حبان في صحيحه[19] أخرجه البخاري ومسلم والترمذي
منقول من كتاب [الصيام شريعة وحقيقة]

للتحميل أو المطالعة مجانا أضغط :
الصيام شريعة وحقيقة

قربات رمضان أولاً: صلاة التراويح وهي صلاة القيام في ليالي

ليلة الجائزة ويوم العيد




أبشروا في هذا اليوم الكريم بمغفرة من الله ورضوان ونعمة من الله وإحسان فإنه هو الحنان المنان وهو الرءوف الكريم وهو العطوف الشفوق وعدنا جميعاً في هذا اليوم الكريم بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر من الفضل والإحسان إن هذا الوقت الذي نحن فيه الآن يحتفل فيه مثلنا جميع مخلوقات الله الكل قد اجتمعوا في أماكنهم الجن في أماكنهم والإنس في مساجدهم والملائكة يحفونهم بأجنحتهم من الأرض إلى السموات العلا وجميع مخلوقات الله الأخرى من الحيتان في البحار والحيوانات والدواب في القفار والحشرات والهوام في الفضاء الكل يجتمعون والكل يستمعون والكل يحضرون لهذا اللقاء الكريم الذي ليس له مثيل في دنيا الناس لأنه يقوم به رب الناس لما قام الصائمون بأمر الله وبتوفيق الله بالعمل على طاعة الله طوال شهر كامل حبسوا فيه أنفسهم عن الحرام والحلال حبسوا أنفسهم عن المفطرات ما ظهر منها وما بطن وأقبلوا على الله بالطاعات والقربات أراد ربهم أن يكافئهم وأن يهنئهم وأن يجازيهم وأن يحسن إليهم فجعل هذا اليوم وهذه الليلة هذه الليلة سماها ليلة الجائزة لأن الملائكة تبيت فيها تجهز لكل منكم جائزته التي قدرها له الله يبيتون في هذه الليلة ومعهم الصحف والأقلام واللوح المحفوظ قد ظهر فيه مراتب العباد وأجور الزهاد ولكل منكم قدر معلوم وأجر مقسوم حدَّده الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم فيجتمعون على اللوح المحفوظ ومعهم الأعمال يثبتونها لأصحابها ويحررون الكشوف فإذا كانت صبيحة العيد وهو اليوم السعيد الذي نجتمع فيه للشكر على ما أولانا الله وبالعمل بما أكرمنا الله فما جعلت هذه الليلة والصلاة إلا شكراً لله على أن وفقنا للصيام وعلى أن وفقنا للقيام وعلى أن آتانا بالمغفرة وعلى أن من علينا بالتوبة وعلى أن أعتق رقابنا من النار وعلى أن أعطانا أجر ليلة القدر جعلت هذه الصلاة شكراً لله على هذه النعم وغيرها التي قدرها الله على عباد الله المؤمنين الصائمين والصائمات فإذا اجتمع المسلمون لصلاة العيد ليؤدوا الشكر للحميد المجيد فإن هذه الصلاة ما أشبهها بحفل إلهي لتكريم الصائمين وحفل رباني لتكريم الطائعين وحفل ملكوتي لتكريم عباد الله المؤمنين والمؤمنات ولذلك يأمر الله الملائكة الكرام أن يقفوا على أبواب الطرق ينادون على المؤمنين ويقولون { يَا أُمَّةَ أَحْمَدَ اخْرُجُوا إِلى رَبَ كَرِيمٍ يُعْطِي الْجَزِيلَ وَيَغْفِرُ الْعَظِيمَ }[1] فتسمعهم جميع الكائنات إلا الثقلين أي الإنس والجن فيدعون المؤمنين إلى الخروج لهذا الحفل الكريم لأخذ الجائزة من الرب العظيم هذه طائفة وطائفة أخرى منهم يجلسون على أبواب المساجد ومعهم سجلات نورانية هي سجلات التشريفات الإلهية وكأن هذا المكان وكل مكان يماثله في الأرض إنما هو قصر جمهوري لاستقبال الزائرين لزيارة ربِّ العالمين كما قال النبي {الْمَسَاجِدُ بُيُوتِ اللَّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ زُوَّارُ اللَّهِ وَحَقٌّ عَلَى الَمْزُورِ أَنْ يُكْرِمَ زَائِرَهُ}[2] فيجلسون على أبواب بيوت الله يسجلون في كتاب الأحوال الإلهية وبأقلام الرحمة الربانية أسماء المسلمين الذين جاءوا لزيارة رب العالمين ولأخذ الجائزة من أكرم الأكرمين وأجود الأجودين فإذا دخل الإمام المسجد طويت الصحف وجلست الملائكة معكم الآن يسمعون ويسجلون ويباركون ويهنئون لجميع المسلمين ثم يتجلى الكريم اليوم بأسماء كرمه كلها وبأسماء إحسانه جميعها يتجلى باسمه الكريم ويتجلى باسمه الوهاب ويتجلى باسمه المحسن ويتجلى باسمه المعطي ويتجلى باسمه الرزاق ويتجلى بجميع صفاته الحسنى ويفتح خزائن كرمه بغير حساب وكأنه في هذا اليوم يفتح الكنوز للمؤمنين والمؤمنات ولا تظنوها كنوزاً حسية وإنما هي كنوز معنوية وكنوز روحانية ملكوتية توضع في صحيفة كل منكم وفي رصيد كل واحد منكم من المغفرة ومن الأجر ومن الثواب ومن العمل الصالح ما لا يستطيع أن يحسبه الحاسبون ولا يستطيع أن يعدّه العادون ولا يستطيع أن يعلم كنهه جميع المخلوقين مهما أوتوا من سعة العلم ومن قوة التحمل ومن قدرة الفكر لكنهم جميعاً عاجزين عن الأمر الكبير الذي سجله الحق في صحف الكرام الصائمين القائمين في هذا الشهر الكريم توفية لهم من الرب إن ما يعطيه الله لكم وما يصبُّه في صحفكم لو سمعتموه ولو ذقتموه لسجدتم في مكانكم إلى أن تخرج أرواحكم من أجسادكم شكراً لله على ما أولاكم وحمداً له على ما أعطاكم ولكنه سبحانه من شدة رحمته بنا وهو يعلم أن قلوبنا ضعيفة وعقولنا قاصرة لا تتحمل هذا الثواب ولا هذا القدر من الأجر الذي أخفاه لنا في هذه الحياة الدنيا حتى إذا جاء اليوم المعلوم وأعطيت قوة من قوة الله وقدرة من قدرة الله ونوراً من نور الله وبصراً من بصر الله وسمعاً من سمع الله أطلعت على ما أعطاك الله طرت من الفرح يوم لقاء الله وحملت كتابك بأكفك وصرت في وسط أهل الموقف تهلل وتقول{هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ}تقول الملائكة مهنئة{فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} ثم ينادي الجليل{كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ}فإذا سمعتم أن هذا اليوم يوم الجائزة لا تظن الجائزة شئ حسي تأخذه في يدك لأن الجائزة الحسية إنما نعطيها لصبياننا جماعة المسلمين أما رجال المؤمنين الذين أعد لهم ربُّ العالمين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر من الأجر والثواب والنور والنعيم المقيم والهناء السرمدي فهؤلاء جائزتهم محفورة بالنور الرباني منقوشة في الكتاب الصمداني مصورة وموضوع صورة منها عند رب العالمين وصورة منها في اللوح المحفوظ وصورة منها في سجلات كنوز الأعمال تحت عرش رب العالمين وصورة في السجلات التي يكتبها الكرام الكاتبون صور شتى من الأجر والثواب والنعيم المقيم الذي يعده لك ويجهزه لك الوهاب وتعالوا بنا جماعة الصائمين نستعرض بعض الأوسمة والنياشين التي يخلعها ربُّ العالمين على عباده المقربين في هذا اليوم الكريم فإنه ينعم وهو المنعم على هذه الأصناف التي قال فيها {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً} ينعم على بعضهم بالنياشين الإلهية وعلى صدور بعضهم بالأوسمة الربانية فمنا من ينعم الله عليه في هذا اليوم بوسام السعادة الأبدية وهنيئاً لمن نال هذا الوسام فإنه سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً تعرفون كم عدد المُنعم عليهم بهذا الوسام؟احسبوا إن كنتم من الحاسبين في كل ليلة من ليالي الشهر الكريم يُكتب كشف بمائة ألف من هذه الأمة ينعم عليهم الكريم بوسام السعادة الأبدية فإذا كانت ليلة الجمعة أنعم فيها على مثل ما أنعم في سائر الأسبوع فإذا كانت ليلة العيد أنعم فيها على مثل ما أنعم في سائر الشهر فهنيئاً للصائمين الذين فازوا بوسام السعادة الأبدية من رب العالمين والذين يقول فيهم ولهم ومكتوب في وسامهم {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ}فبشرى لأهل هذا الوسام وسام السعادة الأبدية من رب البرية ومنا من يُنعم عليه الله بوسام الاستقامة وما أدراك ما وسام الاستقامة إن صاحب هذا الوسام يأخذ هذا الوسام من الكريم ومكتوب فيه {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ} أهل وسام الاستقامة لا خوف عليهم في الحياة الدنيا ولا حزن عليهم يوم لقاء الله لا خوف عليهم من غضب الله ولا خوف عليهم من مقت الله ولا خوف عليهم من خروج الروح فإنهم آمنون في تلك الساعة وتخرج أرواحهم كما يريدون وكما يطلبون لأنهم منحوا وسام {أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} ومن المؤمنين من ينعم عليه في هذا اليوم بوسام الصدق ومكتوب فيه {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} هؤلاء الرجال الذين صدقوا مع الله فصلوا لله وصاموا لله وعملوا الطاعات لله ربِّ العالمين {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ}ومن المؤمنين ومنا جماعة المؤمنين من ينعم عليه في هذا اليوم الكريم بوسام المغفرة ولا يُحرم منه صغير أو كبير فكلنا بفضل الله وكلنا بتوفيق الله وكلنا بكرم الله نحصل على الأقل على وسام المغفرة كل مسلم منا صام هذا الشهر وكل مسلم قام هذا الشهر يحصل على وسام المغفرة الذي يقول فيه رسولكم الكريم {مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إيمَاناً واحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ}[3] فيبدل الله له الذنب فيخرج من هذا الشهر تقياً نقياً طاهراً لله ولذلك يقول رب العالمين وأكرم الأكرمين لكم جميعاً واسمعوا إليه وهو يخاطبكم فيقول { يَا عِبَادِي سَلُوني فَوَعِزَّتي وَجَلاَلِي لاَ تَسْأَلُونِي الْيَوْمَ شَيْئاً فِي جَمْعِكُمْ لاخِرَتِكُمْ إِلاَّ أَعْطَيْتُكُمْ، وَلاَ لِدُنْيَاكُمْ إِلاَّ نَظَرْتُ لَكُمْ، وَعِزَّتي لأَسْتُرَنَّ عَلَيْكُمْ عَثَرَاتِكُمْ مَا رَاقَبْتُمُونِي وَعِزَّتي لاَ أُخْزِيكُمْ وَلاَ أَفْضَحُكُمْ بَيْنَ يَدَيْ أَصْحَابِ الْحُدُودِ انْصَرِفُوا مَغْفُوراً لَكُمْ قَدْ أَرْضَيْتُمُوني وَرَضَيْتُ عَنْكُمْ }[4]
[1] البيهقى فى شعب الإيمان عن ابن عباس[2] رواه الطبراني في الكبير عن ابن مسعود[3] رواه البخاري في صحيحه والبيهقي في سننه وأبو داود في سننه عن أبي هريرة[4] رواه ابن حبان في الثواب والبيهقي عن ابن عباس.


منقول من كتاب [الخطب الإلهامية رمضان وعيد الفطر]
للتحميل والمطالعة مجانا اضغط على الرابط :

الخطب الإلهامية ج5 شهر رمضان وعيد الفطر [
 أبشروا في هذا اليوم الكريم بمغفرة من الله ورضوان[/CENTER]