Disqus for ومضات إيمانية

الثلاثاء، 31 يوليو 2012

الصيام عن الفضول

صيام عن الفضول




الصيام عن الفضول
{إذا رأيت المرء لا يكف عن الفضول
فاعلم أنه لا أمل له في الوصول}

فما هو الفضول؟ يريد أن يعرف كل شيء مثلاً أحد جيرانه خرج يريد أن يعرف لماذا خرج وسبب خروجه؟ ولو طلب أحد جيرانه رؤية أحد يريد أن يعرف لماذا طلبه وفي أي شيء سيكلمه؟ إذا لم يستطع الإنسان أن يقطع هذا الفضول فلا أمل له في الوصول ذو النون المصري جاءه رجل من جدَّة بالسعودية وقال له: يا سيدي سمعت أنك تعرف اسم الله الأعظم فجئت إليك طامعاً أن تعلمني اسم الله الأعظم فقال له: امكث عندنا فمكث احدي عشر عاماً والشيخ يراقبه لعله يقطع فضوله ووجد أن الفضول لا يقطع من عنده ولا يستطيع أن يبيح له بشيء من سرِّه ما دام الفضول كامن في نفسه والصالحون لا يبيحوا للمريدين شيئاً من علوم رب العالمين إلا إذا كان أعمي لا ينظر إلي أحد ولا تقع عينه إلا علي نور الواحد الأحد أصماً لا يسمع إلي الناس ولا تنتبه أذنه إلا إلي سماع كلام رب الناس أو سيد الناس أخرساً فلا يبدأ بالكلام إلا إذا كان ذكر للملك العلام فجاء الرجل بعد الإحدى عشر عاماً وقال: يا سيدي قد طالت مدتي وأريد أن أرجع إلي أهلي فعلمني اسم الله الأعظم فقال: تريد أن تعلم اسم الله الأعظم؟ قال: نعم، قال: غداً إن شاء الله وفي الغد جهَّز له صندوقاً وقال له: خذ هذا الصندوق وأوصله إلي أخي فلان بالروضة – وذي النون كان يسكن في الجيزة – حمل الرجل الصندوق ومشي علي كوبري الجيزة وإذا به يسمع خرخشة في الصندوق - ومعه الفضول - فقالت له نفسه: أتحمل الصندوق ولا تدري ما الذي فيه؟ هذا لا يصح والمريد دائماً يستمع إلي خواطر النفس ويسارع في تنفيذها ومع ذلك يطمع أن يفوز بمراد الله وهذا عجب العجاب "وخالف النفس والشيطان واعصهما" فأين مخالفة النفس؟ فكشف غطاء الصندوق وإذا بالشيخ كان قد وضع فيه فأراً فقفزت الفأرة في النيل ولم يستطع إرجاعها فرجع الرجل إلي الشيخ وهو كاسف البال حزين والشيخ عرفه عندما رآه قال: أوصلت الأمانة؟ فسكت قال يا أخي تريد أن تعرف اسم الله الأعظم وأنت لم تؤتمن علي فأرة؟ إذا كنت لم تؤتمن علي فأرة فكيف تؤتمن علي اسم الله الأعظم؟
هذب النفس إن رمت الوصول
غير هذا عندنا علم الفضول
والذي معه الفضول لن يسمح له بالوصول فعندما أراد الله أن يواجه إبراهيم وابنه إسماعيل بجمال الله وكمال الله وفضل الله أرسلهما إلي مكان ليس فيه شيء من مشاغل هذه الحياة ليتفرغا بالكلية إلي فضل الله وعطاء الله {بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} لماذا؟ {رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ} كيف يقيم القلب الصلة بالله وهو مشغول بالشهوات والحظوظ والأهواء في هذه الحياة؟ هذا لا يكون وَحِّد حتى تنل المقصد فلا بد من الصيام عن الفضول والفضول يلخصه لنا الحبيب فيقول {مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ المرْءِ تَرْكُهُ ما لا يعْنِيهِ} ما دام هذا الشيء لا يعنيني لماذا أشغل نفسي به؟ أشغل نفسي بما ينفعني أو بما يرفعني بما ينفعني في الدنيا أو بما يرفعني عند الله أما الذي يدفعني عن الله وعن طريق الله وهو شغلي بخلق الله – ماذا عمل فلان؟ وماذا سوَّى فلان؟وماذا كسب فلان؟ ماذا لى ولهذا الأمر إذا كنت مُعيَّناً في الجهاز المركزي للمحاسبات فمارس وظيفتك لكن لماذا أنت تعيِّن نفسك؟ عيِّن نفسك في الجهاز المركزي للمحاسبات علي نفسك حاسبها على هفواتها وعلى صغائرها وعلى خطراتها وعلى وارداتها وعلى أفعالها حتى تنال رضاء الله وهذا ما قال فيه الحبيب {طُوبَى لِمَنْ شَغَلَهُ عَيْبُهُ عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ}[2] إذاً لمن يريد الفتح لا بد من الصيام عن اللغو ومعه الصيام عن الفضول لمن أراد الوصول إذا صام الإنسان عن لغو الكلام واختاره الله واجتباه ليكون من أهل الفتح وجَّهه نحو قلبه ووجَّه قلبه إليه وأعانه على الصيام الموصل وهو الصيام عن السهو لا يسهو لحظة عن مولاه إن كان في نوم أو في يقظة أو في أكل أو في شرب أو في نكاح أو في عمل {رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ} هذا لا يسهو وإن سها الساهون ولا يغفل وإن غفل الغافلون وإنما هو المقصود بقول رب العالمين {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ} ومعناها الظاهر نحن نعرفه لكن معناها الحقيقي لأهل الحقيقة قياماً بحقوق العبودية لله وقعوداً عن رؤية النفس وفعلها وعلى جنوبهم ماتت نفوسهم وفنيت في الله فاحتيوا بالله وأصبح الذاكر على لسانهم هو الله إذاً هناك الصيام عن اللهو ثم الصيام عن اللغو ثم الصيام عن السهو وهذه هي الروشتة لمن أراد الفتح
وإن خطرت لي في سـواك إرادة
علي خاطري نَفَساً قضيت بردتي
هذا الصيام وهو صيام أهل الفتح حدده الله {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (لعلَّ) في القرآن بمعني اللام أي لتتقون أي لتصلوا إلي مقام من مقامات التقوى تصل إلى مقام الإحسان أو مقام الإيقان أو مقام المعية أو مقام العندية أو مقام اللدنية أو مقعد صدق عند مليك مقتدر أو تصوم الصيام الذي يقول فيه الحبيب{صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعَدَدَ}[3] صوموا من أجل رؤيته عز وجل والفطر هنا لا يكون إلا بعد رؤيته عز وجل فإن غم عليكم أي لم تصلوا إلى هذه الحقيقة فأكملوا عدة شعبان أي شَعِّبوا الجهاد وأكملوا العدة ثلاثين يوماً شَعِّب أنواع الجهاد وكَثِّر أنواع الجهاد حتى تنال المراد وهذا الذي يقول فيه الله في نص الحديث القدسي{ كلُّ عملِ ابن آدمَ له، إلا الصومَ فإنه لي وأنا أجْزي به}[4] يعني: بأنا رؤية جمالي وكمالي هي جزاء الصائمين[5] {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}وهذا الصائم له فرحتان: فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه لأن فطره لا يكون إلا بعد لقاء ربه وهو ما تشير إليه الآية ويفقهها أهل العناية فلم يقل الله (فمن حضر منكم الشهر فليصمه) وإنما قال {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}{وَمَن كَانَ مَرِيضاً } لعدم استطاعته جهاد نفسه{ أَوْ عَلَى سَفَرٍ} ما زال يجاهد للوصول إلي ربه وهو مسافر إلى ربه لكنه لم يصل في سفره إلى{وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى}{فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} يجاهد فيها نفسه ويصفي فيها قلبه ليفوز بما يبغيه من العطاء والنوال من ربه {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} أي يصومونه ولكن النفس تغالبهم وتنازعهم فـ: {فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} من وجد أنه غير قادر علي جهاد نفسه فليفتح لنفسه أبواب الصدقات والعطاءات للفقراء والمساكين إطعام مسكين فإن زاد فهو خير له لأنه أسرع ما يوصل الإنسان إلي رضا الرحمن الإنفاق وكان النبي أجود بالخير في رمضان من الريح المرسلة حتى قيل فيه:
تعود بسط الكف حتى لو أنه
طواها لقبض لم تطعه أنامله
كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر وهذا أمر الصالحين من أعطى البعض أخذ البعض ومن أعطى الكل أخذ الكل ومقامك عند الله على قدر عطائك للفقراء من خلق الله حتى فرض الله على أهل الفتح ليفوزوا بالمناجاة أن يقدموا بين يدي نجواهم صدقة فقال {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ} والمناجاة هنا أي المصافاة في وقت الخلوة والسر {فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} وكان الذي يحافظ على هذا الأمر أهل الفتح فكان الإمام علي لا يذهب لمناجاة النبي إلا إذا قدم الصدقة ويقول قال الله: {فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } لكن الذي معه لا بد أن يقدم {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً} ثم بعد ذلك لا ترى نفسك أنك أنفقت كثيراً {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ} من التقصير في الإنفاق ومن عدم بلوغ المراد في الإنفاق {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} فإياك أن تقل أنا عملت وأنفقت فإنك لن تبلغ ما بلغ الأولون ولا بعض ما بلغه الموفقون من الآخرين لأن الله تولاهم بولايته وجعلهم بعنايته في كل وقت وحين {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} ونزه الله عن الزمان والمكان واحضر بروحك بين يدي الرحمن لتفقه سر الكلام من المتكلم به فإن القرآن لم ينـزل كله في رمضان
هيكـل المختـار ليـل جامع
كل أنواع الملائك والعبــاد
{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ}ولذلك قال الله للنبي وقال لنا أجمعين في شأن حبيبه{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} {وَإِذا} للقـِلَّة يعنى قليلاً ما يحدث هذا {سَأَلَكَ} لم يقل (وإذا سألني) أو (وإذا سأل) ولكن قال{وَإِذَا سَأَلَكَ } فلا بد أن يكون السؤال له صلى الله عليه وسلم {وَإِذَا سَأَلَكَ } مَنْ؟ من سألك؟ {عِبَادِي}عمَن سألوك؟{عَنِّي}فالذين يسألون عن الجنة كثير والذين يسألون عن التشريعات كثير{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ}{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ} {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ} كل هذه تشريعات يسأل عنها الكثيرون لكن الذي يسأل عن الله قلَّة قليلة هم المصطفون من خلق الله {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ } قريب أين؟ عنده صلى الله عليه وسلم لأن الله قال لحبيبه { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً} بمعاني التواب ومعاني الرحمة متجلِّياً فيها علي حضرة الرسول { أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ} صلى الله عليه وسلم { إِذَا دَعَانِ} قَرَّب الله لنا المسافة ويسَّر لنا الأمر وأعلمنا أن الدعوة المستجابة فوراً من الله هي دعوة حبيب الله ومصطفاه فمن أراد طلباً محقَّقاً ودعاء ورجاءاً يقع لا محالة فعليه أن يتوجه إلي رسول الله ويسأله ليسأل له مولاه فإنه إذا سأله{وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} فإن الله وعده أن يعطيه في كل سؤال حتى يرضى { فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}
[1] مسند الإمام أحمد عن حسين بن عليّ[2] أخرجه الديلمي في الفردوس والعسكري في الأمثال عن أنس[3] صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [4] صحيح البخاري عن أبي هريرة عن رسول الله [5] كتاب شرح مختصر الزبيدى في حديث الصوم وكفى به حجة وبيان
منقول من كتاب [الصيام شريعة وحقيقة]
للتحميل أو المطالعة مجانا أضغط :

الصيام الفضول







الأربعاء، 25 يوليو 2012

مراتب ودرجات الصائمين



مراتب الصائمين
المرتبة الأولي: صوم العوام
وصوم العوام عن مقتضيات شهوة الجنس والشراب والطعام لا يعرفون غير ذلك بل ربما يمنون علي الله بذلك ويروا أنهم فعلوا فعلاً يستوجب من الله كذا وكذا من المطالب التي يطلبونها من حضرة الله مع أن صومهم على التحقيق ربما يكون داخلاً في قول رسوله { رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ الْجُوعُ }[1]
المرتبة الثانية: صوم العلماء
وهم الذين صاموا بالجوارح والجوارح سبعة وإذا انضم إليهم القلب صاروا ثمانية العين والأذن واللسان واليد والرجل والفرج والبطن والقلب وهؤلاء القوم صائمون طوال العام وإن أفطروا في غير رمضان وهؤلاء يقول فيهم النبي{ إِذَا جَاءَ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوابُ النَّارِ وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ }]2] فكما تُفَتَّح أبواب الجنان العالية تُفَتَّح أبواب الجنان في الإنسان وهي الجوارح إذا اشتغلت بطاعة الله ومتابعة حبيب الله ومصطفاه فالعين إذا اشتغلت بالنظر في كتاب الله وفي ملكوت الله وفي ملك الله كانت باباً إلى الجنة والأذن إذا استمعت إلى علم العلماء وكلام الحكماء وآيات الله العصماء كانت باباً إلى الجنة واللسان إذا اشتغل بذكر الله أو بتلاوة كتاب الله أو النصيحة لعباد الله أو الصلح بين المتخاصمين من خلق الله صار باباً إلي الجنة واليد إذا امتدت إلي الفقراء والمساكين أو دفعت الظلم عن المظلومين كانت باباً إلي الجنة والرجل إذا حملت الإنسان إلي بيت الله أو إلي صلة رحم أو إلي مكان يسعي فيه لعيادة مريض أو لتشييع جنازة مؤمن كانت باباً إلي الجنة وكذلك بقية الجوارح إذا ملك القلب هذه الجوارح وتصرف فيها صارت الجوارح السبعة ومعها القلب ثمانية ففُتحت أبواب الجنة في الإنسان فيكون الإنسان صائماً صيام الجوارح وهذا صيام العلماء فلو حتى أفطر الإنسان في غير رمضان بشهوة الطعام والشراب والجماع فإنه أفطر بجارحتين وصام إلي الله بست فكان صائماً طول العام وإن كان في نظر غيره مفطراً لأنه نفَّذ سُنة الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام.
المرتبة الثالثة: صيام العارفين
العارفون هم الذين عرفوا حقائق نفوسهم وأقبلوا علي الله يسعون لرضاه ويتجهون للعمل الذي يحبه ويرضاه وصيامهم بعمارة أنفاسهم كلها في طاعة الله يحرصون علي ألا يُضيعوا نَفَساً إلا في طاعة الله ولذلك أساس الوصول إلى هذا المقام العمل بحديث المصطفي عليه أفضل الصلاة وأتم السلام{ مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ المرْءِ تَرْكُهُ ما لا يعْنِيهِ }[3] ليس عندهم وقت للمقت فيشغلون أنفسهم بالخلق وأخبارهم وأسرارهم وأحوالهم لأن هذه أمور تجعل السالك في طريق الله يُحجب بالكلية عن النور ولكنهم مشغولون بإنفاق الوقت في طاعة الله إن كان في اليقظة أو في النوم ولذلك تجدهم في اليقظة في ذكر الله أو في طاعة لله أو في متابعة لحبيبه ومصطفاه أو في عمل صالح يحبه الله ويرضاه فإذا نامت جوارحهم وأجسامهم قامت قلوبهم وأرواحهم إلي عالم الملكوت تقتطف لهم أزهار الحكمة من العوالم النورانية والعوارف من الملائكة المقربين ويقومون من النوم وقد استفادوا حكماً ربانية وعلوماً إلهية حصَّلوها وهم في المنام فهم في اليقظة يقضون الأنفاس في طاعة الله وإذا ناموا ساحت قلوبهم وأرواحهم في رضاه لأنهم لم يشغلوا الوقت إلا بما يحبه الله ويرضاه.
المرتبة الرابعة: صيام المقربين
قلنا أن صوم العارفين هو شغل الأنفاس بطاعة الله أما المقربين فشغل أنفاسهم بالحضور مع الله جل في علاه فهناك فرق بين من يشغل النَفَس في طاعة الله وبين من يشغل النَفَس في حالة الحضور مع حضرة الله فهو في مقام المكاشفة التي يجعله فيها الله سر قوله{فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ } وفيهم يقول أحد الصالحين :
والعارف الفرد محبوب لخالقه
فات المقامات تحقيقاً وتيقيناً
في كل نَفَسٍ له نور يواجهه
من حضرة الحق ترويحاً وتيقيناً

في كل نَفَس له نور وله مواجهات وله مشاهدات وله مؤانسات في عالم الأنوار لأن صيامه ألا يضيع نَفَس منه إلا في مواصلة حبيبه وهؤلاء يقول قائلهم:
وإن خطرت لي في سواك إرادة
علي خاطري نَفَسَاً قضيت بردتي

والردة هنا أي الرجوع إلي الخلف في مقامات السلوك لأن كل أوقاته في حضور مع المذكور شُغِلوا بالمعروف عن المعرفة وشُغِلوا بالمعلوم عن العلم وشُغلوا بالله عما سواه فلا أُنس لهم ولا حضور لهم ولا همَّ لهم إلا بمواجهة الله جل في علاه {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}
المرتبة الخامسة: صيام المحبوبين
وهو ألا ينشغلوا ظاهراً أو باطناً نَفَساً عن رب العالمين :
وما صام إلا عن سوي ما يحبه
كذلك عبد الذات في القرب طامع

لا يخطر غير الله نَفَساً علي قلوبهم وإذا خطر غيره نَفَساً علي قلوبهم فقد أفطروا ويعلمون أنهم أفطروا لأنهم خرجوا عن سور الحدود التي حددها لهم المعبود صيامهم أن يكون الله على بالهم في كل أوقاتهم تقول في ذلك السيدة رابعة العدوية رضي الله عنها:
ولقد جعلتك في الفؤاد محدثي
وأبحت جسمي من أراد جلوسي
فالجسم مني للخليل مؤانس
وحبيب قلبي في الفؤاد أنيسي

ويقول أحدهم في هذا المقام:
والله ما طلعت شمس ولا غربت
إلا وحبك مقرون بأنفاسي
ولا جلست إلى قوم أحدثهم
إلا وأنت حديثي بين جلاسي
ولا نظرت إلى الماء من ظمأ
إلا رأيت خيالاً منك في الكأس

فالله شغله بالكلية عما سواه شغل أهل الجفا بدنيا دنية وشغل أهل الوفا بذات علية وهذا صيام المحبوبين الذين قال فيهم الله {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} وفوق ذلك صيام الوارثين وصيام الصديقين وغيره من أنواع الصيام التي يترقي فيها الصالحون صياماً بعد صيام لا يستطيع الإنسان وصفها أو الحديث عن شأنها وإنما تُدار راحها لأهلها إذا وصلوا إلي كنهها.
[1] ابن ماجة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
[2] صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [3] مسند الإمام أحمد عن حسين بن عليّ رضي الله عنهما
منقول من كتاب [الصيام شريعة وحقيقة]


للتحميل أو المطالعة مجانا أضغط :

الأربعاء، 4 يوليو 2012

الشريعة الإسلامية مطبقة فعلا فى مصر







أكد الشيخ محمد الحسن ولد الددو 
أن الدولة الدينية غير موجودة في الإسلام وأنها
 "مجرد خرافة" 
لأنها قائمة على ادعاء العصمة لمن لا عصمة له.
وقال الشيخ الددو في لقاء مفتوح مع المشاركين
في مؤتمر منظمة "فور شباب" الرابع في القاهرة :
"لا يوجد أحد من أهل الإسلام قال بوجود الدولة الدينية
باستثناء الفرقة الإمامية من الشيعة،
 وهي مرتبطة عندهم بعصمة الأئمة
وبنسخ أقوالهم للكتاب والسنة".

وأضاف الشيخ الموريتاني: 
"النموذج المناسب للرؤية الإسلامية هو الدولة المدنية التي ترى إلى الوحي باعتباره نظامًا يوكل تطبيقه إلى البشر، وإن طبيعة البشر تقتضي أن يصيبوا ويخطئوا".
وأردف الشيخ الددو: "قصارى ما يمكن المطالبة به في النظام السياسي الإسلامي هو
 تطبيق شورى لا يمارس فيها إكراه على أحد،
والكتاب والسنة لم ينصا على تطبيق محدد للشورى،
وإنما اختلفت الطريقة التي طبقها بها رسول الله
 صلى الله عليه وسلم،
وطريقة اختيار أبي بكر رضي الله عنه للخلافة،
ثم بعد اختيار الخلفاء من بعد أبي بكر رضي الله".

وفي رده على سؤال حول تطبيق الشريعة الإسلامية قال الشيخ ولد الددو:
 "الدولة التي تتمثل قوله تعالى "الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر" تعتبر مطبقة لشرع الله،
 وإن نظام العقوبات في الإسلام الذي تنصرف إليه أذهان الناس عند الحديث عن تطبيق الشريعة الإسلامية هو جزء يسير من النظام الإسلامي وإن الحالات التي طبق فيها الرسول صلى الله عليه وسلم الحدود محصورة لا تصل إلى العشرة، وكذا عصر الخلفاء الراشدين".
واختتم الشيخ الددو بقوله: "تطبيق الإسلام في الدولة،
 بما يحمله من عدالة وتوزيع عادل للثروات
 ودعم لجهود العلماء والمصلحين
ستقل الجرائم التي تستدعي حدودًا"