Disqus for ومضات إيمانية

الثلاثاء، 31 يناير 2012

علامة حب الله للعبد


إلا تنصروه فقد نصره الله

علامة حب الله لأي عبد من عباد الله بينها رسول في حديثه الذي يقول فيه
{إذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْراً فَقَّهَهُ فِي الدِّينِ}ولم يكتف بذلك لأن العلم لابد له من العمل فأكمل وقال{إذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْراً فَقَّهَهُ فِي الدِّينِ وَأَلْهَمَهُ رُشْدَهُ}[1]يعني وفقه في العمل الذي تعلمه وحادثة الهجرة السعيدة تزيد إيمان المؤمن إيماناً وتفاصيل الحادثة الحمد لله كلنا يعلمها لكن اكتفي منها بما أبشر به نفسى وإخواني بعناية الله وكفالة الله وتأييد الله لكل عبد تمسك بهدى الله يكفينا جميعاً قول الله
{إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ}ولم يقل في الآية فقد ينصره الله وإلا كان النصر معلقاً وحادثاً لكن جاء بما يفيد أن النصر من الله مقدر له قبل خلق الخلق لأن القرآن كلام الله القديم فقد نصره الله قبل خلق الخلق، ونصر الله واضح في آيات القرآن فإن الله كما أخبر القرآن عندما خلق الحبيب روحاً نورانية قبل خلق جسمه وخلق أرواح الأنبياء والمرسلين جميعهم وأخذ عليهم العهد والميثاق أجمعين أن يؤمنوا به وينصروه ويؤازروه ويبلغوا أممهم بصفاته ونعوته ويطلبوا ممن طال به الزمن إلى عصر رسالته أن يؤمنوا به ويتبعوه{وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ}وهذا قبل الرسالة
{لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ} والرسالة لا تكون إلا بعد ظهور الجسم في الحياة الدنيا لأنها تكليف من الله لإبلاغ دعوة الله إلى الخلق. ماذا أخذ على النبيين من الميثاق؟{ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ }يؤمنوا به وينصروه فأخذ الله العهد على الأنبياء أجمعين أن ينصروا رسول الله كيف ينصروه ولم يكونوا في زمانه وتنتهي آجالهم قبل مجئ أوانه؟ينصروه بإظهار صفاته ونعوته وعلاماته لأممهم وأتباعهم ويأمرونهم أن يتبعوه إذا حضروه وقد كان ذلك والأمر يطول إذا تتبعنا السيرة العطرة لكن يكفي ما جاء على لسان نبي الله موسى وما جاء على لسان نبي الله عيسى
{وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ}ولم يبشروا به وبنعوته فقط بل حتى أوصاف أصحابه كانت مذكورة في التوراة والإنجيل{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ}مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل مذكورين بصفاتهم حتى أن التاريخ يروي أن عمر بن الخطاب لما توجه للصلح مع البطارقة واستلام مفاتيح بيت المقدس ذهب وخادمه ولم يكن لهم إلا مركب واحد فكانوا يتناوبون ركوبه عمر يركب والخادم يمشي ثم يركب الخادم ويمشي عمر خلفه فلما اقتربوا من القوم كانت نوبة الخادم في الركوب فقال يا أمير المؤمنين إني تنازلت لك عن نوبتي هذه لأن القوم على استعداد للقاءك وكيف يلقون أمير المؤمنين ماشياً والخادم يركب فأصر عمر على ذلك فلما دخلوا عليهم سألوا أين عمر؟فقالوا: الذي يمشي فقالوا:هكذا نجد عندنا صفته في الإنجيل إنه يدخل بيت المقدس ماشياً وخادمه راكب بجواره، فأوصاف أصحابه كذلك ذكرها الله في التوراة وذكرها الله في الإنجيل وذكرها الله في الزابور وذكرها الله في كل الكتب السابقة وأنتم تذكرون جميعاً أنه قال: {أَنا دَعْوَةُ أَبي إِبْراهيمَ}[2]{رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ}هذه دعوة سيدنا إبراهيم فنصر الله لحبيبه ومصطفاه كان من قبل القبل فقد أيده وأمر الرسل الكرام بإبلاغ صفاته ونعوته لأممهم وهيأ الكون كله وأمره أن يكون رهن إشارته، لكن العبرة التي نحتاج إليها في هذه الظروف الحالكة في حياتنا اليوم أن نعلم علم اليقين ولا نشك في ذلك طرفة عين ولا أقل أن أي رجل منا أقبل بصدق على الله وتمسك في سلوكه وهديه وحياته بشرع الله فلم ينافق ولم يمارِ ولم يبتغِ بعمله إلا وجه الله فإن الله يجعل له قسطاً من نصر الله لحبيبه ومصطفاه فيؤيده وينصره في أي موقع وفي أي زمان وفي أي مكان لأن هذه سنة الله التي لا تتبدل ولاتتغير على مر الزمان ولا بتبديل المكان ونأخذ مثالاً واحداً كي لا نطيل عليكم{إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا}فاسمعوا سيدنا موسى عندما خاف قومه بعد خروجهم من مصر من اللحاق بهم فقالوا له: النجدة فقال لهم: لا تخافوا
{كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} أنا معي ربي لا تخافوا ولكن سيدنا رسول الله قال
{إِنَّ اللّهَ مَعَنَا} أي معنا جميعاً ولم يقل إن الله معي ومعنا هذه هى بشرى لكل مؤمن إلى يوم القيامة ولذلك أيده الله في كتاب الله فقال {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ } فالذي ينصر الله ينصره الله،وهل هل الله يحارب لننصره؟ لا ولكن يعنى من ينصر شريعته ويقيمها في نفسه وفي بيته وفي عمله وفي أهله وفيمن حوله فنصر الله يعني إحياء شريعة الله والعمل بها بين خلق الله وماذا كانت النتيجة ؟ بماذا أيده الله؟
{فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا } أولاً أنزل عليه السكينة وكيف نأتي بها؟لاتأتي إلا بتوفيق الله لمن أحبه الله واجتباه
{هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ}وكما أنزل عليه السكينة أنزل علينا السكينة والسكينة يعني الطمأنينة بوعد الله والثقة في قدرة الله ورعاية الله وكلاءة الله وصيانة الله وحفظ الله لمن تمسك بشرع الله ابتغاء وجه الله فكما أنزل الله عليه السكينة أيضاً فتح المجال لجميع المؤمنين وأعلمنا علم اليقين أن السكينة لا تأتي إلا من عنده وهو الذي ينزلها بنفسه حتى أنه لا ينزلها عن طريق ملك ولا عن طريق أي كائن أو مخلوق بل هو ينزلها ولم يقل ينزل (بالمضارع) بل قال أنزل السكينة في قلوب المؤمنين فيحبب إليهم الإيمان ويشرح صدروهم للعمل بأركان الدين والاهتداء بتعاليم القرآن والتأسي بسنة النبي العدنان ثم ماذا؟{وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا}أيده بالملائكة وأيده بالأرض وقال له: الأرض طوع أمرك مرها بما شئت فيقول لها:خذيه فتمسك بفرس الفارس الذى خرج ليلحق به وتغوص به فيقول لها اتركيه فتتخلى عن الفرس فكانت طوع أمره وليس مرة واحدة ولكن ثلاث مرات وأيده بالحمام وأيده بكائن بسيط وحشرة صغيرة وهي العنكبوت وأيده بالأنصار وأيده بالمهاجرين بل وأيده بأناس قبله جهزوا له المكان الذي سيسكنه فالهجرة إلى المدينة كان يعلمها من قبل من ساعة ما نزل عليه الوحي وأخذته زوجته السيدة خديجة إلى ابن عمها ورقة بن نوفل وقال له: ليتني أكون فيها جزعاً (يعني شاباً فتياً) عندما يخرجك قومك. فقال: أو مخرجي هم؟ قال: نعم ما أُرسل رسول بما أرسلت به إلاأخرجه قومه حتى المكان الذي هاجر إليه كان يعلمه منْ سبقه من الأنبياء والمرسلين ولذلك يروي القرآن أن اليهود تركوا بلاد الشام وجاءوا إلى المدينة مترقبين ظهور النبي الذي قرُب زمانه وعندهم صفاته وكانوا يرجون أن يكون منهم وقد ذكر الله ذلك{وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ} فقد كانوا عندما تحدث بينهم حرب وبين أي قبيلة يقولون كما قالت السيرة العطرة: (اللهم بحق النبي الذي ستبعثه في آخر الزمان انصرنا عليهم)فينصرهم الله وهذا معنى الآية(وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ) أي يطلبون به النصر فينصرهم الله هل كانوا يعرفونه؟ القرآن يقول (يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ)وهل هناك أحد لا يعرف أولاده الذي أريد أن أصل له بنفسي وإخواني أننا جميعاً لنا نصيب في هذا الأمر إذا استمسكنا بهدى الله ولم تغرينا مغريات الحياة ما الذي جعل الله ينصر رسول الله هذا النصر العظيم؟ أنه تمسك بهدى الله رغم ما عرضوا عليه في هذه الحياة فقد عرضوا عليه المال وقالوا: إذا كنت تريد مالاً جمعنا لك مالاً حتى تصير أغنانا وإن كنت تريد الملك جعلناك ملكاً علينا وإن كنت مريضاً طلبنا لك الشفاء والدواء والأطباء قال: لا أريد ملكاً ولا مالاً ولا أي شئ في الدنيا (إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ) أريد أن تهتدوا إلى الله ولا أريد منكم شيئاً، ولذلك قال فى الأثر:
{كن مع الله يكن الله معك}إن الدرس العملي الذي نأخذه جميعاً من هجرة رسول الله 
وما أكثر دروسها أن المرء منا لا يتوقف عند أي أمر أمره به الله مهما لاقى في سبيل ذلك من صعاب فالذي أعز أصحاب رسول الله شدة عقيدتهم فكان الرجل منهم لا يبيح لنفسه أن يخرج عن المثل والمبادئ الإيمانية قيد أنملة خوفاً من الله مهما تعرض له من صعاب لكن في عصرنا الآفة التي انتشرت في مجتمعنا أن الناس قد اجتهدوا من عند أنفسهم اجتهاداً خاطئاً في تبرير الزيغ والبعد عن المثل والمبادئ الإيمانية فيبيح لنفسه الكذب بحجة أنه مضطر ويبيح لنفسه أخذ ما يريد من المال العام بحجة أن مال الحكومة ملك للجميع وكل واحد له فيه نصيب ويبرر لنفسه التزويغ من العمل بحجة أن أجره لا يكفي وهذا الوقت على قدر فلوسهم مثلما نسمع منهم ويبيح لنفسه أن يخدع في تجارته أو يغش في بيعه وكيله وبلسانه وإلا لن يستطيع أن يعيش أو يكسب في زعمه هذه الحاجات التي سولّتها لنا النفس وعززها الشطان وهذا الذي جعل الله يبتلينا ليذكرنا وليس للانتقام منا لأنه لا ينتقم من المؤمنين ولكن يذكرنا المرة تلو المرة بالمرض أو الفقر أو الغلاء فكل هذه ابتلاءات كي نرجع إلى الله لكن والله الذى لا إله إلا هو لو تمسكنا بهدى الله لفتح الله لنا الخيرات في الأرض وأنزلها من السماء وكنا كأهل الجنة تأتينا أرزاقنا في أيدينا دون عناء أو تعب(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) لم يقل فتحنا عليهم خيرات لأن الخيرات ممكن تكون كثيرة ولكنها لا تكفي لأنها ليس فيها بركة لكن لو رزقنا القليل وبارك الله فيه لأغنى عن الكثير والكثير فنحن يا إخواني نشتكي في زماننا من كثرة الأمراض ومع كثرة المستشفيات لم تعد تستطيع أن تقوم بمهمة العلاج والأمراض الموجودة في الأجسام كلها لا تساوي مرضاً واحداً من أمراض الأخلاق التي حذّر منها الكريم الخلاق والتي تنخر في مجتمعنا نخر السوس كالشّقاق والنفاق والحسد والبغضاء والكراهية والأحقاد وغيرها من الأمراض التي نعاني منها من الضغوط النفسية والتوترات العصبية كل هذا يسبب وجود الأمراض الجسدية والأمراض الجسدية لو لم يوجد خلفها التوترات العصبية سوف تشفى بإذن الله لكن الذي يزيد المرض هو التوترات والضغوط والمشاغل وكل هذا جاء من الحسد لهذا والكره لهذا حتى أن كل مؤمن بينه وبين إخوانه المؤمنين حروباً لا عدّ لها حروب مع الأولاد وحروب مع زملائه في العمل والحروب مع الأقارب لماذا ؟أين الذين قال الله فيهم{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ}الذين ملأوا المحاكم من أجل سهم في البيت أو سهمين في الغيط والأخ وأولاده وزوجته حرب على أخوهم والثاني كذلك وهذا يستعد وهذا يستبدّ ألم يسمعوا عن القول الذين أخذوا الغرباء عنهم في النسب لكنهم معهم وقريبين منهم في الدين ويقول له تعالَ أقسم بيتى نصفين وتختر أحدهما والمال نصفين واختر ما يعجبك وانظر إلى زوجتى الاثنتين أيهما تعجبك فأطلقها وبعد انتهاء العدة تتزوجها أنت على سنة الله ورسوله هؤلاء الجماعة ماذا قال الله لهم في الوسام الذي أعطاه لهم؟{يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}ليس ذلك فقط بل عندما جاءت الفتوحات وجاءت الخيرات جمعهم النبي وقال لهم تعالَوْ معشر الأنصار وتعالَوْ معشر المهاجرين فقال للأنصار: ما رأيكم جاءت إلينا خيرات كثيرة أقسمها بينكم أنتم والمهاجرون ويظلون معكم؟ أم أعطيها للمهاجرين ويتركوا لكم البيوت والأموال التي معهم؟ قالوا: لا أعطيها لهم كلها ولا نأخذ شيئاً خرجنا منه لله{لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءُ الْرَّاجِعُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يرجع فِي قَيْئِهِ }[3]اعطِ لهم الكل ونحن والحمد لله يكفينا رضاء الله علينا أين هؤلاء يا إخواني؟هؤلاء هم أجدادنا وهم آباؤنا وهم قدوتنا وهم أسوتنا وهم الذين قال الله فيهم
{أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}فنحن جميعاً نحتاج نصر الله وتأييد الله ولطف الله وتوفيق الله وهذا هو السبيل البين والطريق القويم له 
من كتاب : الخطب الإلهامية ج6
فى الحج وعيد الأضحى http://www.fawzyabuzeid.com/news_d.php?id=175 
[1] رواه البزار عن ابن مسعود، البيهقي في شعب الإيمان عن أنس
[2] رواه ابن سعد عن الضحاك مرسلاً في كتاب جامع الأحاديث والمراسيل.
[3] رواه أحمد عن ابن عباس

أصول التصوف


أصول التصوف
بعد أن أسس  النبى صل الله عليه وسلم أول مدرسة للتصوف السلوكى العملى فى مكة فى دار الأرقم بن أبى الأرقم وأسس فى المدينة المنورة جامعة أهل الصفّة  قام صل الله عليه وسلم بوضع   هذه الأسس.ومن هنا امتد هذا النسق، وهذا النهج، إلى يومنا هذا...على يد العلماء العاملين، والحكماء الربانيين في كل وقت وحين. ولذلك كان بداية التصوف: أن الرجل الصالح كان يبنى زاوية. ومن ثم يجمع فيها خلاصة أصحابه. ويصنع معهم ما كان الحبيب يصنع مع أهل الصفة. ويتكرر نفس المشهد، فمنهم من يذكر الله، ومنهم من يتفكر، ومنهم من يقرأ القرآن، ومنهم من يعلّم، ومنهم من يتعلم، ومنهم من يصوم النهار، ومنهم من يقوم الليل.
ويتعهد الرجل الصالح هذا أبنائه وأتباعه فيعطى لكل رجل منهم ما يلائم قواه، وما تميل إليه نفسه من العمل الصالح الذي يقرِّبه إلى الله، وذلك لأن النفوس مختلفات، وكل نفس تميل إلى عمل يقربها إلى الله، فيعطيه لكل منهم ما تميل إليه نفسه وما يصلح به حاله ليتقرب به إلى ربه؛فيفيض الله عليهم المنح والعطاءات التي أفاضها من قبل على أحباب الحبيب المصطفى من أهل الصُفَّة رضوان الله عليهم أجمعين. وهذا هو الأساس الذي سار عليه الصوفية الصادقون، والأولياء، والمتقون، والحكماء الربانيون، متَّبعين أحوال أهل الصُفَّة في أحبابهم وفى مريديهم ولذلك كما قلنا وبينا تجد لديهم حلقات الذكر، وحلقات العلم، وحلقات الفكر، وحلقات قراءة القرآن. وكذلك تجد بينهم: التحابب، والتوادد، والتآلف لأنهم يشترطون فيمن يدخل بينهم، ويشاركهم أمرهم، ألاّ يكون في قلبه: ضغينة أو حقد أو حسد، وألاّ يكون في نفسه أدنى ميل إلى الدنيا؛ لأنهم يجتمعون على الله، ويريدون وجه الله جلَّ في علاه.ومن أجل ذلك يكرمهم الله بالمنح والعطاءات الإلهية المذكورة في قول الله [32 فاطر]:( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) وهل التصوف هذا، يحتاجه الإنسان في هذا العصر ؟ نعم !يحتاجه الإنسان في هذا العصر، وفى كل عصر: لسلامة قلبه، ولصحة بدنه، ولصفاء وقته، ذهب أحد المريدين إلى الشيخ أبو السعود، وقال له: أريد أن أتتلمذ على يديك، فقال له: شيخك الشيخ عثمان المغربي، وهو في بلاد المغرب، ولما يأت بعد.فامكث هنا معنا إلى أن يأتي شيخك !، أي اجلس مستمعا فقط، لأنهم اخوة.:( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ )[10الحجرات] وبعد خمسة عشر عاما، وذات يوم، سأل الشيخ عن هذا المريد، وقال له: شيخك سيصل عصر اليوم إلى منيل الروضة قادما من بلاد المغرب عن طريق الإسكندرية، فاذهب للقائه، فتوجه المريد إلى الميناء بالمنيل، فوجد السفينة الآتية من الإسكندرية قد وصلت.فانتظر حتى نزل الركاب، فتعرف على شيخه، وذهب ليسلم عليه، ففوجئ به يقول له: جزى الله آخي أبو السعود عنى خيرا، إذ حفظك لي طوال تلك المدة. هؤلاء هم الأبطال حقا !! أمَّا ما يحدث من بعض المعاصرين عندما يتركه أحد المريدين، فتجده يقول لمن حوله: سيحدث له كذا من السوء، وسيصاب بكذا وكذا، فهذا ليس من دين الله في شئ.فليس بشيخ من يحنق على مريد إذا تحول عنه إلى غيره من الأشياخ، أو ترك مجلسه وذهب إلى مجلس غيره من الصالحين، لأن صاحب قدم الصدق من الرجال يعلم علم اليقين أن الإخوان الصادقين رزق من الله يسوقه إليه: "وما كان لك فسوف يأتيك"، وما ليس لك فلن تستطيع جلبه حتى لو أنفقت كل ما تملك:( لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ )[63 الأنفال] فالذات العلية هي التي تتولى ربط قلوب المريدين بقلوب المشايخ والعارفين، وأي تبديل أو تغيير لا يتم ولا يكون إلا بإرادة العلي القدير، وسجلات المريدين ومن ينتمون إليهم من الأساتذة، والعارفين ثابتة من قبل القبل، ولذلك فإن سيدنا سهل التسترى كان يقول: إني لأعلم أولادي وأربيهم وهم في أصلاب آباءهم منذ يوم ألست بربكم. أي أن الكشف المسجل فيه أحبابه، أخذه من هناك..! فالذي لم يكتب بالكشف يترك المكان، ولو جلس مرة لأنه ضيف وقتي والصالحون يعلمون ذلك ويعلّمونه لله ؛ وليس هناك مشكلة في ذلك. وهذه أحوال الصالحين في كل زمان ومكان، لأن بينهم نقاء وصفاء ووفاء، فكلهم أساتذة في الجامعة المحمدية، ولازم كل ليلة يجتمع أعضاء هيئة التدريس: وأين هذا الاجتماع؟ كما أشار سيدي إبراهيم الدسوقى في قوله:على الدرة البيضاء كان اجتماعنا ...
 وفى قاب قوسين اجتماع الأحبة
فالذي يشهد اجتماع قاب قوسين هل يبقى عنده بقية من الدنيا الدنية؟ كلا، وهكذا كل من وصلوا إلى هذا المقام العالي، ليس هناك شئ يحاك في صدورهم نحو إخوانهم؛ لأن كل من حاك شئ في صدره بسوء نحو إخوانه، لا يؤذن له بالإشراف على هذه المعية، أو الحضور بقلبه في هاتيك المقامات السنيةوهؤلاء بسر استنارة بصائرهم يعرفون مريدهم، بل آونة يطلعهم الله على المريدين، ومن ينتسبون إليهم من أشياخهم.ومثل هؤلاء لا يجدون غضاضة في قلوبهم، إذا تحول أي مريد من مجالسهم إلى غيرهم.وهذا هو التصوف السليم، والمنهج المستقيم الذي جاء به السلف الصالح من الرؤوف الرحيم ، وأي شئ غير ذلك قد يكون فيه شهوة نفس أو حظ أو مآرب دنيوية أو هوى.ومن عنده هوى !.فليس له دواء.
من كتاب : الصوفية فى القرآن والسنة 
رابط الكتاب للمطالعة أو التحميل مجانا 
اضغط على الرابط 
http://www.fawzyabuzeid.com/news_d.php?id=175

جامعة الصفّة

لم يكن لأغلبهم زوجات، ولا أولاد، ولا مساكن في هذا الوقت، فكانوا يجالسونه آناء الليل !وأطراف النهار! ...فإذا أرادوا أن يناموا أمرهم الحبيب أن يناموا في المسجد: فصنع لهم الأنصار " صفة " يعنى عريشا، على جزء من المسجد ينامون تحته، ليقيهم هذا العريش من حرارة الشمس في الصيف، ومن المطر الخفيف في الشتاء، أما المطر الغزير فكان لا يقيهم منه بل كان ينزل عليهم. هؤلاء القوم كان منهم بلال بن رباح، وسلمان الفارسى، وأبوهريرة، وصهيب الرومى، وأنس بن مالك، وغيرهم كثيرون، فكانوا حوالى تسعين رجلا، تفرغوا تفرغا كاملا لله ورسوله. وإياك أن تظن أنهم تفرغوا لقلة الشيء، أو الفقر !!! ولكنها إرادة الله: فقد فرَّغهم الله، وكأنه أخذهم في بعثة رسمية إلهية - بإقامة كاملة - لنقل علوم خير البرية، وهى الموجودة الآن في أنحاء العالم كله ... والرسول حضهم على ذلك، وحثهم على ذلك، وقال لهم في ذلك..فيما روى عن ابن عباس قال: { وقف رسول الله على أصحاب الصُفة فرأى فقرهم وجهدهم، وطيب قلوبهم، فقال: ابشروا يا أصحاب الصفة، فمن بقى من أمتي على النعت الذي أنتم عليه، راضيا بما فيه فإنه من رفاقي في الجنة } وهذا الذي جعل التابعين، وتابعى التابعين والصالحين، يتأسون بأعمال هؤلاء القوم !!..لأنهم يريدون مرافقة سيدنا رسول الله .
الزهــــد وكان أول ما بدأت به الجامعة المحمدية:الزهد في المتع،والشهوات، والحظوظ، والملذات، والأموال، والدنيا، رغبة في رضاء الله جلّ في علاه، فالذي وضع المنهج؛ عميد الجامعة ، فقد ورد أن رسول الله جاء إلى أهل الصفة فقال :
{ كيف أصبحتم؟...، قالوا : بخير ، فقال رسول الله: أنتم اليوم بخير أم يوم يغدى على أحدكم بجفنة ويراح بأخرى ويغدو في حلة ويروح في أخرى وتسترون بيوتكم كما تستر الكعبة..!!، فقالوا يا رسول الله..نصيب ذلك ونحن على ديننا؟ قال : نعم.. قالوا: فنحن يومئذ خيرٌ، نتصدق ونعتق، فقال رسول الله : لا، بل أنتم اليوم خيرٌ }
 وفى رواية أخرى: { إنكم إذا أصبتموها؛ تحاسدتم، وتقاطعتم، وتباغضتم } فقد صدق ، لأن البغضاء والحسد، سببه الشهوات، والحظوظ، والدنيا الدنيَّة التي شغل بها الناس بالكلية. فبدءوا حياتهم الإيمانية؛ وكان أساس اجتماعهم ودخولهم إلى هذه الجامعة النبوية: الزهد، والزهد ليس معناه ألا يكون في يد الإنسان شئٌ، لكن حقيقة الزهد ألا يسكن قلبُ الإنسان لشيء.
فقد يكون الإنسان ليس في يده شئٌ من الدنيا، لكن قلبه يتطلع إليها ! ،وهذا ليس بزاهد !.لأنها لو وجدت له لتغير حالُه.لكن الزاهد الحقيقي؛ هو الذي أعطاه الله الدنيا في يده، ولم يجعل لها تأثيرا على قلبه، فيصرفها في مرضاة ربه .كما وجدنا من أصحاب رسول الله :
{ ماذا أبقيت لأهلك يا أبا بكر؟ .. فقال: أبقيت لهم الله ورسوله } فلم ينكر عليه، ولم يعترض عليه، ولكن أقرَّه على ذلك.لأن حاله يستوجب ذلك، لكن غيره قال: { أنا ذو مال ، ولا يرثني إلا ابنة، أفاتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا، قلت: بالشطر؟ فقال: لا . ثم قال: الثلث والثلث كبير، أو كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء ، خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس } ويتبين لنا من ذلك تفاوت القدرات، واختلاف الوجهات، وتباين المقامات والدرجات......وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ [سورة الصافات]. ماذا كان جدول أهل الصفة ؟ كان حلقات لتلاوة القرآن الكريم. وحلقات لذكر الله ،. وحلقات لمدارسة العلم والفقه. وتدريبات على أعمال الجهاد. وكان من أجل أعمالهم التفرغ لمتابعة رسول الله وتلقى العلوم عنه، وتبادلها معا وتوصيلها لباقى المسلمين كما سيأتى التفصيل لاحقا، وكانت هذه المهمة أحد أعظم أعمالهم تأثيرا فى المجتمع. لأنهم كانوا على الحقيقة جنوداً لله جلَّ وعلا وخَدَمَةً لحضرة النبي ، وضيوفه الكرام. فهذه أبرز أعمالهم، وكان النبي يتفقدهم، فقد ورد عن أبى سعيد الخدرى فى الحديث :{ كنت في عصابة ( جماعة ) فيها ضعفاء المهاجرين، وإن بعضهم ليستتر ببعض من العري وقارئ يقرأ علينا ونحن نستمع كتاب الله، فجاء النبي حتى قام علينا فلما رآه القارئ سكت، قال فسلم ثم قال: ما كنتم تصنعون؟ قلنا يا رسول الله كان قارئ يقرأ علينا وكنا نستمع إلى قراءته فقال النبي الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معهم ثم جلس وسطنا ليعدل نفسه فينا، ثم قال بيده هكذا فحلق القوم ( صنعوا حلقة) وبرزت وجوههم، قال فما رأيت رسول الله عرف منهم أحدا غيري } {أن أصبر نفسى معهم}، يشير إلى قوله فى سورة الكـهف:وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (( ثم قال: { أبشروا يا معشر صعاليك (فقراء) المهاجرين بالنور التام يوم القيامة تدخلون الجنة قبل أغنياء الناس بنصف يوم وذاك خمسمائة سنة } ومرة أخرى يحكى ثابت البنانى عن سلمان الفارسى ، فيقول:{ كان سلمان في عصابة (جماعة) يذكرون الله ، فمر النبي فكفُّوا، فقال: ماكنتم تقولون؟ قلنا نذكر الله يا رسول الله، قال قولوا، فإنى رأيت الرحمة تنزل عليكم، فأحببت أن أشارككم فيها، ثم قال : الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرْتُ أن أصبَر معهم }
وأحيانا كانوا ينقسمون إلى طائفتين؛ إحداهما تذكر الله تعالى، والثانية تُعَلِّمُ وتتعَلَّم، وعلماؤهم منهم؛ فإن سيدنا رسول الله جهز منهم علماء يعلمونهم: فكان سيدنا عبد الله بن رواحة يقول لهم: تعالوا بنا نؤمن بالله ساعة، ويعطيهم دروساً في الإيمان، ومرَّ رسول الله ذات مرة بسيدنا عبدالله بن رواحة وهو يذكر أصحابه فقال لهم :{ أما إنكم الملأ الذين أمرني الله أن أصبر نفسي معكم، ثم تلا الآية } وعيّن حضرة النبي أساتذة لهذه المدرسة في كافة التخصصات؛ فقال: {أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأقواهم في دين الله عمر، وأشدهم حياءاً عثمان، وأفتاهم علىّ، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبى ذر، وأقرأهم أبي بن كعب، وأفرضهم - أي أعلمهم بأحكام الميراث- زيد بن ثابت} فعين لكل مادة أستاذا، وصدر قرار التعيين من سيد الأولين والآخرين ليقوموا بالتدريس بجامعة المصطفى ، وكل رجل منهم كان يلتف حوله طلابه ... وكان يتفقَّد الجامعة .. فخرج ذات مرة إليهم : { فرأى مجلسين أحدهما يدعون الله ويرغبون إليه, والثاني يعلمون الناس, فقال: أما هؤلاء فيسألون الله تعالى فإن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم، وأما هؤلاء فيعلمون الناس، وإنما بعثت معلما ثم عدل إليهم, وجلس معهم }
http://www.fawzyabuzeid.com/news_d.php?id=175

التصوف :تزكية وتصفية نبوية

 النبي صل الله عليه وسلم أشرف بنفسه على تربية أصحابه رضوان الله عليهم وقام بعمل  دورة تجهيزية للعطاءات الإلهية، وكانت هذه الدورة تشتمل على :... تنقية النفوس ،... وطهارة القلوب. تنقية النفوس من الرذائل، والصفات التي تحرم الإنسان من الأنوار وتمنعه من فضل المنعم العزيز الغفار: كالحقد، والحسد، والبغض، والكره، والطمع، والأثرة، والأنانية، والشح، وغيرها من الصفات التي بينتها الآيات القرآنية، ووضحتها الحضرة النبوية، وركز عليها في دورته التأهيلية...خير البرية .وعنوان هذه الدورة من قوله تعالى فى [ الحجر]:
وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ)

 ثم بعد ذلك القسم الثاني في الدورة:
 دورة التأهيل التي قام بها البدر المشرق المنير .
تأهيل القلوب.وذلك بتنقيتها من أمراض القلوب،
 وأعظمها وأخطرها مرض الكبر!؛ لأنه يمنع الإنسان من أي فضل ينزل من حضرة الرحمن :{{ مكتوب على باب الجنة: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر }}
وغيرها من الأمراض التي أشارت إليها الآية التي وردت في شأنها : فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ [60 الأحزاب]
وهى الموسومة بصفات النفاق، فلا بد للإنسان أن يتطهَّر
 من أوصاف النفاق، وأحوال المنافقين؛ ليكون من عباد الله الصالحين... [التوبة]. 
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ )
 أي لتكونوا صدِّيقين.وهذه الدورة اسمها: دورة تزكية النفوس، أي: طهرة النفوس، وتصفية القلوب. من الذي حضرها؟ :
أبو بكر الصديق، وعثمان بن عفان، وعلى بن أبى طالب،
وعمر بن الخطاب، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، ومصعب بن عمير، وحمزة بن عبد المطلب، وغيرهم من الوجوه النيرة، التي حملت على أكتافها لواء تبليغ دعوة الله ؛ رغبة في رضاه، لا يرجون من وراء جدهم وجهادهم مناصباً، ولا مكاسباً فانية، وإنما يرجون
 مناصباً راقية ومكاسباً باقية عند حضرة الباقي [الآية (28) سورة الكهف]:( يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ) لا يريدون إلا وجه الله جلَّ في علاه، حتى أنهم وصلوا إلى درجة لم يعد لغير الله في قلوبهم نصيب ولو كانوا الآباء، والأمهات، والأخوات؛ لأنهم لا يعرفون إلا الله، ولا يحيدون عن منهج الله طرفة عين ولا أقل.انظر إلى الإمام عمر بن الخطاب بعد موقعة بدر:قال للحبيب : يا رسول الله، أعطني فلانا - قريبا له- وأعطِ أبا بكر فلانا - قريبا له-، وذكر أصحاب رسول الله من علّية المهاجرين وأقربائهم، وقال: أعطهم لنا، لنقتلهم بأيدينا، حتى يعلم الله أن قلوبنا ليس فيها هوادة لسواه. ولن تقوم قائمة يا إخواني للإسلام والمسلمين في كل زمان ومكان؛ إلا إذا وُجِدَ رجالٌ من هذا الطراز؛ لا يحابى الرجل منهم أحدا - حتى ولو كان ابنه أو ابنته - لأنه يرجوا رضا الواحد الأحد. لا يجامل الناس بكلام، ولا يرائي الخلق، وإنما إذا قال فعل. هؤلاء هم الرجال الذين قيل فيهم القائل :"إن لله رجالا إذا قالوا فعلوا"وقد دربهم الحبيب على ذلك، وأهّلهم لذلك.حتى كان الرجل منهم لا ينطق بكلمة واحدة إلا إذا قدّرها، ودبّرها، ودوّرها في آفاق فكره، وعرضها على نور قلبه، ثم عرضها على شرع ربه :
فإذا وافقت كل ذلك أخرجها!، وإلا كتمها ولم يخرجها !.ومن ضمن جلسات هذا البرنامج المبارك:جلسات غريبة وعجيبة في نظر كثير منا؛ فمجالس ذكر الله، ومجالس العلم، ومجالس قراءة القرآن مجالس متعارف عليها...ولكن ما يستدعى العجب :......... مجالس الصمت ……:وهى التي قال فيها سيدنا أبو بكر رضى الله عنه وأرضاه :{ كنا نتعلم الصمت كما تتعلمون الكلام }.أي كان هناك حلقة يتعلمون فيها الصمت؛ حتى لا ينطق أحدهم إلا بما يستطيع فعله،وهذا هو حال المؤمن. فالنذر فرض ومن الذي فرضه على الإنسان ؟ الإنسان نفسه..وإذا نذر، ولم يفِ :.حاسبه على ذلك الله،...لماذا ؟ ليتعود على أنه إذا قال فعل، وإذا وعد فلا بد أن يفِ، هل هناك أحد يرغم الإنسان على النذر؟ كلا !..لكن عندما ينذر لا بد أن يفِ بنذره.وكذلك الزواج كلمة!، والطلاق كلمة!.فالكلمة لها وزنها عند رجال الله،
 ودرّبهم على ذلك سيدنا رسول الله ، ولذلك كانت شهادة التخرج التى حصلوا عليها :{ علماء حكماء فقهاء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء } من الذي أعطاهم هذه الشهادة؟ صاحب الحسنى والزيادة ، قال تعالى فى الآية 24 سورة الحج :وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ) وتفصيل ذكر أحوال هؤلاء الرجال يطول بنا لكن حسبنا أن نبين أن أول مدرسة في الصفاء والنقاء والتصوف كانت دار الأرقم بن أبى الأرقم في مكة المكرمة وكان عنوانها:( قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى{14} وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ) [الأعلى] لقد وصلوا إلى حالة من المعرفة. حتى أن الرجل منهم ، وعلى سبيل المثال: سيدنا أبو بكر الصديق اتخذ له حجرة في بيته يقرأ فيها القرآن، فكان العبيد والنساء والصبيان والرجال يحيطون بمنزله ليستمعون إلى تلاوته للقرآن، ولا يستطيع أحد من ذويهم أن يأخذهم بالقوة، لأنهم مأخوذون بتلاوة أبى بكر في القرآن....حتى حدثت ثورة في مكة !!، وذهب أكابرها إليه يطالبونه بالخروج منها!، أو يقرأ القرآن سرا، ولا يرفع به صوته وكذلك مصعب بن عمير :عندما دخل المدينة! بم فتح قلوب أهلها؟ بتلاوة القرآن.....لقد كان عندما يقرأ القرآن يعتصر قلبه؛ فيشد النفوس، ويجذب القلوب إلى هذا الكلام....حتى كان يُسَمَّى في المدينة: المقرئ، لأنه يقرأ القرآن .. وأى قراءة..!!.فكانت وسيلة دعوته هو وإخوانه هي قراءة القرآن، لكنها من قلوب انفعلت بالقرآن !، وعظّمت القرآن !، فأثرت فيمن يستمع إلى تلاوتها، لأنهم تربوا على هدى النبي العدنان .http://www.fawzyabuzeid.com/news_d.php?id=175

الأحد، 29 يناير 2012

التصوف

كثر في هذا الوقت الحديث عن التصوف والصوفية،
وظهر في الأفق كثير من المعترضين والذين ينظرون إلى مُدَّعى التصوف - الذين انشغلوا بالظواهر والمظاهر؛ ولم ينشغلوا بنور الله الواضح والباهر- وظنوا أن هؤلاء هم الصوفيةواعترض كثيرون أيضا على الصوفية؛
 بحجة أنه لا يوجد لهم أصل في الشريعة الإسلامية والملة الحنيفية.ونريد أن نجلِّى هذا الأمر، بوضوح، وببيان من القرآن وبسنة النبي العدنان، ومن الحياة العملية التي ربَّى عليها النبي المصطفى أصحابه في مكة والمدينة... في بدء دعوته وفى أول رسالته والصوفية يا إخواني تعنى باختصار شديد؛ العمل بما علمه الإنسان من دين الرحمن : .. أي الترجمة السلوكية والحياة العملية للآيات القرآنية، والتوجيهات النبوية.فآيات القرآن تدعو أهل القرآن إلى مقامات علية، وإلى أحوال مرضية رغّبت فيها الآيات القرآنية، والصوفية عاشوا هذه الحياة بأجسادهم، ونفوسهم، وقلوبهم، وأرواحهم؛ حتى يجدوا لذة الوصال، ويبلغوا مقامات الكمال، التي وضحها الله في قرآنه للرجال، فليست الصوفية: سفسطة، ولا فلسفة، ولا نظريات، ولا أقوال، وإنما هي: سلوك ،وأفعال، وأحوال.بعده ينظر الله إلى العبد؛ فيمنحه من عنده من معين فضله، أو من نور وصله، أو من ينابيع حكمه: ألوانا من الإتحافات الإلهية، والعطاءات الربانية؛ لا يستطيع أحد من الأولين والآخرين حصرها، وكلها من فضل الله.،قال تبارك وتعالى فى محكم الذكر (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ)وأساس الصوفية هو ما فعله سيدنا رسول الله بذاته، عندما كان يخرج كل عام في شهر رمضان ليختلي بغار حراء، وتجهز له زوجته الصفية التقية النقية السيدة خديجة رضى الله عنها: زاداً يكفيه الشهر.وكان يختلي في هذا الغار مع الله، تارة يتفكر، وتارة يتدبر، وتارة يذكر الله، وتارة يتعبَّد على الملة الحنيفية - ملة إبراهيم عليه السلام -حتى قال أهل مكة في شخصه - قبل نزول الرسالة- لقد عشق محمدٌ ربه، وذلك من شدة شغله بالله ولذلك أكرمه الله بعد ذلك بالصفاء والنقاء، فقال عن هذه الفترة:أنه كانت الأحجار والأشجار والجبال تناديني باسمي وتقول يامحمد يامحمد، وورد فى ذلك الكثير من الأحاديث والروايات منها قوله :{ إن بمكة حجرا كان يسلم علي ليالي بعثت إني لأعرفه الآن } وهذا كان قبل نزول الوحي. فكل من صفت روحانيته، واستنارت بشريته؛ كان ما فيه من الحقائق الراقية تخاطب وتسمع خطاب الحقائق ، قال تعالى فى [44 الإسراء]وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) فمن صفا يسمع، ويفقه هذا التسبيح، ويسمع هذا الكلام، وإن كان بغير لسان ولا صوت ولا لهاة ولا شفتين، لكن الله إذا أراد فهو فعال لما يريد وهذا هو أساس التصوف.وبعد نزول الوحي على حضرته ‘ استمر على حالته فكــان يقوم الليل حتى تتورم قدماه؛ شكرا لله على عطاياه.وكان يصوم حتى يقولوا لا يفطر، وهو صيام الوصال.وكان كما قالت السيدة عائشة رضى الله عنها: يذكر الله على كل حال حتى وصل إلى حال قال فيه :{ تنام عيني وقلبي لا ينام } فكان لا يغفل عن ذكر مولاه، حتى وهو في حالة المنام، لماذا؟ .. لأنه استلذ طاعة الله ، ولم يضيِّع نفسا في غير ذكر مولاه وكان وقته كله وحاله كله مع مولاهقُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ[162 الأنعام]. فكان قوله عبادة، وفعله عبادة، وأكله عبادة، وشربه عبادة، ونومه عبادة، حتى إتيانه لشهوته كان عبادة، وكل أفعاله حتى مزاحه كان عبادة:{ إني لأمزح ولا أقول إلا حقا } .
فترجم حياته كلها إلى عبادة لله ، ولما قال الله له، قل وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام] استبق أحبابه وأصحابه في اتخاذ هذا النهج في حياتهم.فأسس النبي أول مدرسة في التصوف السلوكي والعملي في دار الأرقم بن أبى الأرقم، وكانت قريبة من الصفا الآن، وكان يجتمع فيها مع أحبابه الثلة المباركة ... وكانوا لا يتجاوزون الأربعين ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ [الواقعة]وبدأ معهم في هذه المدرسة الحياة الصوفية الرفيعة .ومعنى الصوفية أي نشر الصفاء... لا نريد أن ندخل في هذا الاسم من أين جاء ؟ ولا أقوال الفلاسفة والحكماء ؟ لكن ندخل مباشرة على الصفاء: لأنه أساس الصوفية، فالصوفية كل همهم الصفاء، وبعد الصفاء يواجههم الله بخالص المنح والعطاء.
متى يصلح الإنسان للعطاء ؟ 
إذا وصل وأشرف بنفسه وقلبه على مقام الصفاء؛
 يأتيه الهناء من الله بالمنح والعطايا الإلهية؛
 التي لا نستطيع أن نعدها حتى عدّاً؛ لأنها من الله .
فمكث مع أصحابه في دار الأرقم بن أبى الأرقم؛
يؤهلهم لهذه المنح، ويجهزهم لهذه العطاءات؛
 لأن عطاءات الله الخاصة بعباده المؤمنين، 
تهبط على القلوب، وتنزل على الأرواح....أما العطاءات والمنح والخيرات التي تتمتع بها الأجسام، والنفوس، والأشباح؛ فإن أمرها مباح للكافر والنافر،فالكل يتمتع بالخيرات الحسية، والمباهج الدنيوية، والمظاهر الظاهرة الأرضية، وربما يكون للكافر حظا أوفر من المؤمن فيها؛ لأن الله يربى عبده المؤمن، ويقول في ذلك سيد الأولين وإمام الموحدين :
{ إن الله يحمى عبده المؤمن من الدنيا كما يحمى أحدكم
 مريضه من الشراب والطعام }.فالمريض إذا كان هناك طعام أو شراب يزيد الداء عنده، فإننا جميــعا نتلطف معه حتى لا يتناوله أملا في الشفاء.والله علم بعلمه المكنون أن الدنيا هي الداء الذي يصيب النفوس، فيحجبها عن مقامات الصالحين والأولياء؛ فيحمى المؤمنين من الدنيا لأنه يريد أن يكرمهم وأن يعطيهم وأن يمنحهم.http://www.fawzyabuzeid.com/news_d.php?id=175

الأحد، 22 يناير 2012

تأليف القلوب


تأليف القلوب

لقد فطر الله عزوجل حبيبنا ونبيينا على الكمالات العليا من الأخلاق الإلهية وخلع أوصافه على حبيبه فصارت جبلِّة وطبيعة له فهي هبة له من الله ليس بجهاد ولا مجاهدة وليس بتكلف فجعله بذلك مثلاً ونموذجاً قويماً يحتذى به لجميع البشرية فهو النموذج الأكمل والمثال الأعظم في كل أخلاقه و تعاملاته وأحواله سواء مع أهل بيته أو مع جيرانه أو مع إخوانه من المؤمنين أو حتى مع أعدائه من الخلق أجمعين وهكذا ورد خلقه في التوراة والإنجيل - كما أسلفنا الذكر - وهكذا كان هديه طوال حياته الدنيوية هذا لأن الله عزوجل جعله قطباً جاذباً للعالم أجمع بأوصافه وبأخلاقه التي كمَّله بها الله فلا يراه إنسان مهما كانت قساوة قلبه أوغلظة طبعه إلا رقَّ لهذه الأخلاق وحنَّ إلى هذه الصفات وتمنَّى أن يتجمَّل بهذه الجمالات لأنها جمالات الله جلَّ في علاه سر قوله
{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}أو كما قال أهل القراءة الأخرى
{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقِ عَظِيمٍ }خلق مضاف وعظيم مضاف إليه والعظيم هو الله أي أنك على خلق الله جل في علاه و من سر هذا فقد جعل الله مع هديه في صوته وفي حركاته وسكناته الشفاء من كل داء هذا النبي الذي وجد في أمة كانت أسوء الناس أخلاقاً وأشرس الناس تعاملاً وكانوا كما وصفوا كالأوابد المتوحشة لم تكن هناك أمة في مثل جفوتهم وقسوتهم وغلظتهم فبالخلق العظيم أو بخلقِ العظيم ما زال يرقِّق قلوبهم ويليِّن أفئدتهم ويجمِّل أخلاقهم ويحسِّن طباعهم ويألِّفهم ويتآلفهم حتى صاروا كما قال الله عزوجل في قرآنه واصفاً لهم {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً}إلى آخر الآيات الكريمات كيف تحوَّلوا؟وكيف تغيروا؟وكيف تبدَّلت أخلاقهم وصفاتهم؟كيف حدث لهم هذا؟كيف ألَّف الحبيب بين صحبه؟بل وكيف ألَّف العرب قاطبة إلى دين الله وإلى كتاب الله؟لم يكن هذا أبدا بالخطب الرنَّانة ولا بالكلمات الطنَّانة وإنما حدث كل هذا التغيير و التحول بما رأوه عليه من جمال وكمال حلاّه وجملَّه به الواحد المتعال فقد فطر الله حبيبه ومصطفاه على هذه الأخلاق وتلك الكمالات حتى قال حكيمهم أكثم بن صيف بأوصافه الطيبة وبأخلاقه الحميدة التي كان عليها النبى
" لو لم يكن ما جاء به محمد ديناً لكان في أخلاق الناس حسناً "وأنتم تذكرون جميعا عندما خطب جعفر بن أبي طالب في النجاشي ومن معه وأراد أن يبيَّن جمال الإسلام ونبي الإسلام فلم يذكر العبادات ولا أحكام التشريعات وإنما ذكر جمال الصفات :كنا أمة نعبد الحجارة ونأكل الميتة وكذا وكذا من أوصاف الجاهلية فجاءنا نبيٌّ نعرفه ونعرف نسبه ونعرف أوصافه فصيَّرنا إلى كذا وكذا ولكى يحبِّبنا فيما فيه تآلف القلوب ولم الشمل و جمعه على علاّم الغيوب نبَّه مراراً وتكراراً من الذي يريد أن يكون معه ويريد أن يحظى بفضـل الله معه ويريد أن يكون يوم الدين معه وأن يحشر في الجنة معه؟بيّن وقال{ أحبكم إلى الله أقربكم مني مجلساً يوم القيامة}هل أكثركم عبادة أو أطولكم قياما ًأكثركم صياماً أعظمكم ذكراً؟لم يقل هذا ولا ذاك لأن هذه الأعمال المهم فيها هو القبول والقبول لا يحكم به في الدنيا إلا جهول فإن القبول متروك لله جل وعلا لكنه قال{إنَّ أحبَّكم إلى الله أحاسِنكم أخْلاقاً الموطَئونَ أكنافاً الذين يَألَفون ويُؤلَفون} {إنَّ من أحبِّكم إلىَّ و أقربُكم مني مجلساً يومَ القيامة احاسنكم أخلاقا} وبشرح آخر وبفهم نستقيه من معانى كلام الله فكل هذا الإنقلاب الهائل الذي حدث لأمة العرب يرجع لهذا النبي الكريم وهذا الرسول العظيم وهذا هو الذي ذكَّر الله عز وجل المؤمنين أجمعين به وبهديه إلى يوم الدين فقال لنا أجمعين{وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً}ونعمة الله في هذه الآية هو رسول الله لأن النعمة الموصوفة في الآية يقول الله فيها لأهل العناية هذه النعمة
{إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً}
فكانت هذه الآية إشارة إلى الطريقة السديدة والمنهج الرشيد
في دعوة الخلق إلى الله وهو الطريق الذي مدحه وأثنى عليه الله في كتاب الله ألا وهو تأليف القلوب على الحبيب المحبوب وهو لا يتم إلا بأوصاف الحبيب المحبوب التي تجمل بها من حضرة علام الغيوب ولذلك يقول الله عزوجل في آية أخرى مبيناً هذه الحقيقة أن الذي ألَّف هو جمال الله وكمال أوصاف الله التي خلعها على حبيب الله ومصطفاه {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} يتحمَّل الأذى من الجميع وبشرح ثالث و بنور ساطع من آية أخرى من كتاب الله لترى كيف ألَّف القلوب وجذبها بشدة إلى أنوار الواحد المحبوب
{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} هذا ما أمره
 به ربه وهذا ما تخلَّق به حقا و صدقا فى كل أحواله و فعاله وأنفاسه و أوقاته وانظر إلى العربى الذى دخل علي النبى بكل الغلظة والجفاء فقد كان الرجل مشهورا بغلظ الطبع و جفاء النفس وقسوة العريكة فلما دخل على النبى تبسم له ولاطفه وألان له الكلام – مع أنه كان قال لهم عندما استأذنوا له
( بئس أخو العشيرة هو فقالت السيدة عائشة بعد خروجه :
 يا رسول الله قلت ما قلت ثم ألنت له قال ياعائشة إنَّ شرَّ الناس عند الله من اتقاه الناس مخافة فحشه)
 وفى رواية أخرى لنفس السياق(ياعائشة إن الله لا يحبُّ الفاحش المتفحش)فعائشة رضى الله عنها رأت منه عجباً فأفهمها أنه ليس فاحشاً ولا متفحشا ولا قاسياً ولا فظاً ولا غليظاً فهو لا يستطيع أن يقول القول الجافي ولا أن يعامل
الخلق بمعاملاتهم ولا أن يسيء إليهم وإن أساءوا لأن الله
 فطره على ذلك فبعفوه وبإعراضه عن أهل الجهالة وسوء الخلق بل وبتحمله للأذى من الجميع ألَّف قلوبهم وألان جافى طبائعهم وبدَّل أوصافهم ولكى نزيد الأمر إيضاحا نقول أنه
 ما رد على أحد إساءته لماذا؟لأنه لو رد على كل إنسان
إساءته فإنهم لن يقبلوا أبداً على دعوته وهو يريد أن
 يدعوهم إلى كتاب الله وإلى شرع الله وإلى دين الله فبين
لهم بدعوته وبحاله وبخلقه أن هذا هو دين الله والذي يتحمل نبيه الإساءة في سبيل نشر كلام الله وفي سبيل بيان دين الله
لجميع خلق الله خذوا مثالا آخر ولكنه مع قوم أخطر وأنكى
 مع المنافقين فإنه بعد غزوة حنين وبعد أن نصر الله رسوله
 في هذه المعركة جاء بالكافرين الذين انطووا تحت لوائه صاغرين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر وهو يعرفهم لأن الله قال له {تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ} ويعلم مطالبهم ومآربهم فجاء بواحد منهم وهو أمية بن خلف وقال له : تكفيك هذه الأغنام؟وكانت تملأ ما بين جبلين قال: زادك الله شرفاً يا رسول الله . قال :
لك هذه الأغنام التي بين الجبلين ومثلها معها فذهب الرجل لقومه وهو يقول : لقد ذهبت إلى محمد وما على وجه الأرض رجل أبغض إلىَّ منه فما زال يعطيني ويتألفني حتى ما صار على وجه الأرض رجل أحب إلَّي منه لقد أعطى عطاءاً
لا يجود به الملوك؟فلا يجود به إلا نبي لأن الله جعل الدنيا
 في أيديهم ولم يجعلها في قلوبهم وهذه النماذج لو استرسلنا فيها لاحتجنا إلى وقت طويل كيف كان النبي يعامل أعداءه ليؤلفهم إلى دين الله ويهديهم إلى شرع الله ويسمعهم كتاب الله؟إن هذا هو الذي قال فيه مولاه فى محكم التنزيل
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ
لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}مع الإساءة قال له : اعفوا عنهم واستغفر لهم بل وشاورهم في الأمر تأليفا لهم أما إخوانه المسلمين والمؤمنين فكان يقول لهم دوماً كلما جلسوا معه وأرادوا أن يخوضوا في أعراض إخوانهم أو أن يذكروا مثالب بعضهم(لايبلغنى أحد من أصحابى عن أحدٍ شيئا فإنى أحبُّ أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر)فلم يكن يسمح في مجالسه لأحد أن يسيء إلى أحد فلا يسمع في مجلسه غيبة ولا نميمة ولا كلمات هجر ولا سب ولا فحش وإنما كانت مجالسه كما وصفوها وقرروها مجالس علم ونور ورحمة وحلم وكرم أخلاق فهو صلى الله عليه و سلم فى مجالسه بل و فى حياته كلها من أولها إلى آخرها ما عاب بشراً قط ولا سب إنساناً قط ولا ضرب بيده أحداً قط إلا إن كان في ميدان الجهاد يضرب في سبيل الله.
[1] رواه ابن أبى الدنيا عن أبى هريرة
[2] أخرجه الألبانى فى سلسلة ألحاديث الصحيحة
[3]عن عروة بن الزبير عن عائشة رواه الترمذى

منهج التعامل مع غير المسلمين



وسائل التعامل
 مع غير المسلمين 
الأسوة الحسنة
إن نبيينا الكريم الذي وصفه ربه بأنه بالمؤمنين رؤوف رحيم لم يترك أمراً من أمور المسلمين حدث أو سيحدث إلا وبين لهم فيه ما ينبغي فعله وما يجب تركه وماهى السنة العظيمة التي ينبغى عليهم الإقتداء بها في هديه لأنه كما قال الله عز وجل لنا في شأنه في كل أحواله {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}وقد كان حوله ومعه أعداء من كافة الاتجاهات فكان المشركون والكافرون وكان اليهود والنصارى وكان المجوس منهم الضعفاء ومنهم الأقوياء وقد وضع لنا السنَّة الحميدة في معاملة كل هؤلاء لأنه أرسله ربه رحمة للخلق أجمعين فلم يكن بقوله منفراً ولا بفعله يرجوا ممن حوله إلا أن يلتفوا حوله ويحسنوا إتباعه ويتأسوا بهديه لأنه رحمة مهداه ونعمة مسداة لجميع خلق الله وقد وصف الله عز وجل هذا الرجل العظيم الكريم في قرآنه الكريم وفى كتبه السابقة على ألسنة رسله السابقين ففي القرآن قال في شأنه{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ }وفى الكتب السماوية السابقة فهو موصوف بذلك فقد ورد في صحيح البخاري عن عبدالله بن عمرو بن العاص أنه قال{ مكتوب في التوراة : النبي الذي يأتى من بعدي اسمه أحمد ليس بفظٍّ ولا غليظ القلب ولا صخَّاب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح }لايزيده جهل الجاهل إلا حلما ولذلك ورد أنه عرض عليه رجل من أثرياء اليهود أن يقرضه كماً من التمر إلى حين في حاجة شديدة تبصرها هذا اليهودي أحاطت بالنبي ومن معه من المؤمنين فأخذ منه النبي هذا التمر وجاء هذا الرجل قبل انقضاء المدة وقبل انتهاء المهلة والنبي بين أصحابه وفي عزة ممن حوله من جنده وأمسك بتلابيبه وهزّه هزّاً عنيفاً وقال : إنكم يا بني عبد المطلب قوم مطل أي مماطلون لا تدفعون الحقوق فأخذت النخوة عمر بن الخطاب وكان سريع الإثارة فأمسك بسيفه وقال : يا نبي الله دعني أقطع عنق هذا الكافر فما كان من الحبيب الشفيق الرفيق إلا أن قال : مه يا عمر يعني إنتظر يا عمر كلانا كان أولى بغير هذا منك تأمره بحسن المطالبة وتأمرني بحسن الأداء يا عمر خذه وأعطه حقه وزده صاعين من عندنا جزاء ما روعته أمره أن يزيده صاعين أي قفتين كبيرتين لأنه أخافه وهمَّ بقتله وبلغ الخوف منه مبلغه فأخذه عمر ودخل إلى بيت المال ليعطيه ماله من تمر فقال: يا عمر تدرى لم صنعت هذا؟قال : لا . قال : لأني اختبرت أوصاف النبي التي ذكرت عندنا في التوراة ولم يبقى إلا خلق واحد منها أردت أن أتحقق منه قال : ما هو؟قال : عندنا في التوراه أنه لا يزيده جهل الجاهل عليه إلا حلماً كلما زاد عليه الجهلاء في جهلهم زاد في حلمه لأنه على أخلاق ربه عز وجل وقد تحققت اليوم يا عمر من هذا الخلق وأشهدك بأنه نبي الله وشهد الرجل للحبيب بالرسالة ولله بالوحدانية وأسلم لأنه تحقق من أخلاق نبي الإسلام عليه أفضل الصلاة وأتم السلام أما معاملته للمشركين والكافرين فقد ورد أنه كان في إحدى غزواته وعندما حانت الظهيرة أنزلت السماء الأمطار فبللت ثيابه فأمر الجيش أن يتفرقوا ليستريحوا من عناء السفر واختار شجرة لينام تحتها وخلع ثيابه ونشرها على فروعها ولم يكن له حرَّاس لأن الله قال له وهو عليم بشأنه{إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}فالله سيكفيه بفضله وقوته كل المستهزئين الأولين والآخرين وقال في شأن حرَّاسه{وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}فلما نزلت هذه الآية أمر الحرَّاس أن يتفرقوا عنه اكتفاءا بحراسة الله الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء ونام النبي تحت الشجرة متوسداً يده اليمنى أي جعلها وسادة له وعلق سيفه وثيابه على أغصان الشجرة فنظر رجل من الكافرين إلى النبي من أعلى قمة من الجبال المحيطة بالموقع فوجده وحيدا فريدا فقال هذه فرصه أنزل إلى محمد وأقضي عليه وأخلص العرب جميعاً من شره ونزل إليه وأمسك السيف وكان العرب مع جاهليتهم عندهم نخوة وشجاعة كان عيباً على أي رجل منهم أن يأخذ خصمه على غرة لا بد أن يقاتله وجهاً لوجه فأيقظ النبي وقال له : يا محمد وهو يهز السيف في يده من يمنعك مني ؟فقال: اللــــه ونطقها بالمد الطويل وإذا بأعضاء الرجل تيبس ويده تسكن والسيف يسقط من يده فأمسكه النبي وقال له : ومن يمنعك مني الآن ؟قال :حلمك وعفوك وكرمك قال :عفوت عنك فذهب الرجل إلى قومه وقال:يا قوم لقد جئتكم من عند أحلم الناس وأصفح الناس وأعفى الناس يا قوم آمنوا به فإني لم أجد على أخلاقه ولا على وصفه ، صلوات ربي وتسليماته عليه. كان كما قال الله في شأنه{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}هذا كان خلق النبي مع سائر الكافرين وأنتم تعلمون أنه عندما دخل مكة فاتحاً كتب أبد الآبدين في ألواح الأقدار وفي تاريخ الدهور والأمم هذه الرسالة الخالدة التي أرسلها للخلق أجمعين عندما تمكن من شانئيه ومحاربيه ومقاتليه وقال لهم :ما تظنون أنى فاعل بكم ؟ قالوا : خيراً أخ كريم وابن أخ كريم قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء لا أقول لكم إلا كما قال أخي يوسف لأخوته{لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}ووسط الشدة الشديدة التي كانوا يحاربونه من أجلها أصابهم ضنك شديد وشحَّت عليهم السماء بالماء وحدث لهم اختناق من قلة الأقوات فأرسلوا إليه وقالوا : يا محمد ننشدك الرحم فأرسل إليهم وهم محاربوه نفراً من أصحابه معهم خمسمائة دينار من ذهب ومعهم قافلة من الأقوات ليغيثهم بها يرجوا أن يتألفهم لدين الله ويرجوا أن يستميلهم بها إلى كتاب الله ويرجوا أن يأخذهم بها إلى هدي الله لأن هذا كان دأبه مع الخلق أجمعين فهو يدعوا الجميع إلى كتاب الله وإلى دين الله وإلى هدي الله فيتخلق بالأخلاق الكريمة التي خلقه بها الله جل في علاه أما لو أعلن الحرب عليهم أجمعين فإنهم لن يسمعوا منه كلاما قليلاً ولا كثيرا والنفوس دأبت على العصبية وستمنعها العصبية من قبول الحق مع أنه حق ومن تصديق الصدق مع أنه صدق لأن هذا دأب النفوس عند العصبية والإسلام جاء لإجتزاز العصبية الجاهلية ودعوة الخلق أجمعين إلى هذه الديانة الإسلامية ولا تكون إلا بإظهار جمال الإسلام وكمال تعاليم القرآن وأخلاق النبي العدنان وهذه البداية الحقيقية لعلم الإعلام فنحن المسلمون مكلفون الآن برسالة نبلغها للخلق أجمعين أن نعرفهم بهذا النبي وأخلاقه وكتابه ودينه فإن كذبوا بعد العلم فلنا موقف آخر أما إذا قصرَّنا فحاربونا عن جهالة فلا نردها بمثلها بل ننتهز الفرصة لنعلّمهم سماحة الإسلام وحكمته وهديه ورحمتة لجميع الأنام و هذا يدعونا لبيان بعض الرسائل والوسائل الإعلامية فى العهود الأول
1- دستور إعلامى إلهى : ممنوع السباب 
وهو قول الله تعالى في القرآن لجميع المسلمين والمؤمنين في كل زمان ومكان{وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ}
لا تسبوا الذين لا يعلمون عن دينكم شيئاً فتضطرونهم إلى سبابكم وإلى هجومكم وإلى مخاصمتكم وهم لا يعلمون عن دينكم قليلا ولا كثيرا لكن أعلموهم ما تستطيعون تعليمه لهم في وسائل الإعلام من الأخلاق والتعاملات أو من أي أمر بلا سباب و لا تهجم .
2-منشور إعلامى نبوى: فى ديننا فسحة 

وقد نفذَّ الرسول هذا عمليَّا و إعلاميَّا و منها كمثال ما قاله لأصحابه عندما جاوروا اليهود فى المدينة وأمر بأن يكون له وللمسلمين عيدان وقالوا :
أنلهو ونلعب يا رسول الله ؟وعندم سمح للأحباش أن يلعبوا فى المسجد بحرابهم وسمح لعائشة مستترة أن تشهدهم فقال تعليما للمسلمين و إعلاما(بدايات علم الإعلام)لغيرهم(ليعلم اليهود أن فى ديننا فسحة إنى أرسلت بحنيفية سمحة)
وفى رواية( حتى تعلم اليهود و النصارى) رسالة إعلامية تتخطى الحدود لتصل إلى النصارى
يعني فيه وقت للمزاح وفيه وقت للهو البرئ فلا بد أن نعلِّمهم أولاً تعاليم دين الإسلام ثم نناصب من ناصبنا العداء والله يتولى بنصره عباده المؤمنين لأنه قال في قرآنه
{ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} 
3-وفى الحرب : الرحمة أولا وفى الحرب بينما كان النبى منشغلا بغزوة حنين وفجأة تخلَّى عنه أصحابه لبغتة الآعداء ومفاجأتهم وعندها وعلى الفور ركب بغلته
(وليس فرسا لأن الفرس سريع العدو ولكن بغلة يتحداهم أنا ها هو أنا ليرونه)وسار وسط القوم وهو يقول :
"أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب " وبالفعل إذا برجل يسمى فضالة بن الملَّوح يراه و يتعقبه
حتى أتى و مشى خلف النبي ويريد أن يطعن النبي من وراء ظهره حتى يريح الناس منه على حسب ظنه والنبي في قلب المعمعة فإذا به يلتفت ويقول له :
أفضالة؟ قال :نعم قال : ماذا تريد أن تصنع ؟ قال :لا شيء يا رسول الله ؟فوضع رسول الله يده على قلب الرجل وقال : اللهم طهِّر قلبه
وهو يعلم ما يريد أن يفعله به قال فضالة : فما رفع يده وإلا وقد كان أحبَّ الخلق إليَّ وقد كان قبل ذلك أبغض الخلق إليَّ 
[1]أخرجه الألبانى فى سلسلة الصحيح عن عائشة رضى الله عنها .
http://www.fawzyabuzeid.com/news_d.php?id=175

السبت، 21 يناير 2012

الصوفية فى السنة النبوية


 الصوفية فى السنة النبوية 
كثر في هذا الوقت الحديث عن التصوف والصوفية، وظهر في الأفق كثير من المعترضين والذين ينظرون إلى مُدَّعى التصوف - الذين انشغلوا بالظواهر والمظاهر؛ ولم ينشغلوا بنور الله الواضح والباهر- وظنوا أن هؤلاء هم الصوفية واعترض كثيرون أيضا على الصوفية؛ بحجة أنه لا يوجد لهم أصل في الشريعة الإسلامية والملة الحنيفية.ونريد أن نجلِّى هذا الأمر، بوضوح، وببيان من القرآن وبسنة النبي العدنان، ومن الحياة العملية التي ربَّى عليها النبي المصطفى أصحابه في مكة والمدينة... في بدء دعوته وفى أول رسالته والصوفية يا إخواني تعنى باختصار شديد؛ العمل بما علمه الإنسان من دين الرحمن : .. أي الترجمة السلوكية والحياة العملية للآيات القرآنية، والتوجيهات النبوية.فآيات القرآن تدعو أهل القرآن إلى مقامات علية، وإلى أحوال مرضية رغّبت فيها الآيات القرآنية، والصوفية عاشوا هذه الحياة بأجسادهم، ونفوسهم، وقلوبهم، وأرواحهم؛ حتى يجدوا لذة الوصال، ويبلغوا مقامات الكمال، التي وضحها الله في قرآنه للرجال، فليست الصوفية: سفسطة، ولا فلسفة، ولا نظريات، ولا أقوال، وإنما هي: سلوك ،وأفعال، وأحوال. بعده ينظر الله إلى العبد؛ فيمنحه من عنده من معين فضله، أو من نور وصله، أو من ينابيع حكمه: ألوانا من الإتحافات الإلهية، والعطاءات الربانية؛ لا يستطيع أحد من الأولين والآخرين حصرها، وكلها من فضل الله.،قال تبارك وتعالى فى محكم الذكر 
(وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ)
وأساس الصوفية هو ما فعله سيدنا رسول الله بذاته،
عندما كان يخرج كل عام في شهر رمضان ليختلي بغار حراء، وتجهز له زوجته الصفية التقية النقية السيدة خديجة رضى الله عنها: زاداً يكفيه الشهر.وكان يختلي في هذا الغار مع الله، تارة يتفكر، وتارة يتدبر، وتارة يذكر الله، وتارة يتعبَّد على الملة الحنيفية - ملة إبراهيم عليه السلام -حتى قال أهل مكة في شخصه - قبل نزول الرسالة- لقد عشق محمدٌ ربه، وذلك من شدة شغله بالله ولذلك أكرمه الله بعد ذلك بالصفاء والنقاء،
 فقال عن هذه الفترة:أنه كانت الأحجار والأشجار والجبال تناديني باسمي وتقول يامحمد يامحمد، وورد فى ذلك الكثير
من الأحاديث والروايات منها قوله :{ إن بمكة حجرا كان يسلم علي ليالي بعثت إني لأعرفه الآن } وهذا كان قبل نزول الوحي. فكل من صفت روحانيته، واستنارت بشريته؛
 كان ما فيه من الحقائق الراقية تخاطب وتسمع خطاب الحقائق ، قال تعالى فى [44 الإسراء]
وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) فمن صفا يسمع، ويفقه هذا التسبيح، 
ويسمع هذا الكلام، وإن كان بغير لسان ولا صوت ولا لهاة ولا شفتين، لكن الله إذا أراد فهو فعال لما يريد
 وهذا هو أساس التصوف.وبعد نزول الوحي على حضرته ‘ استمر على حالته فكــان يقوم الليل حتى
 تتورم قدماه؛ شكرا لله على عطاياه.وكان يصوم حتى يقولوا لا يفطر، وهو صيام الوصال.وكان كما قالت السيدة عائشة رضى الله عنها: يذكر الله على كل حال حتى وصل إلى حال قال فيه :
{ تنام عيني وقلبي لا ينام } فكان لا يغفل عن ذكر مولاه، حتى وهو في حالة المنام، لماذا؟ .. لأنه استلذ طاعة الله ،
 ولم يضيِّع نفسا في غير ذكر مولاه وكان وقته كله وحاله كله مع مولاهقُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ[162 الأنعام].
 فكان قوله عبادة، وفعله عبادة، وأكله عبادة، وشربه عبادة، ونومه عبادة، حتى إتيانه لشهوته كان عبادة، وكل أفعاله حتى مزاحه كان عبادة:
{ إني لأمزح ولا أقول إلا حقا } .
فترجم حياته كلها إلى عبادة لله ، ولما قال الله له، قل
 وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام] استبق أحبابه وأصحابه في
 اتخاذ هذا النهج في حياتهم.فأسس النبي أول مدرسة في التصوف السلوكي والعملي في دار الأرقم بن أبى الأرقم،
 وكانت قريبة من الصفا الآن، وكان يجتمع فيها مع أحبابه الثلة المباركة ... وكانوا لا يتجاوزون الأربعين ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ [الواقعة]وبدأ معهم في هذه المدرسة الحياة الصوفية الرفيعة .ومعنى الصوفية أي نشر الصفاء... لا نريد أن ندخل في هذا الاسم من أين جاء ؟ ولا أقوال الفلاسفة والحكماء ؟ لكن ندخل مباشرة على الصفاء: لأنه أساس الصوفية، فالصوفية كل همهم الصفاء، وبعد الصفاء يواجههم الله بخالص المنح والعطاء.متى يصلح الإنسان للعطاء ؟ إذا وصل وأشرف بنفسه وقلبه على مقام الصفاء؛ يأتيه الهناء من الله بالمنح والعطايا الإلهية؛ التي لا نستطيع أن نعدها حتى عدّاً؛ لأنها من الله .فمكث مع أصحابه في دار الأرقم بن أبى الأرقم؛ يؤهلهم لهذه المنح، ويجهزهم لهذه العطاءات؛ لأن عطاءات الله الخاصة بعباده المؤمنين، تهبط على القلوب، وتنزل على الأرواح....أما العطاءات والمنح والخيرات التي تتمتع بها الأجسام، والنفوس، والأشباح؛ فإن أمرها مباح للكافر والنافر،فالكل يتمتع بالخيرات الحسية، والمباهج الدنيوية، والمظاهر الظاهرة الأرضية، وربما يكون للكافر حظا أوفر من المؤمن فيها؛ لأن الله يربى عبده المؤمن، ويقول في ذلك سيد الأولين وإمام الموحدين :{ إن الله يحمى عبده المؤمن من الدنيا كما يحمى أحدكم مريضه من الشراب والطعام }.فالمريض إذا كان هناك طعام أو شراب يزيد الداء عنده، فإننا جميــعا نتلطف معه حتى لا يتناوله أملا في الشفاء.والله علم بعلمه المكنون أن الدنيا هي الداء الذي يصيب النفوس، فيحجبها عن مقامات الصالحين والأولياء؛ فيحمى المؤمنين من الدنيا لأنه يريد أن يكرمهم وأن يعطيهم وأن يمنحهم.http://www.fawzyabuzeid.com/news_d.php?id=175